اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
زينب بنت الإمام علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، أمّها سيّدة نساء العالمين فاطمة ( عليها السلام ) بنت النبي ( صلى الله عليه وآله ) .
ولادتها :
ولدت بالمدينة المنوّرة في الخامس من جمادى الأوّل عام 5 هـ .
ولمّا ولدت ( عليها السلام ) جاءت بها أمّها الزهراء ( عليها السلام ) إلى أبيها أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وقالت : ( سمّ هذه المولودة ) .
فقال : ( ما كنت لأسبق رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ) ، وكان في سفر له ، ولمّا جاء وسأله علي ( عليه السلام ) عن اسمها .
فقال : ( ما كنت لأسبق ربّي تعالى ) ، فهبط جبرائيل ( عليه السلام ) يقرأ السلام من الله الجليل ، وقال له : ( سمّ هذه المولودة : زينب ، فقد اختار الله لها هذا الاسم ) .
ثمّ أخبره بما يجري عليها من المصائب ، فبكى ( صلى الله عليه وآله ) ، وقال : ( من بكى على مصائب هذه البنت ، كان كمن بكى على أخويها : الحسن والحسين ) .
سيرتها وفضائلها :
كانت ( عليها السلام ) عالمة غير معَلّمة ، وفهِمة غير مفهمة ، عاقلة لبيبة ، جزلة ، وكانت في فصاحتها وزهدها وعبادتها كأبيها أمير المؤمنين وأمّها الزهراء ( عليهما السلام ) .
اتّصفت ( عليها السلام ) بمحاسن كثيرة ، وأوصاف جليلة ، وخصال حميدة ، وشيم سعيدة ، ومفاخر بارزة ، وفضائل طاهرة .
حدّثت عن أمّها الزهراء ( عليها السلام ) ، وكذلك عن أسماء بنت عميس ، كما روى عنها محمّد بن عمرو ، وعطاء بن السائب ، وفاطمة بنت الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، وجابر بن عبد الله الأنصاري ، وعَبَّاد العامري .
عُرفت زينب ( عليها السلام ) بكثرة التهجّد ، شأنها في ذلك شأن جدّها الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ، وأهل البيت ( عليهم السلام ) .
وروي عن الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) قوله : ( ما رأيت عمّتي تصلّي الليل عن جلوس إلاّ ليلة الحادي عشر ) ، أي أنّها ما تركت تهجّدها وعبادتها المستحبّة حتّى تلك الليلة الحزينة ، بحيث أنّ الإمام الحسين ( عليه السلام ) عندما ودّع عياله وداعه الأخير يوم عاشوراء قال لها : ( يا أختاه لا تنسيني في نافلة الليل ) .
وذكر بعض أهل السِيَر : أنّ زينب ( عليها السلام ) كان لها مجلس خاص لتفسير القرآن الكريم تحضره النساء ، وأنّ دعاءها كان مستجاباً .
أم المصائب :
سُمّيت أم المصائب ، وحق لها أن تسمّى بذلك ، فقد شاهدت مصيبة وفاة جدّها النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وشهادة أمّها الزهراء ( عليها السلام ) ، وشهادة أبيها أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وشهادة أخيها الحسن ( عليه السلام ) ، وأخيراً المصيبة العظمى ، وهي شهادة أخيها الحسين ( عليه السلام ) ، في واقعة الطف مع باقي الشهداء ( رضوان الله عليهم ) .
أخبارها في كربلاء :
كان لها ( عليها السلام ) في واقعة كربلاء المكان البارز في جميع المواطن ، فهي التي كانت تشفي العليل وتراقب أحوال أخيها الحسين ( عليه السلام ) ساعةً فساعة ، وتخاطبه وتسأله عند كل حادث ، وهي التي كانت تدبّر أمر العيال والأطفال ، وتقوم في ذلك مقام الرجال .
والذي يلفت النظر أنّها في ذلك الوقت كانت متزوّجة بعبد الله بن جعفر ، فاختارت صحبة أخيها على البقاء عند زوجها ، وزوجها راضٍ بذلك ، وقد أمر ولديه بلزوم خالهما والجهاد بين يديه ، فمن كان لها أخ مثل الحسين ( عليه السلام ) ، وهي بهذا الكمال الفائق ، فلا يستغرب منها تقديم أخيها على بعلها .
وروي أنّه لمّا كان اليوم الحادي عشر من المحرّم ، بعد مقتل الإمام الحسين ( عليه السلام ) حمل عمر بن سعد النساء ، فمرّوا بهنّ على مصرع الحسين ( عليه السلام ) فندبت زينب ( عليها السلام ) أخاها وهي تقول : ( بأبي مَن فسطاطه مقطع العُرى ، بأبي مَن لا غائب فيُرتجى ، ولا جريح فيُداوى ، بأبي مَن نفسي له الفدا ، بأبي المهموم حتّى قضى ، بأبي العطشان حتّى مضى ، بأبي مَن شيبته تقطر بالدما ، بأبي مَن جدّه رسول إله السما ، بأبي مَن هو سبط نبي الهدى ) .
أخبارها في الكوفة :
لمّا جيء بسبايا أهل البيت ( عليهم السلام ) إلى الكوفة بعد واقعة الطف ، أخذ أهل الكوفة ينوحون ويبكون ، فقال بشر بن خزيم الأسدي : ونظرتُ إلى زينب بنت علي ( عليهما السلام ) يومئذ ، فلم أرَ خَفِرة ( عفيفة ) أنطق منها ، كأنّها تفرغ عن لسان أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وقد أومأتْ إلى الناس أن اسكتوا فارتدتْ الأنفاس ، وسكنتْ الأجراس ، ثمّ قالت : ( الحمد الله والصلاة على محمّد وآله الطاهرين ، يا أهل الكوفة يا أهل الختل والغدر ، أتبكون ؟ فلا رقأت الدمعة ، ولا قطعت الرنة ، إنّما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوّة ، أنكاثاً تتّخذون أيمانكم دخلاً بينكم ، ألا وهل فيكم إلاّ الصلف النطف … ) إلى آخر الخطبة الشريفة ، وهي معروفة .
أخبارها في الشام :
أرسل عبيد الله بن زياد والي الكوفة السيّدة زينب ( عليها السلام ) مع سبايا آل البيت ( عليهم السلام ) ـ بناءً على طلب يزيد ـ ومعهم رأس الحسين ( عليه السلام ) وباقي الرؤوس إلى الشام ، فعندما دخلوا على يزيد دعا برأس الحسين ( عليه السلام ) فوضع بين يديه ، فلمّا رأت زينب ( عليها السلام ) الرأس الشريف بين يديه صاحت بصوت حزين يقرح القلوب : ( يا حسيناه ، يا حبيب رسول الله ، يا ابن فاطمة الزهراء ) ، فأبكت جميع الحاضرين في المجلس ويزيد ساكت .
وروي أنّ يزيد عندما أخذ ينكث ثنايا الإمام الحسين ( عليه السلام ) بقضيب خيزران ، قامت ( عليها السلام ) له في ذلك المجلس ، وخطبت قائلة :
( الحمد لله رب العالمين ، وصلّى الله على رسوله وآله أجمعين : أظننت يا يزيد حيث أخذت علينا أقطار الأرض ، وآفاق السماء ، فأصبحنا نُساق كما تُساق الإماء ، إن بنا هواناً على الله ، وبك عليه كرامة ، وإنّ ذلك لعظم خطرك عنده ، فشمخت بأنفك ونظرت في عطفك جذلان مسروراً ، أمِنَ العدل يا ابن الطلقاء تخديرك حرائرك وإمائك ، وسوقك بنات رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) سبايا ، قد هَتكتَ ستورهنّ ، وأبدَيتَ وجُوههُن ، تحدو بهن الأعداء من بلد إلى بلد ) .
وفاتها :
توفّيت أم المصائب زينب ( عليها السلام ) في الخامس عشر من شهر رجب عام 62 هـ ، واختُلِفَ في محل دفنها ، فمنهم من قال : في مصر ، ومنهم من قال : في الشام ، ومنهم من قال : في المدينة .
تعليق