بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمد واله الطاهرين
السلام عبليكم ورحمة الله وبركاته
ننقل لكم بعض المختطفات من تفسر هذه الاية من تفسير الشيخ السبحاني
حيث يقول :
105.(وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا):
الآية تتضمّن أُموراً ثلاثة:
1. أنزل القرآن بالحقّ، كما يقول (وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ).
2. نزول القرآن مصحوباً بالحقّ، كما يقول (وَبِالْحَقِّ نَزَلَ).
3. وليس للمنزل عليه إلاّ التبشير والإنذار، كما يقول (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا).
فالله سبحانه ذكر فعل النزول مرّتين تارة بقوله(أَنْزَلْنَاهُ) وأُخرى بقوله(نَزَلَ) ووصف كلاًّ بالحقّ، ومقتضى العطف هو تغاير مفاد المعطوف مع المعطوف عليه، بمعنى إنزاله بالحقّ، غير نزوله بالحقّ، وقد اختلف المفسّرون في تفسير الفعلين ووصفهما، ونحن نقتصر على ما ذكره القرطبي في ذلك.
قال القرطبي: يجوز أن يكون معنى الأوّل أوجبنا إنزاله بالحقّ، ومعنى
الثاني: ونزل وفيه الحقّ، كقوله: خرج بثيابه، أي وعليه ثيابه.
ولعلّه أراد من الفقرة الأُولى: قدّرنا إنزاله بالحقّ، ومن الفقرة الثانية: تحقّق هذا التقدير.
والأَولى أن يقال: إنّ الفقرة الأُولى ناظرة إلى مادّة القرآن ومحتوياته، فإنّ محتواه من جميع الجوانب حقّ لا يشوبه باطل، من غير فرق بين معارفه، وأحكامه، وقصصه، فالجميع مصحوب بالحقّ الذي لا يتطرّق إليه الباطل.
وأمّا الفقرة الثانية، فهي ناظرة إلى نزول القرآن فقد تلقّاه أمين الوحي من الله سبحانه ونزل به على قلب سيد المرسلين وبلّغه حسب ما نزل، وهو في عامّة المراحل كان مصحوباً بالحقّ ومصوناً من التحريف والتزوير، لأنّ الله سبحانه تعهّد بحفظه وقال(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ).
فالقرآن كان مصحوباً بالحقّ قبل النزول بمحتواه ومادّته، وحين النزول وبعد النزول بمصونيّته من التحريف والتزوير، ولعلّه إلى ذلك يشير سبحانه بقوله: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُول فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا * لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاَتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْء عَدَدًا).
ومفاد الآيتين هو أنّ الله سبحانه بعد ما يسلّط رسوله على ما يشاء من غيبه ومنه الوحي والرسالة لا يترك الرسول بل يجعل من أمامه ومن خلفه رَصَداً وملائكة، يحفظون النبيّ من الاشتباه في تلقّي الوحي وحفظه ونقله
إلى الغير، فقوله(مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ) كناية عن الإحاطة المطلقة وكونه محاطاً من قبل الرَّصد، وستقرأ تفصيل ذلك في تفسير سورة الجنّ إن شاء الله تعالى. وقد أُشير إلى هذا في سورتنا بقوله(وَبِالْحَقِّ نَزَلَ).
ولمّا تمّ كلامه سبحانه في كيفية نزول القرآن وصيانته من الباطل، ركّز على أنّه ليس للنبيّ أي تصرّف فيه، بل له إبلاغ ما نزل بصورة التبشير والإنذار، كما قال(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا) ولذلك كلّما اقترح الكفّار أن يبدّل القرآن أو يأتي بقرآن غيره قوبلوا بالردّ كما قال تعالى: (وَ إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَات قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآن غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ).
تعليق