عواقب الفرار من الزحف _ 1 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
إعـــــــلان
تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.
عواقب الفرار من الزحف
تقليص
X
-
عواقب الفرار من الزحف
الكلمات الدلالية (Tags): لا يوجد
- اقتباس
-
عواقب الفرار من الزحف _ 2 أهداف الدرس:
- التعرّف على الآثار السلبية الأخرى الناجمة عن ترك الجهاد.
- بيان أنّ الفرار من الزحف سببٌ أساسيٌّ في الهزيمة وتسلُّط الظَّالمين على المؤمنين.
- التّعرّف على العاقبة السيئة للفرار من الزحف.
من العواقب الوخيمة والآثار السلبية الأخرى لترك الجهاد والقعود عنه:190
خراب دُور التوحيد ومحالّ العبادة:
من التبعات المضرّة لترك الجهاد، هو زوال دور التوحيد ومَحَالُّ عبادة الإنسان لله. فقد حذّر القرآن المجيد من أنّ الناس ما لم يقوموا بتكليفهم في الدفاع، فسوف تتهدّم دور عبادة المسلمين، بل جميع دور عبادة الأديان التوحيدية الأخرى، قال تعالى: ï´؟وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌï´¾1. ومن الممكن أن يكون ذكر المساجد
والمعابد في الآية قد ورد على سبيل المثال، وعليه فهي تتعدّاها لتشمل المراكز الثقافية الواعية والأصيلة، وتلك المسؤولة عن تقدّم الأفراد والمجتمع ونضجهما.191
إن وخامة ترك الجهاد وإهماله، والفرار من الزحف، والتي هي من معاني فلسفة "دفع الله الناس بعضهم ببعض" لسوف تظهر في هدم بيوت العبادة وأماكن التوحيد والتي لها المردود الخطير على تطوّر الناس وتكاملهم المعنوي والفكري.
الذلّة والمهانة:
من العواقب الملموسة للإعراض والتخلِّي عن الجهاد، عاقبةُ الذلَّة والمهانة، في الدُّنيا والآخرة، والتي تشملُ كلَّ أمّةٍ تركت الجهاد في سبيل الله. فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من ترك الجهاد ألبسه الله ذلّاً في نفسه، وفقراً في معيشته، ومحقاً في دينه، إنّ الله تبارك وتعالى أعزّ أمّتي بسنابك خيلها ومراكز رماحها"2.
ونرى أيضاً أن أمير المؤمنين عليه السلام وبعد تشجيعه على الجهاد وبيان فضله في خطبته المشهورة حول الجهاد، فإنه يشير إلى تبعات التهاون والقعود عن القيام بالجهاد، حيث يقول: "فمن تركَهُ رغبةً عنهُ ألبسَهُ اللهُ ثوبَ الذلِّ وشمْلَةَ البلاءِ ودُيِّثَ بالصَّغارِ والقَماءَة"3.
ومن المشكلات الكبيرة التي واجهت أمير المؤمنين عليه السلام طوال مدّة حكمه، عدم استعداد الناس للدفاع عن دين الله، وخلوّ عزائمهم من القوة والعزم على القيام لله تعالى. وقد بيّن الإمام علي عليه السلام في العديد من الكلمات والخطب عدم رضاه عن أصحابه وموقفِهم من مسألة الجهاد، موجّهاً انتقاداته لهم،
وموضّحاً عواقب الضعف عن القيام بهذا الواجب في السياق.192
وفي أحد هذه الموارد، يشير الإمام عليه السلام إلى أنّ القعود عن الجهاد يؤدّي إلى انتصار العدو وانفلات زمام إدارة المجتمع من يد الحكّام، حيث يقول عليه السلام: "فتواكلتم وتخاذلتم حتى شُنّت عليكم الغاراتُ ومُلكتْ عليكمُ الأوطان"4.
ومن مظاهر هذه الذلّة التي تشملهم نتيجة ترك الجهاد، أنّهم يعجزون عن أن يكونوا قوّة يُنتقم بها من الباطل، أو يستفاد منها في تحقيق أيّ من أهداف الإسلام، حيث يقول عليه السلام: "فما يدركُ بكم ثارٌ ولا يُبلغُ بكم مُرام"5. وفي مثل هكذا مجتمع لا يتوقّع حدوث التوفيق والتقدّم، ويوماً بعد يومٍ يزدادُ الضَّعفُ وتقلُّ الاستفادة من المعارف الإلهية، ويُبتلى هذا المجتمعُ بسقوط القِيَمِ والانحطاطِ، بل يكون أكلة سائغة في فم الأعداء.
وتشهدُ تجاربُ التاريخ على أنّ المجتمعَ الذي كان أمير المؤمنين عليه السلام يعيشُ فيه، والذي كان قد تركَ الجهاد، عانى من عواقب وخيمة وظلمٍ شديد، إلى الحدّ الذي تسلّط عليه - وخلال مدّة قصيرة - أشخاص خنقوا كلّ صوت يرتفع مطالباً بالحقّ، وقتلوا وسجنوا وعذّبوا المؤمنين وقادتهم!
وقد أشار القرآن الكريم في أحد المواطن، وبشكل صريح، إلى عاقبة الذلّة في الدنيا عند ترك الجهاد، حيث ذكر أنّ بني إسرائيل قد عوقبوا بالتيه أربعين سنة على أثر عصيان هذا الأمر الإلهي: ï´؟قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَï´¾6. وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بشأن الإعراض عن الجهاد والانشغال بالدنيا، قال صلى الله عليه وآله وسلم: "لئن أنتم
اتّبعتم أذناب البقر وتبايعتم بالعِينَة وتركتم الجهادَ في سبيل الله، ليلزمنّكُم الله مذلّة في أعناقكم ثمّ لا تُنزعُ منكم حتى ترجعوا إلى ما كنتم عليه أو تتوبوا إلى الله"7.193
تسلّط الظالمين وفقدان القوّة والعزّة:
إنّ الأثر الكبير الذي يظهر مباشرةً جرَّاء ترك الإنسان للجهاد وتقاعسه عنه، هو خذلانه لأولياء الله تعالى وقادة المؤمنين وتركه لهم وحيدين في ميدان المواجهة والصراع, وبالتالي خذلانه للمبادئ والأسس التي قام من أجلها هؤلاء الناس.
إنّ التاريخ مملوء بأمثال هؤلاء، ومنهم المنافقون والفاسقون الذين كانوا يعرفون أن دعوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم هي حقّ ونور، لكنهم خذلوه وقت الشدة، ومنهم من قاتله وصارعه، محبةً منهم وولاية للكفّار والمشركين وطمعاً بالحفاظ على المال والأولاد والأملاك من بطش قريش. فهؤلاء رأوا بأم العين كيف انقلب عليهم ظهر المجن، وذاقوا طعم الفضيحة والخسران في الدنيا ï´؟أُوْلئِكَ الَّذينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذابِï´¾8 ويقول الله تعالى عنهم ï´؟وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَï´¾9.
ثم حصل هذا الأمر مع الإمام علي عليه السلام، حيث أصاب جيشه الإحباط في الهمم والفتور عن القتال والجهاد ضد معاوية وجيشه الظالم، ولذلك كان الأمير عليه السلام يعاني الأمرّين في شحذ هممهم وبث روح الشجاعة والحميَّة في نفوسهم، رغم أنّه عيَّرهم بتفوّق الأعداء عليهم وانتهاكهم أعراض المسلمين، فيقول عليه السلام
في خطبته المشهورة في الجهاد "ألا وإني قد دعوتكم إلى قتال هؤلاء القوم ليلاً ونهاراً، وسراً وإعلاناً، وقلت لكم اغزوهم قبل أن يغزوكم، فوالله ما غزي قوم في عقر دارهم إلا ذلّوا. فتواكلتم وتخاذلتم حتى شنّت الغارات عليكم وملكت عليكم الأوطان. وهذا أخو غامد قد وردت خيله الأنبار، وقد قتل حسان ابن حسان البكري وأزال خيلكم عن مسالحها. ولقد بلغني أن الرجل منهم كان يدخل على المرأة المسلمة والأخرى المعاهدة فينتزع حجلها وقلبها وقلائدها ورعاثها، ما تمتنع منه إلا بالاسترجاع والاسترحام، ثم انصرفوا وافرين، ما نال رجلاً منهم كلمٌ ولا أُريق لهم دم"10, ولك أن تلاحظ أن أمير المؤمنين عليه السلام يلوم المتخاذلين بما فعله العدو بهم ويذكّرهم بأولئك الضحايا الذين قتلوا نتيجة تخاذلهم، وهو بالتالي كأنه يقول لهم أن هذه الحالة ستكون حالتهم أيضاً فيما لو تركوا الجهاد مرَّةً أخرى، بل هو يترقّى في تهديده لهم بقوله: "فلو أن امرأ مسلما مات من بعد هذا أسفاً ما كان به ملوماً بل كان به عندي جديراً، فقبحاً لكم وترحاً حين صرتم غرضاً يرمى يغار عليكم ولا تغيرون"11, إنها نتيجة الخذلان والتقاعس، حيث يصبح المجتمع بلا هيبة ولا قوة ولا منعة ولا عزة!194
ومن الأمثلة التي تضرب على تسلّط الظالمين كنتيجة لترك الجهاد في سبيل الله مع الإمام العادل أو وليّه، هو ما حصل لأهل المدينة بعد استشهاد الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء حيث وفدوا على يزيد بعد جريمته الكبرى، فوجدوه يعيش في حالات متطرّفة من الفسق والفجور فأبوا أن يقرّوا له بالبيعة. عندها
أرسل جيشه إلى المدينة وعلى رأسه مسلم بن عقبة الفاجر الكافر، فقاتله أهل المدينة قتالاً شديداً، لكنهم هزموا، فدخل جيش يزيد المدينة ثلاثة أيام مستبيحاً لكل حرمة فيها، فقتل فيها سبعمائة من قرّاء القرآن، وأربعة من صحابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلم يبق بعدها بدريٌّ على وجه الأرض، وافتَّضت من بنات أهل مدينة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ألف عذراء، وكثر فيها قتل للناس حتى بلغ القتلى عشرات الآلاف، ثم أُرغم الناس على مبايعة يزيد على أنهم عبيد عنده! هذه هي نتيجة خذلان الإمام الحسين عليه السلام وتركه غريباً في المدينة، فلو أنهم ناصروه وقاموا بوظيفتهم الجهادية بين يديه، لربما انقلب الحكم إلى أهله ولما حلّ ظلم على أحد على وجه الأرض وحتى قيام الساعة.195
إن هذه الحقيقة التي حصلت مع أهل المدينة هي عبرة لنا، فلو تركنا الجهاد وفررنا من الزحف في مواجهة العدو الإسرائيلي لأمعن في قرانا ومدننا القتل والأسر والانتهاك لكل الحقوق!
إذاً، لا بد للمجاهدين المؤمنين أن يجعلوا هذه الحوادث والعبر عنواناً يظلّ ماثلاً أمام أعينهم، فلا يغفلوا عن نصرة الحق ولو أدّى ذلك إلى قتلهم وإبادتهم، وكما قال الأمير عليه السلام "الموت في حياتكم قاهرين، والحياة في موتكم مقهورين"12.
العاقبة السيّئة:
يقول الله تعالى في كتابه الكريم: ï´؟فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُواْ أَن يجُاهِدُواْ بِأَمْوَالهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فىِ سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُواْ لَا تَنفِرُواْ فىِ الحْرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ
أَشَدُّ حَرًّا لَّوْ كاَنُواْ يَفْقَهُونَ فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلًا وَلْيَبْكُواْ كَثِيرًا جَزَاءَ بِمَا كاَنُواْ يَكْسِبُونï´¾13.196
تتحدّث الآية الكريمة عن حال المنافقين الذين تخلّفوا عن الجهاد في غزوة تبوك14 وخالفوا تكليفهم الشرعي وكرهوا الجهاد بأموالهم وأنفسهم، ثم اعتذروا بالأعذار الواهية، وفرحوا بالسلامة والجلوس في البيت بدل المخاطرة بأنفسهم والاشتراك في الحرب، بدل أن يضعوا كل وجودهم وإمكاناتهم في سبيل اللّه ليفوزوا بشرف الجهاد وعنوان المجاهدين.
ولم يكتفوا بتخلّفهم وتركهم للواجب بل سعوا في بثّ وساوسهم الشيطانيّة بين المسلمين، محاولين إخماد جذوة الحماسة الملتهبة في صدورهم، وتشبّثوا بكل عذر يحقّق لهم هذا الهدف حتى لو كان العذر هو الحرّ!! فهم كانوا يطمعون من جهة في إضعاف إرادة المسلمين، ومن جهة أخرى كانوا يحاولون سحب أكبر عدد ممكن من المسلمين إلى صفوفهم حتى لا ينفردوا وحدهم بالجرم. فأمر الله تعالى النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بأن يجيبهم بلهجة شديدة وأسلوب قاطع أن نار جهنّم أشدّ حرّاً من الرمضاء، فشرارة واحدة من تلك النّار أشدّ حرارة من جميع نيران الدّنيا وأشدّ حرقة وألماً، ولكنهم وللأسف لضعف إيمانهم، ولقلّة إدراكهم لا يعلمون أيّة نار تنتظرهم!
وهؤلاء ظنّوا أنّهم بتخلّفهم وتخذيلهم المسلمين وصرف أنظارهم عن الجهاد قد فازوا وحقّقوا نصراً، فضحكوا لذلك وقهقهوا بملء أفواههم، إلّا أنّ القرآن حذّرهم من عاقبة ما اجترحته أيديهم وحذّرهم من العذاب الشديد الذي ينتظرهم، وسيندمون على ما أنفقوا من قدراتهم وعمرهم الثّمين، وما اشتروا من
الخزي والفضيحة وسوء العاقبة إنّها النَّتيجة الطَّبيعيّة لما كسبوه بأيديهم في الحياة الدُّنيا.197
الحسرة والندامة:
يقول الله تعالى في كتابه العزيز: ï´؟يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَقَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُواْ فِي الأَرْضِ أَوْ كَانُواْ غُزًّى لَّوْ كَانُواْ عِندَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ لِيَجْعَلَ اللّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ * وَلَئِن مُّتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى الله تُحْشَرُونَï´¾15.
الآية الكريمة توجّه الخطاب إلى المؤمنين وتحذّرهم من مغبّة الوقوع في شراك المنافقين وخداعهم وتدليسهم. فلا يقولوا بمقالة المنافقين الذين لا همّ لهم سوى النيل من روحيّة المسلمين وإضعاف معنويّاتهم وزعزعة أسس إيمانهم. لأنهم إذا وقعوا تحت تأثير هذه الكلمات المضلّة الغاوية، وكرّروا نظائرها فستضعف معنويّاتهم، وسيمتنعون عن الخروج إلى ميادين الجهاد في سبيل الله، وعندها سيتحقّق للمنافقين ما يصبون إليه. بل عليكم أن تتقدّموا إلى سوح الجهاد وميادين القتال بمعنويّات عالية، وعزم أكيد ودون تردّد ولا كلل، ليجعل اللّه ذلك حسرة في قلوب المنافقين المخذولين أبداً. والآية تردّ على خبث المنافقين وتسويلاتهم بثلاثة أجوبة منطقيّة:
الأول: إن الموت والحياة بيد اللّه على كلّ حال، وإن الخروج والحضور في ميدان القتال لا يغيّر من هذا الواقع شيئاً، وإن اللّه عالم بأعمال عباده جميعها وبصير بها.
الثاني: إنكم حتّى إذا متّم أو قتلتم، وبلغكم الموت المعجّل كما يظنّ المنافقون فإنّكم لن تخسروا شيئاً، لأن رحمة اللّه وغفرانه أعظم من كلّ ما تجمعه أيديكم أو يجمعه المنافقون من مال وثروة. بل لا مجال للمقارنة بين الأمرين، لأن ما يحصل عليه المؤمنون عن طريق الشهادة أو الموت في سبيل اللّه، أفضل من كلّ ما يجمعه الكفّار والمنافقون عن طريق حياتهم الموبوءة، المليئة بالشهوات الرخيصة وعبادة المال والدنيا.198
ثالثا: بغضّ النظر عن كلّ ما قلنا فإن الموت لا يعني الفناء والعدم حتّى يُخشى منه هذه الخشية ويُخاف منه هذا الخوف، ويُستوحش منه هذا الاستيحاش، بل هو نقلة من حياة إلى حياة أوسع وأعلى وأفضل، حياة موصوفة بالبقاء والخلود. إذاً، في كل الأحوال المؤمنون هم المستفيدون رغم أنف المنافقين وهذا ما يزيد الحسرة لديهم ويضاعفها فيهم.
الطبع على القلوب:
يقول الله عزّ جل:ï´؟وَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَجَاهِدُواْ مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُوْلُواْ الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُواْ ذَرْنَا نَكُن مَّعَ الْقَاعِدِينَ * رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَï´¾16.
الآية تتحدّث عن حال المنافقين إذا ما دعا الرّسول صلى الله عليه وآله وسلم الناس إلى الثبات على الإيمان، والجهاد في سبيل اللّه، فإنّهم رغم ما يتمتّعون به من طَوْلٍ أي من قدرات جسمانية ومالية، إلا أنّهم يطلبون العذر والإذن بعدم المشاركة والبقاء مع ذوي الأعذار الذين لا قدرة لديهم على الحضور والمشاركة في الجهاد. فهم على الرغم من توفّر كلّ الشروط فيهم، وامتلاك كلّ المستلزمات المطلوبة للجهاد، مع
ذلك يحاولون التملّص من أداء هذا الواجب الإلهيّ الحسّاس والخطير، فجاءوا إلى النّبي صلى الله عليه وآله وسلم يطلبون الإذن في الانصراف. فوبّخهم القرآن وقبّح فعلهم لأنهم رضوا بأن يكونوا مع الخوالف أي المعذورين عن المشاركة في الحرب بسبب ضعفهم وعجزهم. وهم لكثرة ذنوبهم ونفاقهم طبع الله تعالى على قلوبهم فسلبهم القدرة على التفكير والإدراك والمعرفة الصحيحة، فهم الجاهلون.199
200المفاهيم الرئيسية 1- من التبعات المضرّة لترك الجهاد، زوال دور التوحيد ومَحَال عبادة الإنسان لله، قال تعالى: ï´؟وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌï´¾.
2- من العواقب الملموسة للإعراض والتخلِّي عن الجهاد، عاقبةُ الذلَّة والمهانة، في الدُّنيا والآخرة، والتي تشملُ كلَّ أمّةٍ تركت الجهاد في سبيل الله، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من ترك الجهاد ألبسه الله ذلّاً في نفسه، وفقراً في معيشته، ومحقاً في دينه".
3- من تبعات ترك الجهاد، خذلان الإنسان لأولياء الله تعالى وقادة المؤمنين وتركه لهم وحيدين في ميدان المواجهة والصراع, وبالتالي خذلانه للمبادئ والأسس التي قام من أجلها هؤلاء الناس.
4- من علامات المنافق أنك إذا دعوته للجهاد في سبيل الله تذرّع لك بعدم القدرة وطلب الإذن والعذر بعدم المشاركة رغم ما يتمتّع به من قدرات جسمانية ومالية.، والقرآن قبّح فعل هذا الصنف من الناس بشدّة لأنهم رضوا بأن يكونوا مع الخوالف أي المعذورين عن المشاركة.
- اقتباس
- تعليق
تعليق