تمهيد
يتضمن الإشارة الى تعريف العلم، وتاريخ وعوامل نشوء هذا العلم وتطوره.
1 ـ تعريف: "علوم القرآن"
منذ أن بزغ فجر الإسلام مقترناً بنزول الوحي الإلهي، وتوالت آيات الله لتشكل فيما بعد كتاب الله الذي يحمل في طياته معالم الدين الجديد بمختلف أبعاده العقائدية والتربوية والعبادية وغيرها، أدرك المسلمون أهمية الكتاب العزيز ـ القرآن الكريم ـ وعظمته، ولم يقتصر اهتمامهم على استيعاب معانيه والتمعن في آياته وتفسيرها، بل اهتموا بجوانب أخرى ترتبط به مثل تاريخ نزوله، وترتيبه، واختلاف القراءات، والإعجاز، والناسخ والمنسوخ، وغير ذلك...
وقد عُرفت هذه البحوث ـ فيما بعد ـ باستثناء تفسير معانيه الذي صار علماً بنفسه، بـ"علوم القرآن".
فـ"علوم القرآن" العلم الذي يحتوي على ما يرتبط بالقرآن الكريم من بحوث ـ سوى التفسير ـ مثل تأريخ نزوله، وترتيبه، واختلاف القراءات، والناسخ والمنسوخ، ووجه الإعجاز فيه، وغير ذلك.
وقد اتضح أن العلوم التي تعرّض لها القرآن الكريم مثل الفقه والتربية والعقائد وغيرها لا ترتبط بهذا العلم.
2 ـ تاريخ "علوم القرآن"
لاشك أنّ بدايات العديد من بحوث هذا العلم تمتد الى عصر الرسول(صلى الله عليه وآله وسلّم) مثل الناسخ والمنسوخ، واختلاف القراءات والوحي وغير ذلك، وقد تزايد اهتمام المسلمين بهذه البحوث بعد انقطاع الوحي عقيب وفاة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلّم) حيث أصبح القرآن الكريم أحد الثقلين اللذين خلّفها(صلى الله عليه وآله وسلّم) للأمة. ولكن المؤسف انّا لا نملك أثراً عن طبيعة تلك الدراسات في ذلك العصر; لأنّها كانت عبارة عن نقل الحديث عن الرسول(صلى الله عليه وآله وسلّم) فمن الطبيعي أن تتأثر بقرار المنع الصادر من الشيخين على رواية حديث الرسول(صلى الله عليه وآله وسلّم) وكتابته، بل وإحراق الموجود منه(1)، وقد تأخر السماح بتدوين السُنّة الى نهاية القرن الأول الهجري، قيل: في زمن عمر بن عبدالعزيز(ت 99 ـ 101) فقد كتب الى عامله في المدينة أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم "انظر ما كان من حديث رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلّم) فاكتبه، فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء"(2).
وعلى كل حال، فيبدو أن أوّل من دوّن في علوم القرآن الإمام علي(عليه السلام) فقد أثبت له الشريف المرتضى كتاب "المحكم والمتشابه في القرآن"(3)، كما نسب له سعد بن عبدالله الأشعري كتاب "ناسخ القرآن ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه"(4)، وذكر الحافظ ابن عقدة الكوفي انّ للإمام ستين نوعاً من أنواع علوم القرآن(5).
ومن بعده ألّف يحيى بن يعمر (ت 89هـ) أحد تلاميذ أبي الأسود الدؤلي كتابه "القراءة" في قرية واسط، وضم الاختلاف الذي لوحظ في نُسَخ القرآن المشهورة(6).
وفي القرن الثاني صنّف الحسن بن أبي الحسن يسار البصري (ت 115هـ) كتابه في "عدد آي القرآن".
وعبدالله بن عامر اليحصبي (ت 118هـ) كتابه في اختلاف مصاحف الشام والحجاز والعراق و"المقطوع والموصول". وشيبة بن نصاح المدني (ت 135هـ) كتاب "الوقوف"، وأبان بن تغلب (ت 141هـ) ـ تلميذ الإمام علي بن الحسين زين العابدين(عليه السلام) ـ صنّف كتاباً في القراءات، وله كتاب "معاني القرآن".
ومحمد بن السائب الكلبي (ت 146هـ) أوّل من صنّف في "أحكام القرآن" ومقاتل بن سليمان المفسّر (ت 150هـ) له كتاب "الآيات المتشابهات". وأبو عمرو بن العلاء زبان بن عمّار التميمي (ت 154هـ) ألّف كتاب "الوقف والابتداء"، وله كتاب "القراءات". وحمزة بن حبيب الزيّات (ت 156هـ) ـ صاحب الإمام الصادق(عليه السلام) ـ له كتاب في القراءة، وتوالى تأليف كتب اخرى في فترات لاحقة.
وفي عصور متأخرة أُلّفت كتب جامعة لعلوم القرآن، منها كتاب "البرهان في علوم القرآن" لبدر الدين محمد بن عبدالله الزركشي (ت 794هـ)، ومنها كتاب "الإتقان في علوم القرآن" لجلال الدين السيوطي (ت 911هـ).
وأما اصطلاح "علوم القرآن" فربما يرجع الى القرن السادس حيث ألّف ابن الجوزي (ت 597) كتابين أحدهما بعنوان: "فنون الأفنان في علوم القرآن" والثاني بعنوان: "المجتبى في علوم تتعلق بالقرآن".
لكن حكى محمد بن عبد العظيم الزرقاني انّه ظفر في دار الكتاب المصريّة بكتاب لعلي بن إبراهيم بن سعيد الشهير بالحوفي (ت 330هـ) اسمه "البرهان في علوم القرآن" يقع في ثلاثين مجلّداً الموجود منه خمسة عشر مجلّداً، إلاّ أنّ الزرقاني تحدث عن هذا الكتاب بقوله: (... كأنّ هذا التأليف تفسير من التفاسير عرض فيه صاحبه لأنواع من علوم القرآن عند المناسبات...) (7).
"الدرس الثاني"
3 ـ عوامل نشوء هذا العلم
نستطيع أن نلخّص العوامل التي أوجبت نشوء هذا العلم وتطوُّر البحث في ذلك بما يلي: ـ
1 ـ فضل القرآن وقدسيته في نفوس المسلمين، فهو الثقل الأكبر والكتاب الذي أوصى به النبي المصطفى(صلى الله عليه وآله وسلّم) أمّته، فضلاً عن النصوص الكثيرة الواردة في ضرورة تقديسه وتنزيهه عن كل ما لا يليق بشأنه، وكذلك الحث الأكيد على قراءته وفهمه والتدبّر فيه وحفظه.
2 ـ عمق القرآن الكريم وتنوع أبحاثه، ممّا أوجب اهتمام العلماء بدراسته دراسة معمّقة ومفصّلة سواء ما يرتبط بألفاظه وأسلوبه أم ما يرتبط بمدلولاته ومضمونه (ظاهره أنيق وباطنه عميق) ـ كما جاء في الحديث ـ.
3 ـ كونه معجزة الإسلام الخالدة ممّا أوجب اعتزاز المسلمين به وانشدادهم نحوه، وبالمقابل صار هدفاً لشبهات أعداء الإسلام الذين يرومون الطعن بالإسلام، هذا الصراع حوله أوجب أن يكون محطّ أنظار العلماء والباحثين وتوجّههم إليه مما ساهم في توسّع الأبحاث المرتبطة به كالتفسير وعلوم القرآن.
4 ـ تضمّنه لأهم معالم الدين الإسلامي وأُسسه وتشريعاته، فهو يتحدث عن اصول العقيدة التي نادى بها الإسلام، كما يتضمّن معالم الأطروحة الإسلامية لرقي الإنسان وتهذيب نفسه وإصلاح مجتمعه، بالإضافة الى جملة وافية من التشريعات الإسلامية المتنوعة.. الى غير ذلك من المواضيع الهامة التي تهم المسلم.
فهو كتاب حيوي مقدس لدى المسلمين، ولذلك ورد الحث على قراءته والتدبر فيه، بل اعتبره الرسول(صلى الله عليه وآله وسلّم) الثقل الأكبر الذي خلّفه ويطالب به أمّته، كما جاء في حديث الثقلين.
5 ـ عدم اشتماله على أسماء أو مواقف محدّدة صريحة، ولذلك ورد عن الإمام علي(عليه السلام): "هذا القرآن إنّما هو خط مستور بين الدفتين لا ينطق بلسان ولابدّ له من ترجمان، وإنّما ينطق عنه الرجال"(8). وفي وصيته لابن عباس لمّا بعثه للاحتجاج على الخوارج: "لا تخاصمهم بالقرآن، فإنّ القرآن حمّال ذو وجوه، تقول ويقولون"(9).
هذه الميزة في القرآن جعلته في مأمن من كيد السلطات الجائرة المتعاقبة، فلم يقفوا أمام اندفاع المسلمين نحوه والباحثين به، ولم يواجهوه بما واجهوا به أهل البيت(عليهم السلام) ـ الثقل الآخر ـ وشيعتهم من العنف والقسوة.
خصائص القرآن
الخاصة الأولى: الشمولية
عندما نتحدث عن شمولية القرآن لا نعني انّه فهرسة للعلوم المختلفة، وإلاّ لأوجب ذلك إماتة روح الإبداع في الإنسان في هذه الحياة الدنيا التي ابتنت على الكدح وبذل الجهد والإبداع.
بل نقصد أنّه يتناول كل جوانب الحياة التي تحيط بالفرد والمجتمع، ولا يقتصر دوره على جانب معيَّن منها فهو كتاب شامل في تعاليمه ومحتواه أو فلنقل ليعزز جهود الرسول الكريم(صلى الله عليه وآله وسلّم) في أدائه لهذا الدور، بتوجيه الأمّة وارشادهم الى ما يضمن لهم السعادة في الدنيا والآخرة.
ولذلك فمن الطبيعي أن يشتمل على مختلف الأمور التي تكون فاعلة في إصلاح الأفراد والمجتمع، ولم يقتصر على جانب واحد منها.(إنّ هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم) (10) فالقرآن قد احتوى على كل ما يهم المسلم بإطاره العام وهو:
1 ـ أصول العقيدة الإسلامية من التوحيد والنبوة والمعاد والإمامة والولاية، وغيرها من المسائل الاعتقادية الأخرى، كالقضاء والقدر والعرش وغير ذلك...
2 ـ الجانب التربوي وما يرتبط به من سمو الاخلاق وتهذيب النفوس.
3 ـ مجموعة من الأحكام الشرعية والقوانين التي تنظم سلوك المسلم وعلاقاته كفرد، والمسلمين كمجتمع، كما أشار الى اتّباع الرسول(صلى الله عليه وآله وسلّم) وولاة الأمر الذين يحدّدون باقي التفاصيل.
وهذا هو مانعنيه من شمولية القرآن.
إضافةً لذلك نرى أنّ القرآن قد تصدّى لمهمة أخرى وهي جذب الناس وترغيبهم فيما يصلحهم، ولم يقتصر دوره على سرد مقوّمات الإصلاح ضمن مواد قانونية جافة ومحدودة التأثير بل تضمن أرقى الأساليب البلاغية وأكثرها تأثيراً في النفس، (لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدّعاً من خشية الله) (11).
"الدرس الثالث"
الخاصة الثانية: إعجاز القرآن
عندما نتحدّث عن انتساب أثر أو كتاب لشخص نعتمد على الدلائل التي تشهد لهذا الانتساب، وكذلك القرآن الكريم نعتمد في نسبته لله تعالى على مجموعة من الأدلة والقرائن، وتعتبر أكثرها شواهد على إعجازه، نذكر منها:
1 ـ انسجام مضمونه ورسالته مع صراط الله القويم المنسجم مع كماله المطلق، فعندما نراجع القرآن الكريم نجده يصب في هذا الاتجاه، فهو بين تمجيد وتوحيد لله تعالى واستعراض صفات كماله، ومنّه، ولطفه بعباده، وبين دعوة الناس بمختلف أساليب الترغيب والترهيب الى صلاح أنفسهم ومجتمعاتهم، وبين رسم الخطوط التشريعية العريضة وأحياناً التفصيلية ـ لحكمة أو ظرف خاص ـ المنسجمة مع الفطرة والطبيعة البشرية لتعين الإنسان في مواجهة الظروف التي يواجهها خلال مسيرة حياته.
فكلّ إنسان لو تأمل وسرحت مخيلته فتصور أنّ الله تعالى بعث رسولاً للبشر فماذا ينتظر من هذا الرسول؟ هل يتوقع من هذا المبعوث الإلهي مفهوماً أو ارشاداً أو مشروعاً يصطدم بتعاليم القرآن؟
حبذا لو تفرغ أحدنا ـ في سبيل عقيدته ـ وتأمل مع نفسه قليلاً حول النهج القرآني، ألا يجده دليلاً كافياً على انتساب هذا الكتاب الكريم لله الحكيم العليم الرؤوف الرحيم؟(وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله) (12)، هب انّ صياغة هذا الدليل قد لا تكون صياغةً جدلية تسكت الخصم المجادل لكنّا في عقيدتنا لا نتقيّد بأدلة مجالس الجدال والمخاصمة ـ رغم أهميتها ـ فما أكثر الخيارات المصيرية التي نختارها اعتماداً على قناعاتنا الخاصة المدعومة بالوجدان أو الفطرة أو الحدس الدقيق أو ما شئت فقل.
2 ـ قمة البلاغة باعتراف العرب المعاندين له رغم إبداعهم في هذا الجانب، وتأكيداً لصحة هذه الدلالة نلاحظ أنّ التحدي القرآني كان في مكة حيث كان المسلمون أقلية مضطهدة وكان هناك قلق كبير ينتاب كبار قريش من دعوة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلّم)، فلو كان بإمكانهم التحدي لواجهوا نداء القرآن (فأتوا بعشر سور مثله مفتريات) (13). و(فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله) (14).
وروى المؤرخون أن النبي(صلى الله عليه وآله وسلّم) لما اُنزل عليه (حم * تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم * غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب) (15) قام إلى المسجد يقرؤها والوليد بن المغيرة قريب منه فلما فطن النبي(صلى الله عليه وآله وسلّم) لاستماعه لقراءته أعاد قراءة الآية، فانطلق الوليد حتى أتى مجلس قومه بني مخزوم، فقال: والله، لقد سمعتُ من محمد آنفاً كلاماً ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجن، وإنّ له لحلاوة وإنّ عليه لطلاوة، وإن اعلاه لمثر ]لمثمر[ وإن اسفله لمُغدق وإنه ليعلو وما يعلى ]عليه[(16).
وقد أشار الكتّاب والباحثون الى جوانب متعددة في الفصاحة والبلاغة تميّز بها القرآن نشير الى بعضها:
أ: الإيقاع الموسيقي المتميز المتعدد الأنواع والمتناسق مع الجو -كما عن الموسيقار المعروف محمد حسن الشجاعي- أو الموسيقى الباطنية كما يقول الأستاذ مصطفى محمود.
ب: انّه بيان على قدر الحاجة، يقول ابن عطية: (لو نزعت منه لفظة ثم أدير لسان العرب على لفظة في أن يوجد أحسن منها لم توجد).
ج: انّه لا يخلق عن كثرة الرد وطول التكرار...، كما أشار إليه كلام الإمام علي(عليه السلام).
د: الروحانية العالية فيه، هذه الروحانية التي تنفذ الى عمق سريرة الإنسان وتهزّ وجدانه(17)، حتّى ان كثيراً من اسرى الحضارة المادية المعاصرة آمنوا بالاسلام تأثّراً بهذه الروحانية.
3 ـ عدم تطور أسلوبه خلال (23) عاماً، هي فترة نزوله، وهو أمر لا ينسجم مع طبيعة الإنسان التكاملية، ولذا نلاحظ الفارق الشاسع في المستوى الفني للشعراء والأدباء عندما نقارن بين بداية نتاجهم الأدبي ومرحلة تكاملهم، بينما لا نجد هذا التكامل في القرآن فلا نجد تطوراً في السور المدنية عن المكية من ناحية الأسلوب والفصاحة والبلاغة.
ويمكن أن نضيف الى هذه النقطة أنّا لا نجد في القرآن تذبذباً في الأسلوب ولا ضعفاً في بعض سوره وآياته، مكيّة كانت أم مدنية، وهذا أيضاً مخالف للطبيعة البشرية المتأثرة بعوامل عديدة تنعكس على نتاجها، خاصة الحس الأدبي والبلاغي المرهف الذي يتأثر بأدنى سبب.
4 ـ من المعروف أنّ سمات ودلائل النبوغ تظهر لدى الشخص في سني حياته الأولى وبدايات الشباب، فلو كان القرآن من إنشاء النبي(صلى الله عليه وآله وسلّم) لظهرت عليه دلائل هذا النبوغ في بدايات حياته واهتم به قومه وتحدّث به العرب لاهتمامهم بهذه الظاهرة، خاصة ان سوق عكاظ كان في مكة مأوى الحجيج، ولاكتسب(صلى الله عليه وآله وسلّم) مكانةً مرموقةً بين قومه وافتخر به أهله وعشيرته، وانهالت عليه الهدايا والعطاءات، خصوصاً مع ما عرف عن كفيله أبي طالب من الفقر والضيق المادّي.
ولعل الآية الكريمة تشير الى ذلك بقولها: (قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به فقد لبثت فيكم عمراً من قبله أفلا تعقلون) (18).
"الدرس الرابع"
5 ـ تنوع أساليب القرآن الكريم وبلوغه القمة في كل منها حيث نجد قمة البلاغة في السور ذوات الآيات القصار كما نجدها في ذوات الآيات الطوال، كذلك تشترك كل الآيات ـ بمضامينها المتنوعة ـ في الإبداع، سواء منها آيات الوعد والوعيد أم القصص أم التشريع أم مكارم الأخلاق أم العقائد وغيرها، بينما المعهود في الأدباء والبلغاء..
أولاً: أن يكون لإبداعهم مذاق واحد. فلكل شخص أسلوبه المتميز به، حتى ان النقّاد والباحثين يعتمدون على هذه النقطة في نسبة القصائد والنتاجات الأدبية لأصحابها الحقيقيين.
وثانياً: ان كلاّ منهم يحلّق في مساحة خاصّة، فقد قالوا في شعر امرىء القيس: "يحسن عند الطرب وذكر النساء وصفة الخيل"، وشعر النابغة "عند الخوف" وشعر الأعشى "عند الطلب ووصف الخمر"، وشعر زهير "عند الرغبة والرجاء"(19)، فكل شاعر يحسن كلامه في مجال فإنّه يضعف في غير ذلك، أمّا القرآن فإنّه بلغ الذروة بأساليبه المختلفة وفي مساحات شتّى. وهذا مما ينفي كونه إبداعاً بشرياً.
6 ـ عدم الاضطراب في المحتوى، وتظهر أهمية هذه النقطة مع ملاحظة ما يلي..
أ: تشعب المواضيع والعلوم التي يتعرّض لها، حيث يشتمل على منظومة من العقائد والحِكَم ومكارم الأخلاق والقوانين، ويتضمّن القصص التاريخية وبعض الظواهر الكونية.. وغير ذلك.
ب: نزول كثير من الآيات أو أكثرها من دون تهيئة مسبقة، أو تبعاً لحدث طارئ أو سفر أو حرب أو نحو ذلك مما لا يسمح بالتمعّن ومراجعة النص السابق تجنّباً للوقوع في التناقض.
ج: تكرر الحديث عن نفس المواضيع التي سبق التعرض لها في فترات زمنية متباعدة مما يجعله معرضاً للاضطراب والتناقض ـ لو كان نتاجاً بشرياً ـ وعدم الاقتصار في الحديث عن الموضوع مرة واحدة.
د: صدوره من غير متعلم، إذ لم يعرف عن الرسول(صلى الله عليه وآله وسلّم) اهتمامه بالدراسة والتعلم، فكيف يمكنه إبداع القرآن وما تضمّنه من علوم وتعاليم وغيرها، فهو يتحدّث عن السماء والأرض والتوحيد والأخلاق والتشريع والتاريخ وغير ذلك، والى هذا تشير الآية الكريمة: (وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذاً لارتاب المبطلون) (20).
بعد ملاحظة هذه النقاط الأربع يتضح الوجه في كون عدم الاختلاف والاضطراب في القرآن دليلاً على ارتباطه بالله تعالى ومن أدلة إعجازه، كما أشارت إليه الآية الكريمة: (أفلا يتدبّرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً) (21).
والبعض ممن لم ينتبه لهذه الخصوصيات الأربع لم يتفهم وجه كونه دليلاً على الإعجاز، قال محمد عبدالعظيم الزرقاني: "ويلاحظ كذلك ان الاشتمال على الحِكَم البالغة، وعدم الاختلاف والتناقض بين معانيه لا يصلح واحد منها أن يكون وجهاً من وجوه الإعجاز، لأنّهما لا يخرجان عن حدود الطاقة بل كثيراً ما نجد كلام الناس مشتملاً على حِكَم وسليماً من التناقض والاختلاف"(22).
وما أدري كيف يفهم الزرقاني معنى هذه الآية الصريحة في جعل عدم الاختلاف في القرآن دليلاً على أنّه من الله تعالى لا من البشر، ويبدو أنّه أخذ عدم الاختلاف مجرداً عن الخصوصيات التي ذكرناها فلذلك لم يستوضح دلالته على الإعجاز.
ومن كلام للإمام علي(عليه السلام) في نهج البلاغة: "وذكر أنّ الكتاب يصدق بعضه بعضاً، وأنّه لا اختلاف فيه فقال سبحانه: (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً) "(23).
7 ـ إخباره بالمغيبات، ويتضح وجه دلالة هذا الشاهد على الإعجاز من خلال ملاحظة ما يلي:
أ: إنّ المتميّزين بالإخبار عن بعض الأمور الغيبية والعلوم الغريبة من الكهان ونحوهم كانوا بعدد الأصابع ومعروفين على مستوى الجزيرة العربية يراجعهم العرب ويحكّمونهم أحياناً في أمورهم، ولم يعرف عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلّم) انّه كان يرتاد أماكنهم ويختلط بهم، ولو كان قد استقى علومه الغيبية من أحد هؤلاء لفضحه هو ومن يختص بذلك الشخص.
خصوصاً انّهم كانوا بعيدين عن مكّة بحيث يُقصَدون بعناء، فليس من المعقول أن يرتاد على أحدهم شخص من أسرة معروفة متميّزة في مكة ويلازمه فترة طويلة من دون أن يعرف بذلك أحد حتى أقاربه وأهله، خاصةً أنّ الرسول(صلى الله عليه وآله وسلّم) كان في كفالة عمه شيخ الأباطح أبي طالب الذي سببت دعوته له ولبني هاشم إحراجاً عظيماً، خسروا بسببها زعامتهم في قريش وعُزِلوا عن المجتمع المكّي وحوربوا على جميع الأصعدة، فلو كانوا قد اكتشفوا دجلاً منه من خلال ارتباطه بالكُهّان ونحوهم لنبذوه ولم يتحملوا المحنة العصيبة بسببه.
وقد تنبّه الكاتب الإنجليزي (هـ. ج. ويلز) لذلك حيث قال: "إنّ من أرفع الأدلة على صدق محمد كون أهله وأقرب الناس إليه يؤمنون به، فقد كانوا مطلعين على أسراره، ولو شكوا في صدقه لما آمنوا به".
ب: إنّ النبي(صلى الله عليه وآله وسلّم) لم يحتجّ بتحقق إخباراته الغيبية لاثبات صدق دعواه الرسالة الالهية، فلم تجرّ إليه نفعاً ولم تدعم سلطانه حين تحققها، بل ان بعضها تحقق بعد وفاته(صلى الله عليه وآله وسلّم)، مما يكشف يقيناً ان الإخبار بها لم يكن لمطامع دنيوية ـ كما يفعل الكهنة والمرتبطون بعالم الجن ونحوهم ـ مثل إخباره بغلبة الروم في المستقبل ـ في بضع سنين ـ واقتران ذلك بغلبة المسلمين ونصرهم، الأمر الذي لم يكن يخطر في بال أحد آنذاك، قال سبحانه وتعالى: (ألم * غُلبت الروم * في أدنى الأرض وهم من بعد غَلَبهم سيغلِبون * في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون * بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الحكيم * وعْدَ الله لا يُخلف الله وعدَه ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون) (24)، فترى لسان الآية لسان الواثق المتيقّن الذي لا يقبل أي شك أو ترديد.
وبالفعل تحققت كل هذه النبوءات ـ غَلَبت الروم، في أقل من عشر سنوات، مقرونة بفرح المؤمنين بنصر الله في بدر الكبرى ـ ولم يُعَرف ان الرسول(صلى الله عليه وآله وسلّم) استثمر ذلك في مخاصمة المشركين وتقوية حجّته.
ومن آيات الغيب هذه قوله تعالى: (وإذ قلنا لك إنّ ربّك أحاط بالناس وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلاّ فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن ونخوّفهم فما يزيدهم إلاّ طغياناً كبيراً) (25)، حيث روى جمع من المؤرخين والمفسرين ـ من الفريقين ـ نزول هذه الآية المكية في بني أمية(26)، حيث رآهم النبي(صلى الله عليه وآله وسلّم) ينزون على منبره فاغتمّ لذلك فنزلت الآية الكريمة في مكة، فصدّقها الزمن بعد حين.
أترى مثل هذه الإخبارات الغيبية تتناسب مع إخبارات الكهنة ومن شابههم؟!
وهناك العديد من إخبارات الرسول(صلى الله عليه وآله وسلّم) ـ غير القرآنية ـ كانت من هذا القبيل حيث لم يستثمرها وإنّما شهد الزمن بصدقها فيما بعد، كإخباره بأنّ عماراً تقتله الفئة الباغية وانّ آخر شرابه ضياح من لبن، وكان هذا الحديث من الحقائق الثابتة تاريخياً حيث بلغ حداً من الانتشار بين المسلمين بحيث أحرج معاوية عند مقتل عمّار واضطرب جيش أهل الشام وكاد الأمر ينقلب عليه لولا حيلة صاحبه عمرو بن العاص حينما خدع رعاة أهل الشام بقوله: "إنما قتل عمّاراً من جاء به" محمّلاً الإمام علياً(عليه السلام) مسؤولية مقتله(27).
عوداً على الموضوع نقول: بملاحظة هاتين النقطتين يتضح كيف تكون تلك الإخبارات الغيبية شاهدة على إعجاز القرآن وارتباطه بالله تعالى.
"الدرس الخامس"
8 ـ اشتمال القرآن الكريم على أسماء وحوادث قديمة لم يعرفها المجتمع آنذاك، وبعضها لم تتعرض له الكتب القديمة مثل قضية صالح وبلقيس وسد مأرب ونحو ذلك، بل حتى بعض ما تحدثت عنه المصادر الأخرى تناولها القرآن بدقة ومعقولية، وبعضها أكدتها البحوث والتحريات الحديثة.
وقد ذكر المؤرخون ميل النصراني (عداس) غلام صفوان بن أمية للنبي(صلى الله عليه وآله وسلّم) عندما أخبره (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن النبي يونس بن متى ومسقط رأسه نينوى، حيث فوجىء عداس بهذه المعلومات اليسيرة من عربي يعيش في مكة(28)، فكيف بالعدد الهائل من المعلومات التي تضمنها القرآن الكريم بمجموع آياته؟!
9 ـ اشتماله على منظومة عقائدية دقيقة ومنسجمة مع العقل والبرهان، خاصةً مسألة التوحيد وبحوثها التي هي أهم قضية عقائدية شغلت فكر الانسان واهتمامه، فقد طرحها الإسلام من خلال القرآن والسنّة بشكل دقيق سليم من كل إشكال وتهافت حتى انبهر بها العلماء في العصور المختلفة بهذا الطرح القرآني الدقيق، مع ان ذلك مما لا تستوعبه العقول والأذهان العادية للبشر، ولذلك نجد أن عدم استيعاب هذه الفكرة كانت مشكلة البشرية ومازالت، بمن فيهم اتباع الأديان السماوية التي حملت نفس الفكرة حيث ضلّوا عنها بعد رحيل أنبيائهم، وسيطرت عليهم أفكار منحرفة، مثل فكرة الشريك وفكرة التجسيم وغير ذلك.
فكيف يتصور أنّ انساناً يعيش في تلك العصور المظلمة وفي ذلك المجتمع الجاهلي المتوحش يتعامل بهذه الدقة مع هذه القضية الحساسة التي شغلت الفلاسفة والعلماء في كل عصر، فترى القرآن الكريم تحدّث كثيراً عن موضوع التوحيد وصفات الباري سبحانه بدقة متناهية من دون أن يحيد عن الصراط المستقيم.
10 ـ التشريع الشامل لمختلف جوانب الحياة، وشؤون الأفراد والمجتمع من الطقوس العبادية، والتشريعات في مجال العلاقات العامة والخاصّة، وتهذيب النفس، وغير ذلك، حيث لا يعقل أن يبتكر كلَّ ذلك شخص قبل أربعة عشر قرناً ينتمي الى مجتمع يتجذر التخلف في أعماقه.
وقد تنبّه الكثير من الباحثين الغربيين وغيرهم إلى هذه النقطة بالذات فصارت من أهم ما يجذب المثقفين للإسلام في هذا العصر.
وتبقى على العلماء مسؤولية التمعن في مصادر التشريع الإسلامي لإبراز هذا الجانب المشرق من الإسلام، وطرح الحلول السليمة الكفيلة بحلّ المشاكل المعقّدة التي تواجهها المجتمعات، من خلال فهم دقيق وواع لمصادر التشريع وحدوده، وعرض ذلك في اطروحة وصياغة قانونية حديثة.
11 ـ وهناك شواهد أخرى على ارتباط القرآن بالله تعالى نذكر منها..
أ: مجموعة آيات العتاب التي يلوح من بعضها الشدة التي كان الرسول(صلى الله عليه وآله وسلّم) في غنى عنها ـ لو كانت من إنشائه ـ علماً أنّه(صلى الله عليه وآله وسلّم) لم يستثمره لإثبات صحة دعواه حتى تفسّر على أنّها مقصودة له، نخص بالذكر الآيات المدنية المذكورة التي نزلت في أوج قوة النبي(صلى الله عليه وآله وسلّم) حيث لم يكن في حاجة لمثل هذه الأساليب لتدعيم سلطته.
ب: اختلاف مضمون القرآن وطبيعة سلوك النبي(صلى الله عليه وآله وسلّم) المختلفين تماماً عن مضمون كلام أصحاب العلوم الغريبة وسلوكهم.
ج: ما عُرف عنه(صلى الله عليه وآله وسلّم) من أنّه الصادق الأمين قبل دعوته، ولذلك صدّقه أقاربه والمحيطون به وتحمّلوا الشدائد في سبيل ذلك.
د: بعض المواقف الحازمة التي تكشف عن الارتباط بالله تعالى مثل موضوع قبلة المسلمين وتبدلها من بيت المقدس الى الكعبة، ففي مكة وبداية الدعوة حيث كان يفترض ـ من منظور مصلحي ـ جذب القرشيين الى الإسلام جُعلت القبلة الى بيت المقدس مما أثار غيظ المكيين حيث طعنهم في أقدس رمز عندهم، والذي كان أهم مصدر لوضعهم المعنوي والمادي المتميّز، بالإضافة الى أنّه كان خلاف رغبته(صلى الله عليه وآله وسلّم) ـ كما دلّت عليه الآية الكريمة فيما بعد ـ.
وفي المدينة حيث كان يفترض ـ كذلك ـ جذب أهل الكتاب وضرب مصالح أهل مكة أُرجعت القبلة الى الكعبة ممّا يكشف عن أنّ أمر التشريع المذكور لا يخضع للرغبة البشرية، وإنما هو تابع للإرادة الإلهية رعايةً لمصالح لا يعرفها غيره تعالى.
هـ: كشف العديد من الآيات القرآنية عن حقائق علمية أثبتها العلم الحديث، وهو ما يعبّر عنه بالاعجاز العلمي(29). ونؤكد هنا على أهمية الاعتدال والموضوعية وعدم تحميل الآيات القرآنية خلاف ظاهرها لمجرد تطبيقها على مقولة أو نظرية علمية حديثة. لأن القرآن كتاب هداية وليس كتاباً جامعاً للنظريات العلمية التي هي شؤون بشرية.
12 ـ ونضيف الى الدلائل على صحة انتساب القرآن والرسالة الغراء لله سبحانه موقف الرسول(صلى الله عليه وآله وسلّم) وأهل بيته(عليهم السلام) الصلب وتفانيهم في سبيل هذا الدين العظيم مع علمه(صلى الله عليه وآله وسلّم) بمصير أهل بيته المفجع ـ كما دلّت عليه نصوص كثيرة ذكرها أيضاً من لم يكن من اتباع أهل البيت(عليهم السلام) (30) ـ فلو لم يكن محمد(صلى الله عليه وآله وسلّم) مرسلاً ومرتبطاً بالله لم يكن إقدامه على ما سيؤول إلى مقتل أسرته وذرّيته معقولاً.
ولا يحتمل في حقّه(صلى الله عليه وآله وسلّم) أن يكون على وهم وقناعة خاطئة، لأنّه(صلى الله عليه وآله وسلّم) لم يكن يعتمد على النظريات المجرّدة القابلة للخطأ، بل يعتمد على مشاهدة الواقع العيني. ونظير موقفه(صلى الله عليه وآله وسلّم) موقف أهل بيته(عليهم السلام) ـ خاصةً الإمام علي(عليه السلام) ـ في استقامتهم ومعاناتهم في سبيل الرسالة الإسلامية حيث بذلوا كل غال ونفيس.
"الدرس السادس"
الخاصة الثالثة: خلود القرآن
ان خلود القرآن بمعنى أنّه نزل ليبقى أي ليكون مناراً ومرجعاً للأجيال المتعاقبة، ولا يختص بجيل نزوله أو بفترة معينة. وهناك عدة أمور تشهد بذلك..
1 ـ طبيعة آياته ومحتوياته، فهو بين آيات مرتبطة بالعقائد الصحيحة وبين دعوة الى مكارم الأخلاق وبين تشريعات في مختلف المجالات منسجمةً مع الفطرة الإنسانية وصالحةً لترتيب شؤون الإنسان وتنظيم علاقاته مع الآخرين.
نعم هناك مجموعة من الاعتراضات والتساؤلات حول بعض التشريعات القرآنية والإسلامية بشكل عام ومدى انسجامها مع تطور المجتمعات، وقد تصدى العلماء للإجابة عليها وتوضيح انسجام تلك التشريعات مع تطور الإنسان، ولسنا بصدد استيعابها هنا، لأنّ مجالها كتب العقائد وفلسفة التشريع، لكن يكفينا هنا أن نشير الى الإعجاب المتزايد بالقرآن الكريم والتشريع الإسلامي من قِبَل مجموعة كبيرة من المثقفين الغربيين، فهذا الألماني المعروف (غوته) يشيد بالقرآن ويضيف: انّي اعتقد ان هذا الكتاب سيترك في القريب العاجل أثره المنجي والعميق في كل جوانب الحياة ويكون بالنتيجة محط أنظار العالم.
ويقول (جول لابوم) ـ في مقدمة فهرسة القرآن ـ: القرآن حي الى الأبد، وكل واحد من الناس يستفيد منه بمقدار إدراكه واستيعابه.
ويقول (بايلر) المستشرق المعروف ـ بعد أن أشاد بالقرآن ـ في القرآن مواعظ ظاهرة وسيكون في القريب العاجل بلا معارض الى الأبد، وكل شخص يتبع القرآن جيداً ستكون حياته مطمئنة وممتازة ومثالية(31).
2 ـ وما يشهد بخلود القرآن ما دل ان شريعة الإسلام آخر الشرائع وان حلال محمد حلال الى يوم القيامة وحرامه حرام الى يوم القيامة، ونحو ذلك، حيث من الواضح ان القرآن الكريم هو الثقل الأكبر الذي تضمن كثيراً من أصول الإسلام وتعاليمه وتشريعاته، فمن دوام الإسلام وخلوده نعرف دوام القرآن وخلوده.
3 ـ ومما يشهد ـ اسلامياً ـ بخلود القرآن النصوص الكثيرة في السُنّة التي تأمر المسلمين ـ بأجيالهم المتعاقبة ـ بالأخذ بالقرآن والتأمّل فيه وعظمته ونحو ذلك، ويقف في مقدمتها حديث الثقلين المروي بطرق عديدة والمسلَّم عند جميع المسلمين، حيث تضمّن وصية النبي(صلى الله عليه وآله وسلّم) للمسلمين بأجيالهم المتعاقبة بالتمسّك بالكتاب والعترة.
وعن أمير المؤمنين(عليه السلام) قال: "سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلّم) يقول: إنّها ستكون فتن، قلت: وما المخرج منها يا رسول الله؟ قال: كتاب الله، فيه خبر ما قبلكم وما بعدكم، وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، هو الذي لا تزيغ به الأهواء ولا تشبع منه العلماء، ولا يخلق عن كثرة رد، ولا تنقضي عجائبه.."(32).
وفي حديث عن الإمام موسى بن جعفر(عليه السلام): "إنّ رجلاً سأل أبا عبدالله (عليه السلام) ما بال القرآن لا يزداد عند النشر والدراية إلاّ غضاضةً؟ فقال (عليه السلام): لأنّ الله لم ينزله لزمان دون زمان ولا لناس دون ناس، فهو في كل زمان جديد، وعند كل قوم غض الى يوم القيامة"(33).
وفي حديث للإمام علي(عليه السلام) في نهج البلاغة في ذم بعض الأزمنة: "يأتي على الناس زمان لا يبقى فيهم من القرآن إلاّ رسمه ومن الإسلام إلاّ اسمه"(34). فإنّ ذم هذا الزمان يعني أنّ القرآن اُنزل ليكون مصدر هداية لكل الأزمنة.
ومن الشواهد على خلود القرآن ومرجعيته الدائمة للمسلمين ما ورد عن أهل البيت(عليهم السلام) من ضرورة عرض الروايات على القرآن وان ما خالف كتاب الله فهو زخرف أو باطل، وفي بعضها الأمر بأخذ النص الموافق للكتاب العزيز(35)، ما يؤكد دوام مرجعية القرآن وهدايته للأجيال المتعاقبة.
الأسئلة
1 ـ عرّف "علوم القرآن".
2 ـ من هو أوّل من دوّن في علوم القرآن؟
3 ـ اذكر العوامل الخمسة لنشوء وتطوّر هذا العلم.
4 ـ اذكر ستة من شواهد إعجاز القرآن الكريم.
5 ـ ما هي النقاط الأربعة التي توضّح كيف انّ عدم الاضطراب في القرآن دليل إعجازه؟
6 ـ اذكر نقطتين تؤكدان ان إخبارات القرآن الغيبية تكشف عن أنّه كتاب إلهي.
"الدرس السابع"
الخاصة الرابعة: أممية القرآن لجميع الشعوب والأُمم
وهذا البحث يرتبط الى حدٍّ كبير بأممية الإسلام، فإذا تم إثبات ذلك فنعطف على ذلك دور القرآن وأهميته في الإسلام باعتباره الثقل الأكبر، ليتضح حينئذ ان القرآن كتاب لهداية البشر ولا يختص بقوم أو اُمة معيّنة.
أُممية الإسلام
لاشك في أُممية الإسلام وتصدي الرسول(صلى الله عليه وآله وسلّم) والأئمة(عليهم السلام) من بعده لهداية جميع البشر من دون خصوصية لقوم دون غيرهم، ونحاول هنا بحث الموضوع وتسليط الضوء على نقطتين:
الأولى: في توجيه أممية الأديان.
ونشير هنا الى زاويتين..
أ ـ نظرياً: نقول، لا مانع من شمولية الدين، لأنّ الدين يفترض اعتماده على ركنين أساسيين همااصول العقيدة والتشريع المرتبط بالممارسة أو السلوك.
أمّا اصول العقيدة فهي حقيقة ثابتة لا تختلف باختلاف الشعوب، وأمّا الجانب التشريعي فيفترض في الدين اشتماله على تعاليم ارشادات أخلاقية سامية وتشريعات عملية عامة تساهم في إصلاح الفرد والمجتمع وسعادته في الدنيا والآخرة، فلا تختص بشعب دون آخر.
ب ـ بحسب الواقع الموضوعي أيضاً لا موجب لاختصاص الدين بفئة أو شعب خاص، ويكفي شاهداً على إمكانية انتشار الدين الواحد بين الشعوب المختلفة هو انتشار الدين المسيحي والدين الإسلامي بين الأعداد الهائلة من الشعوب شرقاً وغرباً، رغم تباين الظروف وتنوع الثقافات.
الثانية: هل الإسلام دين أممي؟
ونتحدث حول هذه النقطة في أمرين..
(الأمر الأول): الشبهات والاعتراضات الموجّهة على ذلك، وأهمّها ظواهر بعض الآيات، منها:
1) قوله تعالى: (ويقول الذين كفروا لولا أُنزل عليه آية من ربّه إنّما أنت منذر ولكلِّ قوم هاد) (36).
وجه الشبهة ان الآية فرضت أن لكل قوم هادياً، فكيف نفرض الرسول هادياً لجميع البشر؟
والجواب عنها من وجوه..
أ ـ إنّ هذا التفسير للآية الكريمة تفسير ساذج لا يلتئم مع افتراض انسجام الرد مع قولهم المردود، فإنّ هذا الرد ـ على هذا التفسير ـ لا ينسجم مع طبيعة طلبهم وموقفهم، فأيّ ارتباط بين طلبهم نزول الآية وبين هذا الردّ؟!
ويمكن أن تستظهر من الآية وجوه أُخرى للتفسير.
منها: ان المقصود بالهادي ليس هو شخص الرسول(صلى الله عليه وآله وسلّم)، وإنّما القرآن الكريم أو نحوه من شواهد الرسالة، ويكون المعنى ان الله تعالى جعل لكل أمّة ما يناسبها من الآيات الهادية لهم، ويشهد لهذا المعنى تعدد نسبة الهداية للقرآن الكريم ونحوه مثل (إنّ هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم) (37)، (ويرى الذين اُوتوا العلم الذي اُنزل إليك من ربّك هو الحق ويهدي الى صراط العزيز الحميد) (38)، (إنّا سمعنا كتاباً اُنزل من بعد موسى مصدقاً لما بين يديه يهدي الى الحق) (39)، (إنّا سمعنا قرآناً عجباً* يهدي الى الرشد فآمنّا به) (40) وغيرها...
وهذا التفسير يوفّر الانسجام بين مقدّمة الآية وتكملتها، فإنّهم لما طلبوا الآية المعينة من الرسول(صلى الله عليه وآله وسلّم)، توجّه الرد عليهم بأن الله ينزل مع كل رسول الآية التي تنسجم مع محيطه أو طبيعة رسالته. قال الزجاج: "طلبوا غير الآيات التي أتى بها فالتمسوا مثل آيات موسى وعيسى فأعلم الله أنّ لكل قوم هادياً"(41).
ومنها: ما حكاه الرازي عن ابن عباس: وضع رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلّم) يده على صدره فقال: "أنا المنذر" ثم أومأ الى منكب علي(رضي الله عنه)، وقال: "أنت الهادي، يا علي بك يهتدي المهتدون من بعدي"(42). وقريب منه ما رواه الحسكاني.
وهذا قريب من الوجه السابق، ومرجعه ان الهادي هو الذي يربط الناس بالرسالة سواء كان الحجة الناطقة أم الصامتة كما قال (صلى الله عليه وآله وسلّم) "إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي".
ب ـ ان هذا التفسير مبني على تفسير (القوم) بالذين تجمعهم قومية واحدة بالمفهوم المعاصر، وهو بعيد عن المعنى اللغوي، قال الخليل في كتاب العين: قومُ كلّ رجل شيعتهُ وعشيرتهُ، وقال في عشيرك: الذي يعاشرك، أمركما واحد.. وسميت عشيرة الرجل لمعاشرة بعضهم بعضاً(43).
والاستعمال القرآني الشائع للقوم جاء بهذا المعنى (والله لا يهدي القوم الظالمين) (44)، (والله لا يهدي القوم الكافرين) (45)، (والله لا يهدي القوم الفاسقين) (46)، والمقابلة بين القوم الظالمين ونحوهم والقوم المؤمنين التي يؤكدها القرآن خير شاهد على هذا المعنى باعتبار أن الايمان يجمع المؤمنين والكفر والفسق يجمع الآخرين، مع ان من الطرفين من تجمعهم قومية واحدة، وعلى هذا فالقوم في الآية هم المسلمون المهتدون به من أي عرق أو قومية كانوا وفي كل العصور، فيكون (القوم) بمعنى الأُمّة في قوله تعالى: (إنّ هذه أُمّتكم أمّة واحدةً وأنا ربّكم فاعبدون) (47).
ج ـ ان هذه الآية نزلت في المدينة ـ قيل بالإجماع ـ مما يؤكد ان (القوم) لا يقصد به قريش أو أهل مكة بالخصوص، كما ان ارادة خصوص العرب ترفضه الشواهد التاريخية التي تؤكد ان الرسول(صلى الله عليه وآله وسلّم) لم يكن يتعامل بهذا المنظار، فلم يكن يفرّق بين الروم وعرب الشام، ولا الفرس وعرب العراق، بحيث لم يفهم أحد آنذاك تميّز العرب بالدعوة، خاصةً ان الأفكار القومية لم تكن معروفة آنذاك.
د ـ إنّ وجود العديد من الصحابة غير العرب مثل سلمان الفارسي وبلال وصهيب وغيرهم ينفي هذا التمييز، خاصةً سلمان الذي كان مسيحياً موحّداً، فلو لم يكن الإسلام ديناً أُمميّاً لم يكن هناك موجب لاعتناقه له.
هـ ـ إرسال الرسول(صلى الله عليه وآله وسلّم) الرسل الى الملوك غير العرب ينافي هذا الفهم ـ كما سيأتي الحديث عنه ـ.
"الدرس الثامن"
2) قوله تعالى: (وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدّق الذي بين يديه ولتنذر أم القرى ومن حولها والذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به وهم على صلاتهم يحافظون) (48).
وقريب منها في سورة الشورى: (وكذلك أوحينا إليك قرآناً عربياً لتنذر أم القرى ومن حولها وتنذر يوم الجمع لاريب فيه فريق في الجنّة وفريق في السعير) (49).
وجه الشبهة ان هدف الوحي الى الرسول كان إنذار أهل مكة ومن حولها ممّن هو قريب منها.
والجواب عنها من وجوه..
أ ـ ان هذا يبتني على تفسير الحول بالقرب، مع ان القرآن استخدمه بغير ذلك ففي سورة الأحقاف: (ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى) (50).
قال الطبرسي: "معناه: ولقد أهلكنا يا أهل مكة ما حولكم، وهم قوم هود وكانوا باليمن وقوم صالح بالحجر وقوم لوط على طريقهم الى الشام"(51). وكذا في سورة العنكبوت: (أوَلم يروا أنّا جعلنا حَرماً آمناً ويتخطّف الناس من حولهم) (52).
ب ـ الملحوظ في الآية أنّها لم تعبر (مكة وما حولها) وهذا يكشف عن ان المنظار ليس هو البقعة وما يحيط بها جغرافياً، بل في كلتا الآيتين جاء التعبير بـ (أم القرى) وكأنّه لتأكيد مركزية مكة بالنسبة للبقاع الاخرى بسبب وجود الكعبة والبيت الحرام فيها، والعرب تسمي كل أمر جامع يُجتَمع عليه (أماً). ولذا ورد عن ابن عباس أن سبب تسمية مكة بذلك أنّ الأرضين دحيت من تحتها ومن حولها، وقال أبو بكر الأصم: (سمّيت بذلك لأنّها قبلة أهل الدنيا فصارت هي كالأصل وسائر البلاد و القرى تابعة لها) (53).
فاختصاص هذا الاسم بمكة خير شاهد على عدم النظر إليها بما انّها بقعة معيّنة.
ج ـ إنّ هذا التفسير يجعل الرسالة محدودة بحدود جغرافية ضيّقة، وهذا خلاف الضروري من سيرة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلّم). والشواهد الأخرى التي سوف نذكرها.
د ـ لو فرضنا ظهور الآيتين في البقعة الجغرافية فقد يكون من باب التأكيد نظير (وأنذر عشيرتك الأقربين) (54) و(اخفض جناحك للمؤمنين) (55)، أو التدرج في الدعوة للاسلام باعتبار أنّهم كانوا المباشَرين آنذاك، ومن المعلوم ان القرآن ابتنى على ملاحظة المناسبات والتأكيد على ذكر الخصوصيات، نظير قوله تعالى: (هو الذي بعث في الأمّيين رسولاً منهم) (56) على التفسير القائل انّهم أهل مكة ـ مع أنّ سورة الجمعة مدنية ـ فلم يستنكر ذلك أحد من المسلمين ولم يراوده تساؤل عن اختصاص الرسالة بأهل مكة.
ومما يشهد بعدم ورود الآية الكريمة في مقام الحصر الحقيقي، قوله: (وتنذر يوم الجمع) (57) حيث لا إشكال في ان الهدف من إنزال القرآن ليس مجرد الإنذار ليوم الجمع..
هـ ـ إنّ قوله تعالى: (... والذين يؤمنون بالآخرة...) يشمل كل المنتسبين للأديان السماوية وهو لا يلتئم مع اختصاص الرسالة بأهل مكة ومن حولها، خصوصاً مع ندرة وجودهم في هذه المنطقة.
الأمر الثاني: الأدلة والشواهد ـ القرآنية وغيرها ـ الدالة على أممية الإسلام. وهي كثيرة جداً، منها:
1 ـ قوله تعالى: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحقِّ ليظهره على الدين كلِّه وكفى بالله شهيداً) (58). ونظيرها ما في سورتي التوبة والصف.
2 ـ (يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبيّن لكم على فترة من الرسل) (59). ونظيرها كثير من الآيات التي تخاطب أهل الكتاب.
3 ـ (وما أرسلناك إلاّ كافّة للناس) (60) (وما أرسلناك إلاّ رحمةً للعالمين) (61) ونحوهما كثير من الآيات التي تؤكد شمولية الرسالة الاسلامية.
4 ـ (ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد) (62) ونحوها مما دل على تبشير غير العرب برسالته(صلى الله عليه وآله وسلّم).
5 ـ (وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا) (63). حيث دلّت على شمول رسالته لغير العرب، وان اليهود كانوا يترقّبون بعثته.
6 ـ (إنّ الدين عند الله الإسلام) (64). (فمن يرد الله أن يهديَه يشرح صدره للإسلام) (65) ونحوهامن الآيات.
7 ـ (وقل للذين اوتوا الكتاب والأُميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولّوا فإنّما عليك البلاغ) (66) وكذا غيرها من آيات المحاججة وتحدّي أهل الكتاب، مثل آية المباهلة.
8 ـ تعامل الرسول(صلى الله عليه وآله وسلّم) مع أهل الكتاب ودعوته لهم باتباعه كما دعا المشركين الى ذلك.
9 ـ موقف أهل الكتاب من الرسول(صلى الله عليه وآله وسلّم) وتوجّسهم من دعوته، لعلمهم بأنّه يستهدفهم في دعوته.
10 ـ إسلام العديد من الصحابة ممّن كانوا من أهل الكتاب ومن غير العرب كالنجاشي وبلال وسلمان وصهيب، وكذلك غيرهم من الأجيال اللاحقة.
11 ـ رسائل الرسول(صلى الله عليه وآله وسلّم) الى ملوك فارس والروم والحبشة، ودعوتهم للإيمان برسالة الإسلام.
12 ـ الإخبارات الغيبية للرسول(صلى الله عليه وآله وسلّم) عن دخول شعوب غير عربية في الإسلام.
13 ـ موقف الأئمة(عليهم السلام) وعدم ردعهم عن قضية الفتوحات ـ رغم التحفظات على الواقع القائم وبعض الممارسات خلال الفتوحات ـ.
14 ـ طبيعة التشريعات المرتبطة بالتعامل مع غير المسلمين، مثل أحكام الجزية ونحوها المعبّرة عن خطة المشرّع الإسلامي لجذب أهل الكتاب وغيرهم للإسلام.
ـــــــــــــــــ
(1) الطبقات الكبرى لابن سعد: 1/140.
(2) الجامع الصحيح: 1 / 52 باب الحرص على الحديث.
(3) الذريعة: 20/154 ـ 155.
(4) الذريعة: 4/276، 24/108. بحار الأنوار: 1/15.
(5) أعيان الشيعة: 1/321.
(6) راجع تاريخ التراث العربي لفؤاد سركين.
(7) مناهل العرفان: 1 / 36.
(8) نهج البلاغة، الخطبة: 125.
(9) نهج البلاغة، الخطبة: 316.
(10) سورة الإسراء: 9.
(11) سورة الحشر: 21.
(12) سورة يونس: 37.
(13) سورة هود: 13.
(14) سورة يونس: 38.
(15) سورة غافر: 1 ـ 3.
(16) يراجع مجمع البيان: 10 / 854.
(17) يراجع تلخيص التمهيد: 2 / 26 ومابعدها.
(18) سورة يونس: 16.
(19) التفسير الكبير: 2 / 116.
(20) سورة العنكبوت: 48.
(21) سورة النساء: 82.
(22) مناهل العرفان، ج: 2 / 443.
(23) نهج البلاغة،الخطبة: 18/61 تحقيق صبحي الصالح.
(24) سورة الروم: 1 ـ 6.
(25) سورة الإسراء: 60.
(26) حكاه في الدر المنثور عن ابن جرير عن سهل بن سعد، وأيضاً عن ابن أبي حاتم عن ابن عمر، وأيضاً عن ابن ابي حاتم عن يعلى بن مرة، وأيضاً عن ابن مردويه عن الحسين بن علي، وأيضاً عن البيهقي في الدلائل وابن عساكر عن سعيد بن المسيب، وعن آخرين. ان المقصود من الشجرة الملعونة هم بنو أمية.
(27) يراجع تأريخ الامم والملوك للطبري:3/27 و 29، وغيره.
(28) يراجع الكامل في التاريخ: 2 / 92.
(29) يُراجع ماكتبه مصطفى محمود في هذا المجال، وغيره.
(30) الأمالي للشيخ الطوسي: 315، مناقب آل أبي طالب 3:213، بحار الأنوار 45:227 و231.
(31) يراجع كتاب تاريخ وعلوم قرآن: 186 و 189.
(32) المختصر النافع: 17، وقريب منه ما في سنن الترمذي: 5 / 172.
(33) عيون أخبار الرضا7: 239.
(34) تصنيف نهج البلاغة: 213.
(35) الكافي: 1/69. وسائل الشيعة: 18/76 وما بعدها.
(36) سورة الرعد: 7.
(37) سورة الإسراء: 9.
(38) سورة سبأ: 6.
(39) سورة الاحقاف:30.
(40) سورة الجن: 1ـ2.
(41) مجمع البيان: 5/427.
(42) التفسير الكبير: 10/14.
(43) ترتيب كتاب العين: 545، 693.
(44) سورة الصف: 7.
(45) سورة البقرة: 264.
(46) سورة المائدة: 108.
(47) سورة الانبياء: 92.
(48) سورة الأنعام: 92.
(49) سورة الشورى: 7.
(50) سورة الاحقاف: 27.
(51) مجمع البيان: 9/138.
(52) سورة العنكبوت: 67.
(53) التفسير الكبير: 13/81.
(54) سورة الشعراء: 214.
(55) سورة الحجر: 88.
يتضمن الإشارة الى تعريف العلم، وتاريخ وعوامل نشوء هذا العلم وتطوره.
1 ـ تعريف: "علوم القرآن"
منذ أن بزغ فجر الإسلام مقترناً بنزول الوحي الإلهي، وتوالت آيات الله لتشكل فيما بعد كتاب الله الذي يحمل في طياته معالم الدين الجديد بمختلف أبعاده العقائدية والتربوية والعبادية وغيرها، أدرك المسلمون أهمية الكتاب العزيز ـ القرآن الكريم ـ وعظمته، ولم يقتصر اهتمامهم على استيعاب معانيه والتمعن في آياته وتفسيرها، بل اهتموا بجوانب أخرى ترتبط به مثل تاريخ نزوله، وترتيبه، واختلاف القراءات، والإعجاز، والناسخ والمنسوخ، وغير ذلك...
وقد عُرفت هذه البحوث ـ فيما بعد ـ باستثناء تفسير معانيه الذي صار علماً بنفسه، بـ"علوم القرآن".
فـ"علوم القرآن" العلم الذي يحتوي على ما يرتبط بالقرآن الكريم من بحوث ـ سوى التفسير ـ مثل تأريخ نزوله، وترتيبه، واختلاف القراءات، والناسخ والمنسوخ، ووجه الإعجاز فيه، وغير ذلك.
وقد اتضح أن العلوم التي تعرّض لها القرآن الكريم مثل الفقه والتربية والعقائد وغيرها لا ترتبط بهذا العلم.
2 ـ تاريخ "علوم القرآن"
لاشك أنّ بدايات العديد من بحوث هذا العلم تمتد الى عصر الرسول(صلى الله عليه وآله وسلّم) مثل الناسخ والمنسوخ، واختلاف القراءات والوحي وغير ذلك، وقد تزايد اهتمام المسلمين بهذه البحوث بعد انقطاع الوحي عقيب وفاة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلّم) حيث أصبح القرآن الكريم أحد الثقلين اللذين خلّفها(صلى الله عليه وآله وسلّم) للأمة. ولكن المؤسف انّا لا نملك أثراً عن طبيعة تلك الدراسات في ذلك العصر; لأنّها كانت عبارة عن نقل الحديث عن الرسول(صلى الله عليه وآله وسلّم) فمن الطبيعي أن تتأثر بقرار المنع الصادر من الشيخين على رواية حديث الرسول(صلى الله عليه وآله وسلّم) وكتابته، بل وإحراق الموجود منه(1)، وقد تأخر السماح بتدوين السُنّة الى نهاية القرن الأول الهجري، قيل: في زمن عمر بن عبدالعزيز(ت 99 ـ 101) فقد كتب الى عامله في المدينة أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم "انظر ما كان من حديث رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلّم) فاكتبه، فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء"(2).
وعلى كل حال، فيبدو أن أوّل من دوّن في علوم القرآن الإمام علي(عليه السلام) فقد أثبت له الشريف المرتضى كتاب "المحكم والمتشابه في القرآن"(3)، كما نسب له سعد بن عبدالله الأشعري كتاب "ناسخ القرآن ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه"(4)، وذكر الحافظ ابن عقدة الكوفي انّ للإمام ستين نوعاً من أنواع علوم القرآن(5).
ومن بعده ألّف يحيى بن يعمر (ت 89هـ) أحد تلاميذ أبي الأسود الدؤلي كتابه "القراءة" في قرية واسط، وضم الاختلاف الذي لوحظ في نُسَخ القرآن المشهورة(6).
وفي القرن الثاني صنّف الحسن بن أبي الحسن يسار البصري (ت 115هـ) كتابه في "عدد آي القرآن".
وعبدالله بن عامر اليحصبي (ت 118هـ) كتابه في اختلاف مصاحف الشام والحجاز والعراق و"المقطوع والموصول". وشيبة بن نصاح المدني (ت 135هـ) كتاب "الوقوف"، وأبان بن تغلب (ت 141هـ) ـ تلميذ الإمام علي بن الحسين زين العابدين(عليه السلام) ـ صنّف كتاباً في القراءات، وله كتاب "معاني القرآن".
ومحمد بن السائب الكلبي (ت 146هـ) أوّل من صنّف في "أحكام القرآن" ومقاتل بن سليمان المفسّر (ت 150هـ) له كتاب "الآيات المتشابهات". وأبو عمرو بن العلاء زبان بن عمّار التميمي (ت 154هـ) ألّف كتاب "الوقف والابتداء"، وله كتاب "القراءات". وحمزة بن حبيب الزيّات (ت 156هـ) ـ صاحب الإمام الصادق(عليه السلام) ـ له كتاب في القراءة، وتوالى تأليف كتب اخرى في فترات لاحقة.
وفي عصور متأخرة أُلّفت كتب جامعة لعلوم القرآن، منها كتاب "البرهان في علوم القرآن" لبدر الدين محمد بن عبدالله الزركشي (ت 794هـ)، ومنها كتاب "الإتقان في علوم القرآن" لجلال الدين السيوطي (ت 911هـ).
وأما اصطلاح "علوم القرآن" فربما يرجع الى القرن السادس حيث ألّف ابن الجوزي (ت 597) كتابين أحدهما بعنوان: "فنون الأفنان في علوم القرآن" والثاني بعنوان: "المجتبى في علوم تتعلق بالقرآن".
لكن حكى محمد بن عبد العظيم الزرقاني انّه ظفر في دار الكتاب المصريّة بكتاب لعلي بن إبراهيم بن سعيد الشهير بالحوفي (ت 330هـ) اسمه "البرهان في علوم القرآن" يقع في ثلاثين مجلّداً الموجود منه خمسة عشر مجلّداً، إلاّ أنّ الزرقاني تحدث عن هذا الكتاب بقوله: (... كأنّ هذا التأليف تفسير من التفاسير عرض فيه صاحبه لأنواع من علوم القرآن عند المناسبات...) (7).
"الدرس الثاني"
3 ـ عوامل نشوء هذا العلم
نستطيع أن نلخّص العوامل التي أوجبت نشوء هذا العلم وتطوُّر البحث في ذلك بما يلي: ـ
1 ـ فضل القرآن وقدسيته في نفوس المسلمين، فهو الثقل الأكبر والكتاب الذي أوصى به النبي المصطفى(صلى الله عليه وآله وسلّم) أمّته، فضلاً عن النصوص الكثيرة الواردة في ضرورة تقديسه وتنزيهه عن كل ما لا يليق بشأنه، وكذلك الحث الأكيد على قراءته وفهمه والتدبّر فيه وحفظه.
2 ـ عمق القرآن الكريم وتنوع أبحاثه، ممّا أوجب اهتمام العلماء بدراسته دراسة معمّقة ومفصّلة سواء ما يرتبط بألفاظه وأسلوبه أم ما يرتبط بمدلولاته ومضمونه (ظاهره أنيق وباطنه عميق) ـ كما جاء في الحديث ـ.
3 ـ كونه معجزة الإسلام الخالدة ممّا أوجب اعتزاز المسلمين به وانشدادهم نحوه، وبالمقابل صار هدفاً لشبهات أعداء الإسلام الذين يرومون الطعن بالإسلام، هذا الصراع حوله أوجب أن يكون محطّ أنظار العلماء والباحثين وتوجّههم إليه مما ساهم في توسّع الأبحاث المرتبطة به كالتفسير وعلوم القرآن.
4 ـ تضمّنه لأهم معالم الدين الإسلامي وأُسسه وتشريعاته، فهو يتحدث عن اصول العقيدة التي نادى بها الإسلام، كما يتضمّن معالم الأطروحة الإسلامية لرقي الإنسان وتهذيب نفسه وإصلاح مجتمعه، بالإضافة الى جملة وافية من التشريعات الإسلامية المتنوعة.. الى غير ذلك من المواضيع الهامة التي تهم المسلم.
فهو كتاب حيوي مقدس لدى المسلمين، ولذلك ورد الحث على قراءته والتدبر فيه، بل اعتبره الرسول(صلى الله عليه وآله وسلّم) الثقل الأكبر الذي خلّفه ويطالب به أمّته، كما جاء في حديث الثقلين.
5 ـ عدم اشتماله على أسماء أو مواقف محدّدة صريحة، ولذلك ورد عن الإمام علي(عليه السلام): "هذا القرآن إنّما هو خط مستور بين الدفتين لا ينطق بلسان ولابدّ له من ترجمان، وإنّما ينطق عنه الرجال"(8). وفي وصيته لابن عباس لمّا بعثه للاحتجاج على الخوارج: "لا تخاصمهم بالقرآن، فإنّ القرآن حمّال ذو وجوه، تقول ويقولون"(9).
هذه الميزة في القرآن جعلته في مأمن من كيد السلطات الجائرة المتعاقبة، فلم يقفوا أمام اندفاع المسلمين نحوه والباحثين به، ولم يواجهوه بما واجهوا به أهل البيت(عليهم السلام) ـ الثقل الآخر ـ وشيعتهم من العنف والقسوة.
خصائص القرآن
الخاصة الأولى: الشمولية
عندما نتحدث عن شمولية القرآن لا نعني انّه فهرسة للعلوم المختلفة، وإلاّ لأوجب ذلك إماتة روح الإبداع في الإنسان في هذه الحياة الدنيا التي ابتنت على الكدح وبذل الجهد والإبداع.
بل نقصد أنّه يتناول كل جوانب الحياة التي تحيط بالفرد والمجتمع، ولا يقتصر دوره على جانب معيَّن منها فهو كتاب شامل في تعاليمه ومحتواه أو فلنقل ليعزز جهود الرسول الكريم(صلى الله عليه وآله وسلّم) في أدائه لهذا الدور، بتوجيه الأمّة وارشادهم الى ما يضمن لهم السعادة في الدنيا والآخرة.
ولذلك فمن الطبيعي أن يشتمل على مختلف الأمور التي تكون فاعلة في إصلاح الأفراد والمجتمع، ولم يقتصر على جانب واحد منها.(إنّ هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم) (10) فالقرآن قد احتوى على كل ما يهم المسلم بإطاره العام وهو:
1 ـ أصول العقيدة الإسلامية من التوحيد والنبوة والمعاد والإمامة والولاية، وغيرها من المسائل الاعتقادية الأخرى، كالقضاء والقدر والعرش وغير ذلك...
2 ـ الجانب التربوي وما يرتبط به من سمو الاخلاق وتهذيب النفوس.
3 ـ مجموعة من الأحكام الشرعية والقوانين التي تنظم سلوك المسلم وعلاقاته كفرد، والمسلمين كمجتمع، كما أشار الى اتّباع الرسول(صلى الله عليه وآله وسلّم) وولاة الأمر الذين يحدّدون باقي التفاصيل.
وهذا هو مانعنيه من شمولية القرآن.
إضافةً لذلك نرى أنّ القرآن قد تصدّى لمهمة أخرى وهي جذب الناس وترغيبهم فيما يصلحهم، ولم يقتصر دوره على سرد مقوّمات الإصلاح ضمن مواد قانونية جافة ومحدودة التأثير بل تضمن أرقى الأساليب البلاغية وأكثرها تأثيراً في النفس، (لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدّعاً من خشية الله) (11).
"الدرس الثالث"
الخاصة الثانية: إعجاز القرآن
عندما نتحدّث عن انتساب أثر أو كتاب لشخص نعتمد على الدلائل التي تشهد لهذا الانتساب، وكذلك القرآن الكريم نعتمد في نسبته لله تعالى على مجموعة من الأدلة والقرائن، وتعتبر أكثرها شواهد على إعجازه، نذكر منها:
1 ـ انسجام مضمونه ورسالته مع صراط الله القويم المنسجم مع كماله المطلق، فعندما نراجع القرآن الكريم نجده يصب في هذا الاتجاه، فهو بين تمجيد وتوحيد لله تعالى واستعراض صفات كماله، ومنّه، ولطفه بعباده، وبين دعوة الناس بمختلف أساليب الترغيب والترهيب الى صلاح أنفسهم ومجتمعاتهم، وبين رسم الخطوط التشريعية العريضة وأحياناً التفصيلية ـ لحكمة أو ظرف خاص ـ المنسجمة مع الفطرة والطبيعة البشرية لتعين الإنسان في مواجهة الظروف التي يواجهها خلال مسيرة حياته.
فكلّ إنسان لو تأمل وسرحت مخيلته فتصور أنّ الله تعالى بعث رسولاً للبشر فماذا ينتظر من هذا الرسول؟ هل يتوقع من هذا المبعوث الإلهي مفهوماً أو ارشاداً أو مشروعاً يصطدم بتعاليم القرآن؟
حبذا لو تفرغ أحدنا ـ في سبيل عقيدته ـ وتأمل مع نفسه قليلاً حول النهج القرآني، ألا يجده دليلاً كافياً على انتساب هذا الكتاب الكريم لله الحكيم العليم الرؤوف الرحيم؟(وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله) (12)، هب انّ صياغة هذا الدليل قد لا تكون صياغةً جدلية تسكت الخصم المجادل لكنّا في عقيدتنا لا نتقيّد بأدلة مجالس الجدال والمخاصمة ـ رغم أهميتها ـ فما أكثر الخيارات المصيرية التي نختارها اعتماداً على قناعاتنا الخاصة المدعومة بالوجدان أو الفطرة أو الحدس الدقيق أو ما شئت فقل.
2 ـ قمة البلاغة باعتراف العرب المعاندين له رغم إبداعهم في هذا الجانب، وتأكيداً لصحة هذه الدلالة نلاحظ أنّ التحدي القرآني كان في مكة حيث كان المسلمون أقلية مضطهدة وكان هناك قلق كبير ينتاب كبار قريش من دعوة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلّم)، فلو كان بإمكانهم التحدي لواجهوا نداء القرآن (فأتوا بعشر سور مثله مفتريات) (13). و(فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله) (14).
وروى المؤرخون أن النبي(صلى الله عليه وآله وسلّم) لما اُنزل عليه (حم * تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم * غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب) (15) قام إلى المسجد يقرؤها والوليد بن المغيرة قريب منه فلما فطن النبي(صلى الله عليه وآله وسلّم) لاستماعه لقراءته أعاد قراءة الآية، فانطلق الوليد حتى أتى مجلس قومه بني مخزوم، فقال: والله، لقد سمعتُ من محمد آنفاً كلاماً ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجن، وإنّ له لحلاوة وإنّ عليه لطلاوة، وإن اعلاه لمثر ]لمثمر[ وإن اسفله لمُغدق وإنه ليعلو وما يعلى ]عليه[(16).
وقد أشار الكتّاب والباحثون الى جوانب متعددة في الفصاحة والبلاغة تميّز بها القرآن نشير الى بعضها:
أ: الإيقاع الموسيقي المتميز المتعدد الأنواع والمتناسق مع الجو -كما عن الموسيقار المعروف محمد حسن الشجاعي- أو الموسيقى الباطنية كما يقول الأستاذ مصطفى محمود.
ب: انّه بيان على قدر الحاجة، يقول ابن عطية: (لو نزعت منه لفظة ثم أدير لسان العرب على لفظة في أن يوجد أحسن منها لم توجد).
ج: انّه لا يخلق عن كثرة الرد وطول التكرار...، كما أشار إليه كلام الإمام علي(عليه السلام).
د: الروحانية العالية فيه، هذه الروحانية التي تنفذ الى عمق سريرة الإنسان وتهزّ وجدانه(17)، حتّى ان كثيراً من اسرى الحضارة المادية المعاصرة آمنوا بالاسلام تأثّراً بهذه الروحانية.
3 ـ عدم تطور أسلوبه خلال (23) عاماً، هي فترة نزوله، وهو أمر لا ينسجم مع طبيعة الإنسان التكاملية، ولذا نلاحظ الفارق الشاسع في المستوى الفني للشعراء والأدباء عندما نقارن بين بداية نتاجهم الأدبي ومرحلة تكاملهم، بينما لا نجد هذا التكامل في القرآن فلا نجد تطوراً في السور المدنية عن المكية من ناحية الأسلوب والفصاحة والبلاغة.
ويمكن أن نضيف الى هذه النقطة أنّا لا نجد في القرآن تذبذباً في الأسلوب ولا ضعفاً في بعض سوره وآياته، مكيّة كانت أم مدنية، وهذا أيضاً مخالف للطبيعة البشرية المتأثرة بعوامل عديدة تنعكس على نتاجها، خاصة الحس الأدبي والبلاغي المرهف الذي يتأثر بأدنى سبب.
4 ـ من المعروف أنّ سمات ودلائل النبوغ تظهر لدى الشخص في سني حياته الأولى وبدايات الشباب، فلو كان القرآن من إنشاء النبي(صلى الله عليه وآله وسلّم) لظهرت عليه دلائل هذا النبوغ في بدايات حياته واهتم به قومه وتحدّث به العرب لاهتمامهم بهذه الظاهرة، خاصة ان سوق عكاظ كان في مكة مأوى الحجيج، ولاكتسب(صلى الله عليه وآله وسلّم) مكانةً مرموقةً بين قومه وافتخر به أهله وعشيرته، وانهالت عليه الهدايا والعطاءات، خصوصاً مع ما عرف عن كفيله أبي طالب من الفقر والضيق المادّي.
ولعل الآية الكريمة تشير الى ذلك بقولها: (قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به فقد لبثت فيكم عمراً من قبله أفلا تعقلون) (18).
"الدرس الرابع"
5 ـ تنوع أساليب القرآن الكريم وبلوغه القمة في كل منها حيث نجد قمة البلاغة في السور ذوات الآيات القصار كما نجدها في ذوات الآيات الطوال، كذلك تشترك كل الآيات ـ بمضامينها المتنوعة ـ في الإبداع، سواء منها آيات الوعد والوعيد أم القصص أم التشريع أم مكارم الأخلاق أم العقائد وغيرها، بينما المعهود في الأدباء والبلغاء..
أولاً: أن يكون لإبداعهم مذاق واحد. فلكل شخص أسلوبه المتميز به، حتى ان النقّاد والباحثين يعتمدون على هذه النقطة في نسبة القصائد والنتاجات الأدبية لأصحابها الحقيقيين.
وثانياً: ان كلاّ منهم يحلّق في مساحة خاصّة، فقد قالوا في شعر امرىء القيس: "يحسن عند الطرب وذكر النساء وصفة الخيل"، وشعر النابغة "عند الخوف" وشعر الأعشى "عند الطلب ووصف الخمر"، وشعر زهير "عند الرغبة والرجاء"(19)، فكل شاعر يحسن كلامه في مجال فإنّه يضعف في غير ذلك، أمّا القرآن فإنّه بلغ الذروة بأساليبه المختلفة وفي مساحات شتّى. وهذا مما ينفي كونه إبداعاً بشرياً.
6 ـ عدم الاضطراب في المحتوى، وتظهر أهمية هذه النقطة مع ملاحظة ما يلي..
أ: تشعب المواضيع والعلوم التي يتعرّض لها، حيث يشتمل على منظومة من العقائد والحِكَم ومكارم الأخلاق والقوانين، ويتضمّن القصص التاريخية وبعض الظواهر الكونية.. وغير ذلك.
ب: نزول كثير من الآيات أو أكثرها من دون تهيئة مسبقة، أو تبعاً لحدث طارئ أو سفر أو حرب أو نحو ذلك مما لا يسمح بالتمعّن ومراجعة النص السابق تجنّباً للوقوع في التناقض.
ج: تكرر الحديث عن نفس المواضيع التي سبق التعرض لها في فترات زمنية متباعدة مما يجعله معرضاً للاضطراب والتناقض ـ لو كان نتاجاً بشرياً ـ وعدم الاقتصار في الحديث عن الموضوع مرة واحدة.
د: صدوره من غير متعلم، إذ لم يعرف عن الرسول(صلى الله عليه وآله وسلّم) اهتمامه بالدراسة والتعلم، فكيف يمكنه إبداع القرآن وما تضمّنه من علوم وتعاليم وغيرها، فهو يتحدّث عن السماء والأرض والتوحيد والأخلاق والتشريع والتاريخ وغير ذلك، والى هذا تشير الآية الكريمة: (وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذاً لارتاب المبطلون) (20).
بعد ملاحظة هذه النقاط الأربع يتضح الوجه في كون عدم الاختلاف والاضطراب في القرآن دليلاً على ارتباطه بالله تعالى ومن أدلة إعجازه، كما أشارت إليه الآية الكريمة: (أفلا يتدبّرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً) (21).
والبعض ممن لم ينتبه لهذه الخصوصيات الأربع لم يتفهم وجه كونه دليلاً على الإعجاز، قال محمد عبدالعظيم الزرقاني: "ويلاحظ كذلك ان الاشتمال على الحِكَم البالغة، وعدم الاختلاف والتناقض بين معانيه لا يصلح واحد منها أن يكون وجهاً من وجوه الإعجاز، لأنّهما لا يخرجان عن حدود الطاقة بل كثيراً ما نجد كلام الناس مشتملاً على حِكَم وسليماً من التناقض والاختلاف"(22).
وما أدري كيف يفهم الزرقاني معنى هذه الآية الصريحة في جعل عدم الاختلاف في القرآن دليلاً على أنّه من الله تعالى لا من البشر، ويبدو أنّه أخذ عدم الاختلاف مجرداً عن الخصوصيات التي ذكرناها فلذلك لم يستوضح دلالته على الإعجاز.
ومن كلام للإمام علي(عليه السلام) في نهج البلاغة: "وذكر أنّ الكتاب يصدق بعضه بعضاً، وأنّه لا اختلاف فيه فقال سبحانه: (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً) "(23).
7 ـ إخباره بالمغيبات، ويتضح وجه دلالة هذا الشاهد على الإعجاز من خلال ملاحظة ما يلي:
أ: إنّ المتميّزين بالإخبار عن بعض الأمور الغيبية والعلوم الغريبة من الكهان ونحوهم كانوا بعدد الأصابع ومعروفين على مستوى الجزيرة العربية يراجعهم العرب ويحكّمونهم أحياناً في أمورهم، ولم يعرف عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلّم) انّه كان يرتاد أماكنهم ويختلط بهم، ولو كان قد استقى علومه الغيبية من أحد هؤلاء لفضحه هو ومن يختص بذلك الشخص.
خصوصاً انّهم كانوا بعيدين عن مكّة بحيث يُقصَدون بعناء، فليس من المعقول أن يرتاد على أحدهم شخص من أسرة معروفة متميّزة في مكة ويلازمه فترة طويلة من دون أن يعرف بذلك أحد حتى أقاربه وأهله، خاصةً أنّ الرسول(صلى الله عليه وآله وسلّم) كان في كفالة عمه شيخ الأباطح أبي طالب الذي سببت دعوته له ولبني هاشم إحراجاً عظيماً، خسروا بسببها زعامتهم في قريش وعُزِلوا عن المجتمع المكّي وحوربوا على جميع الأصعدة، فلو كانوا قد اكتشفوا دجلاً منه من خلال ارتباطه بالكُهّان ونحوهم لنبذوه ولم يتحملوا المحنة العصيبة بسببه.
وقد تنبّه الكاتب الإنجليزي (هـ. ج. ويلز) لذلك حيث قال: "إنّ من أرفع الأدلة على صدق محمد كون أهله وأقرب الناس إليه يؤمنون به، فقد كانوا مطلعين على أسراره، ولو شكوا في صدقه لما آمنوا به".
ب: إنّ النبي(صلى الله عليه وآله وسلّم) لم يحتجّ بتحقق إخباراته الغيبية لاثبات صدق دعواه الرسالة الالهية، فلم تجرّ إليه نفعاً ولم تدعم سلطانه حين تحققها، بل ان بعضها تحقق بعد وفاته(صلى الله عليه وآله وسلّم)، مما يكشف يقيناً ان الإخبار بها لم يكن لمطامع دنيوية ـ كما يفعل الكهنة والمرتبطون بعالم الجن ونحوهم ـ مثل إخباره بغلبة الروم في المستقبل ـ في بضع سنين ـ واقتران ذلك بغلبة المسلمين ونصرهم، الأمر الذي لم يكن يخطر في بال أحد آنذاك، قال سبحانه وتعالى: (ألم * غُلبت الروم * في أدنى الأرض وهم من بعد غَلَبهم سيغلِبون * في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون * بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الحكيم * وعْدَ الله لا يُخلف الله وعدَه ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون) (24)، فترى لسان الآية لسان الواثق المتيقّن الذي لا يقبل أي شك أو ترديد.
وبالفعل تحققت كل هذه النبوءات ـ غَلَبت الروم، في أقل من عشر سنوات، مقرونة بفرح المؤمنين بنصر الله في بدر الكبرى ـ ولم يُعَرف ان الرسول(صلى الله عليه وآله وسلّم) استثمر ذلك في مخاصمة المشركين وتقوية حجّته.
ومن آيات الغيب هذه قوله تعالى: (وإذ قلنا لك إنّ ربّك أحاط بالناس وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلاّ فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن ونخوّفهم فما يزيدهم إلاّ طغياناً كبيراً) (25)، حيث روى جمع من المؤرخين والمفسرين ـ من الفريقين ـ نزول هذه الآية المكية في بني أمية(26)، حيث رآهم النبي(صلى الله عليه وآله وسلّم) ينزون على منبره فاغتمّ لذلك فنزلت الآية الكريمة في مكة، فصدّقها الزمن بعد حين.
أترى مثل هذه الإخبارات الغيبية تتناسب مع إخبارات الكهنة ومن شابههم؟!
وهناك العديد من إخبارات الرسول(صلى الله عليه وآله وسلّم) ـ غير القرآنية ـ كانت من هذا القبيل حيث لم يستثمرها وإنّما شهد الزمن بصدقها فيما بعد، كإخباره بأنّ عماراً تقتله الفئة الباغية وانّ آخر شرابه ضياح من لبن، وكان هذا الحديث من الحقائق الثابتة تاريخياً حيث بلغ حداً من الانتشار بين المسلمين بحيث أحرج معاوية عند مقتل عمّار واضطرب جيش أهل الشام وكاد الأمر ينقلب عليه لولا حيلة صاحبه عمرو بن العاص حينما خدع رعاة أهل الشام بقوله: "إنما قتل عمّاراً من جاء به" محمّلاً الإمام علياً(عليه السلام) مسؤولية مقتله(27).
عوداً على الموضوع نقول: بملاحظة هاتين النقطتين يتضح كيف تكون تلك الإخبارات الغيبية شاهدة على إعجاز القرآن وارتباطه بالله تعالى.
"الدرس الخامس"
8 ـ اشتمال القرآن الكريم على أسماء وحوادث قديمة لم يعرفها المجتمع آنذاك، وبعضها لم تتعرض له الكتب القديمة مثل قضية صالح وبلقيس وسد مأرب ونحو ذلك، بل حتى بعض ما تحدثت عنه المصادر الأخرى تناولها القرآن بدقة ومعقولية، وبعضها أكدتها البحوث والتحريات الحديثة.
وقد ذكر المؤرخون ميل النصراني (عداس) غلام صفوان بن أمية للنبي(صلى الله عليه وآله وسلّم) عندما أخبره (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن النبي يونس بن متى ومسقط رأسه نينوى، حيث فوجىء عداس بهذه المعلومات اليسيرة من عربي يعيش في مكة(28)، فكيف بالعدد الهائل من المعلومات التي تضمنها القرآن الكريم بمجموع آياته؟!
9 ـ اشتماله على منظومة عقائدية دقيقة ومنسجمة مع العقل والبرهان، خاصةً مسألة التوحيد وبحوثها التي هي أهم قضية عقائدية شغلت فكر الانسان واهتمامه، فقد طرحها الإسلام من خلال القرآن والسنّة بشكل دقيق سليم من كل إشكال وتهافت حتى انبهر بها العلماء في العصور المختلفة بهذا الطرح القرآني الدقيق، مع ان ذلك مما لا تستوعبه العقول والأذهان العادية للبشر، ولذلك نجد أن عدم استيعاب هذه الفكرة كانت مشكلة البشرية ومازالت، بمن فيهم اتباع الأديان السماوية التي حملت نفس الفكرة حيث ضلّوا عنها بعد رحيل أنبيائهم، وسيطرت عليهم أفكار منحرفة، مثل فكرة الشريك وفكرة التجسيم وغير ذلك.
فكيف يتصور أنّ انساناً يعيش في تلك العصور المظلمة وفي ذلك المجتمع الجاهلي المتوحش يتعامل بهذه الدقة مع هذه القضية الحساسة التي شغلت الفلاسفة والعلماء في كل عصر، فترى القرآن الكريم تحدّث كثيراً عن موضوع التوحيد وصفات الباري سبحانه بدقة متناهية من دون أن يحيد عن الصراط المستقيم.
10 ـ التشريع الشامل لمختلف جوانب الحياة، وشؤون الأفراد والمجتمع من الطقوس العبادية، والتشريعات في مجال العلاقات العامة والخاصّة، وتهذيب النفس، وغير ذلك، حيث لا يعقل أن يبتكر كلَّ ذلك شخص قبل أربعة عشر قرناً ينتمي الى مجتمع يتجذر التخلف في أعماقه.
وقد تنبّه الكثير من الباحثين الغربيين وغيرهم إلى هذه النقطة بالذات فصارت من أهم ما يجذب المثقفين للإسلام في هذا العصر.
وتبقى على العلماء مسؤولية التمعن في مصادر التشريع الإسلامي لإبراز هذا الجانب المشرق من الإسلام، وطرح الحلول السليمة الكفيلة بحلّ المشاكل المعقّدة التي تواجهها المجتمعات، من خلال فهم دقيق وواع لمصادر التشريع وحدوده، وعرض ذلك في اطروحة وصياغة قانونية حديثة.
11 ـ وهناك شواهد أخرى على ارتباط القرآن بالله تعالى نذكر منها..
أ: مجموعة آيات العتاب التي يلوح من بعضها الشدة التي كان الرسول(صلى الله عليه وآله وسلّم) في غنى عنها ـ لو كانت من إنشائه ـ علماً أنّه(صلى الله عليه وآله وسلّم) لم يستثمره لإثبات صحة دعواه حتى تفسّر على أنّها مقصودة له، نخص بالذكر الآيات المدنية المذكورة التي نزلت في أوج قوة النبي(صلى الله عليه وآله وسلّم) حيث لم يكن في حاجة لمثل هذه الأساليب لتدعيم سلطته.
ب: اختلاف مضمون القرآن وطبيعة سلوك النبي(صلى الله عليه وآله وسلّم) المختلفين تماماً عن مضمون كلام أصحاب العلوم الغريبة وسلوكهم.
ج: ما عُرف عنه(صلى الله عليه وآله وسلّم) من أنّه الصادق الأمين قبل دعوته، ولذلك صدّقه أقاربه والمحيطون به وتحمّلوا الشدائد في سبيل ذلك.
د: بعض المواقف الحازمة التي تكشف عن الارتباط بالله تعالى مثل موضوع قبلة المسلمين وتبدلها من بيت المقدس الى الكعبة، ففي مكة وبداية الدعوة حيث كان يفترض ـ من منظور مصلحي ـ جذب القرشيين الى الإسلام جُعلت القبلة الى بيت المقدس مما أثار غيظ المكيين حيث طعنهم في أقدس رمز عندهم، والذي كان أهم مصدر لوضعهم المعنوي والمادي المتميّز، بالإضافة الى أنّه كان خلاف رغبته(صلى الله عليه وآله وسلّم) ـ كما دلّت عليه الآية الكريمة فيما بعد ـ.
وفي المدينة حيث كان يفترض ـ كذلك ـ جذب أهل الكتاب وضرب مصالح أهل مكة أُرجعت القبلة الى الكعبة ممّا يكشف عن أنّ أمر التشريع المذكور لا يخضع للرغبة البشرية، وإنما هو تابع للإرادة الإلهية رعايةً لمصالح لا يعرفها غيره تعالى.
هـ: كشف العديد من الآيات القرآنية عن حقائق علمية أثبتها العلم الحديث، وهو ما يعبّر عنه بالاعجاز العلمي(29). ونؤكد هنا على أهمية الاعتدال والموضوعية وعدم تحميل الآيات القرآنية خلاف ظاهرها لمجرد تطبيقها على مقولة أو نظرية علمية حديثة. لأن القرآن كتاب هداية وليس كتاباً جامعاً للنظريات العلمية التي هي شؤون بشرية.
12 ـ ونضيف الى الدلائل على صحة انتساب القرآن والرسالة الغراء لله سبحانه موقف الرسول(صلى الله عليه وآله وسلّم) وأهل بيته(عليهم السلام) الصلب وتفانيهم في سبيل هذا الدين العظيم مع علمه(صلى الله عليه وآله وسلّم) بمصير أهل بيته المفجع ـ كما دلّت عليه نصوص كثيرة ذكرها أيضاً من لم يكن من اتباع أهل البيت(عليهم السلام) (30) ـ فلو لم يكن محمد(صلى الله عليه وآله وسلّم) مرسلاً ومرتبطاً بالله لم يكن إقدامه على ما سيؤول إلى مقتل أسرته وذرّيته معقولاً.
ولا يحتمل في حقّه(صلى الله عليه وآله وسلّم) أن يكون على وهم وقناعة خاطئة، لأنّه(صلى الله عليه وآله وسلّم) لم يكن يعتمد على النظريات المجرّدة القابلة للخطأ، بل يعتمد على مشاهدة الواقع العيني. ونظير موقفه(صلى الله عليه وآله وسلّم) موقف أهل بيته(عليهم السلام) ـ خاصةً الإمام علي(عليه السلام) ـ في استقامتهم ومعاناتهم في سبيل الرسالة الإسلامية حيث بذلوا كل غال ونفيس.
"الدرس السادس"
الخاصة الثالثة: خلود القرآن
ان خلود القرآن بمعنى أنّه نزل ليبقى أي ليكون مناراً ومرجعاً للأجيال المتعاقبة، ولا يختص بجيل نزوله أو بفترة معينة. وهناك عدة أمور تشهد بذلك..
1 ـ طبيعة آياته ومحتوياته، فهو بين آيات مرتبطة بالعقائد الصحيحة وبين دعوة الى مكارم الأخلاق وبين تشريعات في مختلف المجالات منسجمةً مع الفطرة الإنسانية وصالحةً لترتيب شؤون الإنسان وتنظيم علاقاته مع الآخرين.
نعم هناك مجموعة من الاعتراضات والتساؤلات حول بعض التشريعات القرآنية والإسلامية بشكل عام ومدى انسجامها مع تطور المجتمعات، وقد تصدى العلماء للإجابة عليها وتوضيح انسجام تلك التشريعات مع تطور الإنسان، ولسنا بصدد استيعابها هنا، لأنّ مجالها كتب العقائد وفلسفة التشريع، لكن يكفينا هنا أن نشير الى الإعجاب المتزايد بالقرآن الكريم والتشريع الإسلامي من قِبَل مجموعة كبيرة من المثقفين الغربيين، فهذا الألماني المعروف (غوته) يشيد بالقرآن ويضيف: انّي اعتقد ان هذا الكتاب سيترك في القريب العاجل أثره المنجي والعميق في كل جوانب الحياة ويكون بالنتيجة محط أنظار العالم.
ويقول (جول لابوم) ـ في مقدمة فهرسة القرآن ـ: القرآن حي الى الأبد، وكل واحد من الناس يستفيد منه بمقدار إدراكه واستيعابه.
ويقول (بايلر) المستشرق المعروف ـ بعد أن أشاد بالقرآن ـ في القرآن مواعظ ظاهرة وسيكون في القريب العاجل بلا معارض الى الأبد، وكل شخص يتبع القرآن جيداً ستكون حياته مطمئنة وممتازة ومثالية(31).
2 ـ وما يشهد بخلود القرآن ما دل ان شريعة الإسلام آخر الشرائع وان حلال محمد حلال الى يوم القيامة وحرامه حرام الى يوم القيامة، ونحو ذلك، حيث من الواضح ان القرآن الكريم هو الثقل الأكبر الذي تضمن كثيراً من أصول الإسلام وتعاليمه وتشريعاته، فمن دوام الإسلام وخلوده نعرف دوام القرآن وخلوده.
3 ـ ومما يشهد ـ اسلامياً ـ بخلود القرآن النصوص الكثيرة في السُنّة التي تأمر المسلمين ـ بأجيالهم المتعاقبة ـ بالأخذ بالقرآن والتأمّل فيه وعظمته ونحو ذلك، ويقف في مقدمتها حديث الثقلين المروي بطرق عديدة والمسلَّم عند جميع المسلمين، حيث تضمّن وصية النبي(صلى الله عليه وآله وسلّم) للمسلمين بأجيالهم المتعاقبة بالتمسّك بالكتاب والعترة.
وعن أمير المؤمنين(عليه السلام) قال: "سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلّم) يقول: إنّها ستكون فتن، قلت: وما المخرج منها يا رسول الله؟ قال: كتاب الله، فيه خبر ما قبلكم وما بعدكم، وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، هو الذي لا تزيغ به الأهواء ولا تشبع منه العلماء، ولا يخلق عن كثرة رد، ولا تنقضي عجائبه.."(32).
وفي حديث عن الإمام موسى بن جعفر(عليه السلام): "إنّ رجلاً سأل أبا عبدالله (عليه السلام) ما بال القرآن لا يزداد عند النشر والدراية إلاّ غضاضةً؟ فقال (عليه السلام): لأنّ الله لم ينزله لزمان دون زمان ولا لناس دون ناس، فهو في كل زمان جديد، وعند كل قوم غض الى يوم القيامة"(33).
وفي حديث للإمام علي(عليه السلام) في نهج البلاغة في ذم بعض الأزمنة: "يأتي على الناس زمان لا يبقى فيهم من القرآن إلاّ رسمه ومن الإسلام إلاّ اسمه"(34). فإنّ ذم هذا الزمان يعني أنّ القرآن اُنزل ليكون مصدر هداية لكل الأزمنة.
ومن الشواهد على خلود القرآن ومرجعيته الدائمة للمسلمين ما ورد عن أهل البيت(عليهم السلام) من ضرورة عرض الروايات على القرآن وان ما خالف كتاب الله فهو زخرف أو باطل، وفي بعضها الأمر بأخذ النص الموافق للكتاب العزيز(35)، ما يؤكد دوام مرجعية القرآن وهدايته للأجيال المتعاقبة.
الأسئلة
1 ـ عرّف "علوم القرآن".
2 ـ من هو أوّل من دوّن في علوم القرآن؟
3 ـ اذكر العوامل الخمسة لنشوء وتطوّر هذا العلم.
4 ـ اذكر ستة من شواهد إعجاز القرآن الكريم.
5 ـ ما هي النقاط الأربعة التي توضّح كيف انّ عدم الاضطراب في القرآن دليل إعجازه؟
6 ـ اذكر نقطتين تؤكدان ان إخبارات القرآن الغيبية تكشف عن أنّه كتاب إلهي.
"الدرس السابع"
الخاصة الرابعة: أممية القرآن لجميع الشعوب والأُمم
وهذا البحث يرتبط الى حدٍّ كبير بأممية الإسلام، فإذا تم إثبات ذلك فنعطف على ذلك دور القرآن وأهميته في الإسلام باعتباره الثقل الأكبر، ليتضح حينئذ ان القرآن كتاب لهداية البشر ولا يختص بقوم أو اُمة معيّنة.
أُممية الإسلام
لاشك في أُممية الإسلام وتصدي الرسول(صلى الله عليه وآله وسلّم) والأئمة(عليهم السلام) من بعده لهداية جميع البشر من دون خصوصية لقوم دون غيرهم، ونحاول هنا بحث الموضوع وتسليط الضوء على نقطتين:
الأولى: في توجيه أممية الأديان.
ونشير هنا الى زاويتين..
أ ـ نظرياً: نقول، لا مانع من شمولية الدين، لأنّ الدين يفترض اعتماده على ركنين أساسيين همااصول العقيدة والتشريع المرتبط بالممارسة أو السلوك.
أمّا اصول العقيدة فهي حقيقة ثابتة لا تختلف باختلاف الشعوب، وأمّا الجانب التشريعي فيفترض في الدين اشتماله على تعاليم ارشادات أخلاقية سامية وتشريعات عملية عامة تساهم في إصلاح الفرد والمجتمع وسعادته في الدنيا والآخرة، فلا تختص بشعب دون آخر.
ب ـ بحسب الواقع الموضوعي أيضاً لا موجب لاختصاص الدين بفئة أو شعب خاص، ويكفي شاهداً على إمكانية انتشار الدين الواحد بين الشعوب المختلفة هو انتشار الدين المسيحي والدين الإسلامي بين الأعداد الهائلة من الشعوب شرقاً وغرباً، رغم تباين الظروف وتنوع الثقافات.
الثانية: هل الإسلام دين أممي؟
ونتحدث حول هذه النقطة في أمرين..
(الأمر الأول): الشبهات والاعتراضات الموجّهة على ذلك، وأهمّها ظواهر بعض الآيات، منها:
1) قوله تعالى: (ويقول الذين كفروا لولا أُنزل عليه آية من ربّه إنّما أنت منذر ولكلِّ قوم هاد) (36).
وجه الشبهة ان الآية فرضت أن لكل قوم هادياً، فكيف نفرض الرسول هادياً لجميع البشر؟
والجواب عنها من وجوه..
أ ـ إنّ هذا التفسير للآية الكريمة تفسير ساذج لا يلتئم مع افتراض انسجام الرد مع قولهم المردود، فإنّ هذا الرد ـ على هذا التفسير ـ لا ينسجم مع طبيعة طلبهم وموقفهم، فأيّ ارتباط بين طلبهم نزول الآية وبين هذا الردّ؟!
ويمكن أن تستظهر من الآية وجوه أُخرى للتفسير.
منها: ان المقصود بالهادي ليس هو شخص الرسول(صلى الله عليه وآله وسلّم)، وإنّما القرآن الكريم أو نحوه من شواهد الرسالة، ويكون المعنى ان الله تعالى جعل لكل أمّة ما يناسبها من الآيات الهادية لهم، ويشهد لهذا المعنى تعدد نسبة الهداية للقرآن الكريم ونحوه مثل (إنّ هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم) (37)، (ويرى الذين اُوتوا العلم الذي اُنزل إليك من ربّك هو الحق ويهدي الى صراط العزيز الحميد) (38)، (إنّا سمعنا كتاباً اُنزل من بعد موسى مصدقاً لما بين يديه يهدي الى الحق) (39)، (إنّا سمعنا قرآناً عجباً* يهدي الى الرشد فآمنّا به) (40) وغيرها...
وهذا التفسير يوفّر الانسجام بين مقدّمة الآية وتكملتها، فإنّهم لما طلبوا الآية المعينة من الرسول(صلى الله عليه وآله وسلّم)، توجّه الرد عليهم بأن الله ينزل مع كل رسول الآية التي تنسجم مع محيطه أو طبيعة رسالته. قال الزجاج: "طلبوا غير الآيات التي أتى بها فالتمسوا مثل آيات موسى وعيسى فأعلم الله أنّ لكل قوم هادياً"(41).
ومنها: ما حكاه الرازي عن ابن عباس: وضع رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلّم) يده على صدره فقال: "أنا المنذر" ثم أومأ الى منكب علي(رضي الله عنه)، وقال: "أنت الهادي، يا علي بك يهتدي المهتدون من بعدي"(42). وقريب منه ما رواه الحسكاني.
وهذا قريب من الوجه السابق، ومرجعه ان الهادي هو الذي يربط الناس بالرسالة سواء كان الحجة الناطقة أم الصامتة كما قال (صلى الله عليه وآله وسلّم) "إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي".
ب ـ ان هذا التفسير مبني على تفسير (القوم) بالذين تجمعهم قومية واحدة بالمفهوم المعاصر، وهو بعيد عن المعنى اللغوي، قال الخليل في كتاب العين: قومُ كلّ رجل شيعتهُ وعشيرتهُ، وقال في عشيرك: الذي يعاشرك، أمركما واحد.. وسميت عشيرة الرجل لمعاشرة بعضهم بعضاً(43).
والاستعمال القرآني الشائع للقوم جاء بهذا المعنى (والله لا يهدي القوم الظالمين) (44)، (والله لا يهدي القوم الكافرين) (45)، (والله لا يهدي القوم الفاسقين) (46)، والمقابلة بين القوم الظالمين ونحوهم والقوم المؤمنين التي يؤكدها القرآن خير شاهد على هذا المعنى باعتبار أن الايمان يجمع المؤمنين والكفر والفسق يجمع الآخرين، مع ان من الطرفين من تجمعهم قومية واحدة، وعلى هذا فالقوم في الآية هم المسلمون المهتدون به من أي عرق أو قومية كانوا وفي كل العصور، فيكون (القوم) بمعنى الأُمّة في قوله تعالى: (إنّ هذه أُمّتكم أمّة واحدةً وأنا ربّكم فاعبدون) (47).
ج ـ ان هذه الآية نزلت في المدينة ـ قيل بالإجماع ـ مما يؤكد ان (القوم) لا يقصد به قريش أو أهل مكة بالخصوص، كما ان ارادة خصوص العرب ترفضه الشواهد التاريخية التي تؤكد ان الرسول(صلى الله عليه وآله وسلّم) لم يكن يتعامل بهذا المنظار، فلم يكن يفرّق بين الروم وعرب الشام، ولا الفرس وعرب العراق، بحيث لم يفهم أحد آنذاك تميّز العرب بالدعوة، خاصةً ان الأفكار القومية لم تكن معروفة آنذاك.
د ـ إنّ وجود العديد من الصحابة غير العرب مثل سلمان الفارسي وبلال وصهيب وغيرهم ينفي هذا التمييز، خاصةً سلمان الذي كان مسيحياً موحّداً، فلو لم يكن الإسلام ديناً أُمميّاً لم يكن هناك موجب لاعتناقه له.
هـ ـ إرسال الرسول(صلى الله عليه وآله وسلّم) الرسل الى الملوك غير العرب ينافي هذا الفهم ـ كما سيأتي الحديث عنه ـ.
"الدرس الثامن"
2) قوله تعالى: (وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدّق الذي بين يديه ولتنذر أم القرى ومن حولها والذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به وهم على صلاتهم يحافظون) (48).
وقريب منها في سورة الشورى: (وكذلك أوحينا إليك قرآناً عربياً لتنذر أم القرى ومن حولها وتنذر يوم الجمع لاريب فيه فريق في الجنّة وفريق في السعير) (49).
وجه الشبهة ان هدف الوحي الى الرسول كان إنذار أهل مكة ومن حولها ممّن هو قريب منها.
والجواب عنها من وجوه..
أ ـ ان هذا يبتني على تفسير الحول بالقرب، مع ان القرآن استخدمه بغير ذلك ففي سورة الأحقاف: (ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى) (50).
قال الطبرسي: "معناه: ولقد أهلكنا يا أهل مكة ما حولكم، وهم قوم هود وكانوا باليمن وقوم صالح بالحجر وقوم لوط على طريقهم الى الشام"(51). وكذا في سورة العنكبوت: (أوَلم يروا أنّا جعلنا حَرماً آمناً ويتخطّف الناس من حولهم) (52).
ب ـ الملحوظ في الآية أنّها لم تعبر (مكة وما حولها) وهذا يكشف عن ان المنظار ليس هو البقعة وما يحيط بها جغرافياً، بل في كلتا الآيتين جاء التعبير بـ (أم القرى) وكأنّه لتأكيد مركزية مكة بالنسبة للبقاع الاخرى بسبب وجود الكعبة والبيت الحرام فيها، والعرب تسمي كل أمر جامع يُجتَمع عليه (أماً). ولذا ورد عن ابن عباس أن سبب تسمية مكة بذلك أنّ الأرضين دحيت من تحتها ومن حولها، وقال أبو بكر الأصم: (سمّيت بذلك لأنّها قبلة أهل الدنيا فصارت هي كالأصل وسائر البلاد و القرى تابعة لها) (53).
فاختصاص هذا الاسم بمكة خير شاهد على عدم النظر إليها بما انّها بقعة معيّنة.
ج ـ إنّ هذا التفسير يجعل الرسالة محدودة بحدود جغرافية ضيّقة، وهذا خلاف الضروري من سيرة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلّم). والشواهد الأخرى التي سوف نذكرها.
د ـ لو فرضنا ظهور الآيتين في البقعة الجغرافية فقد يكون من باب التأكيد نظير (وأنذر عشيرتك الأقربين) (54) و(اخفض جناحك للمؤمنين) (55)، أو التدرج في الدعوة للاسلام باعتبار أنّهم كانوا المباشَرين آنذاك، ومن المعلوم ان القرآن ابتنى على ملاحظة المناسبات والتأكيد على ذكر الخصوصيات، نظير قوله تعالى: (هو الذي بعث في الأمّيين رسولاً منهم) (56) على التفسير القائل انّهم أهل مكة ـ مع أنّ سورة الجمعة مدنية ـ فلم يستنكر ذلك أحد من المسلمين ولم يراوده تساؤل عن اختصاص الرسالة بأهل مكة.
ومما يشهد بعدم ورود الآية الكريمة في مقام الحصر الحقيقي، قوله: (وتنذر يوم الجمع) (57) حيث لا إشكال في ان الهدف من إنزال القرآن ليس مجرد الإنذار ليوم الجمع..
هـ ـ إنّ قوله تعالى: (... والذين يؤمنون بالآخرة...) يشمل كل المنتسبين للأديان السماوية وهو لا يلتئم مع اختصاص الرسالة بأهل مكة ومن حولها، خصوصاً مع ندرة وجودهم في هذه المنطقة.
الأمر الثاني: الأدلة والشواهد ـ القرآنية وغيرها ـ الدالة على أممية الإسلام. وهي كثيرة جداً، منها:
1 ـ قوله تعالى: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحقِّ ليظهره على الدين كلِّه وكفى بالله شهيداً) (58). ونظيرها ما في سورتي التوبة والصف.
2 ـ (يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبيّن لكم على فترة من الرسل) (59). ونظيرها كثير من الآيات التي تخاطب أهل الكتاب.
3 ـ (وما أرسلناك إلاّ كافّة للناس) (60) (وما أرسلناك إلاّ رحمةً للعالمين) (61) ونحوهما كثير من الآيات التي تؤكد شمولية الرسالة الاسلامية.
4 ـ (ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد) (62) ونحوها مما دل على تبشير غير العرب برسالته(صلى الله عليه وآله وسلّم).
5 ـ (وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا) (63). حيث دلّت على شمول رسالته لغير العرب، وان اليهود كانوا يترقّبون بعثته.
6 ـ (إنّ الدين عند الله الإسلام) (64). (فمن يرد الله أن يهديَه يشرح صدره للإسلام) (65) ونحوهامن الآيات.
7 ـ (وقل للذين اوتوا الكتاب والأُميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولّوا فإنّما عليك البلاغ) (66) وكذا غيرها من آيات المحاججة وتحدّي أهل الكتاب، مثل آية المباهلة.
8 ـ تعامل الرسول(صلى الله عليه وآله وسلّم) مع أهل الكتاب ودعوته لهم باتباعه كما دعا المشركين الى ذلك.
9 ـ موقف أهل الكتاب من الرسول(صلى الله عليه وآله وسلّم) وتوجّسهم من دعوته، لعلمهم بأنّه يستهدفهم في دعوته.
10 ـ إسلام العديد من الصحابة ممّن كانوا من أهل الكتاب ومن غير العرب كالنجاشي وبلال وسلمان وصهيب، وكذلك غيرهم من الأجيال اللاحقة.
11 ـ رسائل الرسول(صلى الله عليه وآله وسلّم) الى ملوك فارس والروم والحبشة، ودعوتهم للإيمان برسالة الإسلام.
12 ـ الإخبارات الغيبية للرسول(صلى الله عليه وآله وسلّم) عن دخول شعوب غير عربية في الإسلام.
13 ـ موقف الأئمة(عليهم السلام) وعدم ردعهم عن قضية الفتوحات ـ رغم التحفظات على الواقع القائم وبعض الممارسات خلال الفتوحات ـ.
14 ـ طبيعة التشريعات المرتبطة بالتعامل مع غير المسلمين، مثل أحكام الجزية ونحوها المعبّرة عن خطة المشرّع الإسلامي لجذب أهل الكتاب وغيرهم للإسلام.
ـــــــــــــــــ
(1) الطبقات الكبرى لابن سعد: 1/140.
(2) الجامع الصحيح: 1 / 52 باب الحرص على الحديث.
(3) الذريعة: 20/154 ـ 155.
(4) الذريعة: 4/276، 24/108. بحار الأنوار: 1/15.
(5) أعيان الشيعة: 1/321.
(6) راجع تاريخ التراث العربي لفؤاد سركين.
(7) مناهل العرفان: 1 / 36.
(8) نهج البلاغة، الخطبة: 125.
(9) نهج البلاغة، الخطبة: 316.
(10) سورة الإسراء: 9.
(11) سورة الحشر: 21.
(12) سورة يونس: 37.
(13) سورة هود: 13.
(14) سورة يونس: 38.
(15) سورة غافر: 1 ـ 3.
(16) يراجع مجمع البيان: 10 / 854.
(17) يراجع تلخيص التمهيد: 2 / 26 ومابعدها.
(18) سورة يونس: 16.
(19) التفسير الكبير: 2 / 116.
(20) سورة العنكبوت: 48.
(21) سورة النساء: 82.
(22) مناهل العرفان، ج: 2 / 443.
(23) نهج البلاغة،الخطبة: 18/61 تحقيق صبحي الصالح.
(24) سورة الروم: 1 ـ 6.
(25) سورة الإسراء: 60.
(26) حكاه في الدر المنثور عن ابن جرير عن سهل بن سعد، وأيضاً عن ابن أبي حاتم عن ابن عمر، وأيضاً عن ابن ابي حاتم عن يعلى بن مرة، وأيضاً عن ابن مردويه عن الحسين بن علي، وأيضاً عن البيهقي في الدلائل وابن عساكر عن سعيد بن المسيب، وعن آخرين. ان المقصود من الشجرة الملعونة هم بنو أمية.
(27) يراجع تأريخ الامم والملوك للطبري:3/27 و 29، وغيره.
(28) يراجع الكامل في التاريخ: 2 / 92.
(29) يُراجع ماكتبه مصطفى محمود في هذا المجال، وغيره.
(30) الأمالي للشيخ الطوسي: 315، مناقب آل أبي طالب 3:213، بحار الأنوار 45:227 و231.
(31) يراجع كتاب تاريخ وعلوم قرآن: 186 و 189.
(32) المختصر النافع: 17، وقريب منه ما في سنن الترمذي: 5 / 172.
(33) عيون أخبار الرضا7: 239.
(34) تصنيف نهج البلاغة: 213.
(35) الكافي: 1/69. وسائل الشيعة: 18/76 وما بعدها.
(36) سورة الرعد: 7.
(37) سورة الإسراء: 9.
(38) سورة سبأ: 6.
(39) سورة الاحقاف:30.
(40) سورة الجن: 1ـ2.
(41) مجمع البيان: 5/427.
(42) التفسير الكبير: 10/14.
(43) ترتيب كتاب العين: 545، 693.
(44) سورة الصف: 7.
(45) سورة البقرة: 264.
(46) سورة المائدة: 108.
(47) سورة الانبياء: 92.
(48) سورة الأنعام: 92.
(49) سورة الشورى: 7.
(50) سورة الاحقاف: 27.
(51) مجمع البيان: 9/138.
(52) سورة العنكبوت: 67.
(53) التفسير الكبير: 13/81.
(54) سورة الشعراء: 214.
(55) سورة الحجر: 88.