تحت عنوان (نهج البلاغة.. هذا السِّفر الخالد ) جاءت هذه العبارات المعبّرة: إن كتاب ( نهج البلاغة ) هو يَنبوعٌ متدفّقٌ جيّاش، يزداد تدفّقاً كلّما نقّبتَ فيه، كما ظهر مدى اتّصاله ببحار المعارف الإلهيّة أيضاً.. وهو لكلّ الأجيال ولكلّ القرون. ويعود تدفّقه وخلوده إلى شخصيّة مُنشئه، فالكتاب ظلٌّ رقيقٌ لشخصيّة الإمام عليّ المُشرقة عليه السلام...
وبعد.. فنهجُ البلاغة هو: مَجلى للحبّ ومنارٌ للمعرفة، ونبراس للسياسة، ومنهاجٌ للحُكم، وميزانٌ للعدالة، ومثارٌ للحماس والجهاد، ومَعدِنٌ للكياسة، ومنهل للتربية، ومحرابٌ للعبادة، ومثالٌ للفصاحة والبلاغة...
أجل.. ولقد هدى الإمام عليّ عليه السلام إلى الحقائق الثابتة، وإلى فلسفة الحياة بصورةٍ تجد فيها كلامَه الشفّاف يخلّد الحياة، وهو أيضاً خالدٌ خلودَ الدهر. ولا غَرو، إذ هو مِن كلام مَن تربّى في كنف النبيّ صلّى الله عليه وآله، وارتوى مِن معين الوحي، ونما وترعرع في بيت القرآن والرسالة، ومِن كلام مَن لمس كلامَ الله بكل كيانه، فتجسّد فيه الإيمان، فأصبح عليه السلام مَجْلى الحقّ، وبابَ مدينة علمِ رسول الله صلّى الله عليه وآله، فلا عَجَبَ أن يصدر منه كلامٌ على مستوى ( نهج البلاغة )...
هذا الكتاب.. الذي هو جوهرةٌ لا يعلوها غُبار البِلى، بل تزداد لَمعاناً وإشراقاً يوماً بعد يوم، ونرى العالَمَ يتعرّف عليه أكثرَ وأحسن؛ لأنّه صادرٌ من إمامٍ لمسَ الآالام كلَّها، وشَعَر بما يُعانيه الإنسان، وجَرّب الأعاصير وعانى الفتن، وخرَجَ منها خالصاً بفضل ما لديه من معرفةٍ ونورٍ إلهيّ، حيث هو إمام.
إنّ ( نهج البلاغة ) يحتوي كلامَ إمام، صِيغَ في عباراتٍ قصيرةٍ جَزلَةٍ رائعة، تُصوِّر لنا الكمالَ الإنسانيّ تصويراً دقيقاً، وتُميّز خَطَّ الفلاح مِن خلال المسالك الوعرة والمهاوي والمهالك الرهيبة، ولذلك ( نهج البلاغة ) ليس كتابَ بلاغةٍ وحسب، بل هو أيضاً كتاب فصاحة ونهجُ حياةٍ وصلاح.
ولكنّ من المؤسف أنّه مضى ما يقرب من 1400 سنةٍ على جوهرةٍ مشرقة وذخيرةٍ زاخرة من هذا السِّفر الكريم، وما تزال الأُمة لم تستفد منه حقَّ الاستفادة.. فعامّة الناس محرومةٌ مِن بركات هذا النبراس... والكتاب الذي بين يديك ـ أيُّها القارئ الكريم ـ هو مجموعة مقالات حول نهج البلاغة.
نسأل الله تعالى أن يُروّيَ شبابَنا الظمآن بالمعارف الإلهيّة ـ العلويّة.
شبكة الامام الرضا عليه السلام
تعليق