المهدي المنتظر لم يولد بعد. فما هي أدلة الشيعة على ولادة المهدي؟
صعب على البعض أن يستوعب العقيدة المهدوية حسب الأطروحة الإمامية ، فلا زالوا ينظرون إليها من خلال الذيول التاريخية وما يرتبط بها ، دون إعمال فكرهم وعقولوهم لدراسة جوهر منهجها ومبانيها العقائدية ، مما أدى الى أن تكون نظرتهم سطحية وهامشية وبعيدة كل البعد عن الحقيقة .. لذا نجد أن القوم يجهلون الكثير من المعطيات بخصوص الفكر والثقافة المهدوية ، والتي بقيت ملتبسةً ومشوشةً في تراثهم ، ولهذا نجد كثرة ظاهرة إدعاء المهدوية والانتساب الى عنوانها في أوساطهم ، بالإضافة للأهداف المشبوهة للبعض والذي يسعى من خلال بث وإشاعة الشبهات لتشويه صورتها وتزييف حقيقتها بعد استثقالها. من أهم الشبهات التي أثيرت حول القضية المهدوية هي إنكار ولادة الامام الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف.
إنكار ولادته
هذه واحدة من أهم الإشكالات التي يوجهونها للأطروحة الإمامية ويسوقونها في هذا المقام(1)، وسوف نقف عندها بالمقدار الذي يسمح به البحث ، لكي يتضح بجلاء أن هذه الشبهة الباطلة ، مخالفة لمنطق العقل ومنهج العلم ، وغريبة عن العقيدة الإسلامية وثقافتها ، فمنهج الإسلام يقوم على العقل والمنطق ، ويعتمد على الفطرة ويستند إلى الغيب ، والمهدوية الإمامية تنبثق من كل ذلك ، وحقيقتها تتوافق مع المنهج القرآني والمنهج النبوي.
إذن من الشبهات التي تثار هنا : هل المهدي ولد ، وهل هو موجود حالياً ؟ .. أم أنه سيولد في المستقبل ؟ .. لماذا نعتقد بأن المهدي قد ولد فعلاً ، وما المانع من أن يولد قبل ظهوره بقليل ؟ .. هذا الإشكال هو أهم اختلاف بين الشيعة وأهل العامة في موضوع المهدي.
يعتقد الإمامية بأن المهدي الموعود هو الإمام الثاني عشر ، والذي ولد بسامراء (العراق) في 15 شعبان من عام 255 هـ ، وغيّبه الله (لحكمة لم ينكشف لنا أبعادها ، وتعتبر سر من أسرار الله) ، أما مدرسة أهل العامة فذهب فريق كبير منها إلى أنه لم يولد بعد وسيولد في آخر الزمان.
الإمامة المهدوية أمر عقائدي ، وللاستدلال على أمر عقائدي نحتاج إلى دليل من ثلاثة:
1-دليل عقلي: مبني على برهان ، بمعنى أنه مبني على بديهية عقلية وليس مغالطة أو جدل.
2-دليل نقلي (القرآن الكريم): آية محكمة ، وليست متشابهة.
3-- دليل نقلي (السنة الشريفة):حديث أو رواية قطعية الصدور(أي رواية متواترة بحيث تفيد اليقين) ، قطعية الدلال(أي ظاهرة المعنى ، ولا تقبل التأويل).
إن مسألة ولادة الإمام المهدي (ع) ووجوده وحياته وغيبته (أمر عقائدي - غيبي -كوني) ، لا يمكن الاكتفاء فيه بالبحث التاريخي فقط ، بل هو إثبات عقائدي وتاريخي في آن واحد ، تقوم فيه العقيدة بلعب دور أساسي ، فيما يلعب البحث التاريخي فيه دوراً تكميلياً .. فنحن لا نتحدث عن قضية مادية محسوسة بكل أبعادها ، حتى نعتمد في إثباتها وإنكارها على المؤرخين فقط ، وإنما نتحدث من حيث الأساس عن قضية غيبية (كونية) مرتبطة بسنن الله في الكون ، أي أن الدليل عليها عقائدي قبل أن يكون تاريخي.
الشيعة الإمامية يستطيعون أن يستدلوا بأدلة وبراهين عقلية ونقلية ، عقائدية وتاريخية وافرة للتأكيد على ولادة المهدي محمد بن الحسن العسكري (ع) ، ووجوده وغيبته ، وبقائه إلى أن يأذن الله له بالظهور في اليوم الموعود:
أولاً: الدليل العقلي والناحية العقائدية:
الشيعة تقول إن ولادة المهدي ووجوده ثابت على نحو اليقين بالعقل ، فضلاً عن النقل .. "وهذا الأصل الاعتقادي عند الإمامية ، ليس مستنده الأدلة النقلية فقط ، بل الأساس فيه هو العقل الحاكم بضرورة وجود الإمام الهادي في كل عصر ، المنصوص عليه من قبل الله تعالى على لسان النبي (ص) .. فالمنهج والاستدلال العقلي على ولادة ووجود الإمام المهدي ، تقسمه الإمامية إلى قسمين :
1-الدليل العقلي على ضرورة وجود الإمام وتعيينه أو نصبه من قبل الله عز وجل.
2- الدليل العقلي على استمرارية هذه الإمامة للوصول إلى إمامة المهدي المنتظر (عج).
ومن هنا يتبيّن لماذا طُرحت الإمامة في الفكر الشيعي كأصل عقائدي ، لا كحكم فقهي فرعي ، وهذا هو مبنى الشيعة في اعتقادهم بضرورة الإمامة بعد النبوة الخاتمة .. فالله تعالى لم يترك الأرض ولن يتركها على الإطلاق من دون إمام معصوم يحمل مواصفات الرسول (ص) ويستمر في أداء الوظيفة الإلهية التي من أجلها بُعث إلى البشرية هادياً ونذيراً ، وأما إثبات خصوص إمامة محمد بن الحسن العسكري ، فإنما يستند فيه العقل إلى النقل بعد ثبوت أصل الدليل العقلي على ضرورة الإمامة"(2).
إضافة إلى تلك الأدلة والشواهد العقلية ، فإن هناك الكثير من الروايات التي أشارت إلى أن الأرض لا تخلو من الحجة ولولا ذلك لساخت بأهلها ، لأن الإمام المعصوم سبب لتنزل الرحمة ورفع العذاب عن أمته ، قال تعالى :{وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ}(3) ، وهناك روايات تؤكد على ضرورة وجود إمام في كل زمان ، وعدم إمكانية وجود إنسان على الأرض مع غياب الحجة ، قال الإمام الرضا (ع): "لو خلت الأرض طرفة عين من حجة لساخت بأهلها" (4) ، وإمامة أهل البيت (ع) امتداد لخط النبوة والهداية ، واكبر مصداق لامتداد الإمامة هو وجود الإمام المهدي(ع) ، ومن هذا المنطلق كان التأكيد على ضرورة معرفة الإمام في كل زمان ، كما في الحديث النبوي: "من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية".
ثانياً: الدليل النقلي والناحية التاريخية:
من الناحية التاريخية فقد وردت قصة ميلاد الإمام المهدي في عدد كبير من كتب الشيعة ، من أهمها موسوعة البحار للمجلسي(5)، وتثبت بالفعل ولادته من حيث المصداقية التاريخية ، إضافة إلى ذلك عرفنا اتفاق كلمة المسلمين على تحديد نسبه وأنه من أهل البيت (ع) ، وأن ظهوره يكون في آخر الزمان.
للاطلاع والتعرف على الأدلة والبراهين النقلية والتاريخية ، فقد ذكرنا شذرة من تلك الحجج في بداية هذا البحث ، في فقرة (جذور وأسس الأطروحة عند الإمامية) - بالإضافة إلى أننا كتبنا بحثا مطولا(6) بعنوان: (اليقين بوجود المهدي) تطرقنا فيه إلى الأدلة التاريخية والنقلية بشئ من التفصيل - ونشير هنا لعناوين تلك الأدلة وبعض الشواهد بإيجاز:
1-الآيات القرآنية (دليل نقلي): التي تؤكد على ضرورة وجود إمام لكل عصر وزمان ، بالإضافة للآيات(7)التي يستدل بها على موضوع الإمامة ، والآيات التي تشير إلى استمرار الإمامة بعد النبي (ص) ، والتي أحصاها العلماء بما يزيد على المائة آية (8).
2-الأحاديث النبوية الشريفة (دليل نقلي): التي تطرقت إلى الإمام المهدي بعنوانه العام (الإمامة) ، فقد تواترت في الدلالة والإشارة إلى أن ظاهرة الإمامة مستمرة غير منقطعة ، ومنها الأحاديث المتواترة : الثقلين ، الخلفاء الإثنا عشر ، إمام الزمان ، والتي تفيد بالدلالة الالتزامية بولادة الإمام ووجوده حالياً .(9)
3- اخبار الرسول (ص) والأئمة (ع) (دليل نقلي): بأنه سوف يولد للإمام العسكري (ع) ولد ، ثم يغيب ويتمتع بعمر مديد حتى يأذن الله له بالظهور ويملأ الأرض عدلا .. مما يلزم على كل مسلم تصديق ذلك(10).
4-شهادة والده والقابلة (دليل تاريخي): شهادة واعتراف والده الإمام العسكري (ع) بولادة ابنه الإمام المهدي الموعود ، وكذلك شهادة السيدة حكيمة بنت الإمام الجواد(ع) ، وهي القابلة التي أشرفت على الولادة.
5-عشرات الشهادات برؤية الإمام (دليل تاريخي): قائمة طويلة من الأسماء ، ممن رأى الإمام واتصل به في مراحل حياته ، سواء مع أبيه أو في الغيبة الصغرى أو في الغيبة الكبرى وشهدوا بذلك ، وسجلتها المصادر التاريخية.
6-تصرف السلطة العباسية مع الحدث (قرينة تاريخية): بعد وفاة الإمام العسكري (ع) تعاملت السلطة مع عائلة الإمام المهدي (ع) بطريقة تدل على خوفها من مولود خطير خفي عنها ، وقد سجل التاريخ ذلك ، كموقف فرعون من موسى (ع).
7-اعترافات بعض علماء السنّة بولادة الإمام المهدي (ع) (قرينة تاريخية): الكتب والمصادر تثبت اعتراف صريح لأكثر من مائة عالم من أهل السنة ومن أجيال مختلفة بولادة المهدي ، وبعضهم قال بأن ابن الحسن العسكري هو الإمام الموعود بظهوره في آخر الزمان.
8-قضية السفارة وتواقيع الناحية المقدسة (قرينة تاريخية): خروج التواقيع وأجوبة الإمام على المسائل بواسطة السفراء الأربعة ، وبالخط نفسه المعروف للإمام ومن دون تغيير طوال (70 سنة) وبنفس الأسلوب والمضمون ، وهذه مسألة واضحة في تاريخ الشيعة.
9-اعترافات علماء الأنساب بولادة الإمام المهدي (ع) (قرينة تاريخية): الرجوع إلى أصحاب كل فن أمر ضروري ، ولاسيما فيما نحن بصدده من الحديث عن علماء الأنساب ، فذكر اسمه الشريف في مصنفات الأنساب دليل إثبات على إيمانهم وتصديقهم بولادته ، وخاصة إذا كانوا من مذاهب مختلفة ، فنجد فيهم من أهل العامة والزيدي إلى جانب الشيعي ، فأهل مكة أعرف بشعابها.
10- قرائن تاريخية عديدة مثل: شهادة الخدم والإماء برؤية المهدي في بيت الإمام العسكري (ع) .. وضوح فكرة ولادة الإمام وغيبته بين الشيعة وعلى طول مراحل التاريخ من عام 255 هـ وحتى يومنا هذا .. آثار تدل على وجوده مثل: أقواله وكلماته وتعليماته ووصاياه وأدعيته وصلواته ورسائله وتوجيهاته .. وغير ذلك من القرائن والشواهد التاريخية ، مما لا يعطي مجالاً للشك بوجوده (ع).
أدلة وبراهين وشواهد وقرائن عديدة ، وأحاديث وروايات متواترة وصحيحة وواضحة الدلالة على ولادة الإمام المهدي (عج) .. هل بعد كل هذه الأدلة وإضافة القرائن والعوامل المساعدة معها : هل يخالجنا أدنى شك بولادته ووجوده (ع)؟!! .. لنسأل منطق العقل ومنطق العلم بعد هذه البراهين ماذا يقول؟
المصدر: كتاب رؤى مهدوية