السؤال: سبب تأخر دفن الامام الحسين (عليه السلام)
هل هناك احاديث او روايات في كتب الشيعة تذكر سبب عدم دفن الامام زين العابدين (عليه السلام) لجثمان الامام الحسين (عليه السلام) الا بعد مرور ثلاث ايام في حين هو كان بامكانه قبل ذلك؟ وما هو هذا السبب لو تكرمتم؟
الجواب:
لم نعثر على سبب يذكر لذلك والذي نحتمله ان الامام زين العابدين (عليه السلام) توجه الى دفن ابيه بعد ان استقر به الامر في الكوفة بحيث يستطيع ان يتوارى عن القوم دون ان يلفت النظر ولعله لا يستطيع ان يتوارى عن القوم وهو في الطريق الى الكوفة لاستمرار الرقابة عليه فغيابه يلفت نظر الاعداء وبالتالي يكون عرضة للقتل حين رجوعه.
تعليق على الجواب (1)
اذا كان وكما اسلفتم مما لاشك فيه ان مقدم الامام السجاد ع الى كربلاء لدفن ابيه ع كان بحكم المعجزه فلم لم يكن كذلك في طريقهم الى الكوفه بان يخيل للقوم انه ع مازال بينهم في حين انه يقوم بتجهيز وتكفين اباه ع حتى لايبقى جسده الطاهر ثلاثة ايام على رمضاء كربلاء
الجواب:
الائمة (عليه السلام) لا يعملون الاشياء بطريقة المعجزة الا في حالات خاصة فقطع المسافة الطويلة في وقت قصير ليس فيه ارغام على فعل معين لاي شخص بخلاف التحكم بارادة الاعداء وارغامهم او اجبارهم على عدم قتلهم في الحال غيابهم ولو بتوهم انهم لم يفعلوا فعلا معينا.
وبعبارة اخرى هم لا يعملون المعجزة للتحكم في ارادات الاشخاص والحد من قدراتهم مع القدرة على فعل ذلك الشيء بدون التحكم باراداتهم .
تعقيب على الجواب (1)
اجاب احد مشايخنا عن سبب تاخر دفن الامام الحسين(ع) بما يلي :
من الأمور التي يمكن تناولها لأخذ العظة والعبرة مما هو مرتبط بالإمام الحسين (ع)، هو التساؤل عن الحكمة المحتملة في سبب تأخير دفن الإمام(ع) لمدة ثلاثة أيام. مع الإلتفات إلى أننا لسنا مطلعين على الواقعيات، وعلينا أن نقدم جهلنا تجاه ذلك، وبالتالي فلا يمكن لنا أن نجزم بوجه الحكمة في ذلك لأنه فوق مستوى عقولنا. وإنما غاية ما نستطيع تقديمه بهذا الصدد، هو بعض المحتملات أو الأطروحات التي تصلح للجواب عن هذا السؤال.
وقبل الدخول في تفاصيل الجواب علينا أن نذكر بأننا عندما ننظر إلى أي فعل يصدر من أي فرد، فإننا تارة ننظر إلى هذا الفعل من زاوية نفس الفاعل وأنه يتحمل مسؤولية فعله سلباً أو إيجاباً. وتارة ننظر إلى نفس الفعل من زاوية الحكمة الإلهية، وأنها يمكن أن توظف فعل أي فرد بما يتماشى مع التخطيط الإلهي والحكمة الإلهية.
ونستطيع أن نمثل لذلك بمثال واضح، وهو نفس مقتل الحسين(ع)، فإننا إذا نظرنا إليه من زاوية نفس الفاعل الذي قتل الإمام(ع) فإنه قد قام بأبشع جريمة في التأريخ، وأنها تنتج له الخلود في جهنم وساءت مصيراً. وإذا نظرنا إلى هذا الفعل من زاوية الحكمة الإلهية، وأن الله تعالى شاء أن يرى الحسين(ع) قتيلاً، فإن للحسين مقامات لا ينالها إلا بالشهادة على المستوى الشخصي، وأن هناك مصالح عليا لنفع الدين على المستوى العام. لوجدنا النفع والصلاح الذي الذي أعده الله تعالى من مختلف الجهات بسبب مقتل الحسين(ع).
وإذا طبقنا هذا المستوى الفكري على ما نحن بصدد الحديث عنه، وما يتعلق بالحكمة الإلهية التي تعلقت ببقاء الجسد الطاهر للحسين(ع). فإننا لا نريد الحديث هنا عن السبب الذي جعل أعداء الإمام الحسين (ع) يتركونه من دون دفن، فإن هذا متوقع منهم بعد ما قاموا به من جرائم شنيعة. إلا أننا نريد التساؤل هنا عن هذا التأجيل من زاوية الحكمة الإلهية. مع الإلتفات إلى أن الإمام السجاد (ع) كان باستطاعته الرجوع إلى دفن الأجساد الطاهرة قبل يوم الثالث عشر، ولا يحول دون ذلك أي حائل، لأنه أساساً قد عاد إلى الدفن بالمعجزة وليس بحسب الأسباب الطبيعية كما هو المروي تأريخياً بوضوح. فلماذا حصل ذلك؟
ويمكن الجواب على ذلك بعدة وجوه محتملة غير متنافية وهي كما يأتي:
أولاً: إن في ذلك ابتلاءاً لنفس الإمام الحسين(ع)، مما ينتج له أخص الدرجات العالية في تكامل ما بعد العصمة، فإننا نعلم بأن طريق التكامل لا متناهي الدرجات وهذا يشمل المعصومين(ع) وغيرهم. وهذا ما يؤيده نفس ما يروى عن رسول الله(ص) من أنه قال للحسين(ع) ما مضمونه: ((إن لك مقامات في الجنة لا تنالها إلا بالشهادة)). فإن الشهادة التي أنتجت له هذه النتيجة العظيمة، هي تلك الشهادة التي رزقه الله تعالى إياها، ووفقه إليها بكل تفاصيلها. وما جرى عليه من قتل بذلك الشكل الذي يقرح القلوب، وما أعقب ذلك من تقطيعه، ورض صدره، وقطع رأسه، وبقائه ثلاثاً من دون دفن، وغير ذلك من تفاصيل، قد ساهم بأن تكون شهادته فريدة بكل المقاييس. فإنه وفق إلى شهادة لم يوفق لها أحد من البشر على الإطلاق. ولذا ورد عن الإمام الحسن (ع) قوله بحسب الرواية: ((لا يوم كيومك أبا عبد الله)).
فإن قلت: بأن بقاء الحسين(ع) من غير دفن قد حصل بعد شهادته، فكيف يكون في ذلك البلاء له وقد استشهد (ع)، والإبتلاء يكون على الفرد في حياته وليس بعد وفاته؟
قلنا: بأن الحسين(ع) عندما أقدم على المصير الذي أقدم عليه، فإنه كان يعلم به تفصيلاً. وهو الذي روي عنه قوله: ((كأني بأوصالي هذه تقطعها عسلان الفلوات بين النواوييس وكربلاء))، فيكون (ع) قد وطن نفسه لهذه الشهادة، وأنه سوف يقع عليه بعد القتل الكثير من المظالم، بما في ذلك رض صدره وسلبه وبقاؤه من دون دفن على رمضاء كربلاء، تصهره حرارة الشمس لمدة ثلاثة أيام.
ثانياً: إن ثورة الحسين (ع) قد اتسعت رقعتها عن علم وعمد من قبله (ع)، وكذلك عن علم وعمد من الله سبحانه وتعالى (إذا صح التعبير)، وذلك لإعطائها الزخم المكثف الذي يعطيها أسباب البقاء والخلود ظاهراً وباطناً.
فإننا نجد ثورة الحسين(ع) تحتوي على عدة مستويات وجوانب، فكرية وثقافية وإعلامية وعسكرية وعاطفية وغيرها. فإنها لم تركز على الجانب العسكري فقط كما يحصل في بعض المعارك، وإنما قد أشبعت بكل ذلك.
وإذا نظرنا إلى الجنبة العاطفية، وهي جنبة مهمة وحيوية من أجل إعطائها الديمومة والخلود بهذه القوة المتجددة. فإننا نجد أنها أشبعت بالكثير من المواقف التي تثير العاطفة والبكاء. وهذه المواقف العاطفية المنتجة للجذب تجاه هذه الثورة المباركة بكل تفاصيلها العظيمة، مكثفة ومركزة. سواء في ذلك ما كان في يوم عاشوراء أم قبل ذلك أو بعده. فيكون تأجيل الدفن داخلاً في هذا المستوى من التفكير. وهي مصيبة عظيمة باستقلالها تظهر مدى الظلم الذي وقع على الإمام(ع) وما تحمله في سبيل الله عز وجل.
ثالثاً: إن بعض الحوادث التي مرت عبر التأريخ فيها الدلالة الواضحة على الغضب الإلهي، كما حصل ذلك من خلال خفاء قبر الزهراء(ع) حتى اعتبر شهيدنا الحبيب ذلك سوء توفيق للأمة حينما قال: ((واعتبرها سوء توفيق لكل الأجيال الإسلامية ابتداءاً من الجيل المعاصر لوفاتها والى الآن والى حين يتضح الأمر بظهور الحق الأصيل (سلام الله عليه). فليس فينا أي شخص يستحق أن ينال هذه النعمة الخاصة والرحمة الحقيقية مهما كان ادعاء هذا الشخص عالياً في دين أو دنيا)). انتهى كلامه .
وكذلك الأمر فيما يخص غيبة الإمام المهدي(ع) فإنه علامة على الغضب الإلهي على اختلاف مستويات هذا الغضب.
والأمر كذلك فيما نحن بصدده، فإن بقاء ريحانة رسول الله(ص) وسيد شباب أهل الجنة بتلك الهيئة على الرمضاء، لهو مؤشر يدل على ما آل إليه حال الأعم الأغلب من المجتمع، والتقاعس الذي ابتليت به الأمة تجاه الإمام الفعلي للكون، الذي له الولاية التكوينية والتشريعية، والذي هو خامس أهل الكساء الذين هم أعلى الخلق على الإطلاق. هذا التقاعس والتخاذل في أداء الواجب وإرجاع الحقوق إلى أهلها هو الذي أنتج هذه المأساة من قتل الحسينd وأهل بيته وأصحابه، وما أعقب ذلك من مصائب جمة كان فيها الاعتداء الفاضح على الإنسانية وعلى الحق المهتضم.
وتلك المظالم التي لا نظير لها هي التي أنتجت الغضب الإلهي، الذي تجسد بأن مطرت السماء دماً، وأن أي حجر كان يرفع فإنه يوجد تحته الدم كما هو المروي. وكذلك يمكن أن يكون قد رمز له ببقاء الجسد الطاهر ثلاثاً من دون أن يوارى.
وهذا ما يجعل في ذمة الأجيال التي أعقبت ثورة الحسين(ع) المسؤولية الدائمة في أن لا نكون مشمولين بهذا الغضب الحسيني. فإننا وإن لم نعاصره (ع) لنكون مكلفين مباشرة بندائه المبارك: ((من سمع واعيتنا فلم يجبنا أكبه الله على منخريه في النار)) وذلك على المستوى العسكري. إلا أننا مشمولون بهذا النداء على عدة مستويات، ومنها مستوى الإلتزام بشريعة سيد المرسلين(ص) التي استشهد الحسين(ع) من أجلها. وأما بخلاف ذلك فإننا نكون مقصرين تجاه تلك التضحيات الجسام، ولا نكون في المعسكر الحسيني بمعناه العام. بل نكون مشمولين للغضب الحسيني الذي تجسد بتلك الرمزية التي نتحدث عنها.
وهذا الالتزام الذي نتحدث عنه يكون في جميع أوقاتنا وأحوالنا، ولا يقتصر الأمر على الأيام التي نستذكر فيها مصيبة سيد الشهداء(ع). بل لابد من الاحتفاظ بكل ما ينتجه القيام بالشعائر الحسينية في مثل هذه الأيام من نتائج إلى جميع أيام السنة، لنكون حسينين في جميع أفعالنا وأقوالنا وتصرفاتنا. فإن من التجني على أنفسنا وعلى ديننا فيما إذا احتفظنا بنتائج الشعائر الحسينية لبعض الأيام من حياتنا فقط. فعلينا أن نكون على مستوى المسؤولية تجاه ذلك جزاكم الله خيراً.
رابعاً: إن في ذلك ابتلاءاً وامتحاناً لعائلة الحسين(ع) الذين تحملوا مسؤولياتهم بعد واقعة الطف، بما فيهم الإمام السجاد(ع). فإنهم مروا بصعوبات ومصائب قلَّ نظيرها، وكل ذلك ينتج لهم مقاماتهم الخاصة التي ادخرها الله تعالى لهم بسبب مساهمتهم في ثورة الإمام الحسين(ع)، ولما فتحه الإمام الحسين(ع) لهم من الفرصة الفريدة، لينهلوا من ذلك العطاء الخاص كل بحسبه واستحقاقه. ومن تلك الفجائع التي ابتلوا بها هي أن يتركوا سيدهم وإمامهم وحبيبهم مقطعاً على ثرى الطف، بعد أن مروا بهم على جسده الطاهر، وساروا بهم إلى الكوفة وعيونهم ترنو نحو المصرع، بتلك الحالة التي أبكت الحجر دماً، فكيف بهم وقد عاشوا في كنفه وتحت ظله ردحاً طويلاً من الزمن، يحنو عليهم بعطفه وحنانه ويمدهم بالتربية المركزة علماً وعملاً.
وليس من السهل على الفرد أن يترك أخاه أو أباه أو زوجه بتلك الحالة، فكيف إذا كان هذا الشهيد المضرج بدمائه مضافاً إلى ذلك هو شيخه وسيده وإمامه.
فكانت في ذلك بلاءات مضاعفة ترفع من شأنهم ودرجاتهم، إذا قابلوها بالصبر والتسليم وعدم الإعتراض على ما أراده الله تعالى، كما كان موقفهم أمامه جل شأنه.
وعلينا أن نأخذ من هذا الموقف السامي العظة والعبرة، وعلينا أن نتأسى بذلك. فإن الله تعالى لا متناهي العظمة وتهون أمامه أعظم التضحيات. وما قيمة تضحياتنا قياساً بهذه التضحيات الجليلة؟
إلى غير ذلك من الوجوه التي لا يسع المجال لذكرها. يكفي أن نكون قد أثرنا مثل هذا التساؤل الذي قد يفتح أمامكم وجوهاً أخرى يمكن التفكير بها
المصدر/ موقع مركز الابحاث العقائدية
هل هناك احاديث او روايات في كتب الشيعة تذكر سبب عدم دفن الامام زين العابدين (عليه السلام) لجثمان الامام الحسين (عليه السلام) الا بعد مرور ثلاث ايام في حين هو كان بامكانه قبل ذلك؟ وما هو هذا السبب لو تكرمتم؟
الجواب:
لم نعثر على سبب يذكر لذلك والذي نحتمله ان الامام زين العابدين (عليه السلام) توجه الى دفن ابيه بعد ان استقر به الامر في الكوفة بحيث يستطيع ان يتوارى عن القوم دون ان يلفت النظر ولعله لا يستطيع ان يتوارى عن القوم وهو في الطريق الى الكوفة لاستمرار الرقابة عليه فغيابه يلفت نظر الاعداء وبالتالي يكون عرضة للقتل حين رجوعه.
تعليق على الجواب (1)
اذا كان وكما اسلفتم مما لاشك فيه ان مقدم الامام السجاد ع الى كربلاء لدفن ابيه ع كان بحكم المعجزه فلم لم يكن كذلك في طريقهم الى الكوفه بان يخيل للقوم انه ع مازال بينهم في حين انه يقوم بتجهيز وتكفين اباه ع حتى لايبقى جسده الطاهر ثلاثة ايام على رمضاء كربلاء
الجواب:
الائمة (عليه السلام) لا يعملون الاشياء بطريقة المعجزة الا في حالات خاصة فقطع المسافة الطويلة في وقت قصير ليس فيه ارغام على فعل معين لاي شخص بخلاف التحكم بارادة الاعداء وارغامهم او اجبارهم على عدم قتلهم في الحال غيابهم ولو بتوهم انهم لم يفعلوا فعلا معينا.
وبعبارة اخرى هم لا يعملون المعجزة للتحكم في ارادات الاشخاص والحد من قدراتهم مع القدرة على فعل ذلك الشيء بدون التحكم باراداتهم .
تعقيب على الجواب (1)
اجاب احد مشايخنا عن سبب تاخر دفن الامام الحسين(ع) بما يلي :
من الأمور التي يمكن تناولها لأخذ العظة والعبرة مما هو مرتبط بالإمام الحسين (ع)، هو التساؤل عن الحكمة المحتملة في سبب تأخير دفن الإمام(ع) لمدة ثلاثة أيام. مع الإلتفات إلى أننا لسنا مطلعين على الواقعيات، وعلينا أن نقدم جهلنا تجاه ذلك، وبالتالي فلا يمكن لنا أن نجزم بوجه الحكمة في ذلك لأنه فوق مستوى عقولنا. وإنما غاية ما نستطيع تقديمه بهذا الصدد، هو بعض المحتملات أو الأطروحات التي تصلح للجواب عن هذا السؤال.
وقبل الدخول في تفاصيل الجواب علينا أن نذكر بأننا عندما ننظر إلى أي فعل يصدر من أي فرد، فإننا تارة ننظر إلى هذا الفعل من زاوية نفس الفاعل وأنه يتحمل مسؤولية فعله سلباً أو إيجاباً. وتارة ننظر إلى نفس الفعل من زاوية الحكمة الإلهية، وأنها يمكن أن توظف فعل أي فرد بما يتماشى مع التخطيط الإلهي والحكمة الإلهية.
ونستطيع أن نمثل لذلك بمثال واضح، وهو نفس مقتل الحسين(ع)، فإننا إذا نظرنا إليه من زاوية نفس الفاعل الذي قتل الإمام(ع) فإنه قد قام بأبشع جريمة في التأريخ، وأنها تنتج له الخلود في جهنم وساءت مصيراً. وإذا نظرنا إلى هذا الفعل من زاوية الحكمة الإلهية، وأن الله تعالى شاء أن يرى الحسين(ع) قتيلاً، فإن للحسين مقامات لا ينالها إلا بالشهادة على المستوى الشخصي، وأن هناك مصالح عليا لنفع الدين على المستوى العام. لوجدنا النفع والصلاح الذي الذي أعده الله تعالى من مختلف الجهات بسبب مقتل الحسين(ع).
وإذا طبقنا هذا المستوى الفكري على ما نحن بصدد الحديث عنه، وما يتعلق بالحكمة الإلهية التي تعلقت ببقاء الجسد الطاهر للحسين(ع). فإننا لا نريد الحديث هنا عن السبب الذي جعل أعداء الإمام الحسين (ع) يتركونه من دون دفن، فإن هذا متوقع منهم بعد ما قاموا به من جرائم شنيعة. إلا أننا نريد التساؤل هنا عن هذا التأجيل من زاوية الحكمة الإلهية. مع الإلتفات إلى أن الإمام السجاد (ع) كان باستطاعته الرجوع إلى دفن الأجساد الطاهرة قبل يوم الثالث عشر، ولا يحول دون ذلك أي حائل، لأنه أساساً قد عاد إلى الدفن بالمعجزة وليس بحسب الأسباب الطبيعية كما هو المروي تأريخياً بوضوح. فلماذا حصل ذلك؟
ويمكن الجواب على ذلك بعدة وجوه محتملة غير متنافية وهي كما يأتي:
أولاً: إن في ذلك ابتلاءاً لنفس الإمام الحسين(ع)، مما ينتج له أخص الدرجات العالية في تكامل ما بعد العصمة، فإننا نعلم بأن طريق التكامل لا متناهي الدرجات وهذا يشمل المعصومين(ع) وغيرهم. وهذا ما يؤيده نفس ما يروى عن رسول الله(ص) من أنه قال للحسين(ع) ما مضمونه: ((إن لك مقامات في الجنة لا تنالها إلا بالشهادة)). فإن الشهادة التي أنتجت له هذه النتيجة العظيمة، هي تلك الشهادة التي رزقه الله تعالى إياها، ووفقه إليها بكل تفاصيلها. وما جرى عليه من قتل بذلك الشكل الذي يقرح القلوب، وما أعقب ذلك من تقطيعه، ورض صدره، وقطع رأسه، وبقائه ثلاثاً من دون دفن، وغير ذلك من تفاصيل، قد ساهم بأن تكون شهادته فريدة بكل المقاييس. فإنه وفق إلى شهادة لم يوفق لها أحد من البشر على الإطلاق. ولذا ورد عن الإمام الحسن (ع) قوله بحسب الرواية: ((لا يوم كيومك أبا عبد الله)).
فإن قلت: بأن بقاء الحسين(ع) من غير دفن قد حصل بعد شهادته، فكيف يكون في ذلك البلاء له وقد استشهد (ع)، والإبتلاء يكون على الفرد في حياته وليس بعد وفاته؟
قلنا: بأن الحسين(ع) عندما أقدم على المصير الذي أقدم عليه، فإنه كان يعلم به تفصيلاً. وهو الذي روي عنه قوله: ((كأني بأوصالي هذه تقطعها عسلان الفلوات بين النواوييس وكربلاء))، فيكون (ع) قد وطن نفسه لهذه الشهادة، وأنه سوف يقع عليه بعد القتل الكثير من المظالم، بما في ذلك رض صدره وسلبه وبقاؤه من دون دفن على رمضاء كربلاء، تصهره حرارة الشمس لمدة ثلاثة أيام.
ثانياً: إن ثورة الحسين (ع) قد اتسعت رقعتها عن علم وعمد من قبله (ع)، وكذلك عن علم وعمد من الله سبحانه وتعالى (إذا صح التعبير)، وذلك لإعطائها الزخم المكثف الذي يعطيها أسباب البقاء والخلود ظاهراً وباطناً.
فإننا نجد ثورة الحسين(ع) تحتوي على عدة مستويات وجوانب، فكرية وثقافية وإعلامية وعسكرية وعاطفية وغيرها. فإنها لم تركز على الجانب العسكري فقط كما يحصل في بعض المعارك، وإنما قد أشبعت بكل ذلك.
وإذا نظرنا إلى الجنبة العاطفية، وهي جنبة مهمة وحيوية من أجل إعطائها الديمومة والخلود بهذه القوة المتجددة. فإننا نجد أنها أشبعت بالكثير من المواقف التي تثير العاطفة والبكاء. وهذه المواقف العاطفية المنتجة للجذب تجاه هذه الثورة المباركة بكل تفاصيلها العظيمة، مكثفة ومركزة. سواء في ذلك ما كان في يوم عاشوراء أم قبل ذلك أو بعده. فيكون تأجيل الدفن داخلاً في هذا المستوى من التفكير. وهي مصيبة عظيمة باستقلالها تظهر مدى الظلم الذي وقع على الإمام(ع) وما تحمله في سبيل الله عز وجل.
ثالثاً: إن بعض الحوادث التي مرت عبر التأريخ فيها الدلالة الواضحة على الغضب الإلهي، كما حصل ذلك من خلال خفاء قبر الزهراء(ع) حتى اعتبر شهيدنا الحبيب ذلك سوء توفيق للأمة حينما قال: ((واعتبرها سوء توفيق لكل الأجيال الإسلامية ابتداءاً من الجيل المعاصر لوفاتها والى الآن والى حين يتضح الأمر بظهور الحق الأصيل (سلام الله عليه). فليس فينا أي شخص يستحق أن ينال هذه النعمة الخاصة والرحمة الحقيقية مهما كان ادعاء هذا الشخص عالياً في دين أو دنيا)). انتهى كلامه .
وكذلك الأمر فيما يخص غيبة الإمام المهدي(ع) فإنه علامة على الغضب الإلهي على اختلاف مستويات هذا الغضب.
والأمر كذلك فيما نحن بصدده، فإن بقاء ريحانة رسول الله(ص) وسيد شباب أهل الجنة بتلك الهيئة على الرمضاء، لهو مؤشر يدل على ما آل إليه حال الأعم الأغلب من المجتمع، والتقاعس الذي ابتليت به الأمة تجاه الإمام الفعلي للكون، الذي له الولاية التكوينية والتشريعية، والذي هو خامس أهل الكساء الذين هم أعلى الخلق على الإطلاق. هذا التقاعس والتخاذل في أداء الواجب وإرجاع الحقوق إلى أهلها هو الذي أنتج هذه المأساة من قتل الحسينd وأهل بيته وأصحابه، وما أعقب ذلك من مصائب جمة كان فيها الاعتداء الفاضح على الإنسانية وعلى الحق المهتضم.
وتلك المظالم التي لا نظير لها هي التي أنتجت الغضب الإلهي، الذي تجسد بأن مطرت السماء دماً، وأن أي حجر كان يرفع فإنه يوجد تحته الدم كما هو المروي. وكذلك يمكن أن يكون قد رمز له ببقاء الجسد الطاهر ثلاثاً من دون أن يوارى.
وهذا ما يجعل في ذمة الأجيال التي أعقبت ثورة الحسين(ع) المسؤولية الدائمة في أن لا نكون مشمولين بهذا الغضب الحسيني. فإننا وإن لم نعاصره (ع) لنكون مكلفين مباشرة بندائه المبارك: ((من سمع واعيتنا فلم يجبنا أكبه الله على منخريه في النار)) وذلك على المستوى العسكري. إلا أننا مشمولون بهذا النداء على عدة مستويات، ومنها مستوى الإلتزام بشريعة سيد المرسلين(ص) التي استشهد الحسين(ع) من أجلها. وأما بخلاف ذلك فإننا نكون مقصرين تجاه تلك التضحيات الجسام، ولا نكون في المعسكر الحسيني بمعناه العام. بل نكون مشمولين للغضب الحسيني الذي تجسد بتلك الرمزية التي نتحدث عنها.
وهذا الالتزام الذي نتحدث عنه يكون في جميع أوقاتنا وأحوالنا، ولا يقتصر الأمر على الأيام التي نستذكر فيها مصيبة سيد الشهداء(ع). بل لابد من الاحتفاظ بكل ما ينتجه القيام بالشعائر الحسينية في مثل هذه الأيام من نتائج إلى جميع أيام السنة، لنكون حسينين في جميع أفعالنا وأقوالنا وتصرفاتنا. فإن من التجني على أنفسنا وعلى ديننا فيما إذا احتفظنا بنتائج الشعائر الحسينية لبعض الأيام من حياتنا فقط. فعلينا أن نكون على مستوى المسؤولية تجاه ذلك جزاكم الله خيراً.
رابعاً: إن في ذلك ابتلاءاً وامتحاناً لعائلة الحسين(ع) الذين تحملوا مسؤولياتهم بعد واقعة الطف، بما فيهم الإمام السجاد(ع). فإنهم مروا بصعوبات ومصائب قلَّ نظيرها، وكل ذلك ينتج لهم مقاماتهم الخاصة التي ادخرها الله تعالى لهم بسبب مساهمتهم في ثورة الإمام الحسين(ع)، ولما فتحه الإمام الحسين(ع) لهم من الفرصة الفريدة، لينهلوا من ذلك العطاء الخاص كل بحسبه واستحقاقه. ومن تلك الفجائع التي ابتلوا بها هي أن يتركوا سيدهم وإمامهم وحبيبهم مقطعاً على ثرى الطف، بعد أن مروا بهم على جسده الطاهر، وساروا بهم إلى الكوفة وعيونهم ترنو نحو المصرع، بتلك الحالة التي أبكت الحجر دماً، فكيف بهم وقد عاشوا في كنفه وتحت ظله ردحاً طويلاً من الزمن، يحنو عليهم بعطفه وحنانه ويمدهم بالتربية المركزة علماً وعملاً.
وليس من السهل على الفرد أن يترك أخاه أو أباه أو زوجه بتلك الحالة، فكيف إذا كان هذا الشهيد المضرج بدمائه مضافاً إلى ذلك هو شيخه وسيده وإمامه.
فكانت في ذلك بلاءات مضاعفة ترفع من شأنهم ودرجاتهم، إذا قابلوها بالصبر والتسليم وعدم الإعتراض على ما أراده الله تعالى، كما كان موقفهم أمامه جل شأنه.
وعلينا أن نأخذ من هذا الموقف السامي العظة والعبرة، وعلينا أن نتأسى بذلك. فإن الله تعالى لا متناهي العظمة وتهون أمامه أعظم التضحيات. وما قيمة تضحياتنا قياساً بهذه التضحيات الجليلة؟
إلى غير ذلك من الوجوه التي لا يسع المجال لذكرها. يكفي أن نكون قد أثرنا مثل هذا التساؤل الذي قد يفتح أمامكم وجوهاً أخرى يمكن التفكير بها
المصدر/ موقع مركز الابحاث العقائدية
تعليق