فرصة قد لا تتكرر...
لا يزال العبد يعيش مع ربه وخالقه ورازقه، والمتفضل عليه بالنعم الكثيرة التي لا تعد ولا تحصى، طوال عامه، بل وأغلب حياته وعمره، نتيجة الغفلة والاغترار بزخرف هذه الدنيا الفانية.
وفي شهر رمضان فرصة العود والعلاقة من جديد مع رب العباد، فأبوابه مشرعة لمن أراد الفوز بالرب من ساحته المقدسة، بعد أن جعلنا من ضيوفه وأهل الكرامة عليه.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «... هو شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله، وجعلتم فيه من أهل كرامة الله...»[1].
ففي هذا الشهر الكريم باستطاعتنا قطع المسافات الشاسعة التي تفصلنا عن الله عزوجل، إذا توجهنا إليه بقلوب خاشعة ونيات صادقة.
ومن الخسارة والحرمان أن يخرج شهر رمضان دون أن نحقق من هذا الهدف شيئاً يذكر.
ومن العجيب أننا في علاقتنا البشرية نقدم الغالي والنفيس في سبيل أن نظفر بالقرب من ذوي المسؤوليات الحكومية، أو ذوي الوجاهات الاجتماعية... وكم هي النشوة التي تغمر نفوسنا حينما يلتفت لنا أحد هؤلاء بنظرة سريعة أو بكلمة عابرة، فنحسب أن ذلك يزيد من شرفنا ومكانتنا عند الناس.
ولكن وعلى العكس من ذلك في علاقتنا مع رب العباد، وملك الملوك، وجبار السماوات والأرض، لا نسعى للتقرب والزلفى إليه بمثل ذلك، مع أن الشرف الحقيقي لا يوجد إلا في العلاقة معه، فمن الخطأ أن نطلب الشرف الزائف بالقرب من العباد، في حين نغفل عن مثل ذلك الشرف الحقيقي الذي ليس فوقه شرف ورفعة.
وفي شهر رمضان – على وجه الخصوص – تتوفر الفرصة العظيمة لتصحيح هذا المفهوم الخاطىء أولاً، والسعي لتحقيق هذا الهدف العظيم ثانياً، وذلك من خلال الأعمال العبادية التي أكدت عليها الشريعة المقدسة، وأهمها – بالطبع – عبادة الصوم "لأن الصيام يعيد نفوس الصائمين لتقوى الله، ... وفيه البشارة بأن الصوم يوجب الوصول إلى مقام المتقين الذي هو مقام الصديقين، وهو من أقرب المقامات إلى حريم كبرياء رب العالمين. والسر في ذلك واضح، فإن الصوم من أقوى الوسائل في كف النفس عن الشهوات، والبعد عن التشبه بالحيوانات والقرب إلى ذروة مقام الإنسان، وبه يتهيأ إلى القيام بالطاعات، لاسيما إذا اقترن الإمساك الظاهري بإمساك القلب عمّا لا يليق بمقام الربّ"[2]، وكفى بكل ذلك شرفاً ورفعة.
المصدر: شهر رمضان شهر التحولات الكبرى
[1] عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 295.
[2] تفسير مواهب الرحمن 3: 7.
تعليق