الحديقة الثانية
وفيها
* هل أيقن القلب بضيافة الله؟
* من أدب الضيافة
* دعاء اليوم الثاني
* الغسل في الليالي المفردة
* صلاة الليلة الثالثة
* هل أيقن القلب بضيافة الله؟
تقبَّل الله أعمالكم ووفقنا جميعاً لما يحب ويرضى بالنبي المصطفى وآله.
أرادنا الله عز وجل أن نصل في شهر رمضان المبارك إلى حيث لا يمكننا أن نصل بدون ضيافة الرحمن في شهر الرحمن.
من حبه لنا عز وجل أنه أتاح لنا المحطات المكانية المميزة، لكي نصل من خلالها إلى المراتب العالية، ومن حبه لنا عز وجل أنه أقام هذه المحطات الزمنية المميزة وفي طليعتها شهر رمضان المبارك، و بسط سبحانه موائد الرحمة في هذا الشهر الكريم ودعانا إلى الإستزادة من الثواب، وأن نجِدَّ السير في طريق الحصول على رضوانه تقدست أسماؤه.
إنه العليم بحالنا ألا يعلم من خلق؟ " تعلم مافي نفسي وتخبرحاجتي وتعرف ضميري" يعرف تقصيرنا، وأننا غرقى بحار الذنوب. يعرف غيبتنا والنميمة. وأننا نبطيء كثيراً حين يدعونا، ونضيق ذرعاً حين ندعوه ولانلمس سرعة الإجابة.يعرف أننا لا نهتم بصلة الرحم ولا بحقوق المؤمن عموماً كما ينبغي، وأننا نقيم على التقصير، ونصر على أن نخرج أنفسنا من حده، فنقنعها أننا من خيرة عباد الله الصالحين، إن لم نكن الخيرة!
ورغم ذلك كله فإنه وهوأرحم الراحمين، يقول لنا من خلال شهر الرحمة، شهر المغفرة والرضوان " قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ".(الزمر 53).
ولقد هيأ لنا تقدست آلاؤه، كل ما ينبغي من أجل أن نصل. ترى، كيف نتعامل مع شهر الله تعالى؟
هل نتعامل مع هذه الفرصة الإلهية الفريدة بالمستوى المطلوب، هل ندرك ما معنى ضيافة الله عز وجل، وهل نبذل جهداً من أجل هذه الضيافة يتناسب مع كونها ضيافة الله تعالى؟ ألا ينبغي أن نلح على أن يقتنع القلب ويوقن بأنه ضيف الله!
بلى.. أنت أيها القلب ضيف الله تعالى، سواءً كنت كالخرقة البالية أو أشد من الحجارة قسوة، ومهما أسرفت في معاقرة الذنوب والولوغ في المعاصي.
أيها القلب، في شهر الله تعالى وضيافة الرحمن، لامجال بعدُ لتندب حظك العاثرلكثرة المعاصي، وتقول: ويلي كلما كبرسني كثرت ذنوبي.
إن المجال الذي فتحه الله تعالى أمامك على مصاريعه يستدعي منك حصر الهم وبذل الجهد في سياق: أعوذ بجلال وجهك الكريم أن ينقضي عني شهر رمضان أو يطلع الفجر من ليلتي هذه، ولك قِبَلي تبعة أو ذنب تعذبني عليه.
يندب حظه من لاتتاح له فرصة لايحرم من فيضها العميم إلا شقي!
أما وقد أصبحنا فيها، فلنندب حظنا على مايضيع من لحظاتها دون أن يُستثمر في فكاك نفوسنا المرتهنة، وعتق رقابنا التي أذلتها واستعبدتها أهواؤنا والشهوات.
أيها الحبيب: إن علينا أن نبذل قصارى جهدنا في شهر رمضان المبارك من أجل الوصول إلى رضوان الله تعالى.
نحن في موسم إلهي لا نظير له على الإطلاق.
أنا المقصر أستطيع الآن أن أكون من السابقين السابقين والمقربين، شرط أن أعي الظرف الذي أنا فيه وكيف أتوجه إلى ربي عز وجل.
إذا أدركت ذلك وطرقت الباب بتواضع وإلحاح وصدق إخلاص، فإن أرحم الراحمين أكرم من أن يردَّ سائلاً وقف ببابه وقد أمرنا أن لا نردّ السائل ﴿وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ﴾. (الضحى 10)
عندما نتأمل في الروايات وفي كلمات علمائنا الأعلام حول طريقة العمل في شهر الله تعالى، نجد أنفسنا أمام مستوى آخر من حمل الهم والجد في المراقبة والعبادة، يختلف عما نألفه جملةً وتفصيلاً.ليس شهر رمضان المبارك شهر الدِّعة والإستراحة والنوم، وليس شهر السهرات التي نمضيها في اللهو والمرح وتقفية الشِّعر وما شابه. وإن من أكبر الحِيَل الشيطانية التي تنطلي على الكثيرين منا أن نلجأ إلى مثل هذه الأساليب، وإذا بشهر ضيافة الله تعالى، هو شهر العطّالين البطّالين.شهر ينبغي فيه أن نشمِّر عن ساعد الجِد ونتفرغ لعبادة الرحمن، ونتفرغ للأعمال الصالحة، وإذا بالغفلة تجعله شهر" الفزازير" والجلسات العابثة المقهقهة بصخب الحرام، وثقافتها وأجوائها التي تنتشر في كل مكان!
فكيف نتعايش مع ذلك، فضلاً عن أن نتقبله ونوغل فيه؟
أنا في ضيافة الرحمن، كيف أسمح لنفسي أن أكون كرة يتقاذفها الشيطان حيث يريد، ويقنعني - بحجة أني كنت صائماً- بأن لي ملء الحق في أن أسهر وأتندر وأهزأ كما يحلو لي، دون أن أحمل همَّ آخرتي على الإطلاق، وكأن شهر رمضان هو موسم التفنُّن في السهرات وتمضية الوقت الثمين بأبخس النتائج وأتفهها، وتقطيع أوصال المصير.
صحيح أن الترويح عن النفس أمر طبيعي و لابد منه ضمن الضوابط الشرعية، ومنها أنه دائماً يجب أن يُقدَّر بقدره.
لو فرضنا أن إنساناً حُكم عليه بالإعدام، وأمامه متَّسع من الوقت يستطيع أن يفعل شيئاً من أجل رفع حكم الإعدام عنه، فكيف يتصرف؟
هل ينصرف إلى مجالس اللهو والسمر والعبثية، ومشاهدة الأفلام المختلفة، أم أنه يستثمر كل لحظة من أجل إنقاذ نفسه؟
ترى، هل يمنُّ عليّ إلهي وسيدي ومولاي بعتق رقبتي من النار في هذا الشهر المبارك؟
أوليس هو هذا الهم الذي ينبغي أن يحمله كلٌ منا؟
إننا أمام فرصة، أنفاسنا فيها تسبيح ونومناعبادة، وعملنا مقبول، من تطوّع بصلاة في هذا الشهر كتب الله له براءة من النار، وما أحوجنا إلى هذا الثواب الجزيل، وهذه البراءات من النار التي ربما تبقي لنا أعمالنا شيئاً منها، خصوصاً مجالس الغيبة وأذى المؤمنين.
إن الحاجة إذاً كبيرة، والفرصة المتاحة عظيمة، والمكتوب يقرأ من عنوانه، فهل بدأنا نتعاطى مع الشهر بما يتناسب مع فرادته؟
تعليق