يقول تعالى: ï´؟وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَï´¾[1].
ذكر الطبرسي صاحب تفسير مجمع البيان قدس الله روحه: إن الله سبحانه وتعالى لما ذكر الصوم فيما تقدم من الآيات عقبه بذكر الدعاء باعتباره أحد وسائل الارتباط بين العبد والمعبود، فمجيء هذه الآية في سياق الحديث عن الصوم يعطيه مفهوماً جديداً إذ أن الدعاء والتقرب إلى الله روح كل عبادة وبالأخص الصوم.
ومما يؤيد ذلك، ما ورد في خطبة الرسول (صلى الله عليه وآله) بهذا الصدد، ذكرها الصدوق بسنده عن زيد بن علي (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: لما حضر شهر رمضان، قام رسول الله فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس كفاكم الله عدوكم من الجن والانس وقال ادعوني استجب لكم ووعدكم الإجابة، ألا وقد وكل الله بكل شيطان مريد سبعة من ملائكته فليس بمحلول حتى ينقضى شهركم، ألا وأبواب السماء مفتحة من أول ليلة منه، ألا والدعاء فيه مقبول [2].
وكان سبب نزول هذه الآية كما في كتاب أسباب النزول للسيوطي: إن رجلاً سأل النبي (صلى الله عليه وآله)، أقريب ربنا فنناجيه، أم بعيد فنناديه؟ فنزلت هذه الآية.
وذكر المفسرون عدة معان، منها أن الله لا يخلو منه مكان، بل هو في كل مكان، إذ لو كان في مكان معين لما كان قريباً لكل من يدعوه، فقوله تعالى: ï´؟فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعانï´¾ أي أنه أقرب مما تتصورون، أقرب منكم إليكم.
وللدعاء في هذه الآية التي مرت عدة معان أهمها ثلاثة:
الأول: يراد بالدعاء الطلب وهو موضوع الآية.
المعنى الثاني: يراد بالدعاء العبادة، ومنه قوله تعالى: ï´؟ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتيï´¾[3] أراد بالدعاء هنا العبادة.
الثالث: مضافاً إلى ما تقدم، يراد به التوجيه للعمل والحركة، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): الداعي بلا عمل كالرامي بلا وتر، والوتر بحركته يدفع السهم نحو الهدف.
ومن ذلك أن الرسول (صلى الله عليه وآله) دخل المسجد ضحى يوم، فرأى رجلاً من الأنصار يدعى أبو أمامة، رآه جالساً وهو كئيب، فاستنكر النبي (صلى الله عليه وآله) عليه الجلوس وقت العمل لطلب الرزق.
فقال: يا رسول الله! لقد أصبحت وللناس علي دين عجزت عن أدائه، وأخجل من مواجهتهم.
فقال (صلى الله عليه وآله): ألا أعلمك شيئاً إن عملته تخرج من محنتك هذه؟
فقال: بلى يا رسول الله.
فقال (صلى الله عليه وآله): أن تقول بعد كل صلاة: (اللهم إني أعوذ لك من العجز والكسل، وأعوذ لك من الهم، وأعوذ بك من البخل والجبن وأعوذ بك من كثرة الدين وغلبة الرجال)، فالنبي بهذا الدعاء أراد أن يدفع أبو أمامة إلى العمل والحركة، وأن لا يكون مغموماً في الحياة وعاجزاً عن العمل.
قال أبو أمامة: فعملت بها فانقضى ديني وحسن حالي.
الخلاصة: الدعاء من جهة هو أمر ضروري وينبغي للمؤمن أن لا يهجره لما فيه حينئذ من هجران لأحد أهم وسائل التواصل معه تعالى واستقبال فيضه، ومن جهة ثانية، تتأكد أهمية وثمرة الدعاء في شهر رمضان المبارك لكونه الشهر الذي تفتح فيه أبواب السماء، ويغمر الله الإنسان فيه بالرحمة والمنح والبركات..
فخاسر حقاً، من يدخل إلى حريم هذا الشهر ولا يجعل له حظاً مهماً من الدعاء..
في ظلال شهر رمضان - بتصرّف
تعليق