﴿نَّحْنُ نَقْصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ ءَامَنُوا برَبِّهِمْ وَزِدْنـهُمْ هُدىً13 وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمـواتِ وَالأَْرْضِ لَن نَّدْعُوا مِن دُونِهِ إِلـهاً لَّقَدْ قُلْنَآ إِذاً شَطَطاً14 هـؤُلآَءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ ءَالِهَةً لَّوْلاَ يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطـن بَيِّن فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً15 وَإِذِ اعْتَزَلْـتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ فَأْوُا إِلى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَيُهَيِّىء لَكُمْ مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقاً16﴾
التّفسير
القصّة المفصَّلة لأصحاب الكهف:
كان المنطلق في ذلك قوله تعالى: (نحن نقصّ عليك نبأهم بالحق) كلامٌ خال مِن أي شكل مِن أشكال الخرافة والتزوير.
(إِنّهم فتية آمنوا بربّهم وزدناهم هُدى).
وكما قُلنا فإِنَّ (فتية) جمع (فتى) وهي تعني الشاب الحدث.
وبما أنَّ الجسم يكون قوياً في مرحلة الشباب، فهو على استعداد لقبول نور الحق، ومنبع للحب والسخاء والعفة.
ولذا كثيراً ما تُستخدم كلمة (الفتى والفتوة) للتدليل على مجموع هذه الصفات حتى لو كانَ أصحابها من المسنيّن.
وتشير الآيات القرآنية - وما هو ثابت في التأريخ - إِلى أنَّ أصحاب الكهف كانوا يعيشون في بيئة فاسدة وزمانَ شاعت فيه عبادة الأصنام والكفر، وكانت هُناك حكومة ظالمة تحتمي مظاهر الشرك والكفر والإِنحراف.
مجموعة أهل الكهف - الذين كانوا على مستوى مِن العقل والصدق - أحسّوا بالفساد وقرروا القيام ضدَّ هذا المجتمع، وفي حال عدم تمكنهم مِن المواجهة والتغيير فإِنّهم سيهجرون هذا المجتمع والمحيط الفاسد.
لذا يقول القرآن بعد البحث السابق: (وربطنا على قلوبهم إِذ قاموا فقالوا ربّنا ربّ السماوات والأرض لن ندعو مِن دونه إِلهاً).
فإِذا عبدنا غيره: (لقد قُلنا إِذاً شططاً).
نستفيد مِن تعبير (ربطنا على قلوبهم) أنَّ بذرة التوحيد وفكرته كانت مُنذ البداية مرتكزة في قلوبهم، إِلاَّ أنّهم لم تكن لديهم القدرة على إِظهارها والتجاهر بها.
ولكن الله بتقوية قلوبهم أعطاهم القدرة على أن ينهضوا ويعلنوا علانية نداء التوحيد.
وليس مِن الواضح فيما إِذا كانَ هذا الإِعلان قد تمَّ أوّلا أمام ملك زمانهم الظالم (دقيانوس) أو أنَّهُ تمَّ أمام الناس، أو أمام الاثنين معاً (الحاكم الظالم والناس) أو أنّهم تجاهروا به فيما بينهم أنفسهم؟
لكن يظهر مِن كلمة (قاموا) أنَّ إِعلانهم كان وسط الناس، أو أمام السلطان الظالم.
(شطط) على وزن (وسط) تعني الخروج عن الحد والإِفراط في الإِبتعاد
لذا فإِنَّ (شطط) تُقال للكلام البعيد عن الحق، و يقال لحواشي وضفاف الأنهار الكبيرة (شط) لكونها بعيدة عن الماء، وكونها ذات جدران مُرتفعة.
وفي الواقع، إِنَّ هؤلاء الفتية المؤمنين ذكروا دليلا واضحاً لإِثبات التوحيد ونفي الآلهة.
وهو قولهم: إِنّنا نرى وبوضوح أنَّ لهذه السماوات والأرض خالقاً واحداً، وأنَّ نظام الخلق دليل على وجوده، وما نحنُ إِلاَّ جزء مِن هذا الوجود، لذا فإِنَّ ربّنا هو نفسهُ ربّ السماوات والأرض.
ثمّ ذكروا دليلا آخر وهو: (هؤلاء قومنا اتّخذوا مِن دونه آلهة).
فهل يُمكن الإِعتقاد بشيء بدون دليل وبرهان؟: (لولا يأتون عليهم بسلطان بيِّن).
وهل يمكن أن يكون الظن أو التقليد الأعمى دليلا على مثل هذا الإِعتقاد؟ ما هذا الظلم الفاحش والإِنحراف الكبير: (فمن أظلم ممن افترى على الله كذباً).
وهذا الإِفتراء هو ظلم للنفس، لأنَّ الإِنسان يستسلم حينئذ لأسباب السقوط والشقاء،
وهو أيضاً ظلم بحق المجتمع الذي تسري فيه هذه الإِنحرافات،
وأخيراً هو ظلم لله وتعرض لمقامه العظيم سبحانهُ وتعالى.
هؤلاء الفتية الموحدون قاموا بما يستطيعون لإِزالة صدأ الشرك عن قلوب الناس، وزرع غرسة التوحيد في مكانها، إِلاَّ أنَّ ضجة عبادة الأصنام في ذلك المحيط الفاسد، وظلم الحاكم الجبار كانتا مِن الشدّة بحيث حبستا أنفاس عبادة الله في صدورهم وانكمشت همهمات التوحيد في حناجرهم.
وهكذا اضطروا للهجره لانقاذ أنفسهم والحصول على محيط أكثر استعداداً وقد تشاوروا فيما بينهم عن المكان الذي سيذهبون إِليه ثمّ كان قرارهم: ( وإِذا اعتزلتموهم وما يعبدون إِلاَّ الله فأووا إِلى الكهف).
حتى: (ينشر لكم ربّكم مِن رحمته ويُهيِّىء لكم مِن أمركم مرفقاً).
"يُهيَّىء" مُشتقة مِن "تهيئة" بمعنى الإِعداد.
"مرفق" تعني الوسيلة التي تكون سبباً للطف والرفق والراحة،
وبذا يكون معنى الجملة (ويهيِّىء لكم مِن أمركم مرفقاً) أنَّ الخالق سبحانهُ وتعالى سيرتب لكم وسيلة للرفق والراحة.
وليس مِن المستبعد أن يكون (نشر الرحمة) الوارد في الجملة الأُولى إِشارة إِلى الألطاف المعنوية لله تبارك وتعالى، في حين أنَّ الجملة الثّانية تشير إِلى الجوانب المادية التي تؤدي إِلى خلاصهم ونجاتهم.
ملاحظات
1 - الفتوة والإِيمان
تتزامن روح التوحيد دائماً مع سلسلة مِن الصفات الإِنسانية العالية، فهي تنبع مِنها وتؤثِّر فيها أيضاً، ويكون التأثير فيما بينهما مُتبادلا.
ولهذا السبب فإِننا نقرأ في قصّة أصحاب الكهف أنّهم كانوا فتية آمنوا بربّهم.
وعلى هذا الأساس قال بعض العلماء: رأس الفتوة الإِيمان.
وقالَ البعض الآخر مِنهم: الفتوة بذل الندى، وكف الأذى، وترك الشكوى.
والبعض الثّالث فسِّر الفتوة بقوله: هي اجتناب المحارم واستعمال المكارم.
2 - الإِيمان والإِمداد الإِلهي
في عدَّة مواقع مِن الآيات أعلاه تنعكس بوضوح حقيقة الإِمداد الإِلهي للمؤمنين، فإِذا وضع الإِنسان خطواته في طريق الله، ونهضَ لأجله فإِنَّ الإِمداد الإلهي سيشمله، ففي مكان تقول الآية: (إِنّهم فتية آمنوا بربّهم وزدناهم هدى).
وفى مكان آخر تقول: (وربطنا على قلوبهم).
وفي نهاية الآيات كانوا بانتظار رحمة الخالق: (ينشر لكم ربّكم مِن رحمته).
الآيات القرآنيه الأُخرى تؤيد هذه الحقيقة بوضوح، فعندما يجاهد الإِنسان مِن أجل الله، فإِنَّ الله يهديه إِلى طريق الحق: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سُبلنا)(1) وفي سورة محمّد(ص) آية (17) نقرأ قوله تعالى: (والذين اهتدوا زادهم هدى).
إِنَّ طريق الحق مليء بالموانع والصعوبات، ومن العسير على الإِنسان طي هذا الطريق والوصول إِلى الأهداف من دون لطف الله وعنايته.
ونعلم أيضاً إِنَّ لطف الله أكبر مِن أن يترك العبد في طريق الحق لوحده.
3 - ملجأ باسم الغار
إِنَّ وجود (أل) التعريف في كلمة "الكهف" قد تكون إِشارة إِلى أنّهم (أصحاب الكهف) كانوا مصممين على الذهاب إِلى مكان معين في حالِ عدم نجاح دعوتهم التوحيدية، وذلك لإِنقاذ أنفسهم مِن ذلك المحيط الملوّث.
(الكهف) كلمة ذات مفهوم واسع، وتذكرنا بنمط الحياة الإِبتدائية للإِنسان، حيث ينعدم فيه الضوء، ولياليه مُظلمة وباردة، وتذكرنا بآلام المحرومين، إِذ ليسَ ثمّة شيء مِن زينة الحياة المادية، أو الحياة الناعمة المرفَّهة.
ويتّضح الأمر أكثر إِذا ما أخذنا بنظر الإِعتبار أنَّ التأريخ ينقل لنا أنَّ أصحاب الكهف كانوا مِن الوزراء وأصحاب المناصب الكبيرة داخل الحُكُم.
وقد نهضوا ضدَّ الحاكم وضدَّ مذهبه، وكان اختيار حياة الكهوف على هذه الحياة قراراً يحتاج إِلى المزيد مِن الشهامة والهمّة والروح والإِيمان العالي.
وفي هذا الغار البارد المظلم الذي قد يتضّمن خطر الحيوانات المؤذية، هُناك عالم مِن النور والإِخلاص والتوحيد والمعاني السامية.
إِنّ خطوط الرحمة الإِلهية متجلية على جدران هذا الغار، وأمواج لطف الخالق تسبح في فضائه، ليسَ هُناك وجود للأصنام مِن أي نوع كانت، ولا يصل طوفان ظُلم الجبارين إِلى هذا الكهف.
هؤلاء الفتية الموحدون تركوا الدنيا الملوثة الواسعة والتي كان سجناً لأرواحهم وذهبوا إِلى غار مظلم جاف.
وفعلهم هذا يشبه فعل النّبي يوسف(ع)حين أصروا عليه أن يستسلم لشهوة امرأة العزيز الجميلة، وإِلاَّ فالسجن الموحش المظلم سيكون في انتظاره، لكن هذا الضغط زادَ في صموده وقال مُتوجهاً إِلى ربِّه العظيم: (ربَّ السجن أحبّ إِلىّ ممّا يدعونني إليه وإِلاَّ تصرف عنّي كيدهن أصب إِليهن)(2).
التّفسير
القصّة المفصَّلة لأصحاب الكهف:
كان المنطلق في ذلك قوله تعالى: (نحن نقصّ عليك نبأهم بالحق) كلامٌ خال مِن أي شكل مِن أشكال الخرافة والتزوير.
(إِنّهم فتية آمنوا بربّهم وزدناهم هُدى).
وكما قُلنا فإِنَّ (فتية) جمع (فتى) وهي تعني الشاب الحدث.
وبما أنَّ الجسم يكون قوياً في مرحلة الشباب، فهو على استعداد لقبول نور الحق، ومنبع للحب والسخاء والعفة.
ولذا كثيراً ما تُستخدم كلمة (الفتى والفتوة) للتدليل على مجموع هذه الصفات حتى لو كانَ أصحابها من المسنيّن.
وتشير الآيات القرآنية - وما هو ثابت في التأريخ - إِلى أنَّ أصحاب الكهف كانوا يعيشون في بيئة فاسدة وزمانَ شاعت فيه عبادة الأصنام والكفر، وكانت هُناك حكومة ظالمة تحتمي مظاهر الشرك والكفر والإِنحراف.
مجموعة أهل الكهف - الذين كانوا على مستوى مِن العقل والصدق - أحسّوا بالفساد وقرروا القيام ضدَّ هذا المجتمع، وفي حال عدم تمكنهم مِن المواجهة والتغيير فإِنّهم سيهجرون هذا المجتمع والمحيط الفاسد.
لذا يقول القرآن بعد البحث السابق: (وربطنا على قلوبهم إِذ قاموا فقالوا ربّنا ربّ السماوات والأرض لن ندعو مِن دونه إِلهاً).
فإِذا عبدنا غيره: (لقد قُلنا إِذاً شططاً).
نستفيد مِن تعبير (ربطنا على قلوبهم) أنَّ بذرة التوحيد وفكرته كانت مُنذ البداية مرتكزة في قلوبهم، إِلاَّ أنّهم لم تكن لديهم القدرة على إِظهارها والتجاهر بها.
ولكن الله بتقوية قلوبهم أعطاهم القدرة على أن ينهضوا ويعلنوا علانية نداء التوحيد.
وليس مِن الواضح فيما إِذا كانَ هذا الإِعلان قد تمَّ أوّلا أمام ملك زمانهم الظالم (دقيانوس) أو أنَّهُ تمَّ أمام الناس، أو أمام الاثنين معاً (الحاكم الظالم والناس) أو أنّهم تجاهروا به فيما بينهم أنفسهم؟
لكن يظهر مِن كلمة (قاموا) أنَّ إِعلانهم كان وسط الناس، أو أمام السلطان الظالم.
(شطط) على وزن (وسط) تعني الخروج عن الحد والإِفراط في الإِبتعاد
لذا فإِنَّ (شطط) تُقال للكلام البعيد عن الحق، و يقال لحواشي وضفاف الأنهار الكبيرة (شط) لكونها بعيدة عن الماء، وكونها ذات جدران مُرتفعة.
وفي الواقع، إِنَّ هؤلاء الفتية المؤمنين ذكروا دليلا واضحاً لإِثبات التوحيد ونفي الآلهة.
وهو قولهم: إِنّنا نرى وبوضوح أنَّ لهذه السماوات والأرض خالقاً واحداً، وأنَّ نظام الخلق دليل على وجوده، وما نحنُ إِلاَّ جزء مِن هذا الوجود، لذا فإِنَّ ربّنا هو نفسهُ ربّ السماوات والأرض.
ثمّ ذكروا دليلا آخر وهو: (هؤلاء قومنا اتّخذوا مِن دونه آلهة).
فهل يُمكن الإِعتقاد بشيء بدون دليل وبرهان؟: (لولا يأتون عليهم بسلطان بيِّن).
وهل يمكن أن يكون الظن أو التقليد الأعمى دليلا على مثل هذا الإِعتقاد؟ ما هذا الظلم الفاحش والإِنحراف الكبير: (فمن أظلم ممن افترى على الله كذباً).
وهذا الإِفتراء هو ظلم للنفس، لأنَّ الإِنسان يستسلم حينئذ لأسباب السقوط والشقاء،
وهو أيضاً ظلم بحق المجتمع الذي تسري فيه هذه الإِنحرافات،
وأخيراً هو ظلم لله وتعرض لمقامه العظيم سبحانهُ وتعالى.
هؤلاء الفتية الموحدون قاموا بما يستطيعون لإِزالة صدأ الشرك عن قلوب الناس، وزرع غرسة التوحيد في مكانها، إِلاَّ أنَّ ضجة عبادة الأصنام في ذلك المحيط الفاسد، وظلم الحاكم الجبار كانتا مِن الشدّة بحيث حبستا أنفاس عبادة الله في صدورهم وانكمشت همهمات التوحيد في حناجرهم.
وهكذا اضطروا للهجره لانقاذ أنفسهم والحصول على محيط أكثر استعداداً وقد تشاوروا فيما بينهم عن المكان الذي سيذهبون إِليه ثمّ كان قرارهم: ( وإِذا اعتزلتموهم وما يعبدون إِلاَّ الله فأووا إِلى الكهف).
حتى: (ينشر لكم ربّكم مِن رحمته ويُهيِّىء لكم مِن أمركم مرفقاً).
"يُهيَّىء" مُشتقة مِن "تهيئة" بمعنى الإِعداد.
"مرفق" تعني الوسيلة التي تكون سبباً للطف والرفق والراحة،
وبذا يكون معنى الجملة (ويهيِّىء لكم مِن أمركم مرفقاً) أنَّ الخالق سبحانهُ وتعالى سيرتب لكم وسيلة للرفق والراحة.
وليس مِن المستبعد أن يكون (نشر الرحمة) الوارد في الجملة الأُولى إِشارة إِلى الألطاف المعنوية لله تبارك وتعالى، في حين أنَّ الجملة الثّانية تشير إِلى الجوانب المادية التي تؤدي إِلى خلاصهم ونجاتهم.
ملاحظات
1 - الفتوة والإِيمان
تتزامن روح التوحيد دائماً مع سلسلة مِن الصفات الإِنسانية العالية، فهي تنبع مِنها وتؤثِّر فيها أيضاً، ويكون التأثير فيما بينهما مُتبادلا.
ولهذا السبب فإِننا نقرأ في قصّة أصحاب الكهف أنّهم كانوا فتية آمنوا بربّهم.
وعلى هذا الأساس قال بعض العلماء: رأس الفتوة الإِيمان.
وقالَ البعض الآخر مِنهم: الفتوة بذل الندى، وكف الأذى، وترك الشكوى.
والبعض الثّالث فسِّر الفتوة بقوله: هي اجتناب المحارم واستعمال المكارم.
2 - الإِيمان والإِمداد الإِلهي
في عدَّة مواقع مِن الآيات أعلاه تنعكس بوضوح حقيقة الإِمداد الإِلهي للمؤمنين، فإِذا وضع الإِنسان خطواته في طريق الله، ونهضَ لأجله فإِنَّ الإِمداد الإلهي سيشمله، ففي مكان تقول الآية: (إِنّهم فتية آمنوا بربّهم وزدناهم هدى).
وفى مكان آخر تقول: (وربطنا على قلوبهم).
وفي نهاية الآيات كانوا بانتظار رحمة الخالق: (ينشر لكم ربّكم مِن رحمته).
الآيات القرآنيه الأُخرى تؤيد هذه الحقيقة بوضوح، فعندما يجاهد الإِنسان مِن أجل الله، فإِنَّ الله يهديه إِلى طريق الحق: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سُبلنا)(1) وفي سورة محمّد(ص) آية (17) نقرأ قوله تعالى: (والذين اهتدوا زادهم هدى).
إِنَّ طريق الحق مليء بالموانع والصعوبات، ومن العسير على الإِنسان طي هذا الطريق والوصول إِلى الأهداف من دون لطف الله وعنايته.
ونعلم أيضاً إِنَّ لطف الله أكبر مِن أن يترك العبد في طريق الحق لوحده.
3 - ملجأ باسم الغار
إِنَّ وجود (أل) التعريف في كلمة "الكهف" قد تكون إِشارة إِلى أنّهم (أصحاب الكهف) كانوا مصممين على الذهاب إِلى مكان معين في حالِ عدم نجاح دعوتهم التوحيدية، وذلك لإِنقاذ أنفسهم مِن ذلك المحيط الملوّث.
(الكهف) كلمة ذات مفهوم واسع، وتذكرنا بنمط الحياة الإِبتدائية للإِنسان، حيث ينعدم فيه الضوء، ولياليه مُظلمة وباردة، وتذكرنا بآلام المحرومين، إِذ ليسَ ثمّة شيء مِن زينة الحياة المادية، أو الحياة الناعمة المرفَّهة.
ويتّضح الأمر أكثر إِذا ما أخذنا بنظر الإِعتبار أنَّ التأريخ ينقل لنا أنَّ أصحاب الكهف كانوا مِن الوزراء وأصحاب المناصب الكبيرة داخل الحُكُم.
وقد نهضوا ضدَّ الحاكم وضدَّ مذهبه، وكان اختيار حياة الكهوف على هذه الحياة قراراً يحتاج إِلى المزيد مِن الشهامة والهمّة والروح والإِيمان العالي.
وفي هذا الغار البارد المظلم الذي قد يتضّمن خطر الحيوانات المؤذية، هُناك عالم مِن النور والإِخلاص والتوحيد والمعاني السامية.
إِنّ خطوط الرحمة الإِلهية متجلية على جدران هذا الغار، وأمواج لطف الخالق تسبح في فضائه، ليسَ هُناك وجود للأصنام مِن أي نوع كانت، ولا يصل طوفان ظُلم الجبارين إِلى هذا الكهف.
هؤلاء الفتية الموحدون تركوا الدنيا الملوثة الواسعة والتي كان سجناً لأرواحهم وذهبوا إِلى غار مظلم جاف.
وفعلهم هذا يشبه فعل النّبي يوسف(ع)حين أصروا عليه أن يستسلم لشهوة امرأة العزيز الجميلة، وإِلاَّ فالسجن الموحش المظلم سيكون في انتظاره، لكن هذا الضغط زادَ في صموده وقال مُتوجهاً إِلى ربِّه العظيم: (ربَّ السجن أحبّ إِلىّ ممّا يدعونني إليه وإِلاَّ تصرف عنّي كيدهن أصب إِليهن)(2).
تعليق