حديث في ولاية أهل البيت عليهم السلام
عن محمد بن مارد: "قُلتُ لأبي عبد الله عليه السلام: حديث روي لنا أنّك قُلتَ: إذا عرفتَ1 فاعمل ما شئت، فقال: قد قُلتُ ذلك. قُلتُ: وإن زنوا وإن سرقوا وإن شربوا الخمر؟ فقال لي: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، والله ما أنصفونا أن نكون أُخذنا بالعمل ووُضع عنهم2. إنّما قُلتُ: إذا عرفت فاعمل ما شئت من قليل الخير وكثيره فإنّه يُقبل منك"3.
ولاية أهل البيت شرط في صحّة الإيمان
إن ما مرَّ في ذيل الحديث الشريف من أن ولاية أهل البيت عليهم السلام ومعرفتهم شرط في قبول الأعمال، يُعتبر من الأمور المسلّمة، بل تكون من ضروريات مذهب التشيّع المقدّس.
الأخبار في هذا الموضوع أكبر من طاقة مثل هذه الكتب المختصرة على استيعابها، وأكثر من حجم التواتر، ويتبرّك هذا الكتاب بذكر بعض تلك الأخبار.
عن أبي جعفر عليه السلام قال: "ذروة الأمر وسنامه ومفتاحه وباب الأشياء ورضى الرحمن الطاعة للإمام بعد معرفته.. أما لو أنّ الرجل قام ليله وصام نهاره وتصدّق بجميع ماله وحجّ جميع دهره ولم يعرف ولاية وليّ الله فيواليه وتكون جميع أعماله بدلالته إليه، ما كان له على الله حقّ في ثوابه ولا كان من أهل الإيمان"4.
وعن الإمام الصادق عليه السلام قال: "من لم يأتِ الله عزّ وجلّ يوم القيامة بما أنتم عليه، لم يتقبّل منه حسنة ولم يتجاوز له سيّئة"5.
وعن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال: "والله لو أنّ إبليس - لعنه الله - سجد لله بعد المعصية والتكبّر عُمر الدنيا ما نفعه ذلك ولا قبله الله ما لم يسجد لآدم كما أمرَه الله عزّ وجلّ أن يسجد له، وكذلك هذه الأمّة العاصية المفتونة بعد تركهم الإمام الذي نصبه نبيّهم لهم، فلن يقبل الله لهم عملاً ولن يرفع لهم حسنة حتى يأتوا الله من حيث أمرَهم ويتولّوا الإمام الذي أمرهم الله بولايته، ويدخلوا من الباب الذي فتحه الله ورسوله لهم"6.
والأخبار في هذا الموضوع وبهذا المضمون كثيرة، ويُستفاد من مجموعها أنّ ولاية أهل البيت عليهم السلام شرط في قبول الأعمال عند الله سبحانه، بل هي شرط في قبول الإيمان بالله والنبي صلى الله عليه وآله وسلم، أمّا كونها شرطاً في صحّة الأعمال فهو غير معلوم كما يقول بذلك بعض الأعلام، بل الظاهر أنّها ليست بشرط في صحّة الأعمال. كما يُستفاد ذلك من الروايات الكثيرة مثل الروايات المذكورة في باب عدم وجوب قضاء المخالف عبادته إذا استبصر.
فعن الإمام الصادق عليه السلام في حديث قال: "كلّ عمل عمله وهو في حال نُصِبه7 وضلالته، ثم منّ الله عليه وعرّفه الولاية، فإنّه يؤجر عليه إلاّ الزكاة فإنّه يُعيدها، لأنّه وضعها في غير موضعها، لأنّها لأهل الولاية، وأمّا الصلاة والحجّ والصيام فليس عليه قضاءٌ"8.
وفي رواية أخرى عن محمد بن حكيم قال: "كُنتُ عند أبي عبد الله عليه السلام إذ دخل عليه كوفيّان كانا زيديين فقالا: إنّا كنّا نقول بقول وإنّ الله منَّ علينا بولايتك فهل يُقبل شيء من أعمالنا فقال: "أمّا الصلاة والصوم والصدقة فإن الله يتبعُكُما ذلك ويلحَقُ بكما، وأمّا الزكاة فلا لأنّكما أبعدتما حقّ امرئٍ مسلم وأعطيتماه غيره"9.
وفي بعض الروايات: تُعرض أعمال الناس في كلّ يوم خميس على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيؤجّل النظر فيها حتى يوم عرفة، وفي ذلك اليوم يلقي صلوات الله وسلامه عليه نظرة عليه ويجعل أعماله هباءً منثوراً. قيل أعمال أي شخص تتحوّل كذلك؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: أعمال مبغضينا ومبغضي شيعتنا10. وهذه الرواية تدلّ على أن الولاية شرط في قبول الأعمال كما هو واضح.
التقوى والطاعة من صفات الشيعة الأساس
إنّ من يُراجع الأخبار المأثورة في ترجمة حياة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وأئمة الهدى عليهم السلام، وكيفية عبادتهم وبذلهم الجهد فيها، وفي تضرّعهم وبكائهم وذلّهم ومسكنتهم وخشيتهم وحزنهم أمام ساحة قدس ربّ العزّة، وفي كيفية مناجاتهم بين يدي قاضي الحاجات لوجدها أوسع من التواتر وأكثر من المئات.
وهكذا إذا راجع وصايا الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم للإمام أمير المؤمنين عليه السلام، ووصايا الأئمة بعضهم لبعض، ووصاياهم للخواص من شيعتهم، والخلّص من مواليهم ووصاياهم البليغة جدّاً التي كانوا يوصون بها محبّيهم، ويُحذّرونهم من معصية الله تعالى والتأكيد عليهم في الابتعاد عن مخالفة الله سبحانه في أصول الأحكام وفروعها، والمدوّنة في كتب الأخبار، إذا راجع تلك الأحاديث وهذه الوصايا، لحصل له علم قطعي بأنّ بعض الروايات التي يتنافى ظاهرها مع تلك الأحاديث لم يكن هذا الظاهر مقصوداً، فإن أمكن تأويل هذه الأخبار بصورة لا تتضارب مع تلك الأحاديث الصريحة القطعية التي تُعتبر من ضروريات الدِّين، لأخذنا بالتأويل، وإذا أمكن الجمع بين هاتين الطائفتين على أساس الجمع العرفي بين الروايات، لقمنا بهذا الجمع، وإن لم يُمكن التأويل ولا الجمع العرفي، أرجعنا علمها إلى قائلها.
شبكة المعارف الاسلامية
تعليق