إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

قارون 2

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • قارون 2





    المعروف أن "قارون" كان من أرحام موسى و أقاربه "ابن عمه أو ابن خالته" وكان عارفاً بالتوراة، وكان في بداية أمره مع المؤمنين، إلاّ أنّ غرور الثروة جرّه إلى الكفر ودعاه إلى أن يقف بوجه موسى(ع) وأماته ميتة ذات عبرة للجميع، حيث نقرأ شرح ذلك في الآيات التالية:


    يقول القرآن في شأنه أوّلا: (إنّ قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم)وسبب بغيه وظلمه إنّه كان ذا ثروة عظيمة، ولأنّه لم يكن يتمتع بايمان قوي وشخصية متينة فقد غرّته هذه الثروة الكبيرة وجرّته إلى الإنحراف والإستكبار.

    يصف القرآن ما عنده من ثروة فيقول: (وآتيناه من الكنوز ما إنّ مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوّة).

    "المفاتح" جمع "مفتح" على زنة "مكتب" معناه المكان الذي يدخّر فيه الشيء، كالصندوق الذي يحفظ فيه المال، وهو ما يسميه بعض التجار بـ "القاصة".

    فيكون المعنى: إنّ قارون كان ذا مال كثير ووفير من الذهب والفضّة، بحيثكان يصعب حمل صناديقها على الرجال الأشداء (أولي القوّة).

    ومع ملاحظة كلمة "عصبة" التي تعني الجماعة المُتآزرة يداً بيد على الأمر المهم، يتّضح حجم الذهب والفضة والمعادن الثمينة التي كانت عند قارون، قال بعضهم: العصبة هي من عشرة رجال إلى أربعين رجلا.

    وكلمة "تنوء" مشتقّة من "النوء" ومعناه القيام بمشقّة وثقل، وتستعمل في حمل الاثقال التي لها ثقل ووزن كبير، بحيث لو حملها الإنسان لمال إلى أحد جانبيه!.

    وهذا الذي بيّناه في "المفتاح" اتفق عليه جماعة من المفسّرين.

    (إذ قال له قومه لا تفرح إنّ الله لا يحبّ الفرحين (2)).

    ثمّ يقدمون له أربع نصائح قيّمة أُخرى ذات تأثير مهم على مصير الإنسان، بحيث تتكامل لديه حلقة خماسية من النصائح مع ما تقدم من قولهم له: (لا تفرح) فالنصيحة الأُولى قولهم له: (وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة) وهذا إشارة إلى أن المال والثروة ليس أمراً سيئاً كما يتصوره بعض المتوهّمين، المهم أن تعرف فيم يستعمل المال، وفي أي طريق ينفق، فإذا ابتغي به الدار الآخرة فما أحسنه! أو كان وسيلة للعب والهوى والظلم والتجاوز، فلا شيء أسوأ منه!

    وهذا هو المنطق الذي ورد على لسان أمير المؤمنين(ع) في كلام معروف "من أبصر بها بصَّرته ومن أبصر إليها أعمته" (3).

    وكان قارون رجلا ذا قدرة على الأعمال الإجتماعية الكبيرة بسبب أمواله الطائلة، ولكن ما الفائدة منها وقد أعماه غروره عن النظر إلى الحقائق.

    والنصيحة الثّانية قولهم له: (ولا تنس نصيبك من الدنيا) والآية تشير إلى مسألة واقعيّة، وهي أنّ لكل فرد منّا نصيباً من الدنيا، فالأموال التي يصرفها على بدنه وثيابه ليظهر بمظهر لائق هي أموال محدودة، وما زاد عليها لا تزيد مظهره شيئاً، وعلى الإنسان أن لا ينسى هذه الحقيقة!... فالإنسان... كم يستطيع أن يأكل من الطعام؟ ولم يستطيع أن يلبس من الثياب؟ وكم يمكن أن يحوز من المساكن والمراكب؟! وإذا مات وكم يستطيع أن يأخذ معه من الأكفان؟!
    فالباقي - إذن - رضي أم أبى هو من نصيب الآخرين.

    وما أجمل قول الإمام علي(ع): "يابن آدم ما كسبت فوق قوتك فأنت فيه خازن لغيرك" (4).


    والنصيحة الثّالثة هي (وأحسن كما أحسن الله إليك).

    وهذه حقيقة أُخرى، وهي أَن الإنسان يرجو دائماً نعم الله واحسانه وخيره ولطفه، وينتظر منه كل شيء.

    فبمثل هذه الحال كيف يمكن له التغاضي عن طلب الآخرين الصريح أو لسان حالهم.. وكيف لا يلتفت إليهم!.

    وبتعبير آخر: كما أنّ الله تفضل عليك وأحسن، فأحسن أنت إلى الناس.


    فهذه المواهب الإلهية مفهومها الضمني أنّها لا تتعلق بك وحدك - أيّها الإنسان - بل أنت وكيل مخوّل من قبل الله لنقلها إلى الآخرين، أعطاك الله هذه المواهب لتدير بها عباده!.

    والنصيحة الرابعة والأخيرة أن لا تغرنّك هذه الاموال والامكانات المادية فتجرّك إلى الفساد.

    (ولا تبغ الفساد في الآرض إنّ الله لا يحبّ المفسدين).

    وهذا أيضاً حقيقة واقعية أُخرى، إنّ كثيراً من الأثرياء وعلى أثر جنون زيادة المال - أحياناً - أو طلباً للاستعلاء، يفسدون في المجتمع، فيجرّون إلى الفقر والحرمان، ويحتكرون جميع الأشياء في أيديهم، ويتصورون أنّ الناس عبيدهم ومماليكهم، ومن يعترض عليهم فمصيره الموت، وإذا لم يستطيعوا إتهامه أو الإساءة إليه بشكل صريح، فإنّهم يجعلونه معزولا عن المجتمع بأساليبهم وطرائقهم الخاصة...

    والخلاصة: إنّهم يجرون المجتمع إلى الفساد والإنحراف.

    وفي كلام جامع موجز نصل إلى أن هؤلاء الناصحين سعوا أولا إلى أن يكبحوا غرور قارون!.

    ثمّ نبهوه أَن الدنيا إنّما هي وسيلة - لا هدف - في مرحلتهم الثّانية.

    وفي المرحلة الثّالثة أنذروه بأن ما عندك تستفيد من قسم قليل منه، والباقي لغيرك.

    وفي المرحلة الرابعة أفهموه هذه الحقيقة، وهي أن لا ينسى الله الذي أحسن إليه فعليه أن يحسن إلى الآخرين.. وإلاّ فإنّهُ يسلب مواهبه منك.

    وفي المرحله الخامسة حذروه من أن مغبة الفساد في الأرض الذي يقع نتيجة نسيان الأصول الأربعه آنفة الذكر.

    وليس من المعلوم بدقّة من هم الناصحون لقارون يومئذ ولكن القدر المسلم به أنّهم رجال علماء متقون، أذكياء، ذوو نجدة وشهامة، عارفون للمسائل الدقيقة الغامضة!.

    ولكن الاعتقاد بأنّ الناصح لقارون هو موسى(ع) نفسه بعيد جدّاً، لأنّ القرآن يعبّر عن من قدم النصح بصيغة الجماعة (إذ قال له قومه).

    والآن لنلاحظ ما كان جواب هذا الإنسان الباغي والظالم الإسرائيلي لجماعته الواعظين له!.

    فأجابهم قارون بتلك الحالة من الغرور والتكبر الناشئة من ثروته الكبيرة، و(قال إنّما أوتيته على علم عندي).

    هذا لا يتعلق بكم، وليس لكم حق أن ترشدوني إلى كيفية التصرف بمالي، فقد أوجدته بعلمي وإطلاعي.

    ثمّ إنّ الله يعرف حالي ويعلم أنّي جدير بهذا المال الذي أعطانيه، وعلمني كيف أتصرف به، فلا حاجة إلى تدخلكم!.

    وبعد هذا كله فقد تعبت وبذلت جهوداً كبيرة في سبيل جمع هذا المال، فإذا كان الآخرون جديرين بالمال، فلم لا يتعبون ويجهدون أنفسهم؟ فلست مضايقاً لهم، وإذا لم يكونوا جديرين، فليجوعوا وليموتوا فهو أفضل لهم(6).

    هذا المنطق العفن المفضوح طالما يردده الأثرياء الذين لا حظّ لهم من الإيمان أمام من ينصحهم.

    وهذه اللطيفة جديرة بالإلتفات وهي أن القرآن لم يصرّح بالعلم الذي كان عند قارون وأبقاه مبهماً، ولم يذكر أي علم كان عند قارون حتى استطاع بسببه على هذه الثروة الطائلة!.

    أهو علم الكيمياء، كما فسّره بعضهم.

    أم هو علم التجارة والصناعة والزراعة.

    أم علم الإدارة الخاص به، الذي استطاع بواسطته أَن يجمع هذه الثروة العظيمة.

    أم جميع هذه العلومِ!

    لا يبعد أن يكون مفهوم الآية واسعاً وشاملا لجميع هذه العلوم "بالطبع بصرف النظر عن أَن علم الكيمياء علم يستطاع بواسطته قلب النحاس وأمثاله ذهباً، وهل هو خرافة أم حقيقة واقعية"؟

    وهنا يجيب القرآن على قول قارون وأمثاله من المتكبرين الضالين، فيقول: (أو لم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوّة وأكثر جمعاً).

    أتقول: (إنّما أوتيته على علم عندي) ونسيت من كان أكثر منك علماً وأشدّ قوّة وأثرى مالا، فهل استطاعوا أن يفروا من قبضة العذاب الإلهي؟!

    لقد عبّر اولو الالباب والضمائر الحيّة عن المال بقولهم لقارون: (ما آتاك الله)، ولكن هذا الغافل غير المؤدّب ردّ على قولهم بأنّ ما عنده من مال فهو بواسطة علمه!!

    لكن الله سبحانه عبّر عن حقارة قوّته وقدرته أمام إرادته ومشيئته جلّوعلا بالعبارة المتقدمة آنفاً.

    وفي ختام الآية إنذار ذو معنى كبير آخر لقارون، جاء في غاية الإيجاز: (ولا يُسأل عن ذنوبهم المجرمون).

    فلا مجال للسؤال والجواب، فالعذاب واقع - لا محالة - بصورة قطعيّة ومؤلمة، وهو عذاب فجائي مُدمّر!.

    وبعبارة أُخرى أن العلماء من بني إسرائيل نصحوا قارون هذا اليوم وكان لديه مجال والجواب، لكن بعد إتمام الحجة ونزول العذاب الإلهي، عندئذ لا مجال للتفكير والجواب، فاذا حلّ العذاب الالهي بساحته فهو الهلاك الحتمي.

    هنا يرد سؤال حول الآية التي تقول: (ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون) أي سؤال هذا الذي نفاه الله أهو في الدنيا أم في الآخرة؟!


    ويمكن الإجابة على هذا السؤال عن طريقين:

    الأوّل: إنّ المواقف في يوم القيامة متعددة، ففي بعضها يقع السؤال والجواب وفي بعض المواقف لا حاجة للسؤال، لأنّ الحجب مكشوفة، وكل شيء واضح هناك.

    الثّاني: إنّ السؤال عادة نوعان.. "سؤال تحقيق" و "سؤال توبيخ" فليس في يوم القيامة سؤال للتحقيق، لأنّ كل شيء هناك مكشوف عياناً وواضح دون لبس.

    ولكن يوجد هناك سؤال توبيخ وهو بنفسه نوع من العذاب النفسي للمجرمين.

    وينطبق هذا تماماً في ما لو سأل الأب ابنه غير المؤدب: ألم أقدم لك كل هذه الخدمات... أهذا جزاء ما قدمت؟! في حين أن كلا من الأب والابن يعرفان الحقيقة، وأن قصد الأب من سؤاله لإبنه هو التوبيخ لا غير!.































  • #2
    اللهم صل على محمد وال محمد
    احسنتم البحث القراني المبارك
    شكرالكم كثيرا عزيزتي


    تعليق

    المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
    حفظ-تلقائي
    Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
    x
    يعمل...
    X