شرح دعاء الافتتاح (10)
- (فَارْحَمْ عَبْدَكَ الْجاهِلَ، وَجُدْ عَلَيْهِ بِفَضْلِ إِحْسانِكَ إنَّكَ جَوادٌ كَريمٌ..)..
ثم هو يقدم اعتذارًا لربه، ويقول يا رب، أنا الذي قمت به باعتبار جهلي..
ولكن نقول أخيراً: يوم القيامة عندما يتعذر العبد، ويتمسك بعذرية الجهل، يأتيه الخطاب هلا تعلمت!.. إذن، العتاب في محله.. لنحاول في هذا الشهر المبارك، أن نخرج بزاد لا يفارقنا طوال العام، إلى أن نلتقي بالله عزّ وجل، ليرينا وجهه الكريم، بمنه وكرمه، إنه سميع مجيب!.
- (اَلْحَمْدُ للهِ مالِكِ الْمُلْكِ، مُجْرِي الْفُلْكِ، مُسَخِّرِ الرِّياحِ، فالِقِ الإِصْباحِ، دَيّانِ الدّينِ، رَبِّ الْعَالَمينَ..)..
أن هذه الفقرات من الفقرات التي تعطينا استراتيجية واضحة ومحفزة في تعاملنا مع رب العالمين.. الإنسان عندما يدعو، فهو يدعو من؟.. وعندما يصلي، فيصلي أمام من؟.. رب العالمين هو مالك الملك، هو ذلك الذي كل الوجود بين يدي قدرته، فعّال لما يشاء، خالق الذرة إلى المجرة.. من المناسب أن نعيش حالة الإحساس بأن الله عزّ وجل الذي نخاطبه في صلواتنا، والذي نطوف حول بيته في حجنا أو في عمرتنا، والذي نقوم في أسحار شهر رمضان المبارك مناجين إياه؛ هو ذلك الذي من بيده نواصي الخلق طراً، مالك الملك..
فالذي يريد ملكاً فإن عليه أن يرتبط بمالك الملك.. ومن أجلى وأفضل صور الملكية، هي ملكية القلوب.. فالمؤمن يتمنى من الله عزّ وجل، أن يعطيه قدرة على اختراق القلوب، وبالأخص القلوب المتعطشة للهدى الإلهي.. ولهذا نحن عندما نقرأ سير العلماء السابقين، نلاحظ هناك تعبير جميل في حياة بعض العلماء، وهو قولهم بأن (فلان رزق القبول).. أي أن الله عزّ وجل رزقه قدرة التأثير، وجعل له مقبولية في نفوس الخلق، بحيث هو عندما يتكلم فإن كلامه ينفذ في قلوب الآدميين.. وهذه من النعم الكبرى على عبده المؤمن، أن تتجاوب معه القلوب، كما كانت الجبال تتجاوب مع نبي من أنبياء الله عزّ وجل.
فإذن، إن النظر إلى تصرف رب العالمين وتدبيره لهذا الوجود، هذا التدبير المذهل، من موجبات تقوية العلاقة والتعرف على رب العالمين.. ومن المعلوم هذه الأيام أن الأساطيل تجوب البحار، وعليها عشرات الطائرات، وإذا بهذا الماء السيال يحمل هذا الوجود الثقيل؛ نظراً لخاصية من خواص الماء وهي قانون الطفو؛ ولكن من الذي جعل هذه الخاصية في البحار؟.. إن رب العالمين هو الذي يسخر الرياح، ويسخر هذه السحب التي تسوقها الرياح اللواقح من بلد إلى بلد.. ومن المعلوم أنه سخر هذه الرياح لنبي من أنبيائه وهو سليمان.
فالذي سخر الرياح، وسخر الفلك، وسخر البحار في أمور المعيشة، هو الذي أيضاً يسخر القلوب لما فيه رضاه.. ومن هنا فالذي يشكو زوجاً غير صالح، أو زوجة غير صالحة، أو ذرية غير صالحة، إذا أراد أن يتكلم وأن يتحدث معهم بما يؤثر في سير حركتهم في الحياة، وأن يلين قلوبهم لذكر الله عزّ وجل، من المناسب أن يتوسل إلى الله عزّ وجل، ويقول: يا مقلب القلوب!.. يا مسخر الرياح!.. يا فالق الإصباح!.. أنت الذي حملت الفلك على البحار، يسر لي سبيلاً وطريقاً إلى قلوب هؤلاء!..
وهنيئاً لإنسان رزق القبول في هذا المجال!.. فالمؤمن الذي وجد سبيلاً إلى ربه، فإن رب العالمين يضفي عليه التأثير، كما تشير بعض النصوص، أنه قد يكون الرجل لا يتقن قولاً، ولا يتصف بالبلاغة في الحديث، ولكن قلبه يزهر كالمصباح: (تجد الرجل لا يخطئ بلام ولا واو، خطيبا مصقعاً، ولقلبه أشد ظلمة من الليل المظلم.. وتجد الرجل لا يستطيع يعبر عما في قلبه بلسانه، ولقلبه يزهر كما يزهر المصباح).. أي يتكلم في النفوس وفي القلوب، وإذا به يغير مجرى حياة أمة بكلمته..
وهذه الأيام نلاحظ بأن الإسلام المنتشر في بعض البلاد النائية، هو من بركات مسلم تاجر، ذهب إلى بلاد نائية، وإذا به يفتح القلوب على ذكر الله وعلى الهدى الإلهي.. هنيئاً لمن رشحه الله لأن يكون من الدعاة إلى طاعته!.
من مركز الدراسات التخصصية ف الامام المهدي عليه السلام
تعليق