بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمد واله الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في الحقيقة لم تقتصر روايات الصيحة على التراث الإمامي دون أن تشاركها روايات أهل السنة في ذلك.
فقد أكدت هذه الروايات على أن الصيحة مما لا بد منه، بل تصوّر لنا الصيحة بأنها حالة من حالات الرعب والفناء بخلاف ما يّصوره التراث الإمامي من أن الصيحة هي تحوّل مهم يستبشر من خلالها المؤمنون وتكون رحمةً لهم كما ففي الرواية عن الرضا (ع) في قوله: وقد نودوا نداءً يسمعهُ من بعد كما يسمعهُ من قرب، يكون رحمةً للمؤمنين[1]...
وورد عن علي (ع) قال: إذا نادى منادي من السماء أن الحق في آل محمد (ص) فعند ذلك يظهر المهدي على أفواه الناس، ويسّرون فلا يكون لهم ذكر غيره[2].
وهذا خلاف ما يرويه أهل السنة من أن الصيحة تمثّل الفناء والهلاك وستكون من قسوة هذه الصيحة أنها تهلك سبعون ألفاً كما في حديث ابن الديلمي الذي يرويه المقدسي الشافعي في شأن النداء: يصعقُ له سبعون ألفاً، ويعمى سبعون ألفاً، ويتيه سبعون ألفاً[3]).
بل تجاوزت (المخيلة) الروائية إلى تصوير مشهدٍ مروّعٍ يفزعُ منه الناس عند سماعهم لذلك النداء، وتتحرّك من خلال ذلك صوراً مرعبة تنقلها مشاهد الرواية في إحدى لقطاتها:
عن عبد الله بن مسعود عن النبي (ص) قال: إذا كانت صيحةً في رمضان فإنه يكون معمعة في شوّال، وتميّز القبائل في ذي القعدة، وتُسفك الدماء في ذي الحجة والمحرّم، وما المحرّم؟ يقولها ثلاثاً: هيهات هيهات، يُقتلُ الناس فيها هرجاً، هرجاً.
قال: قلنا: وما الصيحة يا رسول الله؟
قال: هدّةٌ في النصف من رمضان ليلة جمعة، وتكون هدةً توقِظ النائم وتُقعدُ القائم، وتُخرج العواتق من خدورهنّ، في ليلة جمعة من سنة كثيرة الزلازل، فإذا صليتم الفجر من يوم الجمعة فادخلوا بيوتكم وأغلقوا أبوابكم وسدّوا كواكم، ودثّروا أنفسكم، وسدّوا آذانكم، فإذا أحسستم بالصيحة فخروا لله تعالى سجداً وقولوا: سبحان القدوس، سبحان القدوس، فإنه من فعل ذلك نجا، ومن لم يفعل ذلك هلك. المصدر السابق.
ولم نعهد هذا المشهد المرعب في الروايات الإمامية التي تصوّر الصيحة، بل تنزع إلى حالة استيثار تتلقاها النفس بكل ارتياح، وهو ما يهدينا له تعبير الرواية بأن النداء (يكون رحمةً للمؤمنين) والرحمة لا تعني إلا حالة نصرٍ مترقّبٍ على صعيد القوة التي تفرضُ معها تغييراً لمعادلاتٍ سياسيةٍ تكون لصالح التوجهات الإمامية المنتظرة لليوم الموعود، في حين تصور روايات أهل السنة جواً من الهلع والفزع في صفوف الناس الذين ستفاجئهم الصيحة، وإذا رجعنا إلى (مكونات) الصيحة ونداءها نجدُ أن اتجاهين لا ثالث لهما سيفرضان على الجميع حتمية القبول والتعاطي معهما، وهو الالتزام بمنهج علي بن أبي طالب (ع) أو الالتزام بالخط المغاير له، بغض النظر عن التعبيرات التي تستخدمها الروايات، وإذا كان الأمر كذلك فإن تصوير الصدمة التي تصورها مشهد الروايات السنية في محلها.
فالمتلقي سيكون عند ذاك على نمطين: إما أن يكون قد تفاجئ في معرفته للحق وتخطئة انتمائه، وإما أن يكون متشدداً في قناعاته لا يسمح لنفسه أو لغيره بتغيير توجهاته الفكرية، وإذا وقفنا على تعبيرات يُصعق، يعمى، يتيه، فإننا لا نستغرب من فضاعة هذه المصطلحات، إذ الصعقة والعمى والتيه عبارات تنزعُ إلى الرمزية أكثر من كونها واقعية، فالصعقة من أمرٍ مهولٍ يفزع معه السامع لنبأٍ يفاجئه لا يكون في الحسبان.
والعمى بمعنى الإصرار على عدم الاعتراف بالحق ومحاولات التمويه التي يُظهرها البعض محاولاً من ذلك إقناع نفسه ولو بشكلٍ ظاهري، والتيه هي حالة التحيرّ في الإختيار واتخاذ القرار المناسب، ولعل هذا التصور تعززه عبارة بعض الروايات السنية عن النبي (ص) كالصراع بين القبائل وسفك الدماء والقتل العشوائي المعبّر عنه: يُقتل الناسُ فيها هرجاً، هرجاً، فضلاً عن المعمعة وهي تعني شدة الحروب والفتن كما في رواية ابن مسعود آنفة الذكر.
إذن فهناك فارقٌ بين التصويرين للصيحة، التصوير الإمامي الذي يصوّر حالة الدلالة والاهتداء للحق والاقتصار على أن الصيحة تهدينا إلى أن هذا الحق أو ذلك الباطل، وتلخصها عبارة (رحمة للمؤمنين)، في حين تهوّل الروايات السنية هذه الصيحة بين سفك الدماء والفتن والصعقة والتيه والعمى، بمعنى أن الصيحة ستكون قراءةً جديدةً لاستكشاف واقعٍ مختبئ خلف محاولات التضليل والتمويه المتّبع في قرارات الانتماء الفكري.
اللهم صلِ على محمد واله الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في الحقيقة لم تقتصر روايات الصيحة على التراث الإمامي دون أن تشاركها روايات أهل السنة في ذلك.
فقد أكدت هذه الروايات على أن الصيحة مما لا بد منه، بل تصوّر لنا الصيحة بأنها حالة من حالات الرعب والفناء بخلاف ما يّصوره التراث الإمامي من أن الصيحة هي تحوّل مهم يستبشر من خلالها المؤمنون وتكون رحمةً لهم كما ففي الرواية عن الرضا (ع) في قوله: وقد نودوا نداءً يسمعهُ من بعد كما يسمعهُ من قرب، يكون رحمةً للمؤمنين[1]...
وورد عن علي (ع) قال: إذا نادى منادي من السماء أن الحق في آل محمد (ص) فعند ذلك يظهر المهدي على أفواه الناس، ويسّرون فلا يكون لهم ذكر غيره[2].
وهذا خلاف ما يرويه أهل السنة من أن الصيحة تمثّل الفناء والهلاك وستكون من قسوة هذه الصيحة أنها تهلك سبعون ألفاً كما في حديث ابن الديلمي الذي يرويه المقدسي الشافعي في شأن النداء: يصعقُ له سبعون ألفاً، ويعمى سبعون ألفاً، ويتيه سبعون ألفاً[3]).
بل تجاوزت (المخيلة) الروائية إلى تصوير مشهدٍ مروّعٍ يفزعُ منه الناس عند سماعهم لذلك النداء، وتتحرّك من خلال ذلك صوراً مرعبة تنقلها مشاهد الرواية في إحدى لقطاتها:
عن عبد الله بن مسعود عن النبي (ص) قال: إذا كانت صيحةً في رمضان فإنه يكون معمعة في شوّال، وتميّز القبائل في ذي القعدة، وتُسفك الدماء في ذي الحجة والمحرّم، وما المحرّم؟ يقولها ثلاثاً: هيهات هيهات، يُقتلُ الناس فيها هرجاً، هرجاً.
قال: قلنا: وما الصيحة يا رسول الله؟
قال: هدّةٌ في النصف من رمضان ليلة جمعة، وتكون هدةً توقِظ النائم وتُقعدُ القائم، وتُخرج العواتق من خدورهنّ، في ليلة جمعة من سنة كثيرة الزلازل، فإذا صليتم الفجر من يوم الجمعة فادخلوا بيوتكم وأغلقوا أبوابكم وسدّوا كواكم، ودثّروا أنفسكم، وسدّوا آذانكم، فإذا أحسستم بالصيحة فخروا لله تعالى سجداً وقولوا: سبحان القدوس، سبحان القدوس، فإنه من فعل ذلك نجا، ومن لم يفعل ذلك هلك. المصدر السابق.
ولم نعهد هذا المشهد المرعب في الروايات الإمامية التي تصوّر الصيحة، بل تنزع إلى حالة استيثار تتلقاها النفس بكل ارتياح، وهو ما يهدينا له تعبير الرواية بأن النداء (يكون رحمةً للمؤمنين) والرحمة لا تعني إلا حالة نصرٍ مترقّبٍ على صعيد القوة التي تفرضُ معها تغييراً لمعادلاتٍ سياسيةٍ تكون لصالح التوجهات الإمامية المنتظرة لليوم الموعود، في حين تصور روايات أهل السنة جواً من الهلع والفزع في صفوف الناس الذين ستفاجئهم الصيحة، وإذا رجعنا إلى (مكونات) الصيحة ونداءها نجدُ أن اتجاهين لا ثالث لهما سيفرضان على الجميع حتمية القبول والتعاطي معهما، وهو الالتزام بمنهج علي بن أبي طالب (ع) أو الالتزام بالخط المغاير له، بغض النظر عن التعبيرات التي تستخدمها الروايات، وإذا كان الأمر كذلك فإن تصوير الصدمة التي تصورها مشهد الروايات السنية في محلها.
فالمتلقي سيكون عند ذاك على نمطين: إما أن يكون قد تفاجئ في معرفته للحق وتخطئة انتمائه، وإما أن يكون متشدداً في قناعاته لا يسمح لنفسه أو لغيره بتغيير توجهاته الفكرية، وإذا وقفنا على تعبيرات يُصعق، يعمى، يتيه، فإننا لا نستغرب من فضاعة هذه المصطلحات، إذ الصعقة والعمى والتيه عبارات تنزعُ إلى الرمزية أكثر من كونها واقعية، فالصعقة من أمرٍ مهولٍ يفزع معه السامع لنبأٍ يفاجئه لا يكون في الحسبان.
والعمى بمعنى الإصرار على عدم الاعتراف بالحق ومحاولات التمويه التي يُظهرها البعض محاولاً من ذلك إقناع نفسه ولو بشكلٍ ظاهري، والتيه هي حالة التحيرّ في الإختيار واتخاذ القرار المناسب، ولعل هذا التصور تعززه عبارة بعض الروايات السنية عن النبي (ص) كالصراع بين القبائل وسفك الدماء والقتل العشوائي المعبّر عنه: يُقتل الناسُ فيها هرجاً، هرجاً، فضلاً عن المعمعة وهي تعني شدة الحروب والفتن كما في رواية ابن مسعود آنفة الذكر.
إذن فهناك فارقٌ بين التصويرين للصيحة، التصوير الإمامي الذي يصوّر حالة الدلالة والاهتداء للحق والاقتصار على أن الصيحة تهدينا إلى أن هذا الحق أو ذلك الباطل، وتلخصها عبارة (رحمة للمؤمنين)، في حين تهوّل الروايات السنية هذه الصيحة بين سفك الدماء والفتن والصعقة والتيه والعمى، بمعنى أن الصيحة ستكون قراءةً جديدةً لاستكشاف واقعٍ مختبئ خلف محاولات التضليل والتمويه المتّبع في قرارات الانتماء الفكري.
[1] الغيبة للطوسي ص : 439
[2] كنز العمال: ٣٩٦٦٥.
[3] عقد الدرر للمقدسي الشافعي: 102.
تعليق