الحديقة الثالثة عشر
وفيها
* وقتلاً في سبيلك
* فوق كل بِر
* الفصل الدخيل
* في الروايات
* هل الشهادة أمنيتنا
* موقع الجهاد من التدين
* أذى المجاهدين!
* دعاء اليوم الثالث عشر
* دعاء المجير
* صلاة الليلة الرابعة عشر
* صلاة الليالي البيض
* وقتلاً في سبيلك
من المحاورالتي ورد التأكيد عليها في مضامين أدعية شهر رمضان المبارك، محور القتل في سبيل الله عز وجل، أي أن يتمنى المؤمن الشهادة في سبيل الله، ويدعو الله سبحانه وتعالى طيلة هذا الشهر المبارك أن يمنّ عليه بالشهادة في سبيله.
يردد الصائم في كل ليلة عادة"وقتلاً في سبيلك فوفِّق لنا" باختلاف الصِيَغ:" وقتلاً في سبيلك مع وليك فوفِّق لنا" أو "تحت راية نبيك" كما سيأتي في نص آخر.
وفي الدعاء عن الإمام السجاد عليه السلام حول شهر رمضان المبارك "وأن تجعل اسمي في السعداء وروحي مع الشهداء وإحساني في علّيّين".
وفي دعاء مروي عن الإمام الصادق عليه السلام "وأسألك أن تجعل وفاتي قتلاً في سبيلك تحت راية نبيك مع أوليائك وأسألك أن تقتل بي أعداءك وأعداء رسولك".هكذا نجد أننا أمام تأكيد في شهر الله تعالى على طلب الشهادة، وأن تكون هذه الشهادة قتلاً في سبيل الله عز وجل.
* فوق كل بِر
ونرجع إلى النصوص حول الشهادة والجهاد فنجد أن موقع القتل في سبيل الله يحتل القمة: "فوق كل برٍّ برّحتى يُقتَل المرء في سبيل الله فإذا قُتل في سبيل الله عز وجل فليس فوقه بر" كما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم.
وتُظهر سيرة المصطفى الحبيب صلى الله عليه وآله وسلّم بوضوح أن الذين تربّوا على يديه والذين أصبحوا مضرب المثل في العبادة، والزهد، والورع، والتقوى، كان كلٌ منهم يحنُّ إلى الشهادة، ويعتبر أنه لم يحصل على ما يريد لأنه لم يستشهد بعد.
الشهادة إذاً أمنية العابدين وغاية آمال العارفين، يُمضي العالم بالله عمره يحِنّ إلى الشهادة، إلى لقاء الله تعالى مخضّباً بدمه كأن العابد يريد من خلال التأكيد على الشهادة أن يقول: "إلهي ما رأيت منك إلا جميلاً، غمرتني بحبك، يا من هو أرأف بي من أمي وأبي، إلهي لا أملك ما أواجه به كرمك وأشكر به نعمك، كلُّ ما لدي وهو منك، نفسي، روحي، جسدي، أريد أن أقدّم ذلك في طريقك، يا حبيب قلوب الصادقين.
أريد أن أعبّر عن خروجي من ذاتي إلى رحاب حبك بتشظّي الجسد في سبيلك وانطلاقة الروح إليك.
وقد تقدم حديث حارثة الشاب الذي كان بعد صلاة الصبح يغفو ويفيق، ومادار بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم وقوله فيه: "هذا رجل نوَّر الله في قلبه اليقين، يا حارثة إلزم ما أنت عليه".
وماذا قال حارثة، ماذا طلب من المصطفى، وقد واتته الفرصة؟ قال: "يا رسول الله أُدعُ الله تعالى لي بالشهادة"!
وفعلاً بعد مدة كانت غزوة، وخرج حارثة فيمن خرج وكان أحد الشهداء رضوان الله تعالى عليه وعليهم.
لم يكتفِ حارثة بشهادة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلّم بأنه من أهل اليقين وإنما أراد أن يتوِّج ما وصل إليه بتاج الشهادة: القتل في سبيل الله تعالى، بل لأجل ذلك كانت شهادة المصطفى له.
* الفصل الدخيل
ترى كيف تبدلَت المفاهيم فإذا بنا أمام فهم يفصل بين التديُّن والشهادة؟
كيف تبدلَت المفاهيم فإذا بأتباع المصطفى الحبيب صلى الله عليه وآله وسلّم الذي أمضى حياته الطاهرة ينتقل من خندق إلى خندق ومن موقع إلى موقع، يتصور الكثير منهم، - من أتباعه - أن بالإمكان أن يكون الشخص مؤمناً دون أن يحمل هَمّ الجهاد ودون أن يعيش بعمق حلم الشهادة.
كيف تبدلَت المفاهيم فأصبحنا أمام إسلام منزوع الفتيل لا يفكر صاحبه بجهاد بل وأحياناً -والعياذ بالله- يحارب المجاهدين؟!
من أين جاءنا ذلك؟
لست أدري!
إذا كنا في أدعيتنا في شهر الله تعالى نجد بوضوح أن نؤكد على طلب الشهادة "وقتلاً في سبيلك فوفِّق لنا" هل يمكن أن نتصور عبادة، وبناءً للنفس، أو ورعاً، وزهداً، بدون الحرص على قمة الإيمان وتاج الإيمان أي الشهادة؟
* في الروايات
1- عن الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلّم: "أشرف الموت قتل الشهادة".
2- عن الإمام الباقر عليه السلام "كل ذنب يكفِّره القتل في سبيل الله إلا الدَّين فإنه لا كفارة له إلا أداؤه أو يعفو الذي له الحق".
3- عن الإمام الصادق عليه السلام: "من قُتل في سبيل الله لم يعرّفه الله شيئاً من سيئاته".
أوليس أهم آمال المؤمن أن ينجو في يوم المحشر، عند العرض على الله عز وجل، وأن تثقل موازينه، ولا يحاسب، ولا يوقفه الله تعالى على سيئاته؟
أوليس الطريق الأقصر إلى ذلك هو الشهادة؟ فلماذا لا نتمنى الشهادة إذاً، مع أن النصوص تلح علينا بذلك.
1- قال الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام للأشتر: "وأنا أسأل الله بسعة رحمته وعظيم قدرته أن يختم لي ولك بالسعادة والشهادة".
2- ودعا عليه السلام لهاشم المرقال "أللهم ارزقه الشهادة في سبيلك والموافقة لنبيك".
والنصوص في هذا المجال كثيرة.
كما ينبغي أن يكون واضحاً أن كل الأحكام الشرعية تصب في بحر الجهاد والشهادة بمعنى أن كل هذه الأحكام تربي الشخصية المسلمة لتكون الشخصية المجاهدة، فعندما نجد حثّاً على الإنفاق، أوالإيثار، أو التسامح، فإن ذلك كله يصب في بناء الشخصية الإسلامية بناءً متماسكاً قوياً قادراً على التضحية والعطاء ليصل إلى أعلى مراتبهما وهو الشهادة في سبيل الله عز وجل.
* هل الشهادة أمنيتنا
ما أحوجنا إلى هذه الروح، روح طلب الشهادة وحب الإستشهاد، روح "وقتلاً في سبيلك".
ينبغي أن تكون الشهادة أمنية كلٍ منا، فليسأل كل واحد نفسه أيها الأعزاء، هل أنا حريص على الشهادة حقاً؟ هل أسعى حثيثاً لألقى الله عز وجل مخضباً بدم الشهادة؟بمقدار ما نحب الشهادة في سبيله بمقدار ما يكون قربنا منه ونكون في درعه الحصينة التي يجعل فيها من يشاء.
* موقع الجهاد من التدين
بطبيعة الحال ليس المجاهدون الذين يتقحمون ساحات الجهاد بحثاً عن الشهادة معنيين بهذا الحديث، وإنما هو حديث لي ولأمثالي.
ومن هنا فمن الضروري أن نقف عند أهمية الجهاد، كيف يمكن للإنسان أن يستشهد إذا لم يكن الدافع في نفسه للجهاد قوياً؟
وعلى طريقة إلهي ربح الصائمون وفاز القائمون، ينبغي أن نردد: ربح المجاهدون، وفاز الإستشهاديون.
نعم ربح المجاهدون، وفاز الشهداء، ولكن المشكلة هي في نفسي ونفسك نحن الذين لا نحرص على الجهاد.
وهذه بعض الروايات في ذلك:
1- ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم "من لقي الله بغير أثر من جهاد لقي الله وفيه ثلمة".
أي أن الذي لا يخرج مجاهداً في سبيل الله عز وجل، ولا يصيبه شيء في طريق الجهاد في سبيل الله، يلقي الله تعالى وفيه ثلمة، أي أنه يكون ناقصاً.
2- وعنه صلى الله عليه وآله وسلّم: "للجنة باب يقال له باب المجاهدين يمضون إليه فإذا هو مفتوح وهم متقلدون بسيوفهم والجمع في الموقف والملائكة ترحب بهم، فمن ترك الجهاد ألبسه الله ذلاً وفقراً في معيشته ومحقاً في دينه، إن الله أعز أمتي بسنابك خيلها ومراكز رماحها".
3- عن أمير المؤمنين عليه السلام: "إن الله كتب القتل على قوم والموت على آخرين وكلٌ آتيه منيّته كما كتب الله له فطوبى للمجاهدين في سبيل الله والمقتولين في سبيله".
* أذى المجاهدين!
أيها الأعزاء إن كنا لا نجاهد في سبيل الله تعالى فما بالنا نؤذي المجاهدين.
ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: "من اغتاب غازياً أو آذاه أو خلفه بأهله بخلافة سوء نُصِب له يوم القيامة علم فيستفرغ بحسناته (أي تستوفى كل حسناته حتى لا تبقى له حسنة واحدة) ويُركس في النار".
وعنه صلى الله عليه وآله وسلّم "إتقوا أذى المجاهدين في سبيل الله فإن الله يغضب لهم كما يغضب للرسل ويستجيب لهم كما ويستجيب لهم".
أللهم وفقنا للجهاد في سبيلك وخدمة المجاهدين.
* دعاء اليوم الثالث عشر
أللهم طهرني فيه من الدنس والأقذار وصبّرني فيه على كائنات الأقدار ووفقني فيه للتقى وصحبة الأبرار بعونك يا قرة عين المساكين.
يريد الدعاء لكلٍ منا أن يقول: إلهي خلقتني بشراً سوياً طاهراً من الدنس وحببت إلي الصراط المستقيم، ركَزتَ في فطرتي حب أحسن تقويم، وهديتني إلى حبك وحب الطاهرين محمد المصطفى وآله، فلم أقابل الحب بالحب، والنعمة بالشكر، وطالت على الخطايا الإقامة، فشوّهتُ فطرتي ودنّستُ نفسي، وها أنا عبدك الآبق أعود إليك منكسراً مستقيلاً أحمل أوزاري على ظهري فطهرني يا إلهي من دنسها والأقذار ومنّ عليّ بصبر من عندك أواجه به الشدائد حتى لا يستزلني بها الشيطان فأعود إلى التمرد والعصيان، وأتمّ نعمتك عليّ بتوفيقي للإستقامة وصحبة أوليائك الأبرار، مسكين أنا يا إلهي بما جنته يداي، فتصدق على هذا المسكين بعونك لتقرعينه. يا قرّة عين المساكين.
* دعاء المجير
يستحب قراءة هذا الدعاء في الأيام البيض من شهر رمضان، وقد ورد أن ثوابه عظيم، وأنه لقضاء الحوائج، وظاهر النص حوله أن يقرأ في الأيام البيض الثلاثة، ولو مرة واحدة، وبديهي أن من زاد فقد ربح، لاسيما من كانت له حاجة يلح في قضائها.
قال المحدث القمي عليه الرحمة والرضوان:"وهو دعاء رفيع الشأن مروي عن النبي صلى الله عليه وآله، نزل به جبرئيل على النبي صلى الله عليه وآله، وهو يصلي في مقام إبراهيم، ذكرالكفعمي هذا الدعاء في كتابيه البلد الأمين، والمصباح، وأشار في الهامش إلى ماله من الفضل، ومن جملتها أن من دعا به في الأيام البيض من شهر رمضان، غُفرت ذنوبه ولو كانت عدد قطر المطر، وورق الشجر، ورمل البر، ويجدي في شفاء المريض، وقضاء الدين، والغِنى من الفقر، ويفرِّج الغم، ويكشف الكرب، وهو هذاالدعاء: سبحانك ياألله، تعاليت يا رحمن، أجِرْنا من الناريامجير.." وأَوْرد الدعاء بتمامه.
وقد اقتصر الشيخ الكفعمي في البلد الأمين على إيراد الدعاء بعد أن قال: دعاء المجير وهو مروي عن النبي صلى الله عليه وآله.
أما في المصباح فقال:هذا الدعاء يسمى دعاء المجير، رفيع الشأن عظيم المنزلة،وله نُسخٌ كثيرة أَكْمَلُها ما رقمناه، ثم أورد ما نقله عنه المحدث ملخصاً، إلى أن قال: وهو مكتوب على حجرات الجنة، ومن حافظ على قراءته أمِن من كل آفة، وكان رفيقك (يا رسول الله. المتحدث حبرئيل عليه السلام) في الجنة، وحُشر ووجهه كالقمر ليلة البدر. ومن صام ثلاثاً وقرأ"ه" سبعاً ونام على ظهره رآك في نومه، إلى أن قوله: وثواب قاريه لايُحصى"..." ثم ذكر بعض آثاره وهي التي نقلها عنه المحدث القمي، إلى قوله: ومن ضاع له شيء، أو سُرق فليصلِّ أربع ركعات يقرأ في كل ركعة الحمد مرة والتوحيد إحدى عشر مرة، ثم يقرأ الدعاء ويضعه تحت رأسه فإنه تعالى يرد عليه ما ذهب له، ولو قُريء بإخلاص على ميِّت لعاش..."
* صلاة الليلة الرابعة عشر
1- حصة هذه الليلة من الصلاة الأهم، الألف ركعة، وهي عبارة عن عشرين ركعة، ثمان منها بعد المغرب، واثنا عشرة ركعة بعد العشاء، تقرأ في كل ركعة الحمد مرة، والتوحيد مرة أو ثلاثاً، أو خمساً، أو سبعاً، أو عشراً.
2- عن رسول الله صلى الله عليه وآله:ومن صلى ليلة أربع عشرة من شهر رمضان ست ركعات يقرأ في كل ركعة الحمد مرة وإذا زلزلت ثلاثين مرة هوَّن الله عليه سكرات الموت ومنكراً ونكيراً.
3- قال الكفعمي: "ويستحب أن يصلي في كل ليلة من شهر رمضان ركعتين بالحمد".." والتوحيد ثلاثاً، فإذا سلَّم قال: سبحان من هو حفيظ لايغفل، سبحان من هو رحيم لايعجل، سبحان من هو قائم لايسهو، سبحان من هو دائم لايلهو. ثم يقول التسبيحات الأربع سبعاً، ثم يقول: سبحانك سبحانك ياعظيم. إغفر لي الذنب العظيم. ثم تصلي على النبي عشراً. من صلاها غفر الله له سبعين ألف ذنب. ".
* صلاة الليالي البيض
لهذه الليلة صلاة ثانية باعتبارها من الليالي البيض، وهي عبارة عن أربع ركعات كل اثنتين بتسليمة، تقرأ في كل ركعة الحمد مرة وسورة ياسين مرة وسورة تبارك مرة وسورة قل هو الله أحد مرة.
أسأل الله عز وجل أن يتقبل أعمالنا ويوفقنا لمراضيه بالنبي المصطفى وآله صلوات الله وسلامه عليه وعليهم.
والحمد لله رب العالمين 1.
1-مناهل الرجاء / الشيخ حسين كوراني. - بتصرف
تعليق