شرح دعاء الافتتاح (14)
- (وَيَسْتُرُ عَلَيَّ كُلَّ عَورَة وَأَنَا اَعْصيهِ..)..
إن ستارية الحق تعالى، من النعم الكبرى.. وهذه حقيقة لا خلاف فيها، وهي أن ظواهر العباد خير من بواطنهم.. ولكن رب العالمين نشر الثناء الجميل، وستر القبيح؛ فعلينا أن نشكره على هذه النعمة..
اللهم لا تهتك أستارنا، بحق محمد وآل محمد، إنك سميع مجيب!.
- (اَلْحَمْدُ للهِ الَّذي لا يُهْتَكُ حِجابُهُ، وَلا يُغْلَقُ بابُهُ، وَلا يُرَدُّ سائِلُهُ، وَلا يُخَيَّبُ آمِلُهُ..)..
إن من الصفات الإلهية التي تثير في العبد حالة الالتجاء والانقطاع الدائم، هو هذا الانفتاح الدائم لأبوابه.. فالملوك تغلق أبوابها، وأهل العطاء وأهل الكرم أبوابهم ليست مفتوحة دائماً، ولكن الرب المتعال، الحي القيوم، الذي لا تأخذه سنة ولا نوم، بابه مفتوح للسائلين..
إن هذا الباب مفتوح دائماً، إلا أنه يفتح بشكل أوسع في أماكن وأزمنة معينة، فإن فيها يلتفت رب العالمين إلى عبده التفاتاً مضاعفاً؛ ومن هنا ينبغي للمؤمن أن يتعرف على ساعات استقبال الله عزّ وجل لأوليائه استقبالاً خاصاً..
وهي من حيث المكان: كالمسجد الحرام، وعند الحطيم، وعند الميزاب، وعند المستجار، وفي المسعى، وفي عرفة، وفي مشاهد أوليائه... فهذه مواطن يحب الله عزّ وجل أن يدعى عندها.
وأما من حيث الأزمنة: فمنها ساعة الأسحار.. ومن المتعارف أن الصائمين هذه الأيام يستيقظون لتناول طعام السحور، وهي من العبادات أيضاً، ولهذا فالذي يستيقظ ليتزود لنهاره أكلاً وشرباً، من المناسب أن ينوي قصد القربة، فقد ورد عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، ما يشير إلى التأكيد على السحور، وعلى عظمة ثواب المتسحرين، حيث قال (صلى الله عليه وآله وسلم): (إن الله وملائكته يصلون على المستغفرين، والمتسحرين بالأسحار..)..
وفي خصوص شهر رمضان ما دام هذا التوفيق متاح لأغلب الخلق، إذ يستيقظون للتزود المادي لنهارهم، فلماذا لا يضيف المؤمن إلى ذلك، التزود المعنوي أيضاً.. أليس من الخسران أنه إنسان يستيقظ لتناول طعام السحور مثلاً، ثم يستلقي نائماً؛ فيفوت على نفسه صلاة الفجر، ويحرم بركات الليل؟!.. ومن المعلوم بأن الله عزّ وجل قال لنبيه المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم): ?وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا?، حيث أنه في خصوص صلاة الليل رب العالمين أبهم الجزاء، إذ قال: ?مقاماً محموداً?.. ولكن ما هو هذا المقام المحمود؟.. لا ندري.. حتى في القرآن الكريم لم يفصل ثواب صلاة الليل..
ومن الساعات التي تفتح فيها الأبواب أيضاً: هي ساعة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها..
وفي ساعة الزوال، في منتصف النشاط اليومي، حيث التهاء الخلق بشؤونهم: الجامعي في جامعته، والمكتسب في متجره، وربة المنزل في منزلها... فالإنسان يقطع نشاطه اليومي عند الزوال، ليقف بين يدي ربه، ليقيم الصلاة الوسطى، المفسرة بصلاة الظهر..
وعند التقاء الصفين.. عندما يقف جيش الإسلام أمام جيش الكفر، فهذه من ساعات الاستجابة وطلب المدد من الله عزّ وجل..
وأخيراً من ساعات الاستجابة: عندما يصلح المرء بين متخالفين.. فالذي أصلح بين مؤمنين: زوجة وزوجها -مثلاً-، فإن رب العالمين في تلك الساعة، حيث قام بهذا العمل الصالح، ينظر إليه بعين اللطف والرحمة.. ولهذا فهي من الساعات المناسبة للاستجابة، ويحسن له أن يستغلها.. فليسجد لله شاكراً، وليسأله أن ينظر إليه بعطائه الذي لا نفاذ له.
اللهم أصلح أمورنا، وأنلنا بركات هذه الليالي والأيام، بحق محمد وآله الطيبين الطاهرين!.
المصدر
مركز الدراسات التخصصية ف الامام المهدي عليه السلام
تعليق