بسم الله الرحمن الرحيم
نستمر معكم ف شرح الدعاء المبارك
شرح دعاء الافتتاح (18)
- (وَيُميتُ الأْحياءَ، وَيُحْيِي الْمَوْتى، وَهُوَ حَيٌّ لا يَمُوتُ، بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْء قَديرٌ..)..
إن الإنسان الذي يعيش دائماً هاجس الإماتة، وأنه مهما صعدنا أو نزلنا، أو ملكنا أو حكمنا؛ فإن العاقبة هي الرجوع إلى رب الأرباب: إنا لله وإنا إليه راجعون.. الذي يعيش هاجس الموت بالمعنى الصحيح، لا بالمعنى المرضي أو الوسواس القهري -كما يقولون-؛ فيتذكر الموت على أنه نقلة ولقاء بالحبيب الأعلى - الذي يعتقد بهذا الاعتقاد-، سوف يضاعف جهوده، لأن يحول اللقاء القهري إلى لقاء اختياري، يكون في ذلك اللقاء تمام المحبة والأنس؛ إذ الغائب عن حبيبه يشتاق إلى لقاء حبيبه.. ومن هنا فإن الله عزّ وجل يمنّ على أنبيائه السلف (صلى الله عليه وآله وسلم)، أنه اختصهم بتذكر القيامة: ?إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ?.
اللهم إنا نسألك التجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، والاستعداد للموت قبل حلول الفوت، بجاه محمد وآله الطاهرين!.
- (اَللّـهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ، وَأَمينِكَ، وَصَفِيِّكَ، وَحَبيبِكَ، وَخِيَرَتِكَ مَنْ خَلْقِكَ، وَحافِظِ سِرِّكَ، وَمُبَلِّغِ رِسالاتِكَ، أَفْضَلَ وَأَحْسَنَ، وَأَجْمَلَ وَأَكْمَلَ، وَأَزْكى وَأَنْمى، وَأَطْيَبَ وَأَطْهَرَ، وَأَسْنى وَأَكْثَرَ، ما صَلَّيْتَ وَبارَكْتَ وَتَرَحَّمْتَ، وَتَحَنَّنْتَ وَسَلَّمْتَ، عَلى أَحَد مِن عِبادِكَ وَأنْبِيائِكَ وَرُسُلِكَ وَصِفْوَتِكَ، وَأَهْلِ الْكَرامَةِ عَلَيْكَ مِن خَلْقِكَ..)..
بعد أن أنهينا حمد الله عزّ وجل بأنواع الحمد، الآن في هذه الفقرة المباركة وصل الدور إلى الصلاة على نبيه وعلى أوليائه، فمن لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق.. حمدنا ربنا على نعمه وعلى آلائه، الآن رب العالمين أمرنا أن نصلي على الذين كانوا سبباً لإيصال الهداية إلى قلوب أوليائه..
النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) كم قاسى في دعوة الناس إلى الله عزّ وجل!.. عبد الله عزّ وجل حق عبادته، حيث اختلى في ذلك الغار إلى الأربعين من عمره، وهو يتوجه بكل وجوده إلى الله عزّ وجل.. ثم نزل إلى ساحة الحياة، حيث عتاة الجاهلية، وقد تحمل منهم ما تحمل، أخرجوه من بلدته من مكة، ثم واجه الكفار والمنافقين في المدينة.. حياة مليئة بكل صور المعاناة، إلى درجة قال عبارته المبكية: (ما أوذي نبي كما أوذيت).. رغم أنه من الذين أوذوا في حياة الأنبياء: أيوب المبتلى، ويحيى (عليه السلام) الذي قطع رأسه، وأهدى إلى بغية من بغايا نبي إسرائيل.. الأنبياء (عليهم السلام) عاشوا ما عاشوا من صور الظلم والأذى، ولكن حبيبنا المصطفى (صلى الله عليه آله وسلم) كان خاتماً في كل شيء، ومنه الأذى الذي عاناه في حياته المباركة.. أو لا يستحق الحبيب المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم)، أن نصلي عليه صباحاً ومساء، كما يحب الله ويرضى؛ لأنه تعالى هو أول المصلين على حبيبه..
والملاحظ أن أول صفة نَصِفُها للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، هي صفة العبودية.. فقبل أن نصفه بأوصاف الحب، والاصطفاء، والأمانة، وأنه خيرة الله من خلقه، نقول: (عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ)، وهذا الذي نكرره في تشهد صلواتنا في كل يوم.. النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ما صار نبياً، إلا لأن الله عزّ وجل رآه أطوع الخلق بين يديه..
وفي قوله تعالى: ?وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ?: نفهم أن صفة العبودية هي ثمرة الوجود؛ ولو لم نحقق هذه الثمرة في حياتنا، فوجودنا يصبح وجوداً لغوا باطلاً؛ لأن الشجرة التي لا تثمر، تقتلع وترمى جانباً..
إن العبودية حالة وجدانية.. فالأم عندما تضع ولدها، تعيش حالة الأمومة.. والموظف عندما يتوظف في دائرته، يعيش مشاعر الوظيفة، ويرى نفسه موظفاَ.. فهل نحن عشنا هذه المشاعر في حياتنا ولو ساعة، ولو دقيقة، أننا عباد لله عزّ وجل؟..
والإنسان الذي يعيش حقيقة العبودية، فإنه سوف لن ينقدح في نفسه ميل إلى الحرام، إذ العبد ينسق حركته وسكنته، وقيامه وقعوده، على وفق ما يطلب منه المولى.. الذي يعيش حقيقة العبودية، فإنه يتحول إلى ذلك الإنسان الذي يصفه القرآن الكريم: ?وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ?.. فالإيمان إذا أصبح مزيناً في الصدر والقلب، فإن هذا الإنسان لا يجد كلفة عندما يريد أن يقوم بالطاعة.. والذي يكره إليه الكفر والفسوق والعصيان، فإنه لا يجد ثقلاً عندما يريد أن يكف عن الحرام.. فهنيئاً لمن اتخذه الله عبداً!.
مركز الدراسات التخصصية ف الامام المهدي عليه السلام
نستمر معكم ف شرح الدعاء المبارك
شرح دعاء الافتتاح (18)
- (وَيُميتُ الأْحياءَ، وَيُحْيِي الْمَوْتى، وَهُوَ حَيٌّ لا يَمُوتُ، بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْء قَديرٌ..)..
إن الإنسان الذي يعيش دائماً هاجس الإماتة، وأنه مهما صعدنا أو نزلنا، أو ملكنا أو حكمنا؛ فإن العاقبة هي الرجوع إلى رب الأرباب: إنا لله وإنا إليه راجعون.. الذي يعيش هاجس الموت بالمعنى الصحيح، لا بالمعنى المرضي أو الوسواس القهري -كما يقولون-؛ فيتذكر الموت على أنه نقلة ولقاء بالحبيب الأعلى - الذي يعتقد بهذا الاعتقاد-، سوف يضاعف جهوده، لأن يحول اللقاء القهري إلى لقاء اختياري، يكون في ذلك اللقاء تمام المحبة والأنس؛ إذ الغائب عن حبيبه يشتاق إلى لقاء حبيبه.. ومن هنا فإن الله عزّ وجل يمنّ على أنبيائه السلف (صلى الله عليه وآله وسلم)، أنه اختصهم بتذكر القيامة: ?إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ?.
اللهم إنا نسألك التجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، والاستعداد للموت قبل حلول الفوت، بجاه محمد وآله الطاهرين!.
- (اَللّـهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ، وَأَمينِكَ، وَصَفِيِّكَ، وَحَبيبِكَ، وَخِيَرَتِكَ مَنْ خَلْقِكَ، وَحافِظِ سِرِّكَ، وَمُبَلِّغِ رِسالاتِكَ، أَفْضَلَ وَأَحْسَنَ، وَأَجْمَلَ وَأَكْمَلَ، وَأَزْكى وَأَنْمى، وَأَطْيَبَ وَأَطْهَرَ، وَأَسْنى وَأَكْثَرَ، ما صَلَّيْتَ وَبارَكْتَ وَتَرَحَّمْتَ، وَتَحَنَّنْتَ وَسَلَّمْتَ، عَلى أَحَد مِن عِبادِكَ وَأنْبِيائِكَ وَرُسُلِكَ وَصِفْوَتِكَ، وَأَهْلِ الْكَرامَةِ عَلَيْكَ مِن خَلْقِكَ..)..
بعد أن أنهينا حمد الله عزّ وجل بأنواع الحمد، الآن في هذه الفقرة المباركة وصل الدور إلى الصلاة على نبيه وعلى أوليائه، فمن لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق.. حمدنا ربنا على نعمه وعلى آلائه، الآن رب العالمين أمرنا أن نصلي على الذين كانوا سبباً لإيصال الهداية إلى قلوب أوليائه..
النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) كم قاسى في دعوة الناس إلى الله عزّ وجل!.. عبد الله عزّ وجل حق عبادته، حيث اختلى في ذلك الغار إلى الأربعين من عمره، وهو يتوجه بكل وجوده إلى الله عزّ وجل.. ثم نزل إلى ساحة الحياة، حيث عتاة الجاهلية، وقد تحمل منهم ما تحمل، أخرجوه من بلدته من مكة، ثم واجه الكفار والمنافقين في المدينة.. حياة مليئة بكل صور المعاناة، إلى درجة قال عبارته المبكية: (ما أوذي نبي كما أوذيت).. رغم أنه من الذين أوذوا في حياة الأنبياء: أيوب المبتلى، ويحيى (عليه السلام) الذي قطع رأسه، وأهدى إلى بغية من بغايا نبي إسرائيل.. الأنبياء (عليهم السلام) عاشوا ما عاشوا من صور الظلم والأذى، ولكن حبيبنا المصطفى (صلى الله عليه آله وسلم) كان خاتماً في كل شيء، ومنه الأذى الذي عاناه في حياته المباركة.. أو لا يستحق الحبيب المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم)، أن نصلي عليه صباحاً ومساء، كما يحب الله ويرضى؛ لأنه تعالى هو أول المصلين على حبيبه..
والملاحظ أن أول صفة نَصِفُها للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، هي صفة العبودية.. فقبل أن نصفه بأوصاف الحب، والاصطفاء، والأمانة، وأنه خيرة الله من خلقه، نقول: (عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ)، وهذا الذي نكرره في تشهد صلواتنا في كل يوم.. النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ما صار نبياً، إلا لأن الله عزّ وجل رآه أطوع الخلق بين يديه..
وفي قوله تعالى: ?وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ?: نفهم أن صفة العبودية هي ثمرة الوجود؛ ولو لم نحقق هذه الثمرة في حياتنا، فوجودنا يصبح وجوداً لغوا باطلاً؛ لأن الشجرة التي لا تثمر، تقتلع وترمى جانباً..
إن العبودية حالة وجدانية.. فالأم عندما تضع ولدها، تعيش حالة الأمومة.. والموظف عندما يتوظف في دائرته، يعيش مشاعر الوظيفة، ويرى نفسه موظفاَ.. فهل نحن عشنا هذه المشاعر في حياتنا ولو ساعة، ولو دقيقة، أننا عباد لله عزّ وجل؟..
والإنسان الذي يعيش حقيقة العبودية، فإنه سوف لن ينقدح في نفسه ميل إلى الحرام، إذ العبد ينسق حركته وسكنته، وقيامه وقعوده، على وفق ما يطلب منه المولى.. الذي يعيش حقيقة العبودية، فإنه يتحول إلى ذلك الإنسان الذي يصفه القرآن الكريم: ?وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ?.. فالإيمان إذا أصبح مزيناً في الصدر والقلب، فإن هذا الإنسان لا يجد كلفة عندما يريد أن يقوم بالطاعة.. والذي يكره إليه الكفر والفسوق والعصيان، فإنه لا يجد ثقلاً عندما يريد أن يكف عن الحرام.. فهنيئاً لمن اتخذه الله عبداً!.
مركز الدراسات التخصصية ف الامام المهدي عليه السلام
تعليق