الحديقة التاسعة عشر
وفيها
* العشر الأواخر
* أعمالها الخاصة
* الإعتكاف
* دعاء اليوم التاسع عشر
* صلاة الليلة العشرين
* العشر الأواخر
أيها العزيز: لليالي العشر الأخيرة من شهر رمضان شخصية مميزة ينبغي تقديم احترام خاص لها يتجلى بالإهتمام بها بما يتناسب مع كونها غاية الغاية ونقطة النهاية من القمة التي بدأ السير نحوها من أول ليلة من شهر رجب، ويتناسب أيضاً مع كونها قاعدة الإنطلاق النموذجية نحو مدارج الكمال الإنساني، والتحليق في آفاق القرب التي لاتقع الجنة إلا محطة في طريقها: ﴿رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيم﴾. التوبة 72.
عن " مولانا علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال: لما كان أول ليلة من شهر رمضان قام رسول الله صلى الله عليه وآله، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس قد كفاكم الله عدوكم من الجن والإنس، ووعدكم الإجابة وقال: ادعوني أستجب لكم. ألا وقد وكَّل الله سبحانه وتعالى بكل شيطان مريد سبعة من الملائكة، فليس بمحلول حتى ينقضي شهر رمضان، ألا وأبواب السماء مفتحة من أول ليلة منه الى آخر ليلة منه، ألا والدعاء فيه مقبول. حتى إذا كان أول ليلة من العشر قام فحمد الله وأثنى عليه وقال مثل ذلك ثم قام، وشمر وشد المئزر وبرز من بيته واعتكف وأحيا الليل كله، وكان يغتسل كل ليلة منه بين العشائين".
وعن الإمام الصادق عليه السلام: " كان رسول الله صلى الله عليه وآله، إذا دخل العشر الأواخر شد المئزر واجتنب النساء وأحيى الليل وتفرغ للعبادة "
ولعل شدَّ المئزر كناية عن التشمير وبذل غاية الجهد.وكان إذا دخلت العشر الأخيرة من شهر رمضان يطوى فراشه ولقد كان صلى الله عليه وآله دائماً وفي كل الليالي المصداق الأوضح لقوله تعالى: كانوا قليلاً من الليل مايهجعون، إلا أنه كان صلى الله عليه وآله وسلّم، في الليالي العشر الأخيرة من شهر رمضان يترك النوم نهائياً لأنها آخر ضيافة الرحمن، فينبغي أن نتعاطى معها على هذا الأساس اقتداءً بمن جعله الله تعالى الأسوة الحسنة للخلق.
* أعمالها الخاصة
وقد تناقلت الأجيال اهتمامه صلى الله عليه وآله بأعمال خاصة في هذه العشر الخاتمة للشهر تكشف بمجموعها عن شخصيتها المميزة، كما أكد الأئمة من عترته الذين هم استمرار له صلى الله عليه وعليهم على أعمال خاصة بها أيضاً، والمجموع كما يلي:
1- مجاورة سيد الشهداء عليه السلام
قال السيد ابن طاوس: "ذكر ما نختار روايته من فضل المهاجرة إلى الحسين صلوات الله عليه في العشر الأواخر من شهر رمضان: روينا ذلك باسنادنا".." قال: سمعت الرضا علي بن موسى عليهما السلام يقول: عمرة في شهر رمضان تعدل حجة، واعتكاف ليلة في شهر رمضان يعدل حجة، واعتكاف ليلة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وعند قبره يعدل حجة وعمرة، ومن زار الحسين عليه السلام يعتكف عنده العشر "." الغوابر من شهر رمضان فكأنما اعتكف عند قبر النبي صلى الله عليه وآله، ومن اعتكف عند قبر رسول الله صلى الله عليه وآله كان ذلك أفضل له من حجة وعمرة بعد حجة الإسلام. قال الرضا عليه السلام: وليحرص من زار الحسين عليه السلام في شهر رمضان ألا يفوته ليلة الجنهي عنده، وهي ليلة ثلاث وعشرين، فإنها الليلة المرجوة، قال: وأدنى الاعتكاف ساعة بين العشائين، فمن اعتكفها فقد أدرك حظه - أو قال: نصيبه - من ليلة القدر".
2- الغسل في كل ليلة.
تقدم في عمل الليلة الأولى، واليوم الأول تعداد الموارد التي يستحب فيها الغسل، وأنه مستحب في كل ليلة، ويضاف إلى ذلك أن استحباب الغسل في كل ليلة من العشر الأواخر قد ورد الحث عليه كعنوان مستقل. عن أبي عبد الله(الإمام الصادق) عليه السلام قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله يغتسل في شهر رمضان في العشر الأواخر في كل ليلة.
3- الإعتـكاف
قال السيد:" الاعتكاف في هذه العشر الأواخر من شهر رمضان عظيم الفضل والرجحان، مقدم على غيره من الأزمان. وقد روينا بعدة طرق عن الشيخ محمد بن يعقوب الكليني وأبي جعفر محمد بن بابويه وجدي أبي جعفر الطوسي قدس الله أرواحهم أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يعتكف هذا العشر الأواخر من شهر رمضان".
وقال الشيخ الطوسي:" الإعتكاف في العشر الأواخر من شهر رمضان مستحب مندوب إليه فيه فضل كثير ".." ويحتاج إلى شروط ثلثة: أحدها: أن يعتكف في أحد المساجد الأربعة: المسجد الحرام أو مسجد النبي صلى الله عليه وآله أو مسجد الكوفة أو مسجد البصرة. والثاني: أن يصوم في زمان الإعتكاف. وثالثها: أن يكون ثلاثة أيام فصاعداً. ويجب عليه أن يجتنب كلما يجتنبه المحْرِم من النساء والطيب والمماراة والجدال. ويجب عليه أيضا ترك البيع والشراء والخروج عن المسجد إلا لضرورة والمشي تحت الظلال مع الإختيار والقعود في غيره مع الإختيار والصلاة في غير المسجد الذي اعتكف فيه إلا بمكة فإنه يصلي كيف شاء وأين شاء ومتى جامع نهاراً لزمته كفارتان، وإن جامع ليلاً لزمته كفارة واحدة مثل ما يلزم من أفطر يوماً من شهر رمضان، وإذا مرض المعتكف أو حاضت المرأة خرجا من المسجد ثم يعيدان الاعتكاف والصوم ".
وقال العلامة الحلي:" وقد أجمع المسلمون على استحبابه، لأن النبي صلى الله عليه وآله، كان يعتكف في كل سنة ويداوم عليه. وأفضل أوقاته العشر الأواخر من شهر رمضان. قال رسول الله صلى الله عليه وآله: اعتكاف عشر في شهر رمضان يعدل حجتين وعمرتين. وداوم على اعتكافها حتى قبضه الله تعالى. فمن رغب إلى المحافظة على هذه السنة فينبغي أن يدخل المسجد قبل غروب الشمس يوم العشرين حتى لا يفوته شئ من ليلة الحادي والعشرين ".
* تعـريفـه:
أ- هو اللبث في مكان مخصوص للعبادة.
ب- الإعتكاف في اللغة هو اللبث المتطاول، وفي الشرع قُيِّد بالعبادة. أي أنه في الشرع اللبث الطويل في مكان والإقامة فيه بنية العبادة. و" لا يجوز الإعتكاف عند علمائنا أقل من ثلاثة أيام بليلتين متواليات، خلافا للعامة كافة، فإن الشافعي لم يقدره بحد، بل جوَّز اعتكاف ساعة واحدة فأقل، وهو( منقول أيضاً) عن أحمد وأبي حنيفة ".وقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام: " لا يكون الإعتكاف أقل من ثلاثة أيام ومن اعتكف صام ".وقد تقدم استحباب كونه عشرة أيام اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وآله.
* مكانـه:
يشترط أن يكون الإعتكاف في مسجد، والأفضل أن يكون المسجد الجامع، والأفضل منه في مسجد صلى فيه الجمعة نبي أو وصي.
قال العلامة الحلي: وقد أجمع علماء الأمصار على اشتراط المسجد في الجملة، لقوله تعالى: ﴿وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِد﴾.
وقال ابن أبي عقيل:." يصح الإعتكاف في كل مسجد. قال: وأفضل الإعتكاف في المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى الله عليه وآله، ومسجد الكوفة، وسائر الأمصار مساجد الجماعات".
* زمانـه
عن أبي عبد الله ( الإمام الصادق ) عليه السلام قال: اعتكف رسول الله صلى الله عليه وآله في أول ما فرض شهر رمضان في العشر الأول، وفي السنة الثانية في العشر الأوسط، وفي السنة الثالثة في العشر الأواخر، فلم يزل يفعل ذلك حتى مضى.
وقال الشيخ الطوسي:" وأفضل الأوقات للاعتكاف في العشر الأواخر من شهر رمضان".وقد تقدم ذلك عن العلامة الحلي أيضاً.
* حقيقتـه:
يمثل الإعتكاف رفع وتيرة الصوم إلى أقصى الحدود الممكنة لكل صائم، وإتاحة الفرصة له لبلوغ أعلى الدرجات من خلال تهيئة أفضل مناخ أشد خصوصية ضمن المناخ الخاص أصلاً، الأمر الذي يجعل الإعتكاف نوع وقف للنفس على طاعة الحق سبحانه، ومجانبة الباطل، ودخولاً في دورة تدريبية طوعية ينحصر الإنتساب إليها بالمشاركين في ضيافة الرحمن بالصوم، تهدف إلى نشر ثقافة " وقف النفس على الحق".
قال السيد ابن طاوس عليه الرحمة:"واعلم أن كمال الإعتكاف هو إيقاف العقول والقلوب والجوارح على مجرد العمل الصالح، وحبسها على باب الله جل جلاله، ومقدس إرادته، وتقييدها بقيود مراقباته، وصيانتها عما يصون الصائم كمال صونه عنه، ويزيد على احتياط الصائم في صومه زيادة معنى المراد من الإعتكاف، والإلتزام بإقباله على الله وترك الإعراض عنه. فمتى أطلق المعتكف خاطراً لغير الله في طرق أنوار عقله وقلبه، أو استعمل جارحة في غير الطاعة لربه، فإنه يكون قد أفسد من حقيقة كمال الإعتكاف، بقدر ما غفل أو هَوَّن به من كمال الأوصاف".
وهكذا نكون مع خصائص الإعتكاف أمام مفصل تربوي بالغ الأهمية لمن أراد تزكية نفسه والمضي في مدارج الكمال الإنساني، يجب أن يحتل موقعه الطبيعي في حركة العمل الثقافي والتربوي لتصبح المساجد الجامعة في شهر الله تعالى مراكز إعداد نوعي قد لايكون متاحاً إلا من خلال الإعتكاف.
إنها أمنية برسم المعنيين.
4- الأدعية الخاصة
قال الشيخ الطوسي عليه الرحمة: "ونذكر الآن الدعاء المختص بالعشر الأواخر".ثم أورد الأدعية التي ترد في المصادر المختلفة، والهدف هنا التنبيه على أن مما يدل على وجود عنوان مستقل ومميز هو العشر الأواخر أن لهذه الليالي أدعية خاصة بها.
وهذه الأدعية الخاصة بالعشر الأواخر على قسمين: مايدعى به في كل ليلة منها. وما يدعى به في ليلة واحدة منها.
وأكتفي هنا بذكر دعاءين يدعى بهما في كل ليلة من العشر الأخيرة، وهما مرويان عن الإمام الصادق عليه السلام.
1- عن أبي عبد الله عليه السلام قال: تقول في العشر الأواخر من شهر رمضان كل ليلة: أعوذ بجلال وجهك الكريم، أن ينقضي عني شهر رمضان، أو يطلع الفجر من ليلتي هذه، وبقي لك عندي تبعة أو ذنب تعذبني عليه يوم ألقاك".وقد روي بدون كلمتي" يوم ألقاك، كما روي مع إضافة.
2- عن الإمام الصادق عليه السلام، أنه كان يقول بعد الفرائض والنوافل: أللهم أَدِّ عنا حق ما مضى من شهر رمضان، واغفر لنا تقصيرنا فيه، وتسلمه منا مقبولاً، ولا تؤاخذنا بإسرافنا على أنفسنا، واجعلنا من المرحومين ولا تجعلنا من المحرومين. فمن قال ذلك غفر الله ما اجترح في ما مضى من شهر رمضان، وعصمه في ما بقي.
3- زيادة النوافل:كما ينبغي أن يلحظ في السياق المتقدم ارتفاع وتيرة النوافل في العشر الأواخر، ليبلغ عدد نوافلها نصف نوافل شهر رمضان، بالإضافة إلى احتضانها أفضل ليلتين من الليالي التي يرجى التوفيق فيها لليلة القدر.
* دعاء اليوم التاسع عشر
"أللهم وفِّر فيه حظي من بركاته، وسهّل سبيلي إلى خيراته، ولا تحرمني قبول حسناته. يا هادياً إلى الحق المبين".
لايدرك المقيم في الظلمات مدى حرمانه والعمى، فإذا لاح له وميض نور وبرق له لامع من ضياء، طال منه الأنين وتواصل بث الشكوى والنحيب.
تلك هي حال الداعي بعد ما مضى من الشهر أكثره.
عميت عين لا تراك عليها رقيباً، متى غبتَ حتى تحتاج إلى دليل ومتى خفي الحق المبين الصراح حتى لا يُرى، ومتى اتضح العمى والغيّ والضلال؟
إلهي لفرط ضلالي لا أرى الحق. إنه الضلال البعيد. حالت بيني وبينك الحجب ولا سبيل إلى العودة إلا بتوفيرك حظي من البركات وتسهيلك سبيلي إلى الخيرات وتوفيقي إلى الطاعات والحسنات. بك عرفتك وبك يمكنني أن أعود إليك وأصِل. يا هادياً إلى الحق المبين.
* صلاة الليلة العشرين
1- حصة هذه الليلة من الألف ركعة، وهي آخر ليلة تصلى فيها عشرون ركعة بالترتيب المتقدم. وبدءً من الليلة القادمة تصبح صلوات الليالي عبارة عن ثلاثين ركعة.
2- عن رسول الله صلى الله عليه وآله:" ومن صلى ليلة عشرين ثماني ركعات(بمهما تيسر) غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأ خر ".
3- قال الكفعمي: "ويستحب أن يصلي في كل ليلة من شهر رمضان ركعتين بالحمد".." والتوحيد ثلاثا، فإذا سلَّم قال: سبحان من هو حفيظ لايغفل، سبحان من هو رحيم لايعجل، سبحان من هو قائم لايسهو، سبحان من هو دائم لايلهو. ثم يقول التسبيحات الأربع سبعاً، ثم يقول: سبحانك سبحانك ياعظيم. إغفر لي الذنب العظيم. ثم تصلي على النبي عشراً. من صلاها غفر الله له سبعين ألف ذنب. ".
أسأل الله عزَّ وجلّ أن يوفقنا لمراضيه بالنبي وآله المعصومين، صلوات الله تعالى وسلامه عليهم أجمعين.
والحمد لله رب العالمين 1.
تعليق