حقوق الإنسان بين الوضع البشري.. والتشريع الإلهي
حيدر الجراح
منذ بدء الخليقة و حتى قيام الساعة، ما أنفكّت حقوق الانسان هي المحور الابرز في الفلسفات الوضعية و التشريعات الالهية..
لقد بُعث الانبياء و الرسل بشرائع السماء من أجل رفعة الإنسان و الارتقاء به إلى الكمالات التي حددها الله سبحانه له، و هو الحق مصدر الحقوق كافة..
الا أن تلك الحقوق قد تجاذبتها الاهواء و المطامع التي ارتبطت بالنزعة البشرية الغريزية إلى السيطرة.. فأخذ القوى يستهلك و يأكل الضعيف بحكم شرائط القوة التي امتلكها أو يحاول امتلاكها على حساب الاخرين..
و رغم التطور البشري و الحضاري الذي ساد المجتمعات لم يتخلص الإنسان من هموم البحث عن الطعام أو العمل أو السلطة..
و على هذه القاعدة الثلاثية سارت البشرية الاف السنين و وضعت التشريعات و القوانين التي تتكفل بحفظها سواءا ايجابا كانت أو سلبا..
و نشأت من خلال تلك القاعدة علاقة السيد و الخادم.. و هي علاقة تبادلية تأسست على خدمات العبد مقابل ما يمنحه المالك من حقوق..
أو كما عبّر عنها (شيشرون) في (كتاب في الواجبات): نطلب منهم الخدمة لنؤمّن لهم الضروري(1)..
و كان هذا الضروري مزريا و بشعا بحق الإنسان و كرامته.. فلا اللقمة المغموسة بالذل، ولا المأوى المحاط بسياط الألم يمكن أن يساوي كرامة هذا الإنسان و حريته..
و قد عملت تلك القاعدة على ظهور ما يسمى بالاسترقاق و العبودية..
و اتفق غالبية الباحثين في الاصول البشرية و تاريخها على أن الاسترقاق مظهر من مظاهر القوة و الرق من مظاهر الضعف..
و يؤكد هؤلاء الباحثون أن قوانين الازمنة القديمة لم تكن تردع قويا عن ضعيف و لا قاهرا عن مقهور.. و كان القوي يفرض نواميسه و شريعته دون أي مراعاة للعدل و الانصاف و المساواة بين البشر فيما لهم و ما عليهم..
و من السنن الطبيعية أن الافراد غير متساوين في القوى الجسمية و العقلية، و أن العمل لكسب مطالب الحياة اصعب الأمور و اشقها على النفس..
من هنا اخذ القوي يفكر في التخلص من مشقة الاعمال و مكابرة الالام و يفرض سلطانه من حوله على الضعفاء سخريا فيضمهم إلى مجموعته فنشأ على هذا المبدأ الاسترقاق الذي اتسعت رقعته و اعداده بفضل الحروب المتزايدة بين الأمم و صار الناس لا يقتلون العدو بل يبقون عليه عبدا لهم..
و المطلع على التاريخ يعرف جيدا أنه لا يكاد يخلو عصر من العصور من وجود الرق.. لقد وجدت اصوله في كل جاهلية ثم تعدتها إلى الأمم المتحضرة و بقيت فيها حتى بعد بلوغها شأوا بعيدا من الحضارة و المدنية..
قراءة في اوراق التاريخ
شرعت الحضارة اليونانية على الصعيد الاجتماعي نظام الرق العام كما شرعت نظام الرق الخاص أو تسخير العبيد في خدمة البيوت و الامراء.. فكان للهياكل في اسيا الصغرى أرقاؤها الموقوفون لها و كانت عليهم واجبات الخدمة و الحراسة و لم يكن من حقهم ولاية اعمال الكهانة و العبادة العامة..
و أكد أرسطو في مذهبه (أن فريقا من الناس مخلوقون للعبودية لانهم يعملون على الالات التي يتصرف فيها الاحرار ذوو الفكر و المشيئة)(2)..
و يقضي افلاطون في جمهوريته الفاضلة بحرمان العبيد حق المواطنيه و اجبارهم على الطاعة و الخضوع للاحرار من سادتهم أو من السادة الغرباء و من تطاول منهم مع سيد غريب اسلمته الدولة ليقتص منه كما يريد(3)..
و رأى بلو تارك أنه (في بلاد الاغريق كان يساء إلى العبيد أشد الاساءة.. و اضاف: أن الحر منها أكثر حرية في حين كان الرقيق اشد الناس استرقاقا..
و لم يكن الحال عند الرومان بافضل منه عند اليونان فقد انتشر الاسترقاق بينهم من غير تفريق بين من كان رومانيا أو اجنبيا فكانوا يملكونهم إما بحرب أو بشراء أو باختطاف..
و لم تتمكن المسيحية بعد ظهورها بتعاليمها و تسامحها الغاء الاسترقاق أو تخفيف شدته خصوصا و أن الامبراطورية الرومانية أبدت خشيتها من الدين الجديد الذي استولى على قلوب عامة الشعب الفقراء و المساكين الذين كانوا يشكلون الاكثرية الساحقة في عموم ارجاء البلاد فاعلنوا حربا قاسية على دعاتها و اتباعها، علما أن القديس بولس في رسالته إلى مدينة افسس اوصى الارقاء بقوله ايها العبيد اطيعوا سادتكم حسب الجسد بخوف و رعدة في بساطة قلوبكم كما المسيح، عاملين مشيئة الله من القلب خادمين بنية صالحة كما للرب و ليس للناس.. و بدوره راى القديس اسيلوس من اباء الكنيسة اليونانية أن (على العبد طاعة مولاه بقلب سليم تمجيدا لله العظيم)(4)..
فضلا عن ذلك فان توما الاكوييني لم يعترض على الرق بل زكاه لانه على رأي استاذه ارسطو (حالة من الحالات التي خلق عليها بعض الناس بالفطرة الطبيعية و ليس مما يناقض الإيمان أن يقنع الإنسان من الدنيا بأهون نصيب)..
عند العرب وجد هذا النظام أيضاً إلى جانب العديد من الانظمة الاجتماعية التي تمتهن كرامة الإنسان و تسلبه حريته..
فالى جانب نظام الاسترقاق وجد نظام الوأد الذي طبق على نطاق واسع عند العرب خوف الفضيحة و العار الذي تلحقه المرأة بقبيلتها عند ما تسبى في الحروب..
و على العكس من المسيحية فقد عمل الإسلام على تحرير الإنسان من جميع قيوده الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية حين ساوى بين الناس جميعا من ذكر و انثى و عربي و اعجمي و ابيض و اسود.. فلم تكن تلك الفروقات بين الناس تصلح مقياسا للمفاضلة بينهم في الإسلام بل اصبحت القاعدة هي (أن اكرمكم عند الله اتقاكم)(5).
و قول الرسول الكريم(ص) في خطبة حجة الوداع (ايها الناس، لا فضل لعربي على اعجمي و لا لأعجمي على عربي و لا لاحمر على ابيض و لا لابيض على أحمر الا بالتقوى)..
و تلك القاعدة الالهية هي مبدأ المساواة الذي نادت به بعد قرون طويلة فلسفات الغرب..
و قد انطلق التشريع الالهي بما يخدم الانسان، لمعرفته بجميع ما يصلح له و ما يضره.. و ابتدأ الوحي الالهي بكلمة (اقرأ) التي جعلها الله سبحانه عنواناً للتكريم ـ تكريم الإنسان ـ على باقي مخلوقاته و التي تعني المعرفة و الانطلاق إلى فضاءات الحرية التي اودعه الله في فطرة الإنسان.. و قد ارتبطت كلمة الحق بالله سبحانه و تعالى لانه مصدر الحقوق كلها..
واصل الحق: المطابقة و الموافقة.. و هو يقال على أوجه:
الاول: يقال لموجد الشئ بــسبب ما تقتضيه الحكمة و لــهذا قيل فــي الله تعالى: هو الحق.. قال الله تعالى (و رُدوا إلى الله مولاهم الحق)(6).
و الثاني: يقل للموجد بحسب مقتضى الحكمة و لهذا يقال: فعل الله سبحانه كله حق نحو قولنا: الموت حق و البعث حق، و قال تعالى (هو الذي جعل الشمس ضياءا و القمر نورا.. إلى قوله: ما خلق الله ذلك الا بالحق)(7).
و الثالث: في الاعتقاد للشئ المطابق لما عليه ذلك الشئ في نفسه كقولنا: اعتقاد فلان في البعث و الثواب و العقاب و الجنة و النار حق قال تعالى (فهدى الله الذين امنوا لما اختلفوا فيه من الحق)(8).
و الرابع: للفعل و القول بحسب ما يجب و بقدر ما يجب و في الوقت الذي يجب كقولنا: فعلك حق و قولك حق، قال تعالى (كذلك حقّت كلمة ربك)(9) و (حقّ القول مني لاملأنّ جهنم)(10).
و قوله تعالى (ليحق الحق)(11).. فاحقاق الحق على ضربين:
أحدهما: باظهار الادلة و الايات كما قال تعالى (و اولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانا مبينا)(12) أي حجة قوية..
و الثاني: باكمال الشريعة و بثها في الناس كافة لقوله تعالى (و الله متمُّ نوره و لو كره الكافرون)(13) ،(14).
و منها الحقوق الممنوحة للانسان باعتباره خليفة لاصل الحق و موجده.. و إذا تتبعنا الدستور الإسلامي لحقوق الإنسان الموجود في القرآن الكريم و السنة النبوية الشريفة وجدنا أن تلك الحقوق قد تلاءمت مع فطرة الإنسان السوية و قطعت الطريق على المنحرفة منها و الشاذة.. فعلى مستوى الحقوق السياسية جعل القرآن الكريم مبدأ الشورى عنواناً لديمقراطية الصحيحة.. قال تعالى (و امرهم شورى بينهم)(15).
و قوله تعالى (و شاورهم في الامر)(16).
تلك الايات حددت العلاقة بين الحاكم و المحكوم و منحت الأمة حق خلع الحاكم من منصبه إذا ابتعد عن تطبيق اصول الحكم الصحيح الذي جاءت به الشريعة الإسلامية و جار في حكمه و لم يطبع العدل في الرعية و كما عبر عن هذا المبدأ الإمام الشيرازي في كتابه (الفقه الدولة الإسلامية) ج 1 قائلا: لكل فرد الحق في أن يعلم بما يجري في حياة الأمة من شؤون تتصل بالمصلحة العامة للجماعة.. كما لكل فرد في الأمة بعد توفر الشروط الشرعية فيه تولي المناصب العامة و الخاصة و الوظائف المختلفة و لا تسقط هذه الاهلية أو تنقص تحت أي اعتبار عنصري أو طبقي أو لغوي أو جغرافي أو ما اشبه.. و الشورى اساس العلاقة بين الحاكم و الأمة فإذا لم يكن النبي(ص) موجودا و لا الإمام المنصوب من قبله حاضرا فمن حق الأمة أن تختار حكامها بارادتها الحرة المطلقة تطبيقا لهذا المبدأ..
كما للامة الحق في محاسبتهم و في عزلهم إذا حادوا عن الشريعة فمتى توفرت الاكثرية في إنسان كان ذلك حاكما و ما لم تتوفر يُشار إلى غيره)..
و على الجانب الاقتصادي حدد الإسلام وظيفة المال العام أو الخاص..
فالمال مال الله، و الإنسان مسؤول عن هذه الوديعة لديه.. فهو يجب عليه أن يصرفها بما يناسب تلك الوظيفة التي جعلت لها..
و للفقراء حق في مال الأغنياء يجب أن يعطوهم منه دون منّ أو أذى.. و لم يمنع الإسلام الإنسان من الملكية الفردية بل جعل من تلك الملكية حقا من حقوق الفرد و لكن دون الحاق الضرر بالاخرين..
و للانسان الحق في العمل و الكسب المشروع مساهمة منه في اعمار الأرض و خدمة الاخرين و درءا للفاقة و ذل السؤال..
و على مستوى الحقوق الاجتماعية وضع الإسلام منهجا متكاملا للعلاقات بين افراد المجتمع الإسلامي كافة رجالا و نساءا، فمثلما اعطى للرجل كافة حقوقه و حدد له واجباته، فانه اعطى كذلك للمرأة كافة حقوقها و حدد لها واجباتها..
حيدر الجراح
منذ بدء الخليقة و حتى قيام الساعة، ما أنفكّت حقوق الانسان هي المحور الابرز في الفلسفات الوضعية و التشريعات الالهية..
لقد بُعث الانبياء و الرسل بشرائع السماء من أجل رفعة الإنسان و الارتقاء به إلى الكمالات التي حددها الله سبحانه له، و هو الحق مصدر الحقوق كافة..
الا أن تلك الحقوق قد تجاذبتها الاهواء و المطامع التي ارتبطت بالنزعة البشرية الغريزية إلى السيطرة.. فأخذ القوى يستهلك و يأكل الضعيف بحكم شرائط القوة التي امتلكها أو يحاول امتلاكها على حساب الاخرين..
و رغم التطور البشري و الحضاري الذي ساد المجتمعات لم يتخلص الإنسان من هموم البحث عن الطعام أو العمل أو السلطة..
و على هذه القاعدة الثلاثية سارت البشرية الاف السنين و وضعت التشريعات و القوانين التي تتكفل بحفظها سواءا ايجابا كانت أو سلبا..
و نشأت من خلال تلك القاعدة علاقة السيد و الخادم.. و هي علاقة تبادلية تأسست على خدمات العبد مقابل ما يمنحه المالك من حقوق..
أو كما عبّر عنها (شيشرون) في (كتاب في الواجبات): نطلب منهم الخدمة لنؤمّن لهم الضروري(1)..
و كان هذا الضروري مزريا و بشعا بحق الإنسان و كرامته.. فلا اللقمة المغموسة بالذل، ولا المأوى المحاط بسياط الألم يمكن أن يساوي كرامة هذا الإنسان و حريته..
و قد عملت تلك القاعدة على ظهور ما يسمى بالاسترقاق و العبودية..
و اتفق غالبية الباحثين في الاصول البشرية و تاريخها على أن الاسترقاق مظهر من مظاهر القوة و الرق من مظاهر الضعف..
و يؤكد هؤلاء الباحثون أن قوانين الازمنة القديمة لم تكن تردع قويا عن ضعيف و لا قاهرا عن مقهور.. و كان القوي يفرض نواميسه و شريعته دون أي مراعاة للعدل و الانصاف و المساواة بين البشر فيما لهم و ما عليهم..
و من السنن الطبيعية أن الافراد غير متساوين في القوى الجسمية و العقلية، و أن العمل لكسب مطالب الحياة اصعب الأمور و اشقها على النفس..
من هنا اخذ القوي يفكر في التخلص من مشقة الاعمال و مكابرة الالام و يفرض سلطانه من حوله على الضعفاء سخريا فيضمهم إلى مجموعته فنشأ على هذا المبدأ الاسترقاق الذي اتسعت رقعته و اعداده بفضل الحروب المتزايدة بين الأمم و صار الناس لا يقتلون العدو بل يبقون عليه عبدا لهم..
و المطلع على التاريخ يعرف جيدا أنه لا يكاد يخلو عصر من العصور من وجود الرق.. لقد وجدت اصوله في كل جاهلية ثم تعدتها إلى الأمم المتحضرة و بقيت فيها حتى بعد بلوغها شأوا بعيدا من الحضارة و المدنية..
قراءة في اوراق التاريخ
شرعت الحضارة اليونانية على الصعيد الاجتماعي نظام الرق العام كما شرعت نظام الرق الخاص أو تسخير العبيد في خدمة البيوت و الامراء.. فكان للهياكل في اسيا الصغرى أرقاؤها الموقوفون لها و كانت عليهم واجبات الخدمة و الحراسة و لم يكن من حقهم ولاية اعمال الكهانة و العبادة العامة..
و أكد أرسطو في مذهبه (أن فريقا من الناس مخلوقون للعبودية لانهم يعملون على الالات التي يتصرف فيها الاحرار ذوو الفكر و المشيئة)(2)..
و يقضي افلاطون في جمهوريته الفاضلة بحرمان العبيد حق المواطنيه و اجبارهم على الطاعة و الخضوع للاحرار من سادتهم أو من السادة الغرباء و من تطاول منهم مع سيد غريب اسلمته الدولة ليقتص منه كما يريد(3)..
و رأى بلو تارك أنه (في بلاد الاغريق كان يساء إلى العبيد أشد الاساءة.. و اضاف: أن الحر منها أكثر حرية في حين كان الرقيق اشد الناس استرقاقا..
و لم يكن الحال عند الرومان بافضل منه عند اليونان فقد انتشر الاسترقاق بينهم من غير تفريق بين من كان رومانيا أو اجنبيا فكانوا يملكونهم إما بحرب أو بشراء أو باختطاف..
و لم تتمكن المسيحية بعد ظهورها بتعاليمها و تسامحها الغاء الاسترقاق أو تخفيف شدته خصوصا و أن الامبراطورية الرومانية أبدت خشيتها من الدين الجديد الذي استولى على قلوب عامة الشعب الفقراء و المساكين الذين كانوا يشكلون الاكثرية الساحقة في عموم ارجاء البلاد فاعلنوا حربا قاسية على دعاتها و اتباعها، علما أن القديس بولس في رسالته إلى مدينة افسس اوصى الارقاء بقوله ايها العبيد اطيعوا سادتكم حسب الجسد بخوف و رعدة في بساطة قلوبكم كما المسيح، عاملين مشيئة الله من القلب خادمين بنية صالحة كما للرب و ليس للناس.. و بدوره راى القديس اسيلوس من اباء الكنيسة اليونانية أن (على العبد طاعة مولاه بقلب سليم تمجيدا لله العظيم)(4)..
فضلا عن ذلك فان توما الاكوييني لم يعترض على الرق بل زكاه لانه على رأي استاذه ارسطو (حالة من الحالات التي خلق عليها بعض الناس بالفطرة الطبيعية و ليس مما يناقض الإيمان أن يقنع الإنسان من الدنيا بأهون نصيب)..
عند العرب وجد هذا النظام أيضاً إلى جانب العديد من الانظمة الاجتماعية التي تمتهن كرامة الإنسان و تسلبه حريته..
فالى جانب نظام الاسترقاق وجد نظام الوأد الذي طبق على نطاق واسع عند العرب خوف الفضيحة و العار الذي تلحقه المرأة بقبيلتها عند ما تسبى في الحروب..
و على العكس من المسيحية فقد عمل الإسلام على تحرير الإنسان من جميع قيوده الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية حين ساوى بين الناس جميعا من ذكر و انثى و عربي و اعجمي و ابيض و اسود.. فلم تكن تلك الفروقات بين الناس تصلح مقياسا للمفاضلة بينهم في الإسلام بل اصبحت القاعدة هي (أن اكرمكم عند الله اتقاكم)(5).
و قول الرسول الكريم(ص) في خطبة حجة الوداع (ايها الناس، لا فضل لعربي على اعجمي و لا لأعجمي على عربي و لا لاحمر على ابيض و لا لابيض على أحمر الا بالتقوى)..
و تلك القاعدة الالهية هي مبدأ المساواة الذي نادت به بعد قرون طويلة فلسفات الغرب..
و قد انطلق التشريع الالهي بما يخدم الانسان، لمعرفته بجميع ما يصلح له و ما يضره.. و ابتدأ الوحي الالهي بكلمة (اقرأ) التي جعلها الله سبحانه عنواناً للتكريم ـ تكريم الإنسان ـ على باقي مخلوقاته و التي تعني المعرفة و الانطلاق إلى فضاءات الحرية التي اودعه الله في فطرة الإنسان.. و قد ارتبطت كلمة الحق بالله سبحانه و تعالى لانه مصدر الحقوق كلها..
واصل الحق: المطابقة و الموافقة.. و هو يقال على أوجه:
الاول: يقال لموجد الشئ بــسبب ما تقتضيه الحكمة و لــهذا قيل فــي الله تعالى: هو الحق.. قال الله تعالى (و رُدوا إلى الله مولاهم الحق)(6).
و الثاني: يقل للموجد بحسب مقتضى الحكمة و لهذا يقال: فعل الله سبحانه كله حق نحو قولنا: الموت حق و البعث حق، و قال تعالى (هو الذي جعل الشمس ضياءا و القمر نورا.. إلى قوله: ما خلق الله ذلك الا بالحق)(7).
و الثالث: في الاعتقاد للشئ المطابق لما عليه ذلك الشئ في نفسه كقولنا: اعتقاد فلان في البعث و الثواب و العقاب و الجنة و النار حق قال تعالى (فهدى الله الذين امنوا لما اختلفوا فيه من الحق)(8).
و الرابع: للفعل و القول بحسب ما يجب و بقدر ما يجب و في الوقت الذي يجب كقولنا: فعلك حق و قولك حق، قال تعالى (كذلك حقّت كلمة ربك)(9) و (حقّ القول مني لاملأنّ جهنم)(10).
و قوله تعالى (ليحق الحق)(11).. فاحقاق الحق على ضربين:
أحدهما: باظهار الادلة و الايات كما قال تعالى (و اولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانا مبينا)(12) أي حجة قوية..
و الثاني: باكمال الشريعة و بثها في الناس كافة لقوله تعالى (و الله متمُّ نوره و لو كره الكافرون)(13) ،(14).
و منها الحقوق الممنوحة للانسان باعتباره خليفة لاصل الحق و موجده.. و إذا تتبعنا الدستور الإسلامي لحقوق الإنسان الموجود في القرآن الكريم و السنة النبوية الشريفة وجدنا أن تلك الحقوق قد تلاءمت مع فطرة الإنسان السوية و قطعت الطريق على المنحرفة منها و الشاذة.. فعلى مستوى الحقوق السياسية جعل القرآن الكريم مبدأ الشورى عنواناً لديمقراطية الصحيحة.. قال تعالى (و امرهم شورى بينهم)(15).
و قوله تعالى (و شاورهم في الامر)(16).
تلك الايات حددت العلاقة بين الحاكم و المحكوم و منحت الأمة حق خلع الحاكم من منصبه إذا ابتعد عن تطبيق اصول الحكم الصحيح الذي جاءت به الشريعة الإسلامية و جار في حكمه و لم يطبع العدل في الرعية و كما عبر عن هذا المبدأ الإمام الشيرازي في كتابه (الفقه الدولة الإسلامية) ج 1 قائلا: لكل فرد الحق في أن يعلم بما يجري في حياة الأمة من شؤون تتصل بالمصلحة العامة للجماعة.. كما لكل فرد في الأمة بعد توفر الشروط الشرعية فيه تولي المناصب العامة و الخاصة و الوظائف المختلفة و لا تسقط هذه الاهلية أو تنقص تحت أي اعتبار عنصري أو طبقي أو لغوي أو جغرافي أو ما اشبه.. و الشورى اساس العلاقة بين الحاكم و الأمة فإذا لم يكن النبي(ص) موجودا و لا الإمام المنصوب من قبله حاضرا فمن حق الأمة أن تختار حكامها بارادتها الحرة المطلقة تطبيقا لهذا المبدأ..
كما للامة الحق في محاسبتهم و في عزلهم إذا حادوا عن الشريعة فمتى توفرت الاكثرية في إنسان كان ذلك حاكما و ما لم تتوفر يُشار إلى غيره)..
و على الجانب الاقتصادي حدد الإسلام وظيفة المال العام أو الخاص..
فالمال مال الله، و الإنسان مسؤول عن هذه الوديعة لديه.. فهو يجب عليه أن يصرفها بما يناسب تلك الوظيفة التي جعلت لها..
و للفقراء حق في مال الأغنياء يجب أن يعطوهم منه دون منّ أو أذى.. و لم يمنع الإسلام الإنسان من الملكية الفردية بل جعل من تلك الملكية حقا من حقوق الفرد و لكن دون الحاق الضرر بالاخرين..
و للانسان الحق في العمل و الكسب المشروع مساهمة منه في اعمار الأرض و خدمة الاخرين و درءا للفاقة و ذل السؤال..
و على مستوى الحقوق الاجتماعية وضع الإسلام منهجا متكاملا للعلاقات بين افراد المجتمع الإسلامي كافة رجالا و نساءا، فمثلما اعطى للرجل كافة حقوقه و حدد له واجباته، فانه اعطى كذلك للمرأة كافة حقوقها و حدد لها واجباتها..
المصادر
1 ـ مجلة الشاهد / العدد 158 / ص 118.
2 و 3 ـ المصدر السابق
4 ـ العهد الجديد.
5 ـ سورة الحجرات / اية 13.
6 ـ سورة يونس / اية 30.
7 ـ كذا / اية 5.
8 ـ سورة البقرة / اية 213.
9 ـ سورة يونس / اية 33.
10 ـ سورة السجدة / اية 13.
11 ـ سورة الانفال / اية 8.
12 ـ سورة النساء / اية 91.
13 ـ الصف / اية 8.
1 ـ مجلة الشاهد / العدد 158 / ص 118.
2 و 3 ـ المصدر السابق
4 ـ العهد الجديد.
5 ـ سورة الحجرات / اية 13.
6 ـ سورة يونس / اية 30.
7 ـ كذا / اية 5.
8 ـ سورة البقرة / اية 213.
9 ـ سورة يونس / اية 33.
10 ـ سورة السجدة / اية 13.
11 ـ سورة الانفال / اية 8.
12 ـ سورة النساء / اية 91.
13 ـ الصف / اية 8.
تعليق