إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

حذار ياشباب

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • حذار ياشباب

    حذار ياشباب

    الآفة هي الوباء الذي يأكل عافية الأشياء، فإذا أصابت الزرع آفة دمّرته فلا يثـمر، وإذا أصابت الإنسان آفـة حطّـمت قدراته فأقعدته عن العطاء.
    وأخطر الآفات تلك التي تُهدِّد حياة الشباب على وجه الخصوص، ذلك أنّ هذه الشريحـة التي تمثِّل ربيع العمر وريعان الصبا، مرشحة للبناء والبذل والتغيير والتجديد، فإذا ما داهمتها آفة في الجسد أو الأخلاق أحالتها إلى حطام وخراب، فلا يرتجى منها خير.
    فهل انتشار الآفات بين الشباب بهذا الشكل الفظيع، مؤامرة؟ لا نستبعد ذلك.
    فلقد عمل تجّار المخـدّرات والجـنس على إحراق زهرة عمر الشباب وسحقها تحت الأقدام بغية الكسب المادي والربح الوفير.
    وعمل تجّار السياسة على إغراق الشباب بالملاهي والملذّات كي يصرفوهم عن الانشغال بالشؤون السياسية، والمطالبة بحقوقهم المشروعة.
    وعمل تجّار الإعلام على جعلهم هدفاً لأغراضهم الخبيثة في العنف والجنس والإنجرار إلى المتع المحرّمة، والإهتمام بغير المهم.
    وحتى لولم تكن مؤامرة، فإنّ ضحايا الآفات الجنسية والتخديرية والعنفيّة من الشباب يمثلون خسائر فادحة لا تقلّ فداحة عن خسائر الحـروب وضحاياها، الأمر الذي يضع أولياء الأمر من الآباء والمربين والعلماء والخـطباء والقادة أمام مسؤولية جسيمة لإنقاذ هذه الشريحة التي تمثِّل عماد المجتمع، وقلبه النابض، وحركته المتدفقة، من براثن هذه الآفات التي لا تُحصى خسائرها.
    ويمكن تصنيف الآفات التي تفتك بالشباب اليوم، فتقتطع جزءاً ثميناً من المجـتمع، أو تقتلع عدداً من أشجاره اليانعة المثمرة، أو تصيبه بالشلل المؤقّت، إلى:
    1ـ آفة التدخين.
    2ـ آفة الخمر.
    3ـ آفة المخدّرات.
    4ـ آفة الجنس.
    5ـ آفة العنف.
    6ـ آفة السرقة.
    7ـ آفة الإنتحار.
    8ـ آفة البطالة.
    9ـ آفة الأعمال المحرّمة.
    لكنّنا قبل الدخول في مناقشة كلّ آفة من هذه الآفات من حيث أسبابها، وأضرارها وطرق مكافحتها، نحـبّ أن نقف عند بعض المفاهيم التي تعتبر مداخل أو منافذ رئيسة للمناقشة، وهي:
    1ـ العادة والتقليد.
    2ـ المتعة واللذّة.
    3ـ الحرِّيّة والجريمة.
    4ـ الإرادة والغريزة.
    5ـ الشهوة والذلّة.
    6ـ الحلال والحرام.
    7ـ الأعمال والنتائج.

    1- العادة والتقليد:
    أن تعتاد على شيء يعني أن تألفه، فإذا اعتدت على طعام معيّن، أو لباس معيّن، أو سلوك معيّن، فإنّك تألفه للدرجة التي يصعب معها أن تُقلع أو تتخلّى عنه.
    وللعادة محاسنها، ولها مساوئها.
    فالعادات الحسنة هي التي نُعبِّر عنها بالقول (جرت العادة) أو (وفقاً للعادة الجارية) أو (جرياً على العادة المتبعة) وهي ممّا تعارف عليه الناس ودرجوا عليه فبات موضع استحسانهم. فالعادة جرت مثلاً أن يُحسن الجار إلى جاره، فيتفقّده ويعوده في مرضه ويعينه في حاجته، ويفرح لفرحه ويحزن لحزنه، فهذه عادة حسنة.
    وهناك عادات سيِّئة لا يقبلها الذوق العام ولا العرف السائد، وإنّما تنشأ من الإعتياد على القبيح والضارّ والمسيء والمخدش للحياء والعقل والدين.
    ولذلك فإنّ الإمـام علـياً (عليه السلام) حينما رأى في طريقه إلى صـفِّين جماعة قد هرعوا إليه يتراكضون على جانـبي دابّتـه، سـألهم عن ذلك، فقالوا: «خُلقٌ نعظِّم به اُمراءنا» فنهاهم عن ذلك لأنّه اعتبره عادة سيِّئة وخلقاً لا يليق بالعامّة أو الرعيّة.
    وهذا يعني أنّنا قد نتصرّف أحياناً بوحي العادة تصرّفات غير مدروسة، ولو تأمّـلنا فيها، في مضارها ونتائجها، فلربّما أعدنا النظر فيما اعتدنا عليه. ولذلك فإنّ الشاعر الذي يقول: «لكلّ إمرئ من دهره ما تعوّدا» ينظر إلى تمكّن العادة من النفس وتحكّمها فيها. ولذلك ورد عن الإمام علي (عليه السلام) قوله: «اعـتياد الكذب يورث الفقر». كما أنّ اعتياد أي عادة سيِّئة يورث الشقاء والمتاعب.
    ونفس الشيء يـقال عن (التقلـيد) فهو ألفة لما اعتاد عليه الآخرون، ومجاراة لعاداتهم وتقاليدهم حتّى ولو كانت مرفوضة، فالتقليد مأخوذ من عقد القلادة، فكما تطوّق القلادة الجيد، تطوّق العادة والتقليد النفس فتأسرها، فإذا نظرت إلى المقلّد رأيته لايعمل بموجب وعي ومعرفة وعلم ويقين ومنطق عقلي، فلقد رأى الناس هكذا يفعلون، وهذه هي حجّته الوحيدة في الدفاع عن نفسه، فهو في ذلك يشبه الببغاء التي تحكي وتردِّد ما تُلقّن به.
    ولذلك اعتبر التقليد باطلاً في معرفة العقائد، إذ لابدّ من الفحص والتدقيق وعدم الإعتماد على ما قاله الآخرون في هذه العقيدة أو تلك، فالإسلام يطالب أتباعه بالخروج من أجواء الألفة لما كان عليه الآباء والأجداد والإعتياد والتقليد، إلى أجواء البحث والتفكير والتأمّل، ذلك أنّ الأجواء الأولى هي أجواء تدعو إلى الخمول والخدر والتبعية السلبية والضلال والتخلّف، أمّا الأجواء الثانية فهي أجواء تدعو إلى التفكّر والغوص إلى العمق واستجلاء الأبعاد.
    ولذلك ترى أنّ الذين ينغمسون في الشهوات لا يقدرون على اكتساب الأخلاق الفاضلة والصفات الحميدة، بعكس الذين يتحكّمون بشهواتهم ويكبحون جماحها. يقول الإمام علي (عليه السلام): «طهِّروا أنفسكم من دنس الشهوات تدركوا رفيع الدرجات».
    ولو تأمّلنا في عباداتنا لرأيناها وسائل جادّة ومؤثرة في كسر طوق العادة، فالصلاة كسر لعادة الغفلة، والصوم كسر لعادة الشهوة، والزكاة كسر لعادة الحرص، والزُّهد والجهاد كسر لحالة التعلّق بالدنيا.
    ولكنّ ذلك ليس قاعدة ثابتة، فقد تتحوّل العبادة نفسها إلى عادة وحينئذ يسقط أو يضعف تأثيرها. فعن الإمام الصادق (عليه السلام): «لا يغرّنّكم الرجل في كثرة صلاته وصيامه، فقد تكون عادة اعتادها، حتّى إذا تركها استوحش، وإنّما اختبروه بصدق الحديث وأداء الأمانة».
    العادة ليست قدراً.. جرّب أن لا تنام الظهر حتّى لو اعتدت على ذلك من قبل، فستتمكّن بعد أن تعاني في البداية من صعوبة قابلة للتحمّل. وجرّب أن تمتنع عن أطعمة وأشربة معيّنة كالشاي أو القهوة أو المشروبات الغازية، وستجد أنّ بإمكانك أن تفعل ذلك. فأنت أقوى من عادتك .. أنت صنعتها وأنت الذي يمكنك أن تتخلّى عنها، فإذا أرخيت لها الزمام أحالتك إلى عبد أسير .
    يقول الإمام علي (عليه السلام): «إنّما الجاهل مَن استعبدته المطالب». ويقول الإمام عليّ بن الحسين (عليه السلام): «لاتعط نفسك ما ضرّه عليك أكثر من نفعه».
    إنّ النفس كثيرة الشبه بالطفل، فالطفل إن تتركه يعتاد الرضاعة فإنّه يشبّ عليها، وإن تفطمه ينفطم ثمّ لا يلبث أن ينسى الرضاع. فالفطام هو أوّل تجربة للطفل مع كسر العادة، وإذا ما بلغ وأصبح مكلّفاً بالصيام فإنّه يمارس فطاماً من نوع آخر، أي أنّنا بالفطام أو الصيام نبدأ بصناعة النفوس المقاومة الكبيرة.
    وإذا كانت النفوسُ كباراً تعبت في مرادها الأجسامُ
    فالفطام والصوم أو أيّة محاولة لكسر العادة واجتناب الوقوع تحت تأثيرها رياضة ذات فوائد جمّة. يقول علي (عليه السلام): «وإنّما هي نفسي أروّضها بالتقوى لتأتي آمنة يوم الخوف الأكبر».

    2- المتعة واللذّة:
    هناك جملـة من المتع واللذائذ والشهوات الحسِّيّة التي تدخل البهجة إلى النفس، كالطعام والشراب والجنس، والحصول على المال، واكتساب القوّة والقدرة لتلبية هذه الحاجات والتمايز على الآخرين.
    كما أنّ هناك متعاً ولذّات روحـيّة؛ كالفوز والنجاح والإنجاز والإبداع، وإسعاد الآخرين، ورضا الوالدين، ورضا الله، والإستقامة، والقيام بأعمال البرّ والإحسان والخير والصلاح.
    وقد عملت الثقافة الغربية على تكريس مبدأ اللذّة، فلقد اعتبر (فرويد) الإرضاء الحرّ للرغبات الجنسية شرطاً أساسياً لسلامة النفس، وأنّ الذين يصابون بأمراض نفسية إنّما يعانون من كبت غريزة اللذّة.
    وقد اتّضح أنّ إشباع الرغبات والمتع الغريزية قد يؤدِّي إلى اللذّة الجسدية، لكنّه يتسبّب في آلام أيضاً، فالبغاء أو الزنا يخلق مشاكل جسدية ونفسية كثيرة، وقد تبعث الخمرة على النشوة لكنّ مخاطرها كبيرة، وهكذا الحال بالنسبة للمخدّرات والسرقة والجريمـة. ولذلك جاء في الحـديث: «مَن تسرّع إلى الشهوات، تسرع إليه الآفات».
    يقول عالم النفس (الكسيس كارل): «هـناك اليوم أشخاص كثيرون يعيشون مما يقرب من الحياة الحيوانية، يبحثون عن القيم المادية، ولهـذا السبب فإنّ حـياة هؤلاء أرذل كثيراً من حياة الحـيوانات، لأنّ القيم المعنوية هي الوحيدة التي تمنحنا الضياء والسعادة».
    فالضياء، وهو نور القيم والأخلاق والدين، لاينبعث من اللذائذ المحرّمة. والسعادة، وهي الشعور بالراحة النفسية والطمأنينة القلبية، لاتتأتّى من خلال المعاصي والذنوب، فكم من الذين يمارسون هذه المتع والشهوات، يحدّثونك عن القلق، وتأنيب الضمير، والرغبة في التخلّص من الحياة، والشعور بالتعاسة الكاملة، فأين هي ثمار لذّاتهم؟!
    فاللذّة الحقيقيّة هي التي يجتنيها الإنسان من الأشياء التي أحلّها الله له، فأكل العنـب مثلاً لذيذ، لكنّ صـناعة مادّة مسكّرة من العنب، قد تجلب لذّة السكر، لكنّها تجلب معه مضار كثيرة، سنتعرّف عليها لاحقاً، أي يصحّ أن نقول عنها أنّها (لذّة آثمة) أو (لذّة محرّمة) أو (لذّة مؤلمة) وحتّى لو لم نشعر بألمها المادِّي، فإنّ ألمها الروحيّ والنفسي كبير.. يكفي أن تشعر أنّك تعصي الله فيما أمرك حتّى تشعر بالألم العميق.
    إنّ القيم والأخلاق والدين عاصم يحفظ لك – بعلامات مروره وإشاراته الضوئية – سلامتك وسلامة الآخرين، ويقيك الحوادث المؤسفة.. وينجيك من المزالق والمطبات والأخطاء.. فهو صمام أمان.. وقارب نجاة. وبدون الإلتزام الديني والخلقي لا يمكن السيطرة على الإنسان. فقد ورد في الحديث: «ولع النفس بالشهوات يغوي ويردي»، وجاء أيضاً: «إذا غلبت عليكم أهواؤكم أوردتكم موارد الهلكة».
    فلابدّ للشاب أو الفتاة من أن يضبطا لذاتهما، ولا يُطلقا لها العنان، أي أن ينفّسا عنها عبر القنوات الطبيعية التي أحلّها الله تعالى، فما من حاجة أساسية وغريزية إلاّ وقد رسم الله طريق تلبيتها من حلال.
    تلفّت يمنة ويسرة لترى أنّ الذين يبحثون عن المتع المنحرفة واللّذّة المحرّمة يعانون من آلام كثيرة، فهم ـ على سبيل المثال ـ ينشدون الهدوء والراحة والسعادة، لكنّهم يعيشون في الواقع الأرق والقلق والهموم والأمراض النفسية التي تعجز عيادات الطبّ النفسي أحياناً عن إيجاد علاج شاف لها، بل تراهم السبب في الكثير من الآلام التي يسببونها لغيرهم. يقول الحديث الشريف: «يستدلّ على شرّ الرجل بكثرة شرهه وشدّة طمعه».

    3- الحرِّيّة والجريمة:
    لا نتحدّث هنا عن الحرِّيّة المنضبطة فهي طموحنا جميعاً، وقد عمل الإسلام على تحرير الإنسان من أي قيد يشلّ إرادته ويغلق عقله، بأن جعله عبداً لله فقط، ورفض أيّة عبودية أخرى، ليعيش الإنسان حرِّيّته في حدود ما رسمه الله له.
    أمّا الحرِّيّة المنفلتة.. أو التي لاتراعي قيداً ولا شرطاً ولا نظاماً، أو تلك التي أباحها القانون الغربي في الجنس والخمر في سنّ معيّنة، فإنّنا لا نعتبرها حرِّيّة، فكلّ ما يعرّض الإنسان والمحيطين به إلى المخاطر والأذى فهو فساد، وهو ليس بحرِّيّة، بل هو قيد واستعباد وأسر.
    فمدمن المخدّرات ـ مثلاً ـ الذي لا يتمـكّن من الإقلاع عنها، مقيّد بقيد شديد، وهو عبد للعقار الذي يتعاطاه، لأنّه يسيّره كما يريد، وهو يستجيب له كلّما ألحّ عليه، مثلما كان يفعل (السيِّد) بـ(العبد) أيّام الرقيق.
    ولذلك فعندما نقرن بين (الحرِّيّة) وبين (الجريمة) فلأنّ هذا هو الذي يحصل الآن، ففي قبال أيّة حرِّيّة مطلقة تجد ثمة جريمة أو عدّة جرائم. فحرِّيّة الجنس تقابلها جرائم: اختلاط الأنساب، الإجهاض، الإغتصاب، الإعتـداء الجنسي على الأطفال، الشذوذ الجنسي، ناهيك عمّا ينجم من ممارسة هذه الحرِّيّة من أمراض أعيت الطبّ في علاجها.
    إنّ من حقّ كلّ شاب وفتاة أن يعيشا إنسانيتهما بلا تعسّف ولا قمع ولا اضطهاد، لكن ليس من حقّهما أن يسيئا إلى هذا الحقّ، فالحـرِّيّة التي يدعو إليها الإسلام وننادي بها ليست التي تنتهي عندما تبدأ حرِّيّة الآخرين فحسب، بل الحرِّيّة التي لا تعدّي ولا ضرر فيها على صحّة وسلامة وأخلاق الفرد نفسه.
    يقول بعض المعنيين بتربية الشباب: «إنّ الذين ينسجمون مع قرارات الخلق، ومعايير المجتمع، إنّما يمتازون بوجدان هادئ وضمير مطمئن، وهؤلاء يتمكّنون من أن يقضوا عمرهم براحة مع سلامة المعنويات وراحة البال. وبعكسهم المصابون بإنحرافات، والذين يميلون إلى الأساليب غير القانونية والأخلاقية والمكبوتون».
    وهذا يعني أنّ الحرِّيّة المنفلتة أو المطلقة لا تحقق السـعادة، كما هو تصوّر بعض الغربيين، وبعض الشرقيين الذين يعيشون الكبت والحرمان، بل الحرِّيّة الملتزمة هي التي تحقق ذلك.

    4- الإرادة والغريزة:
    يشترك الإنسان مع الحـيوان في عدّة غرائز، كغريزة الغضب والعنف، وغريزة الجنس، وغريزة حبّ الطعام، ويختلف عنه في أنّه قادر على السيطرة على غضبه إذا هاج (والكاظمين الغيظ)(آل عمران/ 134). وقادر على التحكّم بفرجه من خلال التعفّف وتوظيف غريزة الجنس فيما أحلّه الله من تشريع الزواج (والّذين هم لفروجهم حافظون * إلاّ على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنّهم غير ملومين * فمَن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون) (المؤمنون/ 5-7). وقادر على التحكّم ببطنه من خلال الصـيام بالامتناع عن الأطعمة المحـلّلة، أو الامتناع عن الأطعمة المحرّمة (كلوا واشربوا ولا تسرفوا)(الأعراف/ 31).
    فـ(الغريزة) عند الانسان كحالة حيوانية، تقابلها (الإرادة) كحالة إنسانية. والإرادة هي التي تحدّ جموحنا، وتقف حكماً حكيماً لحسم صراع الرغبات المتصارعة فينا. ويرى عالم النفس (يونغ) أنّ مقابل كلّ رغبة، وكلّ احساس وعاطفة توجد حالة ضدّ، وهي تكمل إحداها الأخرى، ويسمّي ذلك بـ(قانون التكامل). ويعتقد (يونغ) أنّ الشخص العصبي هو الذي تكون لديه إحدى هذه الحالات أو الإحساسات، أو العواطف المتضادّة من طرف واحد، أي ليس هناك ما ينظّمها أو يكبحها.
    وفي مفاهيمنا الإسـلامية، فإنّنا نصطلح على ذلك بالتوازن والإعتدال، فالإرادة وهي قدرة باطنية تحتاج إلى تدريب وتنمية، هي التي تخفّف من غلواء الشهوة واندفاعها بالاتِّجاهات الخاطئة، فهي كالمقود في السيارة يعيدها إلى الطريق إذا انحرفت عنه، وكالكابح الذي يتحكّم بها عند الإنزلاق.

    5- الشهوة والذلّة:
    كثيراً ما جرّت الشهوة الطاغية إلى ذلّة، حتّى ليمكن القول إنّ الذلّة هي رفيق مرافق للشهوة فلا تتركها لوحدها، والسبب في ذلك بسيط، فالشهوة حينما تستولي على إنسان فإنّها تسترقّه، أي تستعبده حتّى يلبّي نداءها، ولأجل أن يصل إلى إشباع الشهوة أو النزوة أو الرغبة الملحّة، فإنّه يقدّم بعض أو كلّ ماء وجهه أحياناً.
    جاء في الحديث عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): «لا ينبغي أن يكون للمؤمن حاجة تذلّهُ» أي لا ينبغي أن يقع أسير عادة أو إدمان تجعله يضحّي بسمعته وبشخصيّته وبعزّته من أجل نيلها أو بلوغها.
    ففي أحد السجون كان السجين صلباً عنيداً لم يتمكّن الجلاد من انتزاع اعتراف منه، لكنّه لمّا كان مدخّناً مدمناً على التدخين، ألحّت عليه الرغبة في التدخين فانهار واعترف.
    وقد أراد الله العزيز للمؤمن أن يكون عزيزاً دائماً، كبيراً دائماً.. فلا تستصغره الرغبة أو تذلّه الحاجة. ففي الحديث: «لقد فوّض الله للمؤمن أموره كلّها ولم يفوّض إليه أن يكون ذليلاً».
    ولعلّك اطّلعتَ على قصص بعض المدمنين للمخدّرات، ورأيت كيف أنّهم مستعدون للتفريط بكلّ شيء من أجل أن ينالوا جرعة منها، حتّى أنّ بعض الفتيات المدمنات كنّ مستعدّات لبيع أجسادهنّ مقابل الحصول على عقار مخدّر.

    6- الحلال والحرام:
    تمثل الشريعة الإسلامية في داخل كلّ واحد من أتباعها إشارات (المسموح) و(الممنوع).. أي أنّها تخطّط لنا طريق السير في الحياة والسعي في مناكبها، إلاّ أنّ ثمة حدوداً محدودة، اصطلح عليها القرآن (حدود الله) أمرنا أن لا نتعدّاها (تلك حدود الله فلا تقربوها)(البقرة/ 187). ولو تأمّلنا في كلّ (ممنوع) في الشريعة، لرأينا ما يلي:
    أ. أنّه ينطوي على ضرر أو أكثر سواء أدركنا ذلك الضرر أو لم ندركه.
    ب. إنّ المنع ليس لحماية الشخص من نفسه فقط، بل لحماية الآخرين الذين يلحق بهم الضرر أيضاً.
    ج. المنع امتحان لطاعة الإنسان وامتثاله، أو ارتكابه للممنوع جرأة على الله العظيم الذي منعنا فخالفناه.
    د. إنّ ارتكاب أي ممنوع يشجّع على ارتكاب ممنوعات أخرى.
    فلقد اتّضح أنّ بعض المدمنين على المخدّرات كانوا في فترة سابقة من المدمنين على التدخين أو على شرب الخمر.
    ولذا فإنّ ثقافة الحـلال والحرام التي يـتربّى عليها الشاب أو الفتاة منذ وقت مبكر، تفعل فعلها في سلوكهما المتأخر، فإذا أقدما على محرّم تذكّرا أنّه اجتراء وتجاوز وتعدّ على الحدود، وانّه مفسدة لهما ولغيرهما، أي أن يكون لديهما جهاز تحسّس مانع من اقتراف المنـكر، وقد تبيّن من دراسة سلوك المدمنين أنّ أحد أسباب إدمانهم هو ضعف أو إنعدام الشعور الديني الواقي من الإنحراف، أي ضمور الوازع أو الضمير أو ما يسمّى بـ(التقوى).

    7- الأعمال والنتائج:
    ومن الأمور التي تجعلنا نقدم على عمل أو نمتنع عنه هو التأمّل في نتائجه، فإذا كانت طيِّبة وخيِّرة ونافعة أقدمنا عليه، وإذا كانت سيِّئة وخبيثة ومضرّة اجتنبناه، وتلك هي الحكمة في شخصيّة الشاب أو الفتاة، فحساب النتائج عملية عقلية، وهو دليل الوعي والتصرّف المتزن، ولذلك أمر النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) باتباع هذا الإسلوب الحكيم في كلّ عمل نقوم به «إذا هممت بأمر فتدبّر عاقبته فإن كان رشداً فامضِ وإن كان غيّاً فانتهِ».
    فتدبُّر العاقبة، والموازنة بين المفاسد والمنافع، يحدّ من الإندفاع نحو المنكر، فشارب الخمر حينما يقف على النتائج المترتبة على السكر، سيرى أنّها مذهلة ومروّعة ومدمّرة، وقد توقّف بعض المدمنين فعلاً بعد ما اطّلعوا على ما يسبِّبه من فظائع.
    غير أنّ الربط بين العمل ونتائجه قد يكون نافعاً في المراحل الأولى للإبتلاء بآفة من الآفات التي سنأتي عليها، وإلاّ فبعد أن تستفحل الآفة ويستعر أوارها وتأخذ مأخذها من أعصاب المدمن وشهـوته، فإنّه لا يربط بين العمل والنتائج الكبيرة من حيث ما ينتهي إليه من نهايات مؤسفة، وإنّما يربط بين العمل وبين نتائجه الآنية التي يقطف فيها اللذّة التي تشبه عود الثقاب فهي سريعة الإشتعال سريعة الإنطفاء.
    ولعلّ من بين أهم عوامل تدبّر العاقبة، حساب ما يجرّه الإدمان من إثم سيبقى يلاحقه إلى يوم الدين، في حين أنّ اللذّة تفنى وتندثر.

    عوامل إنحراف الشباب:
    بعد التعرّف على بعض المفاهيم التي ترتبط بموضوع الآفات التي تفتك بالشباب، لابدّ أيضاً من التعرّف على العوامل التي تؤدِّي إلى إنحراف الشباب بصفة عامّة، بحيث يلجأون إلى الأساليب الملتوية والضارّة لمعالجة انحـرافهم، وهي عوامل كثيرة نلتقط أهمّها:
    1- التربية الأسرية: فالبيت الذي يضطهد أبناءه، والذي تنخر فيه الخلافات والصراعات الدائمة بين الأبوين، والذي يقع فيه الإنفصال والطلاق، والذي ينشغل عنه أحد الأبوين أو كلاهما في أعمال تستهلك الوقت، أو الذي لا يمارس فيه الأب والأم مسؤولية المتابعة والمراقبة والمحاسبة، والذي يدمن فيه الأب المخدّرات، بيت مرشّح لتسرّب وتسيّب أبنائه وبناته ووقوعهم في أحضان الإنحراف.
    2- رفاق السُّوء: ولهم التأثير الأكبر بعد الأسرة، فإذا وقع الشاب أو الفتاة في قبضة شباب منحرفين أو فتيات منحرفات، فإنّ عدوى الإنحراف سـتنتقل إليهم إن عاجلاً أو آجلاً. ويزداد الطين بلّة إذا كان البيت متصدّعاً من الداخل، فإنّ شلّة (الأصدقاء) ستقوم بدور التعويض السلبي لقيادة الشاب إلى التهلكة.
    فمن خلال قراءتنا لقصص المدمنين اتّضح أنّ أحد أهمّ الأسباب الدافعة إلى الادمان كانت علاقات الصداقة السيِّئة التي زيّنت لهم المنكر.
    3- وسائل الإعلام: وذلك من خلال ما تبثّه أحياناً من أفلام العنف والسرقة والعري والجنس والبحث عن المجد الفارغ، والسلطة القائمة على القهر والابتزاز، وما تروّج له من صور سيِّئة عن واقع الشباب وانغماسهم في الملذّات، وما تبثه من قصص بعض المتشائمين واليائسـين والمحـبطين الذين يجدون ملاذهم في التهام المخدّرات والإقبال عليها بشراهة، وانعدام وسائل التوعية الرشيدة في المقابل.
    4- الوضع المادي: لقد اتّضح من خلال دراسات ميدانية أجريت على عينات من المدمنين أنّ (الغنى) و(الفقر) كلاهما عاملان من عوامل الإدمان، ففي حين يجد الثري المال مبذولاً للاغراق في الشهوات والإقبال على المخدّرات، يبحث الفقير عما يهرب فيه من واقعه، وإذا تورط في تعاطي المخدّرات لسبب أو لآخر فإنّه سيجد نفسه مضطراً للسرقة حتى يحصل على المال الذي يؤمّن له المخدّر الذي أدمنه.
    5- الوضع النفسي المضطرب: والناتج عن فشل في علاقة عاطفية، أو فشل دراسي، أو عقدة نمت وترعرعت في بيت يمارس سلطة خانقة، أو ازدواجية سلوكية، أو إنسحاق أمام سلطة سياسية باغية، أو تكرّر الاحباطات والخيبات، وما إلى ذلك من عوامل الضغط النفسي التي تدفع إلى الإنحراف.

    لائحـة الآفات:
    1ـ آفة التدخين:
    ونبتدئ بالتدخين لا لأنّه الأخطر بين الآفات الأخرى، فكلّ آفة لها درجتها من الخطورة، لكنّ التدخين كثيراً ما كان منفذاً للإدمان على آفات أخرى، فهو النار الصغيرة التي تتلوها خطوات نحو جهنّم.
    ونبدأ به نظراً لشـيوعه بين الشـباب، حتّى أصبح جزءاً من (موضة العصر) أن يدخّن الشـاب ليماشي نظراءه من المدخنين، وليثبت لهم أنّه قد أصبح كبيراً، وها هو يدخل عالم الكـبار من باب الدخان!!
    وللأسف فإنّ الشاب الذي يتصوّر أنّ الرجولة هي (دخان) فانّ رجولته سرعان ما تندثر في الجوّ الإجتماعي كما يندثر الدخان في أوّل هبّة ريح. فللرجولة مقاييس واعتبارات نأمل من كلّ شاب التعرّف عليها من خلال نظرة الدين إلى الرجل، ونظرة المجتمع الواعي المنصف إلى الرجل، فالرجولة علم وأخلاق وعمل وإبداع وبطولة ومروءة، وليس دخاناً تتناثر حلقاته في الفضاء.
    وقبل أن نتعرّف على مضارّ التدخين، دعونا نتعرّف على فوائده.
    فهل في التدخين فوائد؟
    يقول بعض المدخنين إنّه يجلب الراحة النفسية، فأنت حينما تنفث دخان السيجارة، فكأنّك تنفث همومك معها.
    ويقول آخرون أنّ التدخين يساعد على الإنتاج والإبداع والمذاكرة خاصّة بالنسبة للكتّاب والأدباء والطلبة، أي أنّها تخلق جوّاً مساعداً.
    ويقول صنف ثالث، أنّها ـ أي السيجارة ـ عامل من عوامل التسلية والإستمتاع.
    وهذه الفوائد المدّعاة إن هي إلاّ أوهام نفسية يتخيّلها المدخنون، أو يضعونها كمبررات لإستعمال التبغ، وإلاّ ما علاقة نفث الهموم باحتراق السيجارة؟
    ألا يمكن أن نحصل على الراحة النفسية بأساليب أكثر حضارية، وأنفع للصحّة، وأوفر للجيب؟ أليس إستنشاق الهواء الطلق النقي والقيام بعمليات شهيق وزفـير تساعدان على تنقية الرئتين من هوائهما الفاسـد، وبالتالي تنقِّي الدم وتنزاح بعض الهمـوم وينشرح الصّدر؟ هذا فضلاً عن أنّ الأدلّة العلمية تؤكِّد أنّ التدخين لايسبب الإسترخاء ـ كما يتوهّم المدخنون ـ بل يؤدِّي إلى القلق والعصبية والتململ، وكلّها مظاهر تجدها عند عامّة المدخنين.
    ثمّ أين وجه الربط بين الإبداع وبين الدخان؟ وهل كان المبدعون دائماً مدخـنين؟ وهل الإبـداع عملية تأمّل داخلي أم إحتراق خارجي؟ إنّ لحظات الصفاء والتأمّل والتفكير قد تحتاج إلى أجواء نقيّة لا يلفّها ضباب الدخان، فما هي إلاّ العادة تجعل الأديب أو الكاتب يتخيّل أنّ ابداعه قرين سيجارته.
    وهكذا بالنسبة لمن يراها شكلاً من أشكال الإستمتاع في جلسة أو مناسبة عائلية أو اخوانية، فهل عدم المدخن وسائل الإستمتاع الأخرى، فلم يبق إلاّ هذا التسميم للجوّ المحيط وللجوّ الداخلي للرئتين؟!

    مضارّ التدخين ومخاطره:
    1- إنّ مكوّنات السيجارة ـ كما يقول الخبراء ـ هي: (الاسبتين والأمونيا) اللتان تدخلان في تكوين المنظفات، و(البوتان) وهو نوع من أنواع الوقود الخفيف، و(الميثانول) الذي يدخل في صناعة وقود الصواريخ، و(أوّل أوكسيد الكربون) الذي يخرج من عادمات السيارات، و(النيكوتين) وهو المادّة المسؤولة عن حدوث الإدمان في التدخـين، كما ثبت أنّها مادّة مسرطنة، و(القار) وهو المادة المستخدمة في رصف الشوارع!!
    2- التدخين يزيد من خطر الإصابة بما يلي: السكتة الدماغية، الأزمات القلبية، الربو الشعبي، التهاب الشعب الهوائية، النفاخ الرئوي، تمدّد الشعب والحويصلات الهوائية في الرئة، وسرطان الرئة.
    3- التدخـين يسهم في الإصابة بتصلّب الشرايين، وارتفاع ضغط الدم، ويزيد من خطرهما على القلب والمخ، ومختلف أجهزة الجسم.
    4- التدخين يسبب فقدان الشهية.

    أرقام مخيـفة:
    - إنّ الأمراض التي يسببها ألف طن من التبغ تتطلّب علاجاً تقدّر تكاليفه المادية بحدود (11) مليون دولار أميركي.
    - يؤكّد أطباء الرئة في برلين أنّ شخصاً واحداً يموت في العالم كلّ ثمان ثوان بسبب التدخـين. كما أنّ هناك حوالي (4) ملايين شخص يموتون سنوياً في سن مبكرة من جرّاء ذلك. جاء ذلك في مؤتمرهم السنويّ الأخير.
    - يقدّر علماء بريطانيون من فريق علمي تابع لجامعة بريستول في انجلترا أنّ كلّ سيجارة تقتطع في المتوسط (11) دقيقة من عمر المدخنين الذكور. وأشار الفريق إلى أنّ أعمار المدخنين تقلّ بنحو ستّة أعوام ونصف عن أعمار غير المدخنين.
    - خطر التدخين يشتد بدرجة كبيرة لدى الشباب والصبية الذين يتورّطون في هذه العادة السـيِّئة تقليداً للكبار وإثباتاً للرجولة، ذلك أنّهـم يتعرّضون للأزمات القلبية، والسكتات الدماغية في الثلاثينيات والأربعينيات.
    - الدخان المنبعث من أنوف المدخنين وأفواههم يلوّث الهواء الذي يستنشقه غير المدخنين، فيتعرّضون لنفس المخاطر التي تهدّد حياة المدخنين. ويعرف ذلك بـ(التدخين السلبي)، وهو يمثِّل إعتداءً صارخاً على حقّ غير المدخنين في إستنشاق هواء نظيف خال من التلوّث، ويجعلهم مدخنين رغم أنوفهم.
    - ازداد عدد المدخنات عشرات الأضعاف، حيث تتصور المرأة أنّ التدخين مظهر من مظاهر الحرِّيّة الشخصية، وأنّه يضعها على قدم المساواة مع الرجل.
    - ينفق الكثيرون حوالي نصف دخلهم في شراء السجائر التي يدخنونها.
    - تشير الأدلّة إلى أنّ السجائر التي تباع في الدول النامية تحتوي على ما يقرب من ضعف كمِّية القطران والنيكوتين الموجودة في مثيلاتها في أوروبا وأميركا.
    - تؤكِّد البحوث أنّ ثلث المدخنين ـ على الأقل ـ يلقون حتفهم بسبب التدخين.
    - يقول الخبراء: ليس هناك أيّ أمل في العثور على سيجارة مأمونة العواقب.
    - إنّ الوقت الإضافي الذي يضيّعه المدخنون يقلّص معدل الإنتاج.
    - حسب منظمة الصحّة العالمية، فإنّ التدخين مسؤول بشكل مباشر عن نسبة 30% من الوفيات بالسرطان.
    - توصّل عدد من الباحثين الأميركيين إلى أدلّة جديدة على أنّ تدخين الاُم أثناء الحمل يزيد من إحتمالات أن يدخّن طفلها في سن صغيرة!
    - تحتوي السجائر على أعلى تركيز من القطران، يليها السيجار، ثمّ دخان الغليون والنارجيلة.

    كيف يحدث الإدمان؟
    يقول الخبراء المختصّون والأطبّاء: «خلال عشر ثوان فقط من إستنشاق الدخان من السيجارة تدخل جرعة من النيكوتين مباشرة وبسرعة إلى المخ. وهذا الإندفاع يؤدِّي إلى إفراز عدد من المواد في المخ. ومع مرور الوقت يودِّي وجود هذه المواد في المخ، خاصّة الدويامين والنورأدرينالين، إلى أن يصبح المدخّن مدمناً على النيكوتين».
    يقول د. كريس سيتل وهو ممارس عام في مدينة مانشيستر البريطانية، وخبير في التدخين، أنّ معظم المدخنين لا يواصلون التدخين بحكم العادة، ولكنّهم يفعلون ذلك لأنّهم أصبحوا مدمنين على النيكوتين.
    إنّك حين تضعف فلا تقول (لا) لمدخّن يقدّم لك سيجارة.. فإنّك تقضي على نفسك بأن تضع قدمك على طريق الإدمان.
    لا تقل: (واحدة فقط) أو (القليل لا يضرّ) أو (هذه المرّة لا بأس) أو (هذا مجرّد تسلية) أو (الكثير من أصدقائي يفعل هذا.. هل بقيت عليَّ ؟) فهذه هي المقدّمات التي جرّت إلى الإدمان.

    يتبع

  • #2
    مكافحة التدخين وتحريمه:
    هناك عدّة إجراءات اتّخذت لمكافحة التدخين، لكنّنا لا نعتبر الإجراء الذي اتّخذته شركات الدخان في الكتابة على علبة السجائر (التدخين يضرّ بصحّتك ننصحك بالإمتناع عنه) منها، ذلك أنّ هذه العبارة ـ إذا كان هناك مَن يقرأها من المدخنين ـ ليست إلاّ عبارة ترغيب، فحال علبة السجائر الجميلة حال الفتاة المتبرّجة التي تقول لك لا تقترب منِّي.. إنّها تدعوك إليها بصدّها عنك.
    فمن الإجراءات المتّخذة، محاصرة المدخنين في كلّ مكان، حيث تتّسع رقعة الأماكن التي تحظر التدخين ولم تعد المواصلات والمطارات والمدارس ودورات المياه وحدها التي لا تسمح بالتدخـين، بل المصانع والمتاجر والمساجد وغيرها، وهو إجراء جدير بالتقدير على الأقل بالنسبة لحديثي العهد بالتدخين، وإلاّ فالمرء حريص على ما مُنع..
    ومنها إعلانات تلفزيونية تظهر مضار التدخين بشكل مصوّر وحيّ، ومنها خطوط هاتفية مجانية، ومواقع على شبكة الانترنيت، لتقديم المساعدة للأشخاص الراغبين في الانقطاع عن التدخين. ومنها اخـتراع لعلبة سجائر ناطقة تطلق تحذيراً للمـدخِّن من الإصابة بالسرطان فور فتح العلبة. ومنها وضع صور لأعضاء بشرية تالفة جرّاء التدخين على علب السجائر، ومنها زيادة أسعار السجائر لتقليل مبيعاتها.
    ومع تحفّظنا على الإجراءات التي لم تتخلّ عن (علبة السجائر) فإنّنا نرى أنّ هذه المكافحة الإعلامية لا تفعل فعلها، أو ربّما تؤدِّي إلى نتائج متواضعة محدودة، ما لم يبادر المدخن نفسه إلى اتّخاذ القرار المناسب وهو العزم على الإقلاع عن التدخين، وتنفيذ العزم وعدم التراجع عنه، فهذا هو الإجراء الأهم.
    أمّا الرأي الشرعي في مسألة التدخين، فنأخذ منه القول بالحرمة، حيث يستند القائلون بالتحريم إلى قوله تعالى: (يحلّ لهم الطّيِّبات ويحرِّم عليهم الخبائث)(الأعراف/ 157). معتبرين التدخين من الخبائث.
    ومنهم مَن يستند إلى قوله تعالى: (يسألونك عن الخمر والميسر قُل فيهما إثم كبير ومنافع للنّاس وإثمهما أكبر من نفعهما) (البقرة/ 219). فكلّ ما كان إثمه وضرره أكبر من نفعه فهو حرام. وضرر التدخين ـ كما هو ثابت طبِّياً ـ أكبر بكثير من منافعه. وإذا عرف الإنسان بأنّ التدخين سوف يوقعه في مرض مميت ولو بعد عشر سنين، بحيث صار لدى الأطباء واضحاً أنّ التدخين يؤدِّي إلى التهلكة فعندئذ يحرم إستعماله.
    وقد وصل الأمر ببعض الفقهاء إلى إصدار فتوى يحق للزوجة فيها الطلاق إذا تضرّرت من تدخين زوجها.
    ويشير الفقهاء أيضاً إلى مخاطر التدخين السلبي، وهو إستنشاق الدخان من قبل غير المدخنين، والذي يقال إنّ ضرره أكثر من التدخين ذاته، ويرون أنّ الحرمة تأتي من ضررين: ضرر شخصي يصيب المدخن نفسه، وضرر إجتماعي يصيب المحيطين به. فلو كان المدخن في غرفة أو سيارة أو مصعد ومعه شخص أو شخصان أو أكثر فلا يجوز له التدخين لأنّ المكان مشترك، فكما أنّ له حقاً فيه فإنّ لهم فيه حقاً أيضاً.
    والغريب أنّ أغلب المدخنين يدركون خطر التدخين، وتراودهم الرغبة في الإقلاع عنه، وقد يحاولون ذلك مراراً لكنّهم يضعفون أمام السيجارة، الأمر الذي يعني الترك غير الجاد،
    وغير النابع من الإرادة، وإلاّ ففي الحديث «ما ضعف بدن عمّا قويت عليه النيّة». والنيّة هنا هي الإرادة.
    وقد وضع بعض المهتمين في علاج التدخين طريقة للإمتناع عنه تقوم على التخطيط للإقـلاع، وتحـديد تأريخ لهذا الإقلاع، والتفكير الدائم بالأمور التي تجعله تقلع عنه، كأن يكتب الأشياء التي يكرهها في التدخين، والأخرى التي يحبّها فيه، والأخرى التي يكسبها منه ليوازن ويقارن بينها. وأن يتحدّث مع مَن يستطيعون مساعدته كالطبيب والصيدلي والمرشد الصحّي.
    وإذا كنتَ تدخن مع القهوة فجرّب مشروباً آخر حتى لا تحصل حالة اقتران، وابحث عن المنتجات التي تحلّ محل النيكوتين، وتفاخر بإقلاعك عن التدخين، بل وكافئ نفسك على تركه.. أطفئ السيجارة بسحق عقبها، وارم بعيداً مطفأة السجائر والولاعات.
    هذا وقد أكّدت دراسة طبّية عالمية أنّ التحسّن في صحّة الفرد يبدأ فور إقلاعه عن التدخين، وأنّ هناك تغييرات فسيولوجية واكلينيكية إيجابية تطرأ على الدم ووظائف الجسم بعد عشرين دقيقة فقط من إطفائه للسيجارة، وانّ الدم يتخلّص من النيكوتين بعد (8) ساعات، موضّحة إنّ الآثار السلبية للتدخين تختفي تماماً من جسم المقلع عن التدخين بعد عشر سنوات، حيث يصبح كما لو أنّه لم يدخّن من قبل.

    2- آفة الخمر:
    الآفة الثانية التي تفتك بالشباب، فتعطّل عقولهم وتتركهم في غيبوبة، هي الخمر، وهو في اللّغة «كلّ ما خامر العقل وحجبه». وقد حرّمها القرآن في قوله تعالى: (إنّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشّيطان فاجتنبوه) (المائدة/ 90). والرجس كلّ ما اشتدّ فحشه وقبحه.
    هذا الرجس وهذه الآفة والطامّة الكبرى، لها أضرار كثيرة، نذكر منها:
    أ. يساعد على تسبب جلطات القلب والذبحة الصدرية وخاصّة مع التدخين، فكلتا المادتين تساهم في انسداد الشرايين التاجية، فالخمر يرسّب الدهون والكلوليسترول، والدخان يسبب إنقباض الشرايين وتضييق مجراها، والخمر، علاوة على ذلك، يصيب عضلة القلب بالتسمّم.
    ب. يقضي على حيويّة المعدة حيث يصيبها بالقرحة، ويؤذي الكبد أيضاً.
    ج. يؤدِّي أحياناً إلى الإصابة بالجنون وإلى الإنتحار لما يسبّبه من آلام عصبية.
    د. يكسـب الطبع صفة الخبث ويذهب الحشمة والوقار والإحترام.
    هـ. يوقع العداوة والبغضاء، ويصدّ عن ذكر الله وعن الصلاة وعن الواجبات الدينـية الأخرى، وذلك قوله تعالى: (إنّما يريدُ الشّـيطانُ أن يوقعَ بينكم العـداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدّكم عن ذكر الله وعن الصّلاة فهل أنتم منتهون) (المائدة/ 91)؟!
    و. الهلوسات التي تعتري المخمور .
    ز. الرجفة والصرع والقيء والأرق.
    ح. إلتهاب المخ والإصابة بضعف الذاكرة.
    ط. الشكّ في الزوجة الفاضلة.
    ي. الإعتقاد بأنّ كلّ الناس ضدّه.
    ك. الضعف الجنسي.
    ل. يتسبّب في أمراض العضلات.
    م. يتسبّب في العمى.
    ن. وإذا شربته الحامل فإنّ الجنين يمكن أن يصاب باضطرابات مختلفة وتشوّهات، وتأخير في النمو الجسمي والنفسي والذكاء.

    أرقام مخيـفة:
    - إنّ شرب القليل من الكحول، ولو على فترات متباعدة، يؤدِّي مع مرور الوقت إلى الإنحدار إلى هوّة الإدمان.
    - يقول د. أوبري لويس ـ رئيس قسم الأمراض النفسية في جامعة لندن ـ وذلك في أكبر وأشهر مرجع بريطاني (مرجع برايس الطبّي): «إنّ الكحول هو السمّ الوحيد المرخّص بتداوله على نطاق واسع في العالم كلّه. ويجده تحت يده كلّ مَن يريد أن يهرب من مشاكله، ولهذا يتناوله بكثرة كلّ مضطرب الشخصية، ويؤدِّي هو إلى اضطراب الشخصية ومرضها».
    إنّ جرعة من الكحول قد تسبّب التسمّم. أمّا شاربو الخمر المدمنون فسيتعرّضون للتحلل الأخلاقي الكامل مع الجنون.
    - كان الأطباء في الأزمنة الغابرة يزعمون أنّ للخمر بعض المنافع الطبّية، ثمّ أبطلت الإكتشافات العلمية تلك المزاعم، وتبيّن أنّها أوهام.
    - تستخدم الخمرة في بعض البلدان كفاتح للشهيّة لأنّها تزيد من إفراز حامض المعدة، لكنّها بعد فترة تسبب إلتهاب المعدة.
    - إنّ الدفء الذي يستشعره شارب الخمر ليس إلاّ وهماً، فالخمرة توسّع الأوردة الدمويّة التي تحت الجلد فيشعر المخمور بالدفء الكاذب.
    - إنّ أولاد مدمني الخـمر يكونون في الغالب مدمنين وتكثر فيهم نزعة الإجرام، كما يكثر فيهم الخلل العقلي والعته والجنون.
    - المدمنون للخمور في العالم يعدّون بعشرات الملايين.
    أليست خسارة فادحة أن تتعطّل عقول بهذا الكمّ الهائل في حين يمكن أن تقدّم ـ لو كانت في كامل وعيها ـ خدمات نافعة وجليلة للبشرية؟!

    خطر الخمر وتحريمه:
    وكما عرفنا من رئيس قسم الأمراض النفسية في بريطانيا من أنّ الكحول أو (الغول) كما يحبّ البعض أن يسمِّيه، هو السمّ الوحيد المرخّص بتداوله عالمياً، الأمر الذي يجعله سمّاً مسموحاً، ولذلك تراه يباع في أسواق المسلمين بحجّة أنّه يقدّم لغير المسلمين، وكأنّنا مسؤولون عن تقديم الخـمر لمن يستحلّه؟! ثمّ مَن قال إنّ ذلك لا يشجع بعض المسلمين على تعاطيه؟!
    وقد لعبت الأفلام السينمائية دوراً آخر في التشجيع على تعاطي الخـمر، فلقد صوّرته وهو يقدّم في المناسبات والفنادق والملاهي وكأنّ المناسبة لا تحـلو إلاّ به، ثمّ أنّ غالبية الذين يتعاطونه من الأثرياء والوجهاء ممّا يعطيه قيمة في نظر بعض مَن في قلوبهم مرض، مثلما لعبت الروايات الأجنبية المترجمة دوراً في تصوير الخمر على أنّه (نشوة الحبّ) و(سرّ الإبداع) والشراب الذي يقابل في أهميّته الماء!
    والخمر محرّم بنصّ القرآن الكريم، وقد جاء عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): «كلّ مسكر حرام، وكلّ خمر حرام» أي أنّ كلّ مسكر خمر. وروي عنه أنّه قال: «ما أسكر كثيره فقليله حرام». وأنّ الله حرّمها لعاقبتها، فما كان عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر. وقد لعن (صلى الله عليه وآله وسلم) الخمر وعاصرها ومعتصرها وبائعها وشاريها وساقيها وآكل ثمنها وشاربها وحاملها والمحمولة إليه. وقد أمر المسلم بمقاطعة مجالس الخمر، ومجالسة شاربيها، وذلك من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإذا لم يستطع إزالة المنكر فليبتعد عن المنكر. فعنه (صلى الله عليه وآله وسلم): «ملعون ملعون مَن جلس على مائدة يُشرب عليها الخمر».
    وسُئِل الإمام الصـادق (عليه السلام) عن التداوي بالخمر، فقال: «ما أحببت أن أنظر إليه ولا أشمّه، فكيف أتداوى به؟!».
    وسأله رجل عن الخمرة كدواء لا كلذّة، فقال: «لا ولا جرعة، قيل: ولِمَ؟ قال: لأنّه حرام، وإنّ الله لم يجعل في شيء ممّا حرّمه دواء ولا شفاء».
    وقال له أحدهم: إنّ بي وجعاً، وأنا أشرب النبيذ، وقد وصفه الطبيب لي، فقال له: ما يمنعك من الماء الذي جعل الله منه كلّ شيء حيّ؟ قال: لا يوافقني. قال: ما يمنعك من العسل الذي قال الله شفاء للناس؟ قال: لا أجده. قال: فما يمنعك من اللبن الذي نبت منه لحمك واشتدّ عظمك؟ قال: لا يوافقني. قال: أتريد أن آمرك بشرب الخمر، لا والله لا أسرّك». أي لا أرخّصك باستعماله.
    وما يقال عن الخمرة يقال أيضاً عن (البيرة) فهي خمر أيضاً. فلقد سُئِل الإمام الرضا (عليه السلام) عن (الفقاع) أي البيرة، فقال: «حرام، ومَن شربه كان بمنزلة شارب الخمر، وقال: هي خمرة استصغرها الناس».
    ومن اسـتصغارهم لها تراهم يضعونها في المطاعم والمقاهي والاكشاك وعربات الباعة المتجولين جنباً إلى جنب مع علب المشروبات الغازية، ولا يجد شاربها غضاضة أو حرجاً فهو يتعاطاها مفتخراً وكأ نّه يشعر بالامتياز على الناس.
    وحسبنا ما حدّده الله سبحانه وتعالى من مخاطر الخمر ومساوئها:
    أ. إنّها توقع العداوة والبغضاء بين شاربها وبين الناس.
    ب. إنّها تصدّ عن ذكر الله لأنّ شارب الخمر لا يعود ـ بعد أن يصبح ثملاً ـ يتذكّر من دينه شيئاً.
    ج. إنّها تصدّ عن الصلاة، ولذلك قال تعالى في مرحلة من مراحل التحريم (لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى حتّى تعلموا ما تقولون)(النساء/ 43). فالسكران لا يعلم ما يقول، والصلاة تتطلّب حضور وعي الإنسان وعقله وقلبه، والسكر يطمس ذلك كلّه. وقد ورد عن الإمام علي (عليه السلام) قوله: «فرض الله ترك شرب الخمر تحصيناً للعقل».
    إنّ عقلك هو أثمن ما فيك، وإذا رأيت مجنوناً حمدت الله أن لم يبتلك بما ابتلاه به، لما تراه من أثر الجنون الذي يقلب الإنسان إلى هيئة مثيرة لضحك الآخرين وشفقتهم.. عقلك هذا يندثر ويغيب أثناء السكر، فتصبح كالمجنون بل أسوأ.
    فهل عاقلٌ يرضى أن يبيع عقله بالجنون؟
    ذلك هو شارب الخمرة؟
    والجدير بالذكر، انّ الولايات المتّحدة الأميركية نظّمت في القرن الثامن عشر حمـلة على المشروبات الكحولية، فأصدرت قانوناً بحظرها، وكان من نتائج ذلك المساعدة على: أ. السلامة العامّة. ب. سعادة المجتمع. ج. تطور الصناعة. د. زيادة القدرة الشرائية. هـ. تقلّص حوادث السير. و. إنخفاض عدد السجناء. ز. إنخفاض عدد الأطفال سيِّئي السلوك. ح. إنخفاض نسبة الوفيات.
    هذه تجربة..
    لكنّ تجـّار الخـمور، ومثلهم تجّار المخدّرات بصفة عامّة لم يسـتطيعوا الصبر على ما يجنـونه من أرباح طائلة في مقابل منح الشباب الجنون، فبذلوا قصارى جهدهم ليعيدوا لهذا السمّ اعتباره.. وما للخمر من اعتبار أو قيمة.

    3- آفة المخدّرات:
    إنّ (الإدمان) ـ حسب تعريف منظمة الصحّة العالمية ـ هو: «نمط سلوكي لإستخدام عقار يتميز بالإنغماس في استخدامه وشراهة البحث عنه، والقابلية العالية للإرتداد بعد إنسحاب الأثر الطبي له».
    ومن هذا التعريف نفهم أنّ الإنغماس في أي مخدر وتعاطيه باستمرار يجعل متعاطي المخدّرات شرهين يبحثون عنه بكل وسيلة، بل إنّ العلاج الطبّي مهما طال فإنّه سوف يفقد تأثيره مع عودة المدمن إلى إدمانه أو إلى تعاطيه المخدر من جديد، وكأنّه يبدأ من نقطة الصفر.. فتأمّل.
    ولا نريد أن نخوض في نوعية كلّ مخدّر، فالمخدّرات كلّها سواء (الحشيش أو الكوكايين، أو الافيون، أو القات أو الترياك) تذهل عن الواقع، وتجعل متعاطيها يهيمون في وديان الخيال المريض، ويعانون خدراً في الأعصاب يصل إلى درجة الإرتعاش والضعف والهبوط في الصحّة والتميّع في الأخلاق، فالمخدّرات مسكّرات، وهي محرّمة أيضاً.

    لماذا الإدمان؟
    تتراوح أسباب تعاطي المخدّرات بين: الهروب من الواقع، تقليد الأصدقاء، الفضول، الفراغ، القدرة المالية، الرغبة في زيادة الإثارة الجنسية.
    وتلعب الأفلام دوراً مخـرّباً في هذا الجانب، فحتّى الأفلام العربية التي تعاملت مع قضيّة المدمنين طرحت شخصية المدمن كإنسان سعيد وقوي وصاحب ثراء ولا يهمّه ما يحدث له.
    والإدمان هو حالة متطوّرة وخطرة للإعتياد الذي يبدأ رغبةً في إستعمال مادّة ما، والإحساس بالراحة بعد ذلك، ثمّ تستحيل إلى رغبة ملحّة للحصول على عقار معيّن وطلب الزيادة في كمِّيّته.
    ففي الإدمان تلعب الأمور التالية دورها في جعله نمطاً سلوكياً: أ. تركيب المادة. ب. توافرها. ج. ثمنها، فالرخص يزيد الإدمان. د. نظرة المجتمع، فتساهله يشجّع على الإدمان. هـ. وجود الإستعداد. و. شخصية المدمن. ز. عقاب الذات.

    سمات المدمنين:
    يصف بعض المختصّين المدمن بما يلي:
    أ. انطوائي ـ انعزالي. ب. مهمل لنفسه. ج. كسول متثائب. د. شاحب متعرّق. هـ. فاقد للشهية هزيل. و. هائج لأدنى سبب. ز. مهمل للأمور الدينية. ح. غير منتظم في دراسته. ط. مهمل للرياضة وللثقافة. ي. يلجأ إلى الكذب. ك. يسرق من البيت. ل. معاد مكتئب.
    ويفيد بعض مَن أشرفوا على علاج المدمنين أنّ السّر في إنتشار إدمان الافيون والمخدّرات بين المراهقين الذكور، هو أنّ هذه المواد تعمل على تسكين مشاعرهم الجنسية والعدوانية، لكنّها من جانب آخر تقتل فيهم كلّ صفة إنسانية طيِّبة.
    ونظرة يلقيها كلٌّ منّا على صفات المدمن لابدّ أن تجعله يهرب من هذه الآفة هروبه من الوحش المفترس. فماذا يتبقّى يا ترى من صفات الشاب الممتلئ حيوية ونشاطاً واستقامة وإبداعاً وإيماناً وإقبالاً على الحـياة، إذا تحوّل إلى أشلاء إنسان أو أطلال شاب يعيش الإنطوائية والإهمال والكسل والشحوب والإرتعاش والهزال والهيجان واعتماد الكذب والسرقة والإحتيال والعدوان؟!

    أرقام مخيـفة:
    أ. تعاطي المخدرات يؤدِّي إلى الغثيان، وإلى تقلّص عضلات المعدة والأمعاء، وإلى الامساك، وتقلّص عضلات الشعب الهوائية، والقيء، وإفراز العرق، والحكّة في الجلد، وانخفاض ضغط الدم، والبلادة، وصعوبة التفكير، وفقدان الذاكرة.
    ب. 30% من عينة اُجريت على (100) مريض من مدمني الهيرويين في بلد مسلم، اتّضح أنّ لديهم ميولاً إجرامية، و50% يتّصفون بميول عصبية ونفسية، و85% مقياس الكذب مرتفع لديهم للغاية.
    ج. المدمن لا يهتم بالقيم الإجتماعية، وعلاقته بأسرته سيِّئة، وهو يقبل الخطيئة والرذيلة بصدر رحب، فالهيرويين مثلاً يذيب الضمير لدرجة أن يبيع المدمن اُخته واُمّه ويسرق والده أو يقتله.
    د. كثيراً ما يحـصل أنّ الفتاة المدمنة تبيع جسدها مقابل الحصول على المخدّر الذي أدمنته.
    هـ. يجد المدمن متعة ولذّة في الايقاع بأي زميل أو أخ أو صديق حتّى يصبح مدمناً مثله.
    و. عند دخول الهيرويين للمخّ تحدث بؤرة مقـرّبة تحطّم كلّ الدوائر الكهربائية المسؤولة عن القيم والتقاليد والأخلاق، ومن ثمّ الإنحدار إلى الجريمة، ويعتمد إطفاء هذه البؤرة على الابتعاد والعزل عن مسرح الهيرويين وقرناء السُّوء.
    ز. 98% من متعاطي الهرويين سبق أن استخدموا السجائر والحشيش ومحاولة شرب الخمر.
    ح. المدمن يتعرّض أكثر من غيره إلى:
    - تفتت في الكبد.
    - سرطان الرئة بأربعين مرّة.
    - تلف الكليتين.
    - أورام مشوّهة.
    - مرض السكّري.
    - الأمراض العضلية والعصبية.
    ط. تتعرّض الفتاة المدمنة ـ بالإضافة إلى تلك الأعراض والأمراض ـ لإضطراب في العادة الشهرية، وإلى الرضوخ لكلّ ما يطلب منها كلّما شعرت بالحاجة إلى المخدّر.
    ي. تتسبّب المخدّرات بالجرائم التالية:
    - الهجوم المسلّح على الأشخاص.
    - السطو على البيوت.
    - القتل.
    - الإغتصاب.
    - سلب سائقي سيارات الاُجرة.
    - سرقة حقائب النِّساء.

    حقيقة علمية:
    اكتشف العلم أنّ المخ البشري يفرز أنواعاً من المخدّرات الطبيعية ليخفّف من شدّة الألم النفسي والجسدي لصاحبه، وتسمّى مجموعة المخدّرات التي يفرزها المخ (الأندروفين والانكفالين). وتوجد ملتصقة على مناطق معيّنة من سطوح الخلايا العصبية في مراكز المخّ خصوصاً مراكز الألم والخوف والإنفعالات.
    وما دامت هذه المواد تغطّي السطوح فإنّ مخّ الإنسان يكون هادئاً ويعمل بروية وحكمة. أمّا إذا زالت هذه المواد أو نقصت، فإنّ خلايا قشر المخ تتأثر وتضطرب وتحدث أزمات ألم وأزمات نفسية مختلفة.
    واستعمال العقاقير المخدّرة والمهدّئة (المورفين، والافيون، وغيرهما) يوقف إفراز هذه المواد الطبيعية من الخلايا المتخصّصة، وتحلّ المواد المستعملة محلّها كاستعاضة لابدّ منها، وتقوم بالتالي بعملها المهدِّئ والمسكِّن، وبتـكرار الاعتماد عليها يتوقف الإفراز الطبيعي كلية، وكأ نّما استراحت الخلايا المتخصّصة من هذا العناء المكلف، وبناءً عليه يصبح الإنسان أسيراً لهذه المواد، ولا يستطيع فكاكاً منها. وذلك أحد المـبررات التي تدفع البعض إلى تصوّر استحالة علاج المدمن.

    كيف نواجه المخدّرات؟
    1- نظراً لتأثير المخدّرات على عقل وصحّة الشباب الجسدية والنفسية والروحية، فقد اعتبر الفقهاء اللجوء إليها، أو تعاطيها، ظلماً للنفس وظلماً للغير، ولذلك فهي محرّمة حرمة سائر المسكّرات، إذ لا فرق بين المسكر المائع أو المسكر الجامد.
    2- إنّ (الصراحة) و(الوضوح) و(التفاهم) و(التراحم) بين أعضاء الاُسرة يدفع إلى الإستقرار النفسي والإجتماعي للاُسرة، فلقد اتّضح أنّ 70-90% من الأحداث المنحرفين انحدروا من بيوت غلب عليها التناقض وعدم الإنسجام واضطراب العلاقة بين الوالدين.
    3- ضرورة إعتماد أسلوب (الوقاية خير من العلاج) بتخفيف الأسباب التي تؤدِّي إلى الإدمان، وإلى تشخيص الحالات مبكراً وعلاجها في المهد، وتأهيل المرض بعد العلاج.
    4- للتربية الدينية تأثيره الكبير والفاعل والنفّاذ في زرع الوازع الديني الذي يأبى كلّ مضرّ بالصحّة الخـاصّة والعامّة، فلقد لوحظ أنّ المتردِّدين على بيوت الله (المساجد) والممارسين للعبادات بشكل منتظم، والذين غرس آباؤهم في نفوسهم إحترام الضمير منذ الصغر لا يقربون هذه المنكرات.
    5- عزل المدمنين الذين في بداية تورّطهم عن البيئة المدمنة، وعن قرناء السُّوء، حتى لا يزداد الطين بلّة، ويتعذّر أو يصعب العلاج.
    6- الإحتجاج على كلّ وسيلة إعلامية تروّج بطريق مباشرة أو غير مباشرة للمسكرات أو المخدّرات، ومقاضاتها إذا دعا الأمر وكانت هناك إمكانية لذلك. وفي المقابل لابدّ للإعلام المسؤول أن يمارس دوره في المعالجة بعرض قصص المدمنين، وتبيان ما جرّه عليهم الإدمان من مصـائب وويلات، والكشف عن مشـاعرهم العميقة بالندم والتوبة.
    7- إنّ شعار (الموت لمهربي المخدّرات) الذي رفعته (ماليزيا) كبلد ابتلي بالمخدّرات وبتجّارها وبمدمنيها، يستدعي سن قوانين صارمة لإعدام كلّ مهرب ومتاجر بالمخدّرات في كلّ بلد من بلدان المسلمين.

    4- آفة الجنس:
    وهي آفة لاتقلّ خطورة عن المسكّرات والمخدّرات، وقد أخذت تنتشر في مجتمعاتنا بسبب تدهور قيم الدين والأخلاق والعفّة والاحتشام والإلتزام.
    ولنقف أوّلاً عند هذه الأرقام المخيفة:
    أ. مدمنو المواد الاباحية غالباً ما تصبح أحوالهم مثل مدمني المخدّرات والمسكرات، فبعد حين يجدون أنّهم لا يتمالكون أنفسهم أمام هذا البلاء، وهم على استعداد لإفناء أموالهم من أجل إشباع غرائزهم.
    ب. تشير أغلب الإحصائيات إلى أن معظم المراهقين والشبان الذين يراجعون بيوت الدعارة هم من الذين يعانون من أمراض عصبية واختلالات نفسية والجبناء وعديمي الشخصية.
    د. إنّ المبتلين بالفحشاء لا يجدون لعملهم من معنى، إذ أنّهم يؤدّونه بلا رغبة، كما أنّهـم يصابون بالكآبة من بعده، وانّهم منقطعون عن المستقبل ولا يفكرون فيه.
    ج. هناك العديد من النوادي والكازينوهات التي تطرح في الواجهة عنواناً عامّاً، لكنّها في الحقيقة مواخير للدعارة، وقد ذهب بعض الشبّان والفتيات ضحايا ارتيادها.
    و. تفيد إحصاءات وزارة العدل الأميركية بأنّ تفشّي وسائل الدعارة من الأسباب المباشرة في تفشّي أنواع أخرى من الجرائم والمآسي الاجتماعية ومنها: جرائم الممتلكات، والإغتصاب، والقتل الجماعي، أي تطوّر الجرائم الجنسية إلى تعذيب وقتل.
    ز. الدعارة مهنة مسموح بمزاولتها في العديد من البلدان الإسلامية إمّا صراحة بنصّ القانون الذي يحمي العاهرات ضد أي مضايقات، أو دون تشريع.
    ح. برزت ظاهرة هروب الفتيات من أسرهن لأسباب كثيرة، منها: التفسّخ العائلي وسوء التربية، والحالة الاقتصادية المتدهورة، وإغراء رفيقات السُّوء، وبرامج التلفزيون والمسلسلات، وقد انجرفن إلى هاوية البغاء.
    ط. أيقن الخبراء بجدّية أنّ المخدّرات، أو حقن الهرويين بالإبر هو سبب رئيسي لإنتشار مرض الإيدز الذي لايترك فرصة للنجاة.
    هذا الواقع المزري ما هي أسبابه؟
    أ. انتشار حالات المعاشرة بين الجنسين دون وازع أو ضابط أو التزام شرعي.
    ب. انتشار ظاهرة العادة السِّرية (الإستمناء) كتعبير عن عدم القدرة على ممارسة الجنس بشكل شرعي، ونتيجه ضغط الشارع المتبرّج والأفلام الهابطة.
    ج. شيوع حالات الإجهاض.
    د. انتشار المثلية الجنسية (اللواط) و(السحاق).
    هـ. انتشار الجرائم الجنسية: إختطاف، إغتصاب، إعتداء ثمّ قتل، ممارسة الجنس مع الأطفال والقصّر.
    و. التبرُّج وخروج الفتاة نصف عارية.
    ز. المعاكسة اللفظية والفعلية في الطريق أو قبالة مدارس البنات، أو في الهاتف أو عبرَ مقاهي الانترنيت.
    ح. السماح لدخول المحارم إلى البيوت بحرِّية، فصديق الأخ قد يجد فرصته في إقامة علاقة مع اُخت صديقه، وأصدقاء العائلة من الشبان وأبناء الجيران الذين يتردّدون عليها بلا تكلّف ولا حواجز وأحياناً بلا استئذان، ممّا أنتج نتائج وخيمة.
    ط. تخـصيص غرف خاصّة للأولاد وللبنات بذريعة توفير الجوّ المناسب للقراءة، أو لمنحهم الإستقلالية والراحة النفسية، فتح نوافذ عديدة على الخيالات الجنسية والأفلام الجنسية والمجلاّت الجنسية والمكالمات الهاتفية التي لا تخلو من جنس
    ي. أجواء الاختلاط غير المنضبط بين الجنسين، سواء في المدارس أو المعاهد أو الجامعات أو النوادي والحفلات والأسواق والمتنزهات ومدرجات الملاعب وقاعات السينما، قد تفتح باباً تأتي منه المفاسد.
    ك. الانفتاح على القنوات الإباحية التلفازية أو التي على الشبكة العنكبوتية، ممّا فتح باباً على السعار الجنسي ليلاً ونهاراً.

    من طرق العلاج:
    أ. التربية البيـتية السليمة التي تشبع حاجة الشاب والفتاة العاطفية هي الخطوة الأهم في خطوات العلاج.
    ب. الإبتعاد عن مواطن الفساد والشبهات كالحفلات الموسيقية والمهرجانات المختلطة، أو دور السينما التي تعرض أفلاماً فاضحة.
    ج. الابتعاد عن أصدقاء السُّوء الذين يزينون الفحشاء، ويشجّعون على ممارسة أعمال تنافي العفّة والطّهارة والحشمة.
    د. قطع الإتصال، بأيّة وسيلة ممكنة، مع القنوات الجنسية في القنوات الفضائية ووضع أجهزة التلفاز في أماكن المشاهدة الجماعية.. أي مكان التقاء الاُسرة.
    هـ. إنعاش الجانب الديني والإيماني في شخصية الفتى والفتاة.
    و. تجنّب أسلوب الغرف المغلقة بتوفير أجواء منزلية صالحة للمذاكرة والهدوء.
    ز. إيجاد برامج ترفيهية وترويحية وتعليمية ووعظية مناسبة، ممّا يجعل الشاب أو الفتاة منشغلين بالاهتمامات العلمية والثقافية والمواهب الرياضية والفنّية والأدبية.
    ح. الحيلولة ـ ما أمكن ذلك ـ دون أي شكل من أشكال الخلوة بين الشاب والفتاة حتّى لو كانا قريبين، ولأي سبب كان، إلاّ إذا كان ذلك في محضر العائلة.
    ط. ضبط اللقاءات التي تتمّ خارج البيت والتي تحمل عنوان المذاكرة مع صديق أو صديقة، فهي فرص واسعة للشيطان.
    ي. إجتناب روايات الجنس والحبّ والغرام التي لاتمثِّل سوى جانب العلاقة الغـريزية بين الجنسـين، لأ نّها ممّا يثير الغريزة ويؤججها.

    يتبع

    تعليق


    • #3
      5- آفة العنف:
      الغضب والانفعال ردّ فعل طبيعي إزاء كلّ ما يخدش الكرامة ويجرح الإحساس ويؤذي المشاعر، وهو طبيعي في حال تعرّض الشاب أو الفتاة إلى عدوان خارجي؛ كصفعة أو بصقة أو شدّ للشعر أو إمساك بالتلابيب أو تحرّش جنسي.
      قليلون هم الذين يسكتون أو يمسكون أعصابهم فلا ينفجرون، وهم على صنفين: صنف يتقبّل الإهانة ويبتلعها فلا يشعر بما يمسّ كرامته بسوء، وصنف ربّى نفسه على عدم تصعيد الموقف بالعنف المضاد، فهو يعرف أنّه إذا قابل الشتيمة بالشتيمة واللّكمة باللّكمة فإنّ درجة التوتّر تبلغ مدى يصعب السيطرة عليه. فهو يغضي أو يغضّ الطرف لا من موقف ضعف، بل من تقدير سليم للموقف. إنّه يخيّر نفسه بين أن يكون كالشاتم أو الضارب في سلبيته، وبين أن يكون أرفع منه، فينسحب من موقع الصراع، أو يقابل الشتيمة بكلمة حليمة مقتدياً بهدي القرآن الكريم في وصفه لـ(عباد الرّحمن): (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً) (الفرقان/ 63)، أو يسكت مُعرباً بسكوته عن استيائه، وقديماً قيل: «السكوت بوجه الأحمق أقوى صفعة توجّه إليه».
      هذا هو العنف بين شخصين، أو بين طالبين في مدرسة، أو بين زميلين في معهد، أو بين صديقين في ناد، أو بين جارين في محلّة، أو بين سائرين في شارع. وحتّى هذا اللون من العنف يتّخذ أساليب أعنف أحياناً، وذلك باستخدام العصي أو الحجارة أو الأدوات الجارحة، ممّا ينتج عنه أضراراً بدنية تلحق بالمتنازعين. ومن طبيعة هذه الأساليب أنّها ترفع درجة العدوان والتحدِّي خاصّة إذا سالت الدماء وتكاثرت الجروح.
      وقد يجتمع أكثر من شخص في عدوانهم على شخص آخر، أي أنّهم يقومون بما يشبه عمل العصابة التي تستضعف شخصاً، وهنا تكون الخسائر أكبر، وقد يؤدِّي العدوان إلى حالات خطيرة تستدعي النقل إلى المستشفى.
      وينظر علماء النفس إلى العنف بين الشباب من خلال الزوايا التالية:
      1- العنف قناة أساسيّة لتبديد الطاقات ونسف الإنجازات.
      2- تعريض أمن المجتمع للكثير من المخاطر.
      3- إنّ الجذر الفكري الذي يغذّي العنف هو (التعصّب).
      4- إنّ التعصّب الذي يؤدِّي إلى العنف إذا استحكم أدّى إلى (الإستبداد). فهذه العناصر يغذِّي بعضها البعض الآخر.
      ويرى كثـير منهم أنّ العنف لم يعد حكراً على المجتمعات الأجنبية، بل طال مجتمعاتنا الاسلامية أيضاً.. وقد انتشر بصورة مقلقة استرعت اهتمام المعنيين بشؤون الشباب، ولاحظوا الأشكال التالية للعنف:
      أ. إحداث الأذى للغير بالإعتداء (اللفظي) أو (الجسدي).
      ب. الإعتداء على ممتلكات الآخرين.
      وفي دراسـتهم لأسبابه، تبيّن أنّ العـوامل التالية هي أكثر ما يسبّبه:
      1ـ سوء التربية. 2ـ الفقر. 3ـ افتراق الأبوين. 4ـ عدم وجود مُعيل يعيل العائلة. 5ـ انشغال الأبوين وانصرافهم عن البيت والأولاد. 6ـ كثرة ما يعرض من أفلام العنف. 7ـ ضعف الوازع الديني. 8ـ رفاق السُّوء. 9ـ البطالة. 10ـ تعاطي المخدّرات.
      ولو تأمّلنا في هذه الأسباب لرأينا أنّ كلّ واحد منها يمكن أن يكون مبرراً كافياً لأن يجعل الشاب عنيفاً. فحينما تحتدم مشاعره ويشعر بالضغوط الخارجية المحدقة والصراع الداخلي المحتدم، ولا يجد هناك من قناة لتصريف غضبه سوى يده أو لسانه، فإنّه يستسهل التعبير بهما. ففي كثير من الأحيان حينما يكون الشاب واقعاً تحت تأثير سبب أو أكثر من الأسباب المارّة الذكر فإنّه يعدم أسلوب الحوار والتفاهم والتعامل بحكمة، إنّه يصبح ذا حسّاسية مفرطة، ويجد أنّ من حوله يعادونه فيحاول الإنتقام منهم، وهو نادراً ما يجيد فضّ النزاع بالطرق السلمية. فلقد تلقّى دروس العنف من التلفزيون الذي يغذِّي مشاعر الشباب بالكثير من الوسائل والأساليب العدوانية التي تجعلهم يقابلون الإهانة البسيطة بعنف شديد، والكلمة النابية المبتذلة بعنف جسدي، والخـطأ حتى غير المقصود بردّ الصاع صاعين.
      ويرى بعض علماء النفس أنّ السن بين (14-20) سنة هي بطبيعتها عدوانية ومستعدّة للهجوم، وعادة ما يكون ذلك وليد تغيرات جسمية ونفسية، ولذلك فإنّ أي تجاهل أو استصغار
      للشاب يدفعه إلى العدوان، فهو يأبى الظلم ويقاومه بالقوّة أحياناً. وربّما دفعه حبّ التعالي والتسلّط والتفوّق على أصدقائه إلى إثبات قدرته على قهرهم، ولذلك يزداد ارتكاب الجرائم في أوساط الشباب الذين يعانون أزمات نفسية بيتية أو خارجية.
      لكنّنا نفهم من (عنف) الشباب واستعدادهم للهجوم، هذه القدرة على مواجهة الأعداء والإستبسال في مقارعتهم، ولذلك نجد أنّ مادة الثورات وحركات التحرّر تستند إلى هذه الروح الغاضبة من أجل الحقّ والعدالة.

      كيف نعالج العنف؟
      لا شكّ أنّ معالجة العنف أو أي انحراف تبدأ بمعالجة ومكافحة الأسباب المؤدِّية إليه، فإنّ المحـيط العائلي القاسي العنيف الذي يعيش الخلافات والتقريع والضرب لا يخرّج إبناً سويّاً خالياً من عقد العنف والعدوان والتطرّف.
      وكذلك العوامل الإقتصادية الضاغطة كالفقر والحرمان والبطالة، والعوامل السياسية كالحرب وتجاوز القانون وغياب العدالة، إضافة للعوامل الثقافية ومستوى التفكير، فهذه كلّها تربة خصبة للنزوع إلى العنف، ومع بقائها أو استمرارها يصبح العلاج فردياً أو محدوداً.
      فبعض علماء النفس يرون أنّ العلاج الفردي للعنف ينطلق من الأمور التالية:
      1ـ التدريب على البدائل السلوكية، أي أن نتعلّم كيف نحلّ مشاكلنا بطرق متعددة ولا يكون العنف إلاّ الوسيلة الأخيرة أو الإضطرارية.
      2ـ التدريب على تغيير طريقة التفكير بحيث نجد تفسيرات أخرى لا تغضبنا أو تستثير مشاعرنا لأدنى سبب. وأن نجد مبررات لتصرفات الآخرين تخـفف من غضبنا وانتقامنا. فعن الإمام علي (عليه السلام): «لا تظنّن بكلمة خرجت من أخيك سوءاً وأنت تجد لها في الخير محملا».
      3ـ أن نمارس الإسترخاء والتخيّل الذهني والرياضة والهواية، فإنّ ذلك ممّا يحدّ من توتراتنا الجسمية والنفسية.
      4ـ أن نتدرّب على أسلوب التفاهم بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن (إدفع بالّتي هي أحسن فإذا الّذي بينك وبينه عداوة كأ نّه وليّ حميم) (فصِّلت/ 34).
      5ـ الإهتمام بالواجبات الدينية، فالإلتزام الديني والخُلقي كان دائماً حائلاً دون العنف السلبي.
      6ـ التدرّب على الرفق وضبط النفس عند الإنفعال، فما دخل الرفق على شيء إلاّ زانه، ولذلك جاء عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): «مَن كان رفيقاً في أمره نال ما يريد من الناس».
      7ـ أن نعيش ثقافة التسامح والتراحم والصفح والإحسان «ارحم مَن في الأرض يرحمك مَن في السماء».
      8ـ هناك نصيحة يقدّمها علماء النفس لتجنّب المزيد من العنف: «انسحب من المشهد.. ابتعد عن مكان العنف» فأنت الشخص الوحيد الذي يمـكنك السيطرة على الموقف. ويذكرون القواعد التالية للسيطرة والتحكّم بالعنف:
      - أخبر الشخص الآخر عمّا يزعجك بلطف.
      - لا تدع عواطفك تتحكّم بك.
      - استمع جيِّداً إلى الطرف الآخر.
      - حاول أن تتفهّم مشاعر الآخر.
      - لا تلجأ إلى السباب والشتائم، فالشتيمة تعاقب نفسها، وهي إدانة للشاتم.
      - لا تستخدم يديك في معالجة الموقف المتشنّج.
      - لا ترفع صوتك، فهو علامة أصحاب الحجّة الضعيفة.
      - ابحث ما أمكنك عن حل وسطي توافقي.
      - وإذا فشلت كلُّ هذه الأساليب اطلب المساعدة من شخص بالغ عاقل راشد.

      6- آفة السرقة:
      وهي من الآفات التي تفتك بالشباب وتقتل روح الأمانة والنبل والنقاء في نفوسهم، فالإقدام على انتهاك أموال وممتلكات الآخرين تعني أنّ الشاب السارق يسلك أقصر الطرق للحصول على المال الذي يتطلّب جهداً وعلماً وسعياً وصبراً في كسبه.
      وقد تكون بعض مؤشّرات السرقة قديمة، ترجع إلى أيّام الطفولة، فالطفل الذي يسرق بعض حاجيات زملائه التلاميذ، أو إخوانه في البيت فلا يجد مَن يردعه ربّما تطاول ليسرق حاجيات أكبر، وربّما أصبحت سرقاته الصغيرة سـبباً لإعتياده على السرقات الكبيرة.
      وقد كشفت بعض الدراسات النفسية عن أسباب السرقة ودوافعها عند المراهقين والشباب، ومنها:
      - الرغبة بالحصول على المال لشراء إحتياجاتهم وتلبية رغباتهم.
      - الرغبة بالحصول على المال للإنفاق على الملذّات الشخصية، أو ملذّات الأصدقاء.
      - إثبات انّ السارق شجاع وجريء، أي أنّه يسرق للتفاخر والتباهي، وربّما يجاري في ذلك أبطال السينما من الذين يقومون بأدوار اللّصوص.
      - وربّما يسرق المراهق أو الشاب للتسلية، وكسر حالة الرتابة أو البطالة التي يعيشها.
      - العادة التي اعتادها في صغره، فصار يستسهل الكسب الحرام، بل لا يراه حراماً على الإطلاق.
      - وربّما يسرقون انتقاماً من وضع معاشي مُرز، أي أنّهم قد يعيشون الفقر والفاقة، ولا يستطيعون تحمّل الفوارق بينهم وبين أقرانهم من الشبان الأثرياء.
      - وتتعقّد آفة السرقة حينما يتحوّل السرّاق إلى عصابة للسرقة، حيث يقع المراهق الذي يميل إلى الاستجابة إلى الجماعة ضحية الانقياد لنزواتها ونزعاتها الإجرامية والمنحرفة. فلقد كشفت الدراسات أنّ الشبان من أعمار (13-15) سنة يجري استغلال طيبتهم، وربّما ضعف شخصياتهم، وشعورهم بالنقص، واستعدادهم لتنفيذ المآرب الشريرة التي توصف بأ نّها عمليات جريئة.

      كيف نعالج السرقة؟
      1ـ إنّ الإسلام الذي يعلِّمنا احترام أموال الناس، ويشدِّد في عدم الإعتداء عليها بـ(السرقة) أو (الغصب)، والذي يربينا على أن نتصدّق عن صاحب (اللقطة) إذا لم نعثر عليه لنردّها إليه، حتّى لا يضيع مال لأحد، والذي يضع عقوبة قطع يد السارق حتّى لا نتجاوز على حقوق الناس وممتلكاتهم (والسّارق والسّارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا) (المائدة/ 38)، يعلّمنا بكلّ تلك الدروس أنّ اليد ثمينة ما دامت أمينة فإذا خانت هانت ووجب قطعها.
      وإذا لم يلتقط الشبان والناشئة هذه الدروس ويهضموها جيِّداً، فإنّهم سوف لا يترددون في سرقة جهود غيرهم بـ(الغش) في الإمتحانات والسطو على إنجازاتهم، ولا يتورعون عن الإحتفاظ بحقيبة نقود، أو قطعة حليّ ذهبيّة يعثرون عليها في شارع أو سيارة، ولا يتوانون عن مغافلة أصحاب المحلاّت ليسرقوا ما تقع عليه أيديهم.
      2ـ إنّ الشاب أو الفتاة اللذين يختاران السرقة تلبية لحاجاتهما وطموحاتهما يقضيان على طاقاتهما بالموت ليحييا في نفسيهما نزعة شريرة واحدة وهي نزعة السلب والنهـب والطمع بما في أيدي الناس، فيحاولان سرقة قوتهم وجهودهم وحقوقهم، ولو بذلا جهداً، وهما القادران المتمكنان على تحـصيل ما يريدان بالطرق النظيفة والشريفة لما أعجزهما ذلك، ولشعرا بالسعادة لما يحصلان عليه بكدّ أيديهما وعرق جبينهما.
      3ـ إنّ الفوارق الفردية الإقتصادية قد تجعلنا نبذل جهداً أكبر لتضييق مساحتها والقضاء ـ ما أمكن ـ على بعض أسبابها، وأن نستذكر النعم الأخرى التي نتفوّق بها غير المال والثروة، لكنّها لا يجب أن تدفعنا بحال إلى أن نكون لصوصاً نسرق بيوت الناس لنعمّر بيوتنا.
      4ـ إنّ قيام عدد كبير من الشبان والرفاق بالسرقة وعمليات السطو لا تشكّل لي مبرراً لأن أكون سارقاً أضيف رقماً آخر لقائمة اللصوص، فتقليدهم في السرقة لا يعفيني من المساءلة أمام الله.
      5ـ إنّ للقمة الحلال.. والكسب الحلال.. والمال الحلال.. والفوز الحلال، طعمه اللذيذ الذي لا يستطيع السارق أن يتذوّقه، فكسرة خبز تكسبها عن طريق الحلال لهي أطيب من مائدة حرام تتلذذ بها لوقت محدود وتدفع ثمنها لوقت طويل.
      6ـ إنّ وقفة متأنّية لاستشعار الألم والأسف والمرارة التي يشعر بها المسروق ربّما تعيد للضمير صفاءه فيتراجع السارق عن سرقته، فلو وضع نفسه في مكان المسروق منه، وتذكّر ما سيصيبه عندما يجد ماله أو ما يملك مسروقاً فلربّما منعه ذلك من التمادي في السرقة.
      ويبقى العـلاج الأكـبر هو في القضاء على العوامل المسبّبة للسرقة، فالإسلام الذي لا يقيم الحدّ على السارق في زمن المجاعة فلا يقطع يده، يقول: جفّفوا موارد السرقة أوّلاً وقبل كلّ شيء.

      7- آفة الإنتحار:
      قتل الشاب أو الفتاة لنفسهما، أو ما يسمّى بـ(الإنتحار) آفة من أخطر الآفات، لأنّها تعني عدوان الشاب على ما ليس له بحقّ، فحياته ليست ملكاً له وإنّما هي هبة الله الذي يحيي ويميت، ولا يحقّ له التفريط بها، وإنّما يحقّ له التضحية بها في سبيل الله، أي دفاعاً عن دينه ونفسه وماله وعرضه.
      ولو اطّلعت بدقّة على الأسباب الداعية إلى الإنتحار وجدتها لا تشكّل مبرراً وجيهاً لوضع نهاية مؤسفة للحياة.
      فمن هذه الأسباب: العجز عن التكيّف والإنسجام مع الظروف المحيطة، والتعرّض إلى أزمات وصدمات قاسية، والهروب من صعوبات الحياة، وعدم التفاهم مع الأسرة، والإنتقام منها أو من المجتمع ليشعروا بالندم على أفعالهم، وعدم التمكّن من الوصول إلى هدف معيّن، أو نتيجة موت إنسان عزيز يشعر المنتحر أن لا جدوى من البقاء بعده، أو تحت تأثير الإدمان وصعوبة التخلّص منه، أو عدم تقدير أهميّة الحياة والتصوّر أنّ قيمتها تافهة، أو الشعور الطاغي بالفراغ والملل.. إلخ.
      فهذه الأسباب موزّعة بين التيه والضياع والرتابة والضجر والفراغ الروحي والعجز عن المقاومة وإساءة تقييم الحياة.
      وبعبارة مختصرة، فإنّ علماء وأطبّاء النفس يرون أنّ المنتحر مريض نفسياً يعاني من اضطراب وقلق وخلل في الشخصية. وقد اتّضح أنّ معظم المنتـحرين ليس لهم صلة وثيقة بالدين، ولا يتردّدون على الأماكن الدينية، ولم يتلقّوا تربية روحية مناسبة.
      وحتّى في التفسير النفسي الإسلامي للإنتحار، فإنّ المنتحر يعيش حالة من اليأس والتشاؤم والقنوط والإحباط ممّا يجعل عقله وقلبه ومشاعره تغرق في الظلام فلا ترى أي فرج أو مخرج أو حلّ أو بصيص من نور، إنّه فاقد للأمل.. فاقد للثقة بالله.. فاقد للإيمان بالقضاء والقدر.
      وقد لعبت الكثير من الأعمال السينمائية التي تقدّم للشباب اليائسين والفتيات المحبطات حلّها السهل في إنهاء الحياة بالانتحار دوراً سيِّئاً وخيماً في أنّ أمام الشبان والفتيات إذا اعترضتهم الصعوبات القاسية، أن ينتحروا للخلاص من آلامها ومتاعبها.
      كما اتّضح أنّ الصحافة فيما تنشره من أخبار الإنتحار والمنتحرين تساهم في التشجيع على الإنتحار، فلقد لاحظ البريطانيون أنّ إحدى صحفهم المحلّية التي دأبت على نشر أخبار الإنتحار والمنتحرين كانت السبب في موجـة الإنـتحار التي حصلت بين الشبان والفتيات، فرفع الأهالي احتجاجهم إلى الصحيفة، وبعدما توقّفت عن نشر تلك الأخبار لوحظ انخفاض نسبة الإنتحار إلى درجة ملفتة، ولهذا اعتبر التحفّظ على نشر أخبار المنتحرين حتّى لا تروج فكرته بين الناشئة وسيلة من وسائل العلاج.
      إنّ ثقافة الأمل، ورؤية الجانب الإيجابي من الأشياء، والتأمّل في مصائب الآخرين، وفي قدرة البعض على تجاوز المحن بصبر وروح عالية، والبحث عن منافذ وحـلول أخرى، والتعلّق برحمة الله ورجائه ولطفه.. لابدّ أن تفعل فعلها الأكيد في تخفيف الإضطرابات النفسية الداعية إلى الإنتحار.
      وقد أكّد بعض المربين أنّ البرنامج الاسلامي اليومي من صلاة ودعـاء واجتناب المعاصي والذنوب، واعتماد الإعتدال، وتبادل الحب والحوار والتفاهم والتعاون مع الآخرين، يحول دون الإصابة بالأمراض النفسية كالقلق والإكتئاب والنظرة السوداوية للحياة.

      8- آفة البطالة:
      لقد كان بعيد النظر ذلك الشاعر الذي يقول:
      إنّ الفراغ والشباب والجدة مفسدةٌ للمرء أيّ مفسدة
      فلقد شخّص الآفة تشخيصاً دقيقاً، فإذا اجتمعت للشاب مستجدات الحياة وملذّاتها وفراغ غير مملوء بالجاد والنافع والهادف من البرامج والأعمال، فإنّ شبابه يتعاطف مع المفسدين: الفراغ والجدّة، في ظلّ غياب التوجيه والرقابة والتعليم والتربية.
      والذين يعانون البطالة من الشباب هم أحد إثنين، إمّا أبناء الأثرياء الذين يتّكئون على ثروة آبائهم، أو الفاشلون دراسياً الذين لم يجـدوا غير الشـارع مأوىً لهم. وقد يضاف إلى هؤلاء وهؤلاء اُولئك الراغبون بالعمل ولم يجدوه.
      وأيّاً كان الشاب العاطل عن العمل فإنّه سيـكون عالة على نفسه وأهله ومجتمعه، وسيجني من بطالته عناءً وآلاماً يتجرّعها هو ويجـرّعها الآخرين. فممّا لا شكّ فيه أنّ العمل يصلح أخلاق الشاب، ويهذّب سلوكه، ويخفّف من إصابته بالأمراض المعاصرة: القلق والسأم والإكتئاب.
      ولقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا نظر إلى شخص فأعجبه، قال: «هل له من حرفة؟ فإن قالوا: لا، قال: سقط من عيني». ذلك أنّ الذي يرفع الشاب والفتاة في أعين الناس ما يحسنونه ويجيدونه من عمل «قيمة كلّ امرئ ما يحسنه».
      والشباب العاطلون كثيراً ما تدفعهم البطالة إلى التسوّل والخضوع لذلّ السؤال ممّا يؤدِّي إلى الإحساس بانكسار الشخصية. فلقد جاء شخص إلى الإمام الصادق (عليه السلام) فقال إنّه لا يملك يداً سالمة ولا مالاً ليتاجر به، وكأ نّه أراد الحصول على موافقة الإمام بطلب مساعدة الناس، ولكنّ الإمام رأى أنّه يملك جسماً سالماً فأبى عليه أن يحطّم عزّته وشرفه بذلّ السؤال، فقال له: «اعمل واحمل على رأسك واستغن عن الناس».
      وقد تتاح لبعض الشبان والفتيات فرص عمل شريفة ونظيفة لكنّهم إمّا يستنكفون من العمل بها، أو يرفضونها لأنّهم اعتادوا الخـمول والكسل والبطالة، ناسين أنّ تأمين العيش سيحفظهم ويحفظ المجتمع من جرائم وأعمال غير مشروعة.
      ولقد ورد عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): «طوبى لعبد طاب مكسبه»، وقال أيضاً: «اعملوا فكلٌّ ميسّر لما خُلق به». الأمر الذي يجعلنا نطمئن أنّ لكلّ شاب وفتاة بل ولكلّ إنسان فرصة أو أكثر من فرصة للعمل والإنتاج والإبداع، فلِمَ يُلقي كلّه على غيره، وإلى متى يبقى عالة على والديه؟ فهناك بعض الشبان والفتيات في بعض البلدان المنتجة يستغلّون فرص العطل الشتوية والصيفية ليمارسوا مهنة ما فيـكتسبوا أصولها ويكسبوا مالاً يؤمّن احتياجاتهـم ويشعرهم بالإعتزاز والإفتخار بأنفسهم.
      كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذات يوم جالساً مع أصحابه فنظر إلى شاب ذي جَلَد[1] وقوّة وقد بكّر يسعى، فقالوا: ويح هذا لو كان شبابه وجلده في سبيل الله؟ فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): «لا تقولوا هذا، فإنّه إن كان يسعى على نفسه ليكفّها عن المسألة ويغنيها عن الناس فهو في سبيل الله، وإن كان يسعى تفاخراً وتكاثراً فهو في سبيل الشيطان».
      ولينظر كلّ شاب وكلّ فتاة إلى قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «فإن كان يسعى على نفسه ليكفّها عن المسألة ويغنيها عن الناس فهو في سبيل الله» لأنّه بذلك يحفظ لنفسه عزّتها وهو أمر قد أولاه الاسلام غاية الأهميّة.
      إنّ للشاب أو الفتاة احتياجاتهما الذاتية في شراء ما يشتهون من لباس وحليّ وطعام وكتب وأدوات تطوير للمواهب، بل أدوات للتسلية في أوقات الفراغ، إضافة إلى الحـاجة لبناء شخصياتهم المالية بشكل مستقل، ولا يتم ذلك بانتظار ما تجود به يد الوالد أو الوالدة، وهم في العادة لايبخلون، لكن ما تحصل عليه من مكسبك الخاص له طعم خاص.
      ولقد كان من نتـائج البطالة الوخيمة «التسكّع» على أرصفة الشـوارع والمنعطفات وأمام واجهات المحلاّت وقبالة مدارس الفتيات، وشيوع ظاهرة المعاكسة وإطلاق الألفاظ المبتذلة، والايقاع بالفتيات صغيرات السنّ.
      شكا داود بن زربي ـ وكان ثرياً ـ إبنه إلى الإمام الرضا (عليه السلام)فيما أفسد له. فقال: «استصلحه، فما مائة ألف فيما أنعم الله عليك». أي أعنه على إنشاء مشروع عمل يرتزق منه ويعتمد فيه على نفسه، فصلاح الشاب في عمله لا في ارتزاقه أو استعطائه.
      ولعلّ أسوأ ثمرة من ثمار (البطالة) هي السرقة التي سبق الحديث عنها، فيا طالما دفعت الغيرة والتنافس بين الشبان والفتيات على شراء الملابس الفاخرة والمجوهرات الغالية والسيارات الفارهة، إلى ارتكاب حماقات وجرائم سرقة أودت بهم إلى ظلام السجون، فضلاً عن الفضيحة والسقوط. ولقد أشار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى هذه الحالة بقوله: «يعيّرونه بضيق المعيشة ويكلّفونه ما لا يطيق حتّى يوروده موارد الهلكة»!

      9- آفة الأعمال المحرّمة:
      المقصود بالأعمال المحرّمة هي المكاسب التي نهى عنها المشرّع الإسلامي فلا يجوز العمل أو الاتّجار بها أو مساعدة من يعمل بها، ومنها:
      1- القـمار:
      هذا الذي يحيل الديار والحياة إلى دمار، وكثيراً ما أدّى إلى ارتكاب الجـرائم والقتل والإنتحار، ودفع إلى تعاطي المخدّرات والمسكّرات والإغراق في الديون.
      وقد اعتبر القرآن الكريم القـمار (الميسر) في صنف الخمر من حيث إثارة البغضاء والعداوة والصدّ عن الصلاة وذكر الله، إضافة إلى تبديده للثروات وما يدعو إليه من أكل أموال الناس بغير حق أو وجه مشروع.
      إنّ تساهل بعض الشبّان في ممارسة بعض وسائل اللهو بعوض ومراهنة أي بقمار سوف يدفعهم إلى التورط في حالات مقامرة أكبر. ولذلك فقد نهى الفقهاء أيضاً عن ممارسة أيّة لعبة فيها عوض مالي، في الوقت الذي سمح بعضهم باللعب بآلات القمار من غير مراهنة، أي بهدف التسلية والترفيه.
      يقول بعض الأطبّاء: إنّ مخّ المقامر تحدث فيه تغييرات كيميائية تؤدِّي إلى إفراز مواد تبعث على التوتر، لا تجـدي معها العقاقير المعروفة، ولهذا السبب نرى كيف أنّ المقامر يحطّم نفسه ويحطّم مَن حوله.

      2- الموسيقى والغناء والرقص:
      نكتفي هنا بالإشارة لما يقوله علماء الفقه الإسلامي الذين يبنون أحكامهم على كتاب الله وسنّة نبيّه.
      فالمحرّم من الموسيقى ما كان اللّحن فيه شهوياً، مؤثراً في ضعف المناعة الروحية، فإذا بقي الإنسان متوازناً في انفعالاته وتصرّفاته وصفاء روحه وصـلابة إرادته، فالموسيقى التي يستمع إليها ليست محرّمة.
      والمعيار في حرمة الغناء وحلّيته سواء في أدائه أو الاستماع إليه، هو (المضمون) فإن كان المضمون حقّاً أو نبيلاً وجادّاً، حلّ التغنّي به والإستماع إليه، وإن كان باطلاً شهوانياً، أو غزلياً ماجناً لم يحل، ممّا يخشى معه على هبوط الإنسان إلى مستوى من الضعف الروحي فلا يكون له شغل سوى الغريزة ولواحقها.
      ولا يجوز للرجل أن يستمع إلى غناء المرأة ولكن يجوز غناء المرأة المشتمل على الغزل في الأعراس إذا كان الحضور من النساء فقط. ولا يجوز الغناء في الحفل المختلط، ولكن يجوز للزوجين أن يغنّيا لبعضهما في خلوتهما.
      وأمّا المعيار في الرقص فإنّ المحرّم منه هو (الخليع الماجن) الذي يعبّر عن الرغبة الجنسية، ولا فرق في ذلك بين المرأة والرجل، أو الرقص المستتر أو المكشوف، وفي جمهور من جنس واحد أو جمهور مختلط.
      فالرقص المحلّل هو الخالي من تلك المعاني كالرقصات الشعبية مثل الدبكة، شريطة أن لايقترن بمحرّم كالإختلاط المنافي للحشمة، وأن لا يصاحبه غناء وموسيقى محرّمان[2].

      3- معاونة الظالم:
      حيث يحرم معاونة الظالم في ظلمه سواء وقع الظلم على مسلم أو كافر، كما تحرم المعاونة مجانية كانت أم تطوّعاً أو بأجرة وعوض، مثلما يحرم معاونة الظالم في قليل أو كثير من كرامة وعرض وحرِّيّة المتعاون.
      فلا يجوز للمسلم:
      ـ أن يكون ممّن يتقوّى به الظالم حتّى ولو لم يفعل شيئاً.
      ـ أن يراقب الناس وينقل تحرّكاتهم للظالم حتّى يبطش بهم.
      ـ أن ينفّذ حكم اعتقال وسجن ومعاقبة يأمر به الحاكم الظالم.
      ـ أن يصدر حكماً غير إسلامي في مسألة قضائية أو جنائية.

      4- إنتاج وتشجيع الأفكار الباطلة:
      يحرم على المسلم أن يبذل جهداً فكرياً في:
      ـ إبتداع أفكار باطلة، وتأييد ومناصرة الموجود منها.
      ـ التشنيع على دين الحقّ.
      إهانة المقدّسات والسخرية منها.
      ـ تحريف حقائق الدين واضعاف مقولاته ومبادئه.
      كما يحرم على المسلم أن:
      ـ يمتدح الظالم أو يشيد بظلمه وبأعوانه وبسياسته.
      ـ يحث على الفحشاء والرذيلة والإباحية، كالدفاع عن السفور أو الزنا وما يساعد على انتشار الفساد في المجتمع.
      ولا فرق في الحرمة في ذلك سواء كان الجهد الفكري باللسان أو الكتابة أو العمل الفني المسرحي أو السينمائي أو الرسم أو النحت.

      5- معاونة الكفّار:
      ـ لايجوز العمل عند غير المسلمين في بناء معابدهم وتجهيزها، ممّا يدخل في عنوان تشييد صروح الكفر وتعميرها، كما لا يجوز العمل في صنع لوازم العبادة كعمل الأصنام.
      ـ جميع ما يحرم عمله من قبل المسلم، حتّى لو كان حلالاً في دين غير المسلم، فهو حرام، فكما يحرم صنع الخمر لحساب المسلم يحرم صنعه لحساب الكافر.

      6- العمل في صناعة الخمور والمطاعم:
      ـ يحـرم العمل بصـناعة الخـمور في جمـيع مراحله، بما فيها المختبرات التابعة لمصانع الخمر.
      ـ لا فرق في حرمة صناعة الخـمر في بلاد إسلامية أو غير إسلامية.
      ـ يحرم العمل في تقديم الخمر في المطاعم أو المقاهي، وكذلك نقله وتخزينه.

      7- السحر والتنجيم:
      ـ يحرم السحر إذا كان مضرّاً بالانسان نفسياً أو جسدياً.
      ـ الإخبار عن أحوال الإنسان وصـفاته وعمّا يقع عليه من أحداث إعتماداً على حركة الكواكب والنجوم.. باطل ولا صحّة له وهو حرام.. وهو من اللغو الذي ينبغي التنزّه عنه.

      الخلاصة والنتائج:
      ـ الآفات صغيرةً كانت أم كبيرة لا تدع لزرع الشباب أن ينمو ويزهر ويثمر، فإذا تركت الآفة من غير علاج استشرت واستفحل داؤها وتعذّر علاجها، كما لاحظنا في (الإدمان).
      ـ الآفات يجتذب بعضها البعض الآخر، وربّما تشكل إحداها أرضية لآفة أخرى، فلقد لاحظنا كيف أنّ التدخين شكّل أرضية لتعاطي الخمر والمخدّرات، وكيف انّ الخمر والمخدّرات شكّلا أرضية للإنحراف الجنسي.. وهكذا.
      ـ إنّ أسوأ وأخطر نتائج الإصابة بآفة أو أكثر هو هذا الدمار النفسي والأخلاقي الذي يصيب المدمن، فلقد رأينا كيف انّ الخمر مثلاً يجعل المخمور يشكّ في زوجته الفاضلة، وكيف انّ الهيرويين يقضي تماماً على يقظة الضمير.
      ـ إنّ إصابة العقل بالشلل المؤقّت نتيجة غيابه أو ضعفه بسبب الإدمان تحطيم لأعظم قدرة من قدرات الشاب المؤمن، فإذا تعطّل جهاز السيطرة، فلكَ أن تتصوّر كيف تجري الأمور؟!
      ـ كما تبيّن من خلال البحث أنّ ضعف الوازع الديني كان سبباً مشتركاً في كلّ آفة من الآفات العشر التي أتينا عليها.
      ـ يضاف إلى ذلك فإنّ انشغال الأبوين وانصرافهما عن مسؤولية البيت وتربية الأولاد يمثل السبب الأخطر في نشوء وتفشي الآفات الإدمانية وغير الإدمانية.
      ـ ولعل واحداً من الأسباب التي تجعل الشباب يتساهلون في التعامل مع هذه الآفات هو جهلهم أو عدم تقديرهم للمخاطر الضخمة التي تترتّب عليها، فهم يتمادون في العادات السيِّئة والضارّة ولا يخافونها كما يخافون النار أو السم أو الوحش المفترس؛ لأنّ الأذى الذي يلحق بهم ليس فورياً أو مباشراً.
      ـ واتّضح بشكل جلي دور المؤسّسات الإعلامية في التشجيع على الإدمان والإبتذال والعدوان، ولك أن تتصوّر مثلاً انّ مؤسّسة (بلاي بوي) Play boy التي تصدر مجلّة بهذا الاسم، تدعو منذ سنة 1996م إلى إباحة المخدّرات، وقد بدأت منذ سنة 1971م بالتبرّع سنويّاً بمبالغ لا تقلّ عن مائة ألف دولار لإلغاء قوانين منع المخدّرات!!
      ـ ونتيجـة لما رأيناه من المآسي والآلام التي تتسـبّب بها كلّ آفة، فإنّنا ننصح شبابنا وفتياتنا أن يتجاوزوا كلّ ما من شأنه أن يزرع عادة سـيِّئة في نفوسهم، فتعاطي (المنوِّمات، والمسكِّنات، والمهدِّئات، والمنبِّهات، والمنشِّطات) كلّ ذلك يخلق حالة من الإعتياد ربّما تتحوّل مع الأيّام إلى إدمان.
      ـ وختاماً نضع بين يديك هذه الباقة من الأحاديث التي تشبه أعمدة الضياء في الشارع المظلم:
      - يقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): «لا ينبغي للمؤمن أن يذلّ نفسه».
      - يقول الإمام علي (عليه السلام): «مَن لَم يهـذِّب نفسه فضحه سوء العادة».
      - ويقول: «أعجز النـاس مَن قدر على أن يزيل النقص عن نفسه ولم يفعل».
      - ويقول: «لا تدخلوا بطونكم لُعق الحـرام، فإنّكم بعين مَن حرّم عليكم المعصية وسهّل لكم سبيل الطاعة».
      - وقال (عليه السلام): «فرض الله ترك شرب الخمر.. تحصيناً للعقل».
      «.. ومجانبة السرقة.. إيجاباً للعفّة».
      «.. وترك الزنا.. تحصيناً للنسب».
      - ويقول الإمام الصـادق (عليه السلام): «المؤمن لا يغلبه فرجه ولا يفضحه بطنه».
      - ويقول (عليه السلام): «مدمنُ الخمر كعابد الوثن، يورثه الإرتعاش، ويذهب بنوره، ويهدم مروّته، ويحمله على أن يجسر على المحارم من سفك الدماء وركوب الزنا، والخمر لايزداد شاربها إلاّ كلّ شرّ».

      تنبيه وتوجيه!!
      نرجو من كلّ شاب أو فتاة يعرفون مُصاباً بإحدى هذه الآفات أو أكثر أن يقدِّموا له هذا الكتيِّب هديةً، فلعلّه يثوب إلى رُشده فينالهم الثواب.. إنّه لغير المدمنين حتّى لا يصابوا بها.. وللمدمنين عسى أن ينتبهوا لأنفسهم قبل فوات الأوان.


      [1]- الجَلَد: القدرة على التحمّل.
      [2]- لقد اتّضح أنّ هذه الأجـواء كثـيراً ما كانت مفسدة لأخلاق الشباب واتّصافهم بالميوعة، وكثيراً ما أشعلت غرائزهم، وأغرت الجنسين ببعضهم البعض، وأبعدتهم عن الإهتمامات الكبرى.

      تعليق


      • #4
        اللهم صل على محمد وآل محمد


        الشيخ الفاضل عباس محمد



        أحسنتم وأجدتم ، نسأل الله تعالى أن يجعل جهدكم هذا في ميزان حسناتكم

        وأن يتقبل أعمالكم .


        عن ابي عبد الله الصادق ( عليه السلام ) أنه قال :
        {{ إنما شيعة جعفر من عف بطنه و فرجه و اشتد جهاده و عمل لخالقه و رجا ثوابه و خاف عقابه فإذا رأيت أولئك فأولئك شيعة جعفر
        }} >>
        >>

        تعليق

        المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
        حفظ-تلقائي
        Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
        x
        يعمل...
        X