" الجُمعَةُ الأخيرةُ مِن شهرِ رَمَضَانِ المُبارَك – اغتنِمُوا ما بَقي مِنه- أيّاماً مَعدوداتٍ - قبل انقضائِه "
نسألُ اللهَ تباركَ وتعالى أن يتقبّلَ مِنّا ومِنكم صالحَ الأعمالِ في ما مَضى مِن شهر رمضان الفضيل ، وأن يُوفّقنا لإتمامِه بخير وعافية .
:: مُعطياتٌ قيَمِيَّةٌ للصيام تتمثّلُ بمَحقِ الذنوبِ والانسلاخ عنها والتصفيّة مِن الخطيئاتِ والخلوص مِن السيئات ::
قال الإمامُ زينُ العابدين ، عليه السلام ، في دُعاءِ وداعِ شهر رمضان الفضيل :
( اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِه ، وامْحَقْ ذُنُوبَنَا مَعَ امِّحَاقِ هِلَالِه ، واسْلَخْ عَنَّا تَبِعَاتِنَا مَعَ انْسِلَاخِ أَيَّامِه حَتَّى يَنْقَضِيَ عَنَّا وقَدْ صَفَّيْتَنَا فِيه مِنَ الْخَطِيئَاتِ ، وأَخْلَصْتَنَا فِيه مِنَ السَّيِّئَاتِ ) : الصحيفة السجّاديّة :
:1:- إنَّ الإمام السجّاد ، عليه السلام ، ومن خلال طريقة الدعاء يُقدّمُ لنا مَعالمَ العلاقةِ التربويّة القويمةِ بين العبد وخالقه جلّ وعلا ، ويرشدنا إلى أنَّ شهر رمضان ليس كبقيّة الشهور ، فهو شهرٌ خاص تتنزّلُ فيه رحمةُ اللهِ إلينا ، وعلينا إدراكها بالعمل الصالح والتوبة وإخلاص النيّة وتطهير القلب.
:2:- لاحظوا تعبيرَ الإمامِ عليه السلام ( وامْحَقْ ذُنُوبَنَا مَعَ امِّحَاقِ هِلَالِه ) – وهذا طلبُ بنحو الدعاء من الله تعالى لإبطال وإمحاء الذنوب التي نرتكبها – ونحن في تعاملنا مع الله سبحانه نكون على أصناف – صنفٌ : مَن يَنوي أن يرتكبَ الذنبَ ، ولكن تربيته وعقله ودينه يمنعه ، وهذا من الجانب الفقهي لا يُعتبّر ذنباً ، نعم هو غير مُستَحسن لأنّه يُعوّد النفسَ على التفكير الدافع لارتكاب الذنوب.
وصنفٌ : من الإنسان يفعل الذنبَ ، وفي لحظة ارتكابه يندمُ ويتوبُ فيتوبُ اللهُ عليه ، ونعم تترتّب على المعصيّة بعض الآثار الأخلاقيّة والفقهيّة كالاستغفار ودفع الكفّارة كما في الصيام.
وصنفٌ آخر : يرتكبُ الذنبَ ويتجاوز على حقوق الآخرين فيسلبها ، وهذا ارتكبَ تعدّيين تعدّى على حدود الله تعالى أوّلاً ، وسلب مالَ آخرٍ ثانياً مثلاً – وتوبته تتحقّق بالندم بين وبينه الله وارجاع ما سلبه من حقٍّ لغيره.
:3:- إنَّ الله تعالى وبمُقتضى رحمته بعباده يأمرُ الملائكةَ الكاتبين بإمهال المُذنب عدّة ساعاتٍ انتظاراً منهم لتوبته ، وبعدها تُسجّل عليه – فإن تابَ في هذه المهلة لم تُسجّل عليه ومُحيَت بإذن الله سبحانه- وإلّا سُجّلت ويترتّب عليها العقاب.
:4:- ويُعلّمنا الإمام السجّاد عليه السلام ، على ضرورة استثمار شهر رمضان الفضيل بالطّاعة في أيّامه ولياليه حتّى تُمحَى عنّا الذنوب مع امحاق هلاله في أيّامه الأخيرة وبداية شهر جديد .
:5:- قال : عليه السلام ( واسْلَخْ عَنَّا تَبِعَاتِنَا مَعَ انْسِلَاخِ أَيَّامِه ) – وهنا يستعمل الإمام لفظةَ السلخ ، وهي لفظة تُشير إلى النزع وبقوّة من الشيء – في الوقت الذي قد ينسلخ الإنسان بنفسه من الالتزامات الدّينيّة بنزع قلبه من الإيمان بمبادئ الدّين فيكون إنساناً غير ديني – يتطرّف بسبب الشُبهات أو الفهم الخاطئ لنصوص الدّين – وينبغي بالإنسان أن يقلع عن تبعات وآثار الذنوب قبل انقضاء أيّام شهر رمضان.
:6:- ومن الضروري أن نوجد حالة الصفاء الذهني والقلبي والتي تتحقّق نتيجة الصيام وقلّة الطعام – لأنَّ كثرته تقلّل من التفكير الصائب – بينما قلّة الطعام والشراب تدفع الإنسان إلى الاهتمام بالمعنويات والتأمّل في النفس والأهل والمُحيط.
:7:- قال : عليه السلام : (وقَدْ صَفَّيْتَنَا فِيه مِنَ الْخَطِيئَاتِ ،وأَخْلَصْتَنَا فِيه مِنَ السَّيِّئَاتِ)
في شهر رمضان وبفعل الصيام تحصل عمليّة تصفيّة قصديّة من كلّ دخيل ضار في حياتنا – لأنَّ الحياة هي محل تمحيص وتصفيّة وغربلة حتى في عملية انتظار الإمام المَهدي ، عجّل اللهُ فرجَه على ما في المأثور – ولا بُدّ من اليقظة الدائمة لتجنّب الخسارة الأخرويّة يومَ القيامة والتي يستهزأ الشيطان فيها منّا إن أطعناه .
:8:- بالتمحيص يُعرَفُ إيمان الإنسان – وكم من شاب مفتول العضلات وعنده طاقةٌ جسميّة ولكنّه لا يتمكّن من صوم يوم واحد ، بسبب التسويلات الشيطانيّة – وأيضاً التكاليف الإلهيّة هي نوع من الاختبار والتمحيص – ونحتاج للرجوع فيها إلى الله سبحانه ، لأنَّ أغلب مشاكلنا بسبب الابتعاد عنه .
:9:- إنَّ الدّينَ نِعمَ المُعين على تنظيم الحياة الإنسانيّة وبه يَتمُّ تنظيم العلاقة مع الله تعالى بالصفاء والخلوص من الخطيئات ومن السيئات .
_____________________________________________
أهمُّ مَضَامِين خطبةِ الجُمعَةِ الأولى ،والتي ألقاهَا سماحة السيّد أحمَد الصافي ، دام عِزّه, الوكيل الشرعي للمَرجعيّةِ الدّينيّةِ العُليا الشَريفةِ في الحَرَمِ الحُسَيني المُقدّس ,اليوم ، الخامس والعشرين من شهر رمضان الفضيل 1440 هجري , الواحد والثلاثين من أيّار 2019م .
______________________________________________
تدوين – مُرْتَضَى عَلِي الحِلّي – النَجَفُ الأشْرَفُ .
:كَتَبْنَا بقَصدِ القُربَةِ للهِ تبارك وتعالى , رَاجينَ القَبولَ والنَفعَ العَامَّ, ونسألَكُم الدُعَاء.
____________________________________________
تعليق