السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صلِ على محمد وال محمد
⭐⭐⭐⭐⭐⭐⭐⭐⭐
هنا تساؤل يعرض لكل انسان ، وهو : هل الأنبياء كلهم شرقيون ، ولا غربي واحد منهم ؟ . وإذا كانوا كلهم من الشرق ، فهل فيهم من الصين واليابان والهند ، وما إليها من بلاد الشرق الأقصى ؟ . ثم على فرض ان جميع الأنبياء شرقيون ، فكيف تجمع بين هذا ، وبين المبدأ القائل : ان اللَّه لا يترك الناس سدى ، وان حكمته ورحمته تقتضي أن يرسل إليهم جميعا رسلا « مبشرينومنذرين » يذكرونهم ويبصرونهم لئلا يكون لهم على اللَّه حجة ؟ وهل يقبل هذا المبدأ التخصيص بشعب ، دون شعب ، وبجنس ، دون جنس ؟ .الجواب : ان هذا المبدأ الذي يقول : ان اللَّه لا يترك الناس سدى ، وانه لا بد أن يلقي الحجة عليهم قبل الحساب والعقاب هو مبدأ عام لا يقبل التخصيص بأرض شرقية ، ولا غربية ، ولا بجنس أبيض أو أصفر أو أسود . . ولكن الحجة لا تنحصر بوجود النبي بذاته في كل بلد ، وفي كل جيل ، بل تكون به ، أو بكتاب منزل ، أو بشريعة إلهية يقوم عليها نواب عن النبي ، حتى إذا توفاه اللَّه بقيت الحجة من بعده قائمة بين الناس ، قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في الخطبة الأولى من نهج البلاغة : « لم يخل سبحانه خلقه من نبي مرسل ، أو كتاب منزل ، أو حجة لازمة ، أو محجة قائمة » . والحجة النائب عن النبي ، والمحجة الشريعة التي أتى بها من عند اللَّه ، فكل واحد من هذه الأربعة منفردا أو منضما إلى نظيره تقوم به الحجة للَّه على الناس .وبهذا نجد تفسير الآية 36 من سورة النحل : {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} . والآية 24 من سورة فاطر : {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ } [فاطر: 24]. والآية 41 من النساء : {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا} . فالمراد بالرسول في الآية الأولى ، وبالنذير في الثانية ، وبالشهيد في الثالثة - واحد من الأربعة : الرسول بشخصه أو نائبه أو الكتاب المنزل أو الشريعة القائمة ، ومعلوم ان الثلاثة الأخيرة تنتهي إلى النبي ، ولهذا صح اسناد الشهادة وما إليها إلى النبي .وهنا سؤال يفرض نفسه ، وهو : لما ذا لم تذكر العقل مع ما ذكرت من الحجج ، مع ان اللَّه يحتج به كما يحتج بالنبي ؟ .الجواب : ان العقل حجة ما في ذلك ريب ، ولكنه حجة مستقلة في معرفة وجود اللَّه ، أما فيما عداها كمعرفة اليوم الآخر ، وحلال اللَّه وحرامه فإنه يحتاج إلى موقظ ومنبه يرشده إليها ، ويرسم له المنهج الصحيح لإدراكها ، فوظيفة العقل في هذا الميدان الذي نحن بصدده هي أن يفهم ما يتلقاه عن الرسول من موجبات الإيمان ، ودلائل الهدى إلى خير الدنيا والآخرة ، ومتى فهم عن الرسول أقر وأذعن من غير تردد .وبعد هذا التمهيد الذي لا بد منه لمعرفة موضوعنا نعود إلى السؤال : هل كل الأنبياء شرقيون ؟ ونجيب : كلا ، وإذا لم تصل إلينا أخبار المرسلين لأمم الغرب ، وبعض أمم الشرق فليس معنى هذا ان اللَّه لم يرسل إليهم أحدا منهم . .وأيضا ليس من الضروري لالقاء الحجة على أهل الغرب أن يكون الرسول منهم وفيهم ، بل قد يكون شرقيا ، ومع ذلك تعم رسالته الشرق والغرب ، ويكون التبليغ بواسطة خلفائه والمندوبين عنه أو عنهم ، كما هو الشأن في محمد (صلى الله عليه واله) الذي خاطبه اللَّه بقوله : { وما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً ونَذِيراً ولكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ } [سبأ : 28 ] . وبقوله : { وما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ } [الأنبياء : 107 ] وقد أشارت بعض الكتب الدينية الموغلة في القدم إلى ان رسالة محمد (صلى الله عليه واله) عامة وانها رحمة للعالمين ، وفوق ذلك ذكرت اسم أبي لهب بالحرف ونصبه العداء لرسول اللَّه (صلى الله عليه واله) ، قال عبد الحق فديارتي في كتاب محمد في الأسفار الدينية العالمية :« ان اسم الرسول العربي مكتوب بلفظه العربي احمد في « السامافيدا » من كتب البراهمة . وقد ورد في الفقرة السادسة والفقرة الثامنة من الجزء الثاني ، ونصها ان أحمد تلقى الشريعة من ربه ، وهي مملوءة بالحكمة . . وان وصف الكعبة ثابت في كتاب « الآثار فافيدا » وانه قد جاء في كتاب « زندافستا » الذي اشتهر باسم الكتاب المقدس في المجوسية ، جاء الإخبار عن نبي يوصف بأنه رحمة للعالمين يدعو إلى إله واحد لم يكن له كفؤا أحد ، ويتصدى له عدو يسمى أبو لهب » (1) .ومحال أن يصدر هذا الإخبار من غير الخالق . . انه وحي من اللَّه إلى نبي من أنبيائه ، ما في ذلك ريب . . وإلا فمن الذي يتنبأ ويصدق في نبوته انه بعد آلاف السنين أو مئاتها يوجد رجل يسمى أحمد ، ويدعو إلى عبادة الواحد الأحد ،ويتصدى له عدو ، اسمه أبو لهب ؟ . . . ان في هذا الاخبار دلالة واضحة صادقة على أمرين : الأول صدق محمد في نبوته ، وعموم رسالته . الثاني ان اللَّه سبحانه قد أرسل في القديم البعيد أنبياء لم نسمع بهم ولا بقصصهم . ثم ما يدرينا ان الذين نقرأ أو نسمع عنهم باسم الحكماء كانوا من الأنبياء ، وان تعاليمهم كلها أو جلها قد درست أو حرفت ؟ .وبعد ، فان بعثة الأنبياء للشرق والغرب موضوع هام ، ويتسع لكتاب مستقل ، أما هذه المناسبة ، وهي تفسير قوله تعالى : « ورُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ » فإنها لا تتسع لأكثر مما ذكرنا ، وربما تجاوزنا ، ونرجو اللَّه سبحانه أن يتيح لهذا الموضوع العلمي النافع من يتمتع بالعلم والصبر على البحث والتنقيب .{وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا } [النساء: 164]. لم يذكر اللَّه سبحانه موسى مع من ذكر من الأنبياء في الآية ، وأفرد له هذه الجملة ، لأنه تعالى قد خصه بالتكليم من دونهم ، مع العلم ان الجميع قد تلقوا كلامه جل وعلا ، ولكن لتلقي لهذا الكلام صورا ذكرها جلت كلمته في الآية 51 من الشورى : {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا} [الشورى: 51]. . إذن تكلم موسى كان من وراء حجاب . . ولكن لا يعلم أحد طبيعة هذا الحجاب ، وكيف تم ، وقد سكت اللَّه عن ذلك ، فنسكت نحن عما سكت اللَّه عنه ، وعلى أية حال فان تخصيص موسى بالتكليم لا ينقص من مكانة سائر الأنبياء ، ولا يدل على انه أفضل وأكمل ، كلا ، فان إرسال الروح الأمين إلى خاتم النبيين هو أعلى المراتب وأكملها .{رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ } [النساء: 165].ان قاعدة لا عقاب بلا بيان كما يعبر الفقهاء ، أو لا عقوبة بلا نص كما يقول أهل الشرائع الوضعية ، ان هذه واضحة بذاتها لا تحتاج إلى دليل ، بل هي دليل على غيرها . . وحيث ان اللَّه سبحانه لم يترك الإنسان سدى ، بل أمره ونهاه ، ولا بد من إبلاغه الأمر والنهي ، حتى تقوم عليه الحجة لو خالف ، والا كانت الحجة له فيما لا يعرف إلا بالوحي ، وحيث ان الرسل وسطاء بين اللَّه وخلقه في تبليغ أحكامه ووعده ووعيده ، لذلك أرسل اللَّه مبشرين ومنذرينلئلا يدع مجالا لاعتذارات وتعللات : {وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى } [طه: 134]. وتكلمنا عن قاعدة قبح العقاب بلا بيان في ج 1 ص 247 .{لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدً} [النساء: 166]. الشهادة تكون بالأقوال ، وتكون بالأفعال ، كشهادة الكون بوجود المكون وقدرته ، وشهادة البذل بكرم الباذل وجوده ، وشهادة الاقدام بشجاعة المقدم وبأسه ، وهذه الشهادة أدل وأقوى من شهادة الأقوال التي يتطرق إليها الشك والريب .ومن الشهادة بالأفعال شهادة اللَّه لمحمد (صلى الله عليه واله) ، حيث زوده بالدلائل والمعجزات على صدقه ، ومنها القرآن الكريم الذي أنزله اللَّه عليه بعلمه ، ومعنى ( بعلمه ) ان القرآن من علم اللَّه ، لا من علم المخلوقين الذي هو عرضة للأخطاء والأهواء ، أما شهادة الملائكة فإنها تبع لشهادة اللَّه التي تغني عن كل شهادة ، ولذا قال تعالى : « وكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً » .وبعد ، فما من أحد الا ويود لو صدّقه الناس فيما يقول ، ولكن العاقل لا يهتم إطلاقا ان كذّب وردّت عليه أقواله ، ما دام على يقين من صدقه . .وهذا ما تهدف إليه الآية ، فكأن اللَّه سبحانه يقول لنبيه : لا يهمك تكذيب من كذّب بنبوتك ، واعراض من أعرض عن دعوتك ، ما دمت عندي صادقا مصدقا . . فهذه الآية تهدف إلى ما تهدف إليه الآية 8 من فاطر : {فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} .___________________________1- كتاب محمد في الأسفار العالمية مطبوع باللغة الانكليزية ، ونقل عنه العقاد في كتاب العبقريات الإسلامية تحت عنوان الطوالع والنبوات ، ونقلنا نحن عن العقاد .
اللهم صلِ على محمد وال محمد
⭐⭐⭐⭐⭐⭐⭐⭐⭐
هنا تساؤل يعرض لكل انسان ، وهو : هل الأنبياء كلهم شرقيون ، ولا غربي واحد منهم ؟ . وإذا كانوا كلهم من الشرق ، فهل فيهم من الصين واليابان والهند ، وما إليها من بلاد الشرق الأقصى ؟ . ثم على فرض ان جميع الأنبياء شرقيون ، فكيف تجمع بين هذا ، وبين المبدأ القائل : ان اللَّه لا يترك الناس سدى ، وان حكمته ورحمته تقتضي أن يرسل إليهم جميعا رسلا « مبشرينومنذرين » يذكرونهم ويبصرونهم لئلا يكون لهم على اللَّه حجة ؟ وهل يقبل هذا المبدأ التخصيص بشعب ، دون شعب ، وبجنس ، دون جنس ؟ .الجواب : ان هذا المبدأ الذي يقول : ان اللَّه لا يترك الناس سدى ، وانه لا بد أن يلقي الحجة عليهم قبل الحساب والعقاب هو مبدأ عام لا يقبل التخصيص بأرض شرقية ، ولا غربية ، ولا بجنس أبيض أو أصفر أو أسود . . ولكن الحجة لا تنحصر بوجود النبي بذاته في كل بلد ، وفي كل جيل ، بل تكون به ، أو بكتاب منزل ، أو بشريعة إلهية يقوم عليها نواب عن النبي ، حتى إذا توفاه اللَّه بقيت الحجة من بعده قائمة بين الناس ، قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في الخطبة الأولى من نهج البلاغة : « لم يخل سبحانه خلقه من نبي مرسل ، أو كتاب منزل ، أو حجة لازمة ، أو محجة قائمة » . والحجة النائب عن النبي ، والمحجة الشريعة التي أتى بها من عند اللَّه ، فكل واحد من هذه الأربعة منفردا أو منضما إلى نظيره تقوم به الحجة للَّه على الناس .وبهذا نجد تفسير الآية 36 من سورة النحل : {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} . والآية 24 من سورة فاطر : {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ } [فاطر: 24]. والآية 41 من النساء : {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا} . فالمراد بالرسول في الآية الأولى ، وبالنذير في الثانية ، وبالشهيد في الثالثة - واحد من الأربعة : الرسول بشخصه أو نائبه أو الكتاب المنزل أو الشريعة القائمة ، ومعلوم ان الثلاثة الأخيرة تنتهي إلى النبي ، ولهذا صح اسناد الشهادة وما إليها إلى النبي .وهنا سؤال يفرض نفسه ، وهو : لما ذا لم تذكر العقل مع ما ذكرت من الحجج ، مع ان اللَّه يحتج به كما يحتج بالنبي ؟ .الجواب : ان العقل حجة ما في ذلك ريب ، ولكنه حجة مستقلة في معرفة وجود اللَّه ، أما فيما عداها كمعرفة اليوم الآخر ، وحلال اللَّه وحرامه فإنه يحتاج إلى موقظ ومنبه يرشده إليها ، ويرسم له المنهج الصحيح لإدراكها ، فوظيفة العقل في هذا الميدان الذي نحن بصدده هي أن يفهم ما يتلقاه عن الرسول من موجبات الإيمان ، ودلائل الهدى إلى خير الدنيا والآخرة ، ومتى فهم عن الرسول أقر وأذعن من غير تردد .وبعد هذا التمهيد الذي لا بد منه لمعرفة موضوعنا نعود إلى السؤال : هل كل الأنبياء شرقيون ؟ ونجيب : كلا ، وإذا لم تصل إلينا أخبار المرسلين لأمم الغرب ، وبعض أمم الشرق فليس معنى هذا ان اللَّه لم يرسل إليهم أحدا منهم . .وأيضا ليس من الضروري لالقاء الحجة على أهل الغرب أن يكون الرسول منهم وفيهم ، بل قد يكون شرقيا ، ومع ذلك تعم رسالته الشرق والغرب ، ويكون التبليغ بواسطة خلفائه والمندوبين عنه أو عنهم ، كما هو الشأن في محمد (صلى الله عليه واله) الذي خاطبه اللَّه بقوله : { وما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً ونَذِيراً ولكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ } [سبأ : 28 ] . وبقوله : { وما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ } [الأنبياء : 107 ] وقد أشارت بعض الكتب الدينية الموغلة في القدم إلى ان رسالة محمد (صلى الله عليه واله) عامة وانها رحمة للعالمين ، وفوق ذلك ذكرت اسم أبي لهب بالحرف ونصبه العداء لرسول اللَّه (صلى الله عليه واله) ، قال عبد الحق فديارتي في كتاب محمد في الأسفار الدينية العالمية :« ان اسم الرسول العربي مكتوب بلفظه العربي احمد في « السامافيدا » من كتب البراهمة . وقد ورد في الفقرة السادسة والفقرة الثامنة من الجزء الثاني ، ونصها ان أحمد تلقى الشريعة من ربه ، وهي مملوءة بالحكمة . . وان وصف الكعبة ثابت في كتاب « الآثار فافيدا » وانه قد جاء في كتاب « زندافستا » الذي اشتهر باسم الكتاب المقدس في المجوسية ، جاء الإخبار عن نبي يوصف بأنه رحمة للعالمين يدعو إلى إله واحد لم يكن له كفؤا أحد ، ويتصدى له عدو يسمى أبو لهب » (1) .ومحال أن يصدر هذا الإخبار من غير الخالق . . انه وحي من اللَّه إلى نبي من أنبيائه ، ما في ذلك ريب . . وإلا فمن الذي يتنبأ ويصدق في نبوته انه بعد آلاف السنين أو مئاتها يوجد رجل يسمى أحمد ، ويدعو إلى عبادة الواحد الأحد ،ويتصدى له عدو ، اسمه أبو لهب ؟ . . . ان في هذا الاخبار دلالة واضحة صادقة على أمرين : الأول صدق محمد في نبوته ، وعموم رسالته . الثاني ان اللَّه سبحانه قد أرسل في القديم البعيد أنبياء لم نسمع بهم ولا بقصصهم . ثم ما يدرينا ان الذين نقرأ أو نسمع عنهم باسم الحكماء كانوا من الأنبياء ، وان تعاليمهم كلها أو جلها قد درست أو حرفت ؟ .وبعد ، فان بعثة الأنبياء للشرق والغرب موضوع هام ، ويتسع لكتاب مستقل ، أما هذه المناسبة ، وهي تفسير قوله تعالى : « ورُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ » فإنها لا تتسع لأكثر مما ذكرنا ، وربما تجاوزنا ، ونرجو اللَّه سبحانه أن يتيح لهذا الموضوع العلمي النافع من يتمتع بالعلم والصبر على البحث والتنقيب .{وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا } [النساء: 164]. لم يذكر اللَّه سبحانه موسى مع من ذكر من الأنبياء في الآية ، وأفرد له هذه الجملة ، لأنه تعالى قد خصه بالتكليم من دونهم ، مع العلم ان الجميع قد تلقوا كلامه جل وعلا ، ولكن لتلقي لهذا الكلام صورا ذكرها جلت كلمته في الآية 51 من الشورى : {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا} [الشورى: 51]. . إذن تكلم موسى كان من وراء حجاب . . ولكن لا يعلم أحد طبيعة هذا الحجاب ، وكيف تم ، وقد سكت اللَّه عن ذلك ، فنسكت نحن عما سكت اللَّه عنه ، وعلى أية حال فان تخصيص موسى بالتكليم لا ينقص من مكانة سائر الأنبياء ، ولا يدل على انه أفضل وأكمل ، كلا ، فان إرسال الروح الأمين إلى خاتم النبيين هو أعلى المراتب وأكملها .{رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ } [النساء: 165].ان قاعدة لا عقاب بلا بيان كما يعبر الفقهاء ، أو لا عقوبة بلا نص كما يقول أهل الشرائع الوضعية ، ان هذه واضحة بذاتها لا تحتاج إلى دليل ، بل هي دليل على غيرها . . وحيث ان اللَّه سبحانه لم يترك الإنسان سدى ، بل أمره ونهاه ، ولا بد من إبلاغه الأمر والنهي ، حتى تقوم عليه الحجة لو خالف ، والا كانت الحجة له فيما لا يعرف إلا بالوحي ، وحيث ان الرسل وسطاء بين اللَّه وخلقه في تبليغ أحكامه ووعده ووعيده ، لذلك أرسل اللَّه مبشرين ومنذرينلئلا يدع مجالا لاعتذارات وتعللات : {وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى } [طه: 134]. وتكلمنا عن قاعدة قبح العقاب بلا بيان في ج 1 ص 247 .{لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدً} [النساء: 166]. الشهادة تكون بالأقوال ، وتكون بالأفعال ، كشهادة الكون بوجود المكون وقدرته ، وشهادة البذل بكرم الباذل وجوده ، وشهادة الاقدام بشجاعة المقدم وبأسه ، وهذه الشهادة أدل وأقوى من شهادة الأقوال التي يتطرق إليها الشك والريب .ومن الشهادة بالأفعال شهادة اللَّه لمحمد (صلى الله عليه واله) ، حيث زوده بالدلائل والمعجزات على صدقه ، ومنها القرآن الكريم الذي أنزله اللَّه عليه بعلمه ، ومعنى ( بعلمه ) ان القرآن من علم اللَّه ، لا من علم المخلوقين الذي هو عرضة للأخطاء والأهواء ، أما شهادة الملائكة فإنها تبع لشهادة اللَّه التي تغني عن كل شهادة ، ولذا قال تعالى : « وكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً » .وبعد ، فما من أحد الا ويود لو صدّقه الناس فيما يقول ، ولكن العاقل لا يهتم إطلاقا ان كذّب وردّت عليه أقواله ، ما دام على يقين من صدقه . .وهذا ما تهدف إليه الآية ، فكأن اللَّه سبحانه يقول لنبيه : لا يهمك تكذيب من كذّب بنبوتك ، واعراض من أعرض عن دعوتك ، ما دمت عندي صادقا مصدقا . . فهذه الآية تهدف إلى ما تهدف إليه الآية 8 من فاطر : {فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} .___________________________1- كتاب محمد في الأسفار العالمية مطبوع باللغة الانكليزية ، ونقل عنه العقاد في كتاب العبقريات الإسلامية تحت عنوان الطوالع والنبوات ، ونقلنا نحن عن العقاد .
تعليق