الحديقة السادسة والعشرون
وفيها
* تجديد التوبة
* شروط التوبة
* كيف نحصي ذنوبنا؟
* كيف نستغيث؟
* دعاء اليوم السادس والعشرين
* صلاة الليلة السابعة والعشرين
* تجديد التوبة
ثلاثة أيام أو أربعة سرعان ما تنقضي وإذا بنا خارج شهر رمضان المبارك، فهل سنكون من السعداء الذين منَّ الله عليهم بعتق رقابهم من النار، أم أننا لا سمح الله سنكون من الأشقياء؟!يلح علينا جميعاً بطرح هذا السؤال، ما ورد عن الصادق الأمين صلى الله عليه وآله وسلّم: ألشقي من حرم غفران ربه في هذا الشهر الشريف.
إن على المسلم أن يعيش بعمق هول الكارثة التي تحلّ به، إذا لم تشمله الرحمة الإلهية فيُكتب من السعداء عتقاء الله تعالى في هذا الشهر المبارك.
بليلة واحدة بل بساعة أو أقل، يمكن للتائب أن ينتقل من حضيض الذنوب إلى أوج القرب الممكن بالنسبة إليه.
فكيف إذا كانت هذه الليلة في شهر الله تعالى، وكيف إذا كانت في العشر الأواخر منه، تنطلق التوبة فيها في حرقتها ولوعتها من منطلق: إلهي ربح الصائمون وفاز القائمون ونجا المخلصون ونحن عبيدك المذنبون فارحمنا برحمتك واعتقنا من النار بعفوك واغفر لنا ذنوبنا برحمتك يا أرحم الراحمين.
يتركز الحديث هنا حول فقرات من دعاء التوبة للإمام السجاد عليه السلام علَّنا نوفَّق لتوبة صادقة يعوِّض عمق ندمها وضرم حسرتها تقصيرنا في ما مضى.
يقول عليه السلام: "هذا مقام من تداولته أيدي الذنوب وقادته أزِمَّة الخطايا واستحوذ عليه الشيطان".
تداولته أيدي الذنوب: نقلته من ذنب إلى ذنب فلا يكاد يخرج من معصية إلا و يقع في معصية أخرى.
وقادته أزِمَّة الخطايا: كأن لكل خطيئة زمام "رسن" والعاصي يقاد بهذه الأزِمَّة، فهو تابع لغيره كما ينبع الحيوان صاحبه، بل هو أسوأ من الحيوان لأن هذا الذي يتبعه هو حيوان الشهوة والهوى وشيطانهما.
واستحوذ عليه الشيطان: سيطر عليه الشيطان فهو بالنسبة إليه أكثر من قرين، إنه لا يسير مقتفياً أثره وحسب، ولايمشي في خطواته فقط، بل ملك الشيطان عليه عقله وقلبه واجتاح كل مواقع نفسه، فغدا باختياره صدىً للشيطان، ومظهراً لاستحواذه.
فقصَّر عما أمرته به تفريطاً وتعاطى ما نهيت عنه تغريراً كالجاهل بقدرتك عليه أو كالمنكر فضل إحسانك إليه.
التفريط: تقصير يؤدي إلى التضييع، وهو في حقيقته لاينفصل عن التعمد بل هو أسوأ أنواع التعمد، لأنه لايستند إلى قناعة بما يسوَّغ التقصير، بل يستند إلى قناعة واضحة بأن ذلك عين الخطأ، ولكن غلبة الشقوة تحمل على التضييع.
والتغرير: حمل النفس على الغرور، والغرور: الإنخداع، فيكون المعنى: حمل النفس على الإنخداع، وهو معنى يصور بإبداع حال العاصي الذي تقحم أودية الخطر وهو يعلم أنه يلقي بيده إلى التهلكة، فهو ليس جاهلاً بقدرة الله تعالى عليه، ولامنكراً لفضل إحسانه إليه، بل هو مثلهما، وقد حمل نفسه على أن يكون كذلك.
* شروط التوبة
حتى إذا انفتح له بصر الهدى، وتقشَّعت عنه سحائب العمى.
يبدأ عليه السلام ببيان ما ينبغي أن يقوم به التائب الذي انفتح له بصر الهدى وزالت عنه حجب الذنوب، وهي غيوم العمى، فيذكر للتوبة الشروط التالية:
1-أحصى ما ظلم به نفسه
من أراد أن تكون توبته حقيقية، فعليه أن يحصي ذنوبه وليحرص أن لا ينسى أي ذنب فيكون ممن قال فيهم عزَّ وجلّ: أحصاه الله ونسوه.
ولا يستخف بذنب فيظن أنه لاداعي للتفكير به واستحضاره، فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله: ياابن مسعود، لا تحقرن ذنبا ولا تصغرنه، واجتنب الكبائر، فإن العبد إذا نظر يوم القيامة إلى ذنوبه دمعت عيناه قيحا ودما، يقول الله تعالى: يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً، وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً ويحذركم الله نفسه، والله رؤوف بالعباد. آل عمران 30
2- فرأى كبير عصيانه كبيراً، وجليل مخالفته جليلاً.
والشرط الثاني للتوبة أن يدرك التائب خطورة المعصية وهو يفكر في معاصيه، فيتعامل بكل موضوعية وواقعية، ولايسمح لنفسه أن تحجبه عن حجم خطورة ما اقترف، والواقع أن كل المعاصي كبيرة، بالنظر إلى من نعصي.
جاء في شرح أصول الكافي:" وقال جماعة: الذنوب كلها كبائر لاشتراكها في مخالفة الأمر والنهي لكن قد يطلق الصغير والكبير على الذنب بالإضافة إلى ما فوقه وما تحته، فالقبلة صغيرة بالنسبة إلى النظر بشهوة. قال الشيخ الطبرسي في مجمع البيان بعد نقل هذا القول: وإلى هذا ذهب أصحابنا رضي الله عنهم فإنهم قالوا: المعاصي كلها كبيرة لكن بعضها أكبر من بعض وليس في الذنوب صغيرة وإنما يكون صغيرا بالإضافة إلى ما هو أكبر ويستحق العقاب عليه أكثر، قال الشيخ في الأربعين: لا يخفى أن كلام الشيخ الطبرسي مشعر بأن القول بأن الذنوب كلها كبائر متفق عليه بين علماء الامامية وكفى بالشيخ ناقلاً: إذا قالت حذام فصدقوها * فإن القول ما قالت حذام".
3- فأقبل نحوك مؤمّلاً لك مستحيياً منك.
نحن أمام أمل المستحي، أو حياء الآمل، لندرك أن مقومات الإستغفار الحياء الذي قد ننساه فنعيش الأمل فحسب، والله تعالى أرحم الراحمين، ولكن حق لمن أتى بما يوجب الخجل أن يستحي، بل ويغمره الحياء، قبل حياء العرض على الله تعالى، والوقوف بين يديه.
كم سنخجل عندما نرى ذنوبنا؟ أليس من الأفضل لنا أن يشتد حياؤنا من ربنا عزوجل ونتوب فيغفر لنا ويستر علينا، ويمحو سيئاتنا من صحائف أعمالنا وينسي بقاع الأرض هذه المعاصي فنقف بين يديه وقد طويت صفحة ذنوبنا برحمته.
4- ووجَّه رغبته إليك ثقةً بك فأمَّك بطمعه يقيناً.
ونحن هنا أمام الرجاء والأمل، بل الثقة بالكرم واليقين بما وعد به من الإجابة.
وسيأتي الكلام بعد ذلك عن الخوف، وتقديم الرجاء على الخوف ينسجم مع حال التائب حيث أنه بحاجة إلى الرجاء أكثر منه إلى الخوف.
5- وقصدك بخوفه إخلاصاً.
لا بد من الخوف إذاً، وللمذنب أن يخاف بل عليه أن يشتد خوفه، وبمقدار الجناية يكون وجيب القلب، وبمقدار عمقه في النفس تكون الحاجة إلى المُنجي والمغيث فيصبح لعنصري الأمل والرجاء معنىً آخر.ويتفاعل ذلك كله في لحظة اليقظة والوعي، فينتج الشرط السادس للتوبة وهو التضرع والإستغاثة.
6- فمثل بين يديك متضرعاً وغمض بصره إلى الأرض متخشعاً وطأطأ رأسه لعزتك متذللاً وأبثَّك من سرِّه ما أنتَ أعلم به خضوعاً وعدّد من ذنوبه ما أنت أحصى لها خشوعاً واستغاث بك من عظيم ما وقع به من علمك وقبيح ما فضحه في حكمك، من ذنوب أدبرت لذاتها فذهبت وأقامت تبعاتها فلَزِمَتْ.
تقف بنا هذه الفقرات عند الخشوع وتعميق الخجل والحياء وتعداد الذنوب مجدّداً ومعاودة استعراضها لتعميق إدراك قبحها وطلب الصفح من الله تعالى.
كما تقف الفقرات عند رفع وتيرة التضرع لتصل إلى الإستغاثة، كما يستغيث الغريق أو من أحاطت به النار، فيستغيث من الأعماق.
فلنستغث أيها العزيز، واثقين أن ربنا نِعمَ الرب، غياث من لا غياث له،وموضع حاجات الطالبين، ومحب التوابين، وصريخ المستصرخين،وأرحم الراحمين.
هذه ستة شروط إذاً للتوبة وهي كما يلي: إحصاء الذنوب، إدراك خطورتها، الحياء من الله تعالى، رجاء مغفرته عزَّ وجلّ، الخوف من غضبه وأليم عذابه، التضرع والإستغاثة.
* كيف نحصي ذنوبنا؟
يبيِّن آية الله التبريزي رحمه الله أنه يستحب لمن أراد التوبة أن يتخذ دفتراً يسجّل عليه معاصيه فيبقى لمدة يومين يسجّل كل ما يتذكره، والأفضل أن يجعل جدولاً لمعاصي العين، وجدولاً لمعاصي الأذن، واللسان وهكذا.. ويظل يفكر بخطورة ذلك حتى يصبح بكل كيانه جاداً للتوبة مستعداً للعلاج، وتصبح كل ذرّة في وجوده تقول "أستغفر الله ربي وأتوب إليه" عندها تتحقق تلقائياً كل المراتب الأخرى.
* كيف نستغيث؟
أورد هنا بقية دعاء المولى الإمام السجاد عليه السلام، علنا نتعلم منه كيف تكون الإستغاثة:أللهم إني أتوب إليك في مقامي هذا من كبائر ذنوبي وصغائرها وبواطن سيئاتي وظواهرها، وسوالف زلاتي وحوادثها، توبة من لا يحدث نفسه بمعصية، ولا يضمر أن يعود في خطيئة، وقد قلت يا إلهي في محكم كتابك: إنك تقبل التوبة عن عبادك، وتعفو عن السيئات، وتحب التوابين، فاقبل توبتي كما وعدت، واعف عن سيئاتي كما ضمنت، وأوجب لي محبتك كما شرطت. ولك يا رب شرطي ألا أعود في مكروهك، وضماني أن لا أرجع في مذمومك، وعهدي أن أهجر جميع معاصيك، أللهم إنك أعلم بما عملت فاغفر لي ما علمت، واصرفني بقدرتك إلى ما أحببت، أللهم وعلي تبعات قد حفظتُهن، وتبعات قد نسيتُهن، وكلُّهن بعينك التي لا تنام، وعلمك الذي لا ينسى، فعوِّض منها أهلها، واحطط عني وزرها، وخفف عني ثقلها، واعصمني من أن أقارف مثلها، أللهم وإنه لا وفاء لي بالتوبة إلا بعصمتك، ولا استمساك بي عن الخطايا إلا عن قوتك، فقوِّني بقوة كافية وتولني بعصمة مانعة، أللهم أيُّما عبدٍ تاب إليك وهو في علم الغيب عندك فاسخ لتوبته، وعائد في ذنبه وخطيئته، فإني أعوذ بك أن أكون كذلك، فاجعل توبتي هذه توبة لا أحتاج بعدها إلى توبة، توبة موجبة لمحو ما سلف، والسلامة فيما بقي، أللهم إني أعتذر إليك من جهلي، وأستوهبك سوء فعلي، فاضممني إلى كنف رحمتك تطوُّلا، واسترني بستر عافيتك تفضلا، أللهم وإني أتوب إليك من كل ما خالف إرادتك أو زال عن محبتك من خطرات قلبي ولحظات عيني، وحكايات لساني، توبة تَسْلَمُ بها كل جارحة على حيالها من تبعاتك، وتأمن مما يخاف المعتدون من أليم سطواتك، اللهم فارحم وحدتي بين يديك، ووجيب قلبي من خشيتك، واضطراب أركاني من هيبتك، فقد أقامتني - يا رب - ذنوبي مقام الخزي بفِنائك، فإن سكت لم ينطق عني أحد، وإن شفعت فلست بأهل الشفاعة. أاللهم صل على محمد وآله، وشفِّع في خطاياي كرمك، وعد على سيئاتي بعفوك، ولا تجزني جزائي من عقوبتك وابسط علي طَوْلَك، وجللني بسترك، وافعل بي فعل عزيز تضرع إليه عبد ذليل فرحمه، أو غنيٍّ تعرض له عبد فقير فنعشه، اللهم لا خفير لي منك فليخفرني عزك، ولا شفيع لي إليك فليشفع لي فضلك، وقد أوجلتني خطاياي فليؤمِنِّي عفوك، فما كل ما نطقت به عن جهل مني بسوء أثري، ولا نسيانٍ لما سبق من ذميم فعلي، لكن لتسمع سماؤك ومن فيها وأرضك ومن عليها ما أظهرت لك من الندم، ولجأت إليك فيه من التوبة، فلعل بعضهم برحمتك يرحمني لسوء موقفي، أو تدركه الرقة علي لسوء حالي، فينالني منه بدعوة هي أسمع لديك من دعائي، أو شفاعة أَو}كَدُ عندك من شفاعتي تكون بها نجاتي من غضبك وفوزتي برضاك، أللهم إن يكن الندم توبة إليك فأنا أندم النادمين، وإن يكن الترك لمعصيتك إنابة فأنا أول المنيبين، وإن يكن الإستغفار حِطَّةً للذنوب، فإني لك من المستغفرين، أللهم فكما أمرت بالتوبة، وضمنت القبول، وحَثَثْتَ على الدعاء، ووعدت الاجابة، فصل على محمد وآله، واقبل توبتي، ولا تُرجعني مرجع الخَيْبة من رحمتك، إنك أنت التواب على المذنبين والرحيم للخاطئين المنيبين.أللهم صل على محمد وآله، كما هديتنا به، وصل على محمد وآله، كما استنقذتنا به، وصل على محمد وآله، صلوة تشفع لنا يوم القيمة ويوم الفاقة إليك، إنك على كل شئ قدير، وهو عليك يسير.
* دعاء اليوم السادس والعشرين
أللهم اجعل سعيي فيه مشكوراً وذنبي فيه مغفوراً وعملي فيه مقبولاً وعيبي فيه مستوراً يا أسمع السامعين.
إلهي، وقفت ببابك في هذا الشهر مع الواقفين ولسوء حظي انشغلت عنك ولم أنشغل بالطلب منك والتقرب إليك، وها هي قوافل السائرين تستعد لمغادرة باب ضيافتك محمّلةً بأنواع العطايا والهدايا، وها أنا ذا كاليتيم المنقطع فارحمني.طالما فرّطت وأسرفت وهذا قليل سعيي أريد به كثير العطاء فاجعل اللهم قليل سعيي مشكوراً أسعدني برضاك والإستجابة يا أسمع السامعين.
* الغسل
للغسل في هذه الليلة خصوصية منشأها النص عليه بخصوصه، فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام: إغتسل ليلة تسع عشرة، وإحدى وعشرين، وثلاث وعشرين، وسبع عشرين،وتسع وعشرين.
* صلاة الليلة السابعة والعشرين
1- حصة كل ليلة من العشر الأواخر: ثلاثون ركعة، ثمان ركعات بعد صلاة المغرب واثنتان وعشرون بعد صلاة العشاء بالتفصيل الذي تقدم مراراً.
2- عن رسول الله صلى الله عليه وآله:ومن صلى ليلة سبع وعشرين منه أربع ركعات بفاتحة الكتاب مرة و تبارك الذي بيده الملك فإن لم يحفظ تبارك فخمس وعشرون مرة قل هو الله أحد غفر الله له ولوالديه.
3- قال الكفعمي: "ويستحب أن يصلي في كل ليلة من شهر رمضان ركعتين بالحمد".." والتوحيد ثلاثا، فإذا سلَّم قال: سبحان من هو حفيظ لايغفل، سبحان من هو رحيم لايعجل، سبحان من هو قائم لايسهو، سبحان من هو دائم لايلهو. ثم يقول التسبيحات الأربع سبعاً، ثم يقول: سبحانك سبحانك ياعظيم. إغفر لي الذنب العظيم. ثم تصلي على النبي عشراً. من صلاها غفر الله له سبعين ألف ذنب. ".
أسأل الله عزَّ وجلّ أن يوفقنا لمراضيه بالنبي المصطفى وآله، صلوات الله تعالى وسلامه عليهم أجمعين.
والحمد لله رب العالمين1.
شبكة المعارف الاسلامية
تعليق