الحدث الفجيع في تهديم قبور ائمة البقيع (ع) .
بسم الله الرحمن الرحيم .
اللهم صل على محمد وال محمد .
عظم الله اجورنا واجوركم بذكرى تهديم قبور الائمة المعصومين و قبور المؤمنين وسائر المسلمين في بقيع الغرقد ساعد الله قلبك يا مولانا وامامنا المهدي المنتظر ارواحنا له الفداء بهذا المصاب الجلل .
لم تقتصر مظلومية اهل البيت (ع) في زمانهم وايام حياتهم بل استمر الظلم عليهم حتى بعد مماتهم واستشهادهم ، ففي كل زمان ومكان يظهر فيه ثلة من اهل الشقاق والنفاق ممن تلبسوا بلباس البشر ولكنهم اضل من الحيوانات وهم يعلنون العداء لأهل البيت (ع) بألسنتهم وأفعالهم وبشتى الطرق .
ومن ضمن هذه الثلة الضالة هي ثلة الخوارج والنواصب من الوهابيين الذين اعلنوا بأفكارهم الحاقدة وخططهم الشيطانية التي توارثوها من اجدادهم الامويين والعباسيين بعدائهم ومحاربتهم لاهل البيت (ع) عن طريق تهديم قبورهم وسلب ثروات ونفائس مزاراتهم وبث الرعب والتكفير والقتل بين الناس العزل البسطاء .
وفعلا خرجت هذه الفكرة الشيطانية الى واقع مرير وفاجعة اليمة هزت بقاع الارض والسماء حينما تجاسرت الايادي الاثمة النجسة من الوهابيين وبترخيص وتأييد من ال سعود بالمباشرة بتهديم القبور الطاهرة للائمة المعصومين (ع) في البقيع والقبور المحيطة بها وسلبوا النفائس النادرة من اضرحتها واورثوا الارض الخراب بعدما كانت عامرة بالمآذن بالقباب .
*** القرآن وجواز البناء على القبور :
لو تتبعنا القرآن الكريم ـ كمسلمين ـ لرأينا أنّ القرآن الكريم يعظّم المؤمنين ويكرّمهم بالبناء على قبورهم ـ حيث كان هذا الأمر شائعاً بين الأُمم التي سبقت ظهور الإسلام ـ فيحدّثنا القرآن الكريم عن أهل الكهف حينما اكتُشف أمرهم ـ بعد ثلاثمّائة وتسع سنين ـ بعد انتشار التوحيد وتغلّبه على الكفر .
ومع ذلك نرى انقسام الناس إلى قسمين : قسم يقول : ﴿ ... ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا ... ﴾ - 1 - أ - تخليداً لذكراهم ـ وهؤلاء هم الكافرون ـ بينما نرى المؤمنين ـ التي انتصرت إرادتهم فيما بعد ـ يدعون إلى بناء مسجد على الكهف ، بجوار قبور أُولئك الذين رفضوا عبادة غير الله ، كي يكون مركزاً لعبادة الله تعالى .
فلو كان بناء المسجد على قبور الصالحين أو بجوارها علامة على الشرك ، فلماذا صدر هذا الاقتراح من المؤمنين ؟! ولماذا ذكر القرآن اقتراحهم دون نقد أو ردّ ؟! أليس ذلك دليلاً على الجواز : ﴿ ... قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا ﴾ - 1 - ب - .
فهذا تقرير من القرآن الكريم على صحّة هذا الاقتراح ـ بناء المسجد ـ ومن الثابت أنّ تقرير القرآن حجّة شرعية .
إنّ هذا يدلّ على أنّ سيرة المؤمنين الموحّدين في العالم كلّه كانت جارية على البناء على القبور، وكان يُعتبر عندهم نوعاً من التقدير لصاحب القبر ، وتبرّكاً به لما له من منزلة عظيمة عند الله ، ولذلك بني المسجد وأصبحت قبور أصحاب الكهف مركزاً للتعظيم والاحترام .
ولا زالت هذه الحالة موجودة حتّى في وقتنا الحاضر لقبور العظماء والملوك والخالدين ، فهل توجد أخلد وأطهر من ذرّية رسول الله (ص) الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرّهم تطهيراً ؟
*** الفتوى الاثمة بتهديم قبور أئمة البقيع (ع) وغيرها :
بعدما استولى آل سعود على مكّة المكرّمة والمدينة المنوّرة وضواحيهما عام 1344ﻫ ، فكروا بوسيلة ودليل لهدم المراقد المقدّسة في البقيع ، ومحو آثار أهل البيت (ع) والصحابة .
وخوفاً من غضب المسلمين في الحجاز وفي عامّة البلاد الإسلامية ، وتبريراً لعملهم الإجرامي المُضمر في بواطنهم الفاسدة ، استفتوا علماء المدينة المنوّرة حول حُرمة البناء على القبور .
فكتبوا استفتاءً ذهب به قاضي قضاة الوهابيين سليمان بن بليهد مستفتياً علماء المدينة ، فاجتمع مع العلماء أوّلاً وتباحث معهم ، وتحت التهديد والترهيب وقّع العلماء على جواب نُوّه عنه في الاستفتاء بحُرمة البناء على القبور، تأييداً لرأي الجماعة التي كتبت الاستفتاء .
واستناداً لهذا الجواب اعتبرت الحكومة السعودية ذلك مبرّراً مشروعاً لهدم قبور الصحابة والتابعين ، فتسارعت قوى الشرك والوهابية إلى هدم قبور آل الرسول (ص) في الثامن من شوّال من نفس السنة ـ أي عام 1344ﻫ ، 1925 م ـ فهدّموا قبور الأئمّة الأطهار والصحابة في البقيع ، وسوّوها بالأرض وشوّهوا محاسنها ، وتركوها عرضةً لوطئ الأقدام ودوس الهوام . ونهب كلّ ما كان في ذلك الحرم المقدّس ، من فرش وهدايا وآثار قيّمة وغيرها، وحَوّلت ذلك المزار المقدّس إلى أرضٍ موحشة مقفرة.
وبعدما انتشر خبر تهديم القبور ، استنكره المسلمون في جميع بقاع العالم على أنّه عمل إجرامي يسيء إلى أولياء الله ويحطّ من قدرهم ، كما و يحطّ من قدر آل الرسول (ص) وأصحابه .
نشرت جريدة أُمّ القرى بعددها 69 في 17 شوّال 1344ﻫ نصّ الاستفتاء وجوابه ، وكأنّ الجواب قد أُعدّ تأكيداً على تهديم القبور ، وحدّدت تاريخ صدور الفتوى من علماء المدينة بتاريخ 25 رمضان 1344ﻫ ، امتصاصاً لنقمة المسلمين ، إلّا أنّ الرأي العام لم يهدأ ، لا في داخل الحجاز ولا في العالم الإسلامي ، وتوالت صدور التفنيدات للفتوى ومخالفتها للشريعة الإسلامية .
وليت شعري أين كان علماء المدينة المنوّرة عن منع البناء على القبور ووجوب هدمه قبل هذا التاريخ ؟!
ولماذا كانوا ساكتين عن البناء طيلة هذه القرون من صدر الإسلام وما قبل الإسلام وإلى يومنا هذا ؟!
ألم تكن قبور الشهداء والصحابة مبنيّ عليها ؟
ألم تكن هذه الأماكن مزارات تاريخية موثّقة لأصحابها ؟
*** تعريف بقيع الغرقد (جنة البقيع) قبل الهدم :
أصل البقيع في اللغة : الموضع الذي فيه ارم الشجر من ضروب شتى ، وبه سمي بقيع الغرقد ، والغرقد : كبار العوسج ، فلذا سُمّي ببقيع الغرقد لأن هذا النوع من الشجر كان كثيراً فيه ، ولكنه قُطع بعد ذلك .
يقول الدكتور محمّد البكري الذي شارك في تأليف كتاب بقيع الغرقد : ( إن النبيّ خرج لنواحي المدينة وأطرافها باحثاً عن مكان يدفن فيه أصحابه ، حتى جاء البقيع وقال : أمرتُ بهذا الموضع ، وكان شجر الغرقد كثيراً فسُميت به ) .
*** تعريف بقيع الغرقد بعد الهدم بلسان الباحثين الغرب :
ووصف البقيع الرحالة السويسري (لويس بورخات) والذي اعتنق الاسلام وسمى نفسه ابراهيم بقوله : (هي عبارة عن مربع كبير تبلغ سعته مئات من الخطوات ، محاط بجدار يتصل من الجهة الجنوبية بضاحية البلدة ، وبساتين النخيل الأخرى . وتبدوا المقبرة حقيرة جداً لا تليق بقدسية الشخصيات المدفونة فيها . وقد تكون أقذر وأتعس من أية مقبرة موجودة في المدن الشرقية الأخرى التي تضاهي المدينة المنورة في حجمها ، فهي تخلوا من أي قبر مشيد تشييداً مناسباً ، وتنشر القبور فيها وهي أكوام غير منتظمة من التراب يحد كل منها عدد من الأحجار الموضوعة فوقها . وقد خّرب الوهابيون قبورهم وعبثوا بها) . ( حمزة الحسن ، الشيعة في المملكة السعودية، ص211..)
ثم يصف هذا الرحالة قبور أئمة أهل البيت (ع) وقبر العباس (ع) وعمات النبي (ص) بالقول : ( فالموقع بأجمعه عبارة عن أكوام من التراب المبعثر، وحفر عريضة ومزابل ) .
أما جبل أحد فيقول عنه هذا الرحالة بأنه وجد المسجد الذي شيد حول قبر حمزة (رض) وغيره من شهداء أحد مثل مصعب بن عمير وجعفر بن شماس وعبد الله بن جحش قد هدمه الوهابيون وعلى مسافة وجد قبور اثني عشر صحابيا من شهداء أحد وقد خرب الوهابيون قبورهم وعبثوا بها .
وقد وصف الرحالة الغربي إيلدون رتر : ( المدينة المنورة بعد الجريمة الثانية التي نفذها الوهابيون عند استيلائهم على المدينة وقتلهم الآلاف من الأبرياء ، يقول : لقد هدمت واختفت عن الأنظار القباب البيضاء التي كانت تدل على قبور آل البيت النبوي ... وأصحاب القبور الأخرى نفس المصير فسحقت وهشمت ) .
*** تكرار النواصب لجريمة هدم مقبرة البقيع :
لم تكن فاجعة تهديم قبور ائمة البقيع في الثامن من شهر شوال سنة 1344 هـ ، هي الجريمة الاولى للنواصب بل تكررت هذه الجريمة في سنة 1220 هـ على يد هذه الزمرة التكفيرية ايضا .
*** البقيع في قلب ولسان الشعراء :
لقد نظم كثير من الشعراء هذه الجريمة النكراء ، منهم العلّامة السيّد صدر الدين الصدر(قدس سره) فقال :
لعـمري إنّ فاجعة البقيـع *** يُشيبُ لهولها فؤاد الرضيع .
وسوف تكون فاتحة الرزايا *** إذا لم يُصحَ من هذا الهجوع .
أما من مسلمٍ لله يرعى *** حقوق نبيّه الهادي الشفيع . - 2 -
وقال شاعر آخر :
لِمن القبور الدارسات بطيبة *** عفت لها أهل الشقا آثارا .
قُل للّذي أفتى بهدم قبورهم *** أن سوف تصلى في القيامة نارا
أعَلِمتَ أيّ مراقد هدمتها *** هي للملائك لا تزال مزارا . - 3 -
**************************
1 - أ ، ب - القران الكريم ، سورة الكهف التسلسل 18 ، الآية 21 ، ص 296 .
2 - بحوث في الملل والنحل ج 1 / ص 339.
3 - ليالي بيشاور ، المجلس 3 .
بسم الله الرحمن الرحيم .
اللهم صل على محمد وال محمد .
عظم الله اجورنا واجوركم بذكرى تهديم قبور الائمة المعصومين و قبور المؤمنين وسائر المسلمين في بقيع الغرقد ساعد الله قلبك يا مولانا وامامنا المهدي المنتظر ارواحنا له الفداء بهذا المصاب الجلل .
لم تقتصر مظلومية اهل البيت (ع) في زمانهم وايام حياتهم بل استمر الظلم عليهم حتى بعد مماتهم واستشهادهم ، ففي كل زمان ومكان يظهر فيه ثلة من اهل الشقاق والنفاق ممن تلبسوا بلباس البشر ولكنهم اضل من الحيوانات وهم يعلنون العداء لأهل البيت (ع) بألسنتهم وأفعالهم وبشتى الطرق .
ومن ضمن هذه الثلة الضالة هي ثلة الخوارج والنواصب من الوهابيين الذين اعلنوا بأفكارهم الحاقدة وخططهم الشيطانية التي توارثوها من اجدادهم الامويين والعباسيين بعدائهم ومحاربتهم لاهل البيت (ع) عن طريق تهديم قبورهم وسلب ثروات ونفائس مزاراتهم وبث الرعب والتكفير والقتل بين الناس العزل البسطاء .
وفعلا خرجت هذه الفكرة الشيطانية الى واقع مرير وفاجعة اليمة هزت بقاع الارض والسماء حينما تجاسرت الايادي الاثمة النجسة من الوهابيين وبترخيص وتأييد من ال سعود بالمباشرة بتهديم القبور الطاهرة للائمة المعصومين (ع) في البقيع والقبور المحيطة بها وسلبوا النفائس النادرة من اضرحتها واورثوا الارض الخراب بعدما كانت عامرة بالمآذن بالقباب .
*** القرآن وجواز البناء على القبور :
لو تتبعنا القرآن الكريم ـ كمسلمين ـ لرأينا أنّ القرآن الكريم يعظّم المؤمنين ويكرّمهم بالبناء على قبورهم ـ حيث كان هذا الأمر شائعاً بين الأُمم التي سبقت ظهور الإسلام ـ فيحدّثنا القرآن الكريم عن أهل الكهف حينما اكتُشف أمرهم ـ بعد ثلاثمّائة وتسع سنين ـ بعد انتشار التوحيد وتغلّبه على الكفر .
ومع ذلك نرى انقسام الناس إلى قسمين : قسم يقول : ﴿ ... ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا ... ﴾ - 1 - أ - تخليداً لذكراهم ـ وهؤلاء هم الكافرون ـ بينما نرى المؤمنين ـ التي انتصرت إرادتهم فيما بعد ـ يدعون إلى بناء مسجد على الكهف ، بجوار قبور أُولئك الذين رفضوا عبادة غير الله ، كي يكون مركزاً لعبادة الله تعالى .
فلو كان بناء المسجد على قبور الصالحين أو بجوارها علامة على الشرك ، فلماذا صدر هذا الاقتراح من المؤمنين ؟! ولماذا ذكر القرآن اقتراحهم دون نقد أو ردّ ؟! أليس ذلك دليلاً على الجواز : ﴿ ... قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا ﴾ - 1 - ب - .
فهذا تقرير من القرآن الكريم على صحّة هذا الاقتراح ـ بناء المسجد ـ ومن الثابت أنّ تقرير القرآن حجّة شرعية .
إنّ هذا يدلّ على أنّ سيرة المؤمنين الموحّدين في العالم كلّه كانت جارية على البناء على القبور، وكان يُعتبر عندهم نوعاً من التقدير لصاحب القبر ، وتبرّكاً به لما له من منزلة عظيمة عند الله ، ولذلك بني المسجد وأصبحت قبور أصحاب الكهف مركزاً للتعظيم والاحترام .
ولا زالت هذه الحالة موجودة حتّى في وقتنا الحاضر لقبور العظماء والملوك والخالدين ، فهل توجد أخلد وأطهر من ذرّية رسول الله (ص) الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرّهم تطهيراً ؟
*** الفتوى الاثمة بتهديم قبور أئمة البقيع (ع) وغيرها :
بعدما استولى آل سعود على مكّة المكرّمة والمدينة المنوّرة وضواحيهما عام 1344ﻫ ، فكروا بوسيلة ودليل لهدم المراقد المقدّسة في البقيع ، ومحو آثار أهل البيت (ع) والصحابة .
وخوفاً من غضب المسلمين في الحجاز وفي عامّة البلاد الإسلامية ، وتبريراً لعملهم الإجرامي المُضمر في بواطنهم الفاسدة ، استفتوا علماء المدينة المنوّرة حول حُرمة البناء على القبور .
فكتبوا استفتاءً ذهب به قاضي قضاة الوهابيين سليمان بن بليهد مستفتياً علماء المدينة ، فاجتمع مع العلماء أوّلاً وتباحث معهم ، وتحت التهديد والترهيب وقّع العلماء على جواب نُوّه عنه في الاستفتاء بحُرمة البناء على القبور، تأييداً لرأي الجماعة التي كتبت الاستفتاء .
واستناداً لهذا الجواب اعتبرت الحكومة السعودية ذلك مبرّراً مشروعاً لهدم قبور الصحابة والتابعين ، فتسارعت قوى الشرك والوهابية إلى هدم قبور آل الرسول (ص) في الثامن من شوّال من نفس السنة ـ أي عام 1344ﻫ ، 1925 م ـ فهدّموا قبور الأئمّة الأطهار والصحابة في البقيع ، وسوّوها بالأرض وشوّهوا محاسنها ، وتركوها عرضةً لوطئ الأقدام ودوس الهوام . ونهب كلّ ما كان في ذلك الحرم المقدّس ، من فرش وهدايا وآثار قيّمة وغيرها، وحَوّلت ذلك المزار المقدّس إلى أرضٍ موحشة مقفرة.
وبعدما انتشر خبر تهديم القبور ، استنكره المسلمون في جميع بقاع العالم على أنّه عمل إجرامي يسيء إلى أولياء الله ويحطّ من قدرهم ، كما و يحطّ من قدر آل الرسول (ص) وأصحابه .
نشرت جريدة أُمّ القرى بعددها 69 في 17 شوّال 1344ﻫ نصّ الاستفتاء وجوابه ، وكأنّ الجواب قد أُعدّ تأكيداً على تهديم القبور ، وحدّدت تاريخ صدور الفتوى من علماء المدينة بتاريخ 25 رمضان 1344ﻫ ، امتصاصاً لنقمة المسلمين ، إلّا أنّ الرأي العام لم يهدأ ، لا في داخل الحجاز ولا في العالم الإسلامي ، وتوالت صدور التفنيدات للفتوى ومخالفتها للشريعة الإسلامية .
وليت شعري أين كان علماء المدينة المنوّرة عن منع البناء على القبور ووجوب هدمه قبل هذا التاريخ ؟!
ولماذا كانوا ساكتين عن البناء طيلة هذه القرون من صدر الإسلام وما قبل الإسلام وإلى يومنا هذا ؟!
ألم تكن قبور الشهداء والصحابة مبنيّ عليها ؟
ألم تكن هذه الأماكن مزارات تاريخية موثّقة لأصحابها ؟
*** تعريف بقيع الغرقد (جنة البقيع) قبل الهدم :
أصل البقيع في اللغة : الموضع الذي فيه ارم الشجر من ضروب شتى ، وبه سمي بقيع الغرقد ، والغرقد : كبار العوسج ، فلذا سُمّي ببقيع الغرقد لأن هذا النوع من الشجر كان كثيراً فيه ، ولكنه قُطع بعد ذلك .
يقول الدكتور محمّد البكري الذي شارك في تأليف كتاب بقيع الغرقد : ( إن النبيّ خرج لنواحي المدينة وأطرافها باحثاً عن مكان يدفن فيه أصحابه ، حتى جاء البقيع وقال : أمرتُ بهذا الموضع ، وكان شجر الغرقد كثيراً فسُميت به ) .
*** تعريف بقيع الغرقد بعد الهدم بلسان الباحثين الغرب :
ووصف البقيع الرحالة السويسري (لويس بورخات) والذي اعتنق الاسلام وسمى نفسه ابراهيم بقوله : (هي عبارة عن مربع كبير تبلغ سعته مئات من الخطوات ، محاط بجدار يتصل من الجهة الجنوبية بضاحية البلدة ، وبساتين النخيل الأخرى . وتبدوا المقبرة حقيرة جداً لا تليق بقدسية الشخصيات المدفونة فيها . وقد تكون أقذر وأتعس من أية مقبرة موجودة في المدن الشرقية الأخرى التي تضاهي المدينة المنورة في حجمها ، فهي تخلوا من أي قبر مشيد تشييداً مناسباً ، وتنشر القبور فيها وهي أكوام غير منتظمة من التراب يحد كل منها عدد من الأحجار الموضوعة فوقها . وقد خّرب الوهابيون قبورهم وعبثوا بها) . ( حمزة الحسن ، الشيعة في المملكة السعودية، ص211..)
ثم يصف هذا الرحالة قبور أئمة أهل البيت (ع) وقبر العباس (ع) وعمات النبي (ص) بالقول : ( فالموقع بأجمعه عبارة عن أكوام من التراب المبعثر، وحفر عريضة ومزابل ) .
أما جبل أحد فيقول عنه هذا الرحالة بأنه وجد المسجد الذي شيد حول قبر حمزة (رض) وغيره من شهداء أحد مثل مصعب بن عمير وجعفر بن شماس وعبد الله بن جحش قد هدمه الوهابيون وعلى مسافة وجد قبور اثني عشر صحابيا من شهداء أحد وقد خرب الوهابيون قبورهم وعبثوا بها .
وقد وصف الرحالة الغربي إيلدون رتر : ( المدينة المنورة بعد الجريمة الثانية التي نفذها الوهابيون عند استيلائهم على المدينة وقتلهم الآلاف من الأبرياء ، يقول : لقد هدمت واختفت عن الأنظار القباب البيضاء التي كانت تدل على قبور آل البيت النبوي ... وأصحاب القبور الأخرى نفس المصير فسحقت وهشمت ) .
*** تكرار النواصب لجريمة هدم مقبرة البقيع :
لم تكن فاجعة تهديم قبور ائمة البقيع في الثامن من شهر شوال سنة 1344 هـ ، هي الجريمة الاولى للنواصب بل تكررت هذه الجريمة في سنة 1220 هـ على يد هذه الزمرة التكفيرية ايضا .
*** البقيع في قلب ولسان الشعراء :
لقد نظم كثير من الشعراء هذه الجريمة النكراء ، منهم العلّامة السيّد صدر الدين الصدر(قدس سره) فقال :
لعـمري إنّ فاجعة البقيـع *** يُشيبُ لهولها فؤاد الرضيع .
وسوف تكون فاتحة الرزايا *** إذا لم يُصحَ من هذا الهجوع .
أما من مسلمٍ لله يرعى *** حقوق نبيّه الهادي الشفيع . - 2 -
وقال شاعر آخر :
لِمن القبور الدارسات بطيبة *** عفت لها أهل الشقا آثارا .
قُل للّذي أفتى بهدم قبورهم *** أن سوف تصلى في القيامة نارا
أعَلِمتَ أيّ مراقد هدمتها *** هي للملائك لا تزال مزارا . - 3 -
**************************
1 - أ ، ب - القران الكريم ، سورة الكهف التسلسل 18 ، الآية 21 ، ص 296 .
2 - بحوث في الملل والنحل ج 1 / ص 339.
3 - ليالي بيشاور ، المجلس 3 .
تعليق