أيُّهَا الإخوة والأخوات أقرأُ عليكم نصَّ ما وردَ من مكتب سماحة السيّد السيستاني ( مُدّ ظِلّه ) في النجف الأشرف بمناسبة ذكرى فتوى الدفاع الكفائي .
( في مثل يوم أمس الثالث عشر من حزيران – 2014م ، أي قبل خمسة أعوام انطلق من هذا المكان المُقدّس نداءُ المرجعيّة العليا وفتواها الشهيرة بوجوب الدفاع الكفائي ، حيث دعت المواطنين القادرين على حمل السلاح للانخراط في القوّات الأمنيّة للدفاع عن العراق وشعبه ومُقدّساته أمام هجمة الإرهابيين الدّواعش الّذين كانوا قد اجتاحوا مساحاتٍ شاسعةً في عدد من المحافظات وباتوا يهدّون العاصمةَ بغدادَ ومحافظات أخرى أيضاً .
فهبّ رجالُ العراق الأبطال شيباً وشباباً ، ومن مختلف الشرائح الاجتماعيّة واندفعوا إلى ساحات القتال بشكل منقطع النظير وهِمّة لا توصف ، وخاضوا لأزيد من ثلاثة أعوام المعاركَ الضارية بكفاءة عالية تجلّت فيها البطولة بأروع صورها وأعمق معانيها.
وقد قدّموا عشراتِ الآلاف مِن الشُهداء وأضعاف ذلك من الجرحى والمُصابين انقاذاً للوطن الغالي وفداءً للحرمات والمقدّسات حتّى منّ اللهُ تعالى بالنصر المُؤزّر ، وتمكنوا من دحر الإرهابيين وتخليص الأراضي المغتصبة من رجس المعتدين والقضاء على دولتهم المزعومة .
ولم يكن ليتحقّق هذا الانجاز التاريخي العظيم لولا تكاتف العراقيين وتلاحمهم وتوحيد صفوفهم ، وتجاوز القوى السياسيّة لخلافاتهم وتنازعهم على المصالح الشخصيّة والفئويّة أمام المصلحة العليا للوطن والمواطن في مختلف المكونات ، وبالإضافة إلى تعاون الدول الصديقة والشقيقة ومساهمتها الفاعلة في دحر الإرهاب الدّاعشي.
ولكن وبعد أن وضعَت الحربُ أوزارها وتحقّق الانتصار المُبين وتمّ تطهير مختلف المناطق من دنس الإرهابيين دبّ الخِلافُ من جديد مُعلَنَاً تارةً ومَخفيَّاً تارةً أخرى في صفوف الأطراف التي تمسك بزمام الأمور وتفاقم الصراع بين قوى تُريد الحفاظَ على مكتسباتها السابقة وبين قوى برزت أثناء الصراع مع داعش الإرهابي تسعى لتكريس حضورها للحصول على مُكتسباتٍ مُعيّنة.
ولا يزال التكالبُ على المناصب والمواقع كوزارتي الدفاع والداخليّة والمحاصصة المَقيتة يعيق من إكمال التشكيلة الوزاريّة ، ولا يزال الفساد المُستشري في مؤّسسات الدّولة لم يُقابل بخطواتٍ عمليّة واضحة للحدّ منه ومحاسبة المتورطين فيه .
ولا تزال البيروقراطيّة الإداريّة وعدم توفر فرص العمل والنقص الحاد في الخدمات الأساسيّة باستياء دون تحّسن وتنغّص على المواطنين حياتهم.
ولا تزال القوانين التي منحت امتيازات مجحفة لفئات معيّنة على حساب أبناء الشعب سارية المفعول ولم يتم تعديلها.
كلّ ذلك في ظلّ أوضاع بالغة الخطورة في هذه المنطقة الحسّاسة وتصاعد التوتّر فيها بعد فترة الهدوء النسبي الذي شهدته ولانشغال الجميع بالحرب على داعش.
إنَّ استمرارَ الصراع على المَغانم والمكاسب وإثارة المشاكل الأمنيّة والعشائريّة والطائفيّة هنا أو هناك لأغراض معيّنة وعدم الإسراع في معالجة المشاكل في المناطق المُتضرّرة التي شهدت الحربَ على الإرهاب يمنحُ فلولَ داعش فرصةً مناسبةً للقيام بالاعتداء والإضرار بمصلحة الاستقرار ، ولربّما يجد حواضن لدى بعض الناقمين والمُتذمرين فيزدادُ الأمر تعقيداً .
إنَّ تطبيعَ الأوضاع في تلك المناطق وتوفير الأمن فيها على أسس مَهنيّة تُراعي حُرمةَ المواطن وتمنحه فرصةَ العيش بعزٍّ وكرامة وتمنع مِن التعدي والتجاوز على حقوقه القانونية يتسم بالضرورة القصوى وبخلاف ذلك تزداد مخاطر العود بالبلد إلى الظروف التي لا تُنسَى آلامها ومآسيها .
إنَّ على الجهات المَعنيّة بالملف الأمني أن تكون حذرةً جدّاً مِمّا يمكن أن يَحدثَ نتيجةً للعوامل المُشارِ إليها وأن تتعامل بمهنيّة تامة مع هذا الملف المُهم وتُولي عنايةً خاصةُ للجهد الاستخباري لإحباط مُخطّطات الإرهابيين قبل تنفيذها وتوفّر مُراقبة دقيقة للمناطق التي يمكن أن تكون مَحطّةً لتحرّكاتهم ، ولا تسمح بأيّ إهمالٍ أو تقصيرٍ في هذا المجال.
تحيةُ إجلالٍ وإكبارٍ للشُهداء العِظام وللأحبّة في أسرهم وعوائلهم وللأعزّاء من المُقاتلين الجرحى والمُعاقين وللرجال الأبطال مِن مُختلَف صنوف القوّات المُسلحة والأجهزة الأمنيّة الّذين يسهرون على أمن الوطن واستقراره وحماية المُواطنين والمُقيمين.
نسألُ اللهَ تعالى أن يحفظَهم ويُسدّد خُطاهم ويأخذَ بيد الجميع لما فيه خيرُ البلادِ والعباد ، إنّه أرحم الراحمين وصلّى اللهُ على مُحَمّدٍ وآله الطيّبين الطّاهرين ، والحمدُ للهِ على كُلّ حالٍ )
:: أهمُّ ما جاءَ في خِطابِ المَرجَعيَّةِ الدِّينيّةِ العُليَا الشَريفَةِ , اليَوم, الجُمْعَة ، العاشر مِن شوال 1440 هجري، الرابع عشَر من حزيران ، 2019 م ::
عَلَى لِسَانِ الوكيلِ الشرعي، سماحة السيّد أحمَد الصافي ، دامَ عِزّه ، خَطيب وإمَام الجُمعَةِ فِي الحَرَمِ الحُسَيني المُقَدّسِ .
___________________________________________
تدوين – مرتضَى علي الحلّي – النجف الأشرُفُ .
تعليق