بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
نص الشبهة:
تروي بعض كتب الشيعة عن جعفر الصادق أنه قال لامرأة سألته عن أبي بكر وعمر: أأتولاهما؟! قال: توليهما. فقالت: فأقول لربي إذا لقيته إنك أمرتني بولايتهما؟! قال لها: نعم (روضة الكافي: 8 / 237). وتروي أن رجلاً من أصحاب الباقر تعجب حين سمع وصف الباقر لأبي بكر «رضي الله عنه» بأنه الصديق، فقال الرجل: أتصفه بذلك؟! فقال الباقر: نعم الصديق، فمن لم يقل له: الصديق، فلا صدق الله له قولاً في الآخرة (كشف الغمة: 2 / 360). فما رأي الشيعة بأبي بكر الصديق «رضي الله عنه»؟!
الجواب:
أولاً: قلنا: إن الشيعة يقبلون بكل ما دلَّ الدليل القاطع، والبرهان الساطع عليه، وإذا رجعنا إلى ما روي، من وصف أبي بكر بالصديق، فسنرى أنه موضع نقاش، فقد روي عن أمير المؤمنين «عليه السلام» أنه قال في خلافته على منبر البصرة: «أنا الصديق الأكبر، والفاروق الأعظم، لا يقولها بعدي إلا كاذب (أو إلا كذَّاب مفتر)» 1.
بالإضافة إلى أحاديث كثيرة أخرى كلها تصب في هذا الإتجاه.
فإن هذا يدلُّ على أن منح لقب الصديق لغير علي «عليه السلام» قد جاء في وقت متأخر عن زمن أبي بكر..
وبذلك يتطرق الشك الكبير إلى صحة الرواية التي ذكرها الأربلي «رحمه الله»، إذ لا يمكن أن يكون الإمام الصادق «عليه السلام» قد كذب جده علياً «عليه السلام» في هذا الأمر، ولا يمكن أن يدعو الله عليه: بأن لا يصدق الله له قولاً في الدنيا ولا في الآخرة..
ثانياً: إن الروايتين اللتين وردتا في السؤال ضعيفتان سنداً، فلا يصح الإعتماد عليهما، ولا الإحتجاج بهما.. وقد وصف المجلسي «رحمه الله» في مرآة العقول الرواية الأولى عن الإمام الصادق «عليه السلام» بالضعف 2، كما أن رواية كشف الغمة عن الإمام الباقر «عليه السلام» ضعيفة أيضاً لعدم ذكره السند، ولأن أبا نعيم وابن عساكر روياها عن يونس بن بكير، عن أبي عبد الله الجعفي عن عروة بن عبد الله 3.
والجعفي هو عمرو بن شمر، وهو متفق على ضعفه من العامة والخاصة.
وابن بكير ضعفه النسائي وغيره.
وعروة بن عبد الله. لم يوثق في رجال الشيعة، بل هو مجهول 4. وهو ممن يروي عن عبد الله بن الزبير بواسطة البعض، فمن يروي عن ابن الزبير لا مجال للوثوق به، ولا سيما فيما يرتبط بأبي بكر، وعلي «عليه السلام».. فإنه من أشد المبغضين لعلي «عليه السلام».
ثالثاً: إن الرواية التي نقلها السائل، عن أن الإمام جعفر الصادق «عليه السلام» قد أمر إحدى النساء بتولي أبي بكر وعمر، لم ينقلها بتمامها، فإن سائر فقراتها تدلُّ على أن الإمام الصادق «عليه السلام» لم يكن يقصد المعنى الذي أراده السائل.. فإن تلك المرأة استأذنت على أبي عبد الله، فقال «عليه السلام» لأبي بصير: أيسرك أن تسمع كلامها ؟!
قال: فقلت: نعم.
قال: فأذن لها.
قال: وأجلسني معه على الطنفسة، قال: ثم دخلت فتكلمت، فإذا امرأة بليغة، فسألته عنهما، فقال لها: توليهما ؟!
قالت: فأقول لربي إذا لقيته: إنك أمرتني بولايتهما.
قال: نعم.
قالت: فإن هذا الذي معك على الطنفسة يأمرني بالبراءة منهما، وكثير النوا يأمرني بولايتهما، فأيهما خير وأحب إليك ؟!
قال: هذا والله أحب إلي من كثير النوا وأصحابه، إن هذا يخاصم، فيقول: ﴿ ... وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ﴾ 5.﴿ ... وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ 6. ﴿ ... وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ 78.
فهذا النص الكامل يظهر: أنه «عليه السلام» استدرجها لتسجل هذه الملاحظة، وتبين وجود الاختلاف في تولي أبي بكر وعمر في تلك الفترة، ثم بينَّ أن عدم توليهما أحب إليه، مستدلاً على ذلك بالآيات الثلاث المشار إليها.. وأكد ذلك بما أظهره من إكرام وتقريب لأبي بصير، حتى أجلسه على الطنفسة معه.
وخلاصة الأمر: إن هذه الرواية لا تصلح للإستدلال بها على ما أراده السائل، لضعف سندها أولاً، ولأنها على ضد مطلوبه أوضح وأدلّ..
رابعاً: أما رأي الشيعة في أبي بكر، فهم يقولون: إنه قد أخطأ خطأً فادحاً باستيلائه على الخلافة بعد رسول الله «صلى الله عليه وآله» بعد بيعته علياً «عليه السلام» في يوم الغدير.
وأخطأ في أخذه فدكاً من فاطمة الزهراء «عليها السلام»، وأخطأ في كل ما كان سبباً فيه، أو كان راضياً عنه، كالذي تعرضت له الزهراء «عليها السلام» له من محن وآلام، ومن ضرب وإسقاط جنين، ومن محاولة لإحراق بيتها بمن فيه، وكانت فيه هي وزوجها علي بن أبي طالب «عليه السلام»، وولداها الحسن والحسين «عليهم السلام»..
والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد وآله.. 9.
1. راجع: مستدرك الحاكم ج3 ص112 وتلخيصه للذهبي (هامش نفسه الصفحة)، والأوائل ج1 ص195 وفرائد السمطين ج1 ص248 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج13 ص228 وراجع ج1 ص30 والبداية والنهاية ج3 ص26 والخصائص للنسائي ص46 بسند رجاله ثقات، وسنن ابن ماجة ج1 ص44 بسند صحيح، وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص56 والكامل في التاريخ ج2 ص57 وذخائر العقبي ص60 عن الخلفي، والآحاد والمثاني (مخطوط في كوپرلي رقم 235)، ومعرفة الصحابة لأبي نعيم (مخطوط في مكتبة طوپ قپوسراي رقم 497) ج1 وتذكرة الخواص ص108 عن أحمد في المسند، وفي الفضائل، وفي هوامش ترجمة الإمام علي «عليه السلام» من تاريخ ابن عساكر (بتحقيق المحمودي) ج1 ص44 و 45 عن: المصنف لابن أبي شيبة ج6 الورق 155 / أ وكنز العمال (ط 2) ج15 ص107 عن ابن أبي شيبة، والنسائي، وابن أبي عاصم في السنة، والعقيلي والحاكم، وأبي نعيم، وعن العقيلي في ضعفائه ج6 الورق 139، ومعرفة الصحابة لأبي نعيم ج1 الورق 22 / أ وتهذيب الكمال للمزي ج14 الورق 193 / ب وعن تفسير الطبري، وعن أحمد في الفضائل الحديث 117 ورواه في ذيل إحقاق الحق (الملحقات) ج4 ص369 عن ميزان الإعتدال ج1 ص417 وج2 ص11 و 212 والغدير ج2 ص314 عن كثير ممن تقدم، وعن الرياض النضرة ص155 و 158 و 127 وراجع: اللآلي المصنوعة ج1 ص321.
2. مرآة العقول ج5 ص244.
3. راجع: حلية الأولياء ج3 ص185 وصفة الصفوة ج2 ص109 وتاريخ مدينة دمشق ج54 ص283 وسير أعلام النبلاء للذهبي ج4 ص408.
4. تنقيح المقال ج2 ص251 ورجال النجاشي ص287 ورجال ابن الغضائري ص74 وخلاصة الأقوال ص378 و 94 ورجال ابن داود ص264 و 235 وقاموس الرجال للتستري ج10 ص239 وج11 ص159 ومعجم رجـال الحديث ج14 ص117 والطبقات الكبرى لابن سعد ج6 ص380 وتاريخ ابن معين ج1 ص206 و 321 والتاريخ الصغير ج2 ص186 والتاريخ الكبير للبخاري ج6 ص344 وكتاب الضعفاء والمتروكين ص220 وضعفاء العقيلي ج3 ص275 والجرح والتعديل ج6 ص239 وكتاب المجروحين لابن حبان ج2 ص75 والكامل لابن عدي ج5 ص129 وكتاب الضعفاء لأبي نعيم ص118.
5. القران الكريم: سورة المائدة (5)، الآية: 44، الصفحة: 115.
6. القران الكريم: سورة المائدة (5)، الآية: 45، الصفحة: 115.
7. القران الكريم: سورة المائدة (5)، الآية: 47، الصفحة: 116.
8. والحديث في الكافي ج8 ص101.
9. ميزان الحق.. (شبهات.. وردود)، السيد جعفر مرتضى العاملي، المركز الإسلامي للدراسات، الطبعة الأولى، 1431 هـ. ـ 2010 م.، الجزء الثاني، السؤال رقم (61).
تعليق