نص الشبهة:
الجواب:
قال بعض المخالفين للشيعة : لماذا لم يتكلم علي رضي الله عنه عندما طلب الرسول صلى الله عليه وسلم قبل وفاته أن يكتب لهم كتاباً لن يضلوا بعده أبداً ، وهو الشجاع الذي لا يخشى إلا الله ؟! وهو يعلم أن السكوت عن الحق ليس في محله !!
الجواب:
أن هذا الإشكال يشير إلى رزية الخميس التي وقعت قبيل وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله بأربعة أيام، وهي مروية في صحيح البخاري ومسلم بسنده عن ابن عباس، قال: لما اشتد بالنبي صلى الله عليه وآله وجعه قال: ائتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده. قال عمر: إن النبي صلى الله عليه وآله غلبه الوجع، وعندنا كتاب الله حسبنا. فاختلفوا وكثر اللغط، قال: قوموا عني، ولا ينبغي عندي التنازع. فخرج ابن عباس يقول: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وآله وبين كتابه1.
والعجيب أن هذا المخالف ومن كان على شاكلته لا يغلطون عمر بن الخطاب في اعتراضه على رسول الله صلى الله عليه وآله، وحيلولته دون كتابة هذا الكتاب الذي لا تضل الأمة به بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله، بل يصوِّبونه، ويعدّون ذلك من دلائل فقه عمر بن الخطاب، ويغلطون رسول الله صلى الله عليه وآله، لزعمهم أن النبي صلى الله عليه وآله تراجع عن طلبه، ورأى رأي عمر، ولذلك لم يصر على كتابة ذلك الكتاب!!
وهؤلاء القوم لا يكتفون بتغليط النبي صلى الله عليه وآله في هذه الحادثة، بل يحاولون جاهدين أن يغلطوا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب الذي لم يرد له أي ذكر فيها لا من قريب ولا من بعيد، وإشكال هذا المخالف مبتن على ذلك، فهو يعترض على أمير المؤمنين بأنه لم يقم بإحضار الكتاب الذي طلبه رسول الله صلى الله عليه وآله، وهذا يدل على مخالفته لأمره صلى الله عليه وآله، فيشمله الذم الذي شمل من كان حاضراً في بيت رسول الله صلى الله عليه وآله في ذلك الوقت.
إلا أن هذا الإيراد يندفع بعدة أموروالعجيب أن هذا المخالف ومن كان على شاكلته لا يغلطون عمر بن الخطاب في اعتراضه على رسول الله صلى الله عليه وآله، وحيلولته دون كتابة هذا الكتاب الذي لا تضل الأمة به بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله، بل يصوِّبونه، ويعدّون ذلك من دلائل فقه عمر بن الخطاب، ويغلطون رسول الله صلى الله عليه وآله، لزعمهم أن النبي صلى الله عليه وآله تراجع عن طلبه، ورأى رأي عمر، ولذلك لم يصر على كتابة ذلك الكتاب!!
وهؤلاء القوم لا يكتفون بتغليط النبي صلى الله عليه وآله في هذه الحادثة، بل يحاولون جاهدين أن يغلطوا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب الذي لم يرد له أي ذكر فيها لا من قريب ولا من بعيد، وإشكال هذا المخالف مبتن على ذلك، فهو يعترض على أمير المؤمنين بأنه لم يقم بإحضار الكتاب الذي طلبه رسول الله صلى الله عليه وآله، وهذا يدل على مخالفته لأمره صلى الله عليه وآله، فيشمله الذم الذي شمل من كان حاضراً في بيت رسول الله صلى الله عليه وآله في ذلك الوقت.
1- أنه لا دليل على أن أمير المؤمنين كان حاضراً في ذلك الوقت، فلعله لم يكن موجوداً، وكل أحاديث القوم لا تدل على أن علي بن أبي طالب كان حاضراً، وعلى من يدّعي أن أمير المؤمنين كان حاضراً أن يثبت ذلك بدليل صحيح.
نعم روى الشيخ المفيد قدس سره في كتابه الإرشاد خبراً طويلاً جاء فيه:
فلما سلم انصرف [النبي صلى الله عليه وآله] إلى منزله واستدعى أبا بكر وعمر وجماعة ممن حضر المسجد من المسلمين، ثم قال: ألم آمر أن تنفذوا جيش أسامة؟! قالوا: بلى يا رسول الله. قال: فلمَ تأخرتم عن أمري؟ فقال أبو بكر: إنني كنت خرجت، ثم عدت لأجدِّد بك عهداً. وقال عمر: يا رسول الله، لم أخرج لأنني لم أحب أن أسأل عنك الركب. فقال النبي صلى الله عليه وآله: فأنفذوا جيش أسامة، فأنفذوا جيش أسامة (يكرِّرها ثلاث مرات)، ثم أغمي عليه من التعب الذي لحقه والأسف، فمكث هنيهة مغمى عليه، وبكى المسلمون، وارتفع النحيب من أزواجه وولده والنساء المسلمات ومن حضر من المسلمين، فأفاق عليه وآله السلام، فنظر إليهم، ثم قال: ائتوني بدواة وكتف، أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده أبداً. ثم أغمي عليه، فقام بعض من حضر يلتمس دواة وكتفاً، فقال له عمر: ارجع، فإنه يهجر! فرجع. وندم من حضره على ما كان منهم من التضجيع في إحضار الدواة والكتف، فتلاوموا بينهم، فقالوا: إنا لله وإنا إليه راجعون، لقد أشفقنا من خلاف رسول الله. فلما أفاق صلى الله عليه وآله قال بعضهم: ألا نأتيك بكتف يا رسول الله ودواة؟ فقال: أبعد الذي قلتم! لا، ولكنني أوصيكم بأهل بيتي خيراً. ثم أعرض بوجهه عن القوم فنهضوا، وبقي عنده العباس والفضل وعلي بن أبي طالب وأهل بيته خاصة، فقال له العباس: يا رسول الله، إن يكن هذا الأمر فينا مستقرًّا بعدك فبشِّرنا، وإن كنت تعلم أنا نُغلب عليه فأوص بنا. فقال: أنتم المستضعَفون من بعدي. وأصمت، فنهض القوم وهم يبكون، قد أيسوا من النبي صلى الله عليه وآله2.
وهذه الرواية تدل على أن أمير المؤمنين كان حاضراً في المجلس عندما أمر النبي صلى الله عليه وآله القوم بإحضار الدواة والكتف؛ ليكتب لهم كتاباً لا يضلون بعده، إلا أن هذه الرواية لا تصح سنداً، بل هي مروية من غير إسناد، فلا يصح الاحتجاج بها.
2- أنا لو سلَّمنا أن أمير المؤمنين كان حاضراً في البيت في ذلك الوقت، فإن ذلك لا يقتضي الطعن فيه بعدم امتثال أمر النبي صلى الله عليه وآله ؛ لأن الطعن إنما يلحق الذين طعنوا في رسول الله صلى الله عليه وآله بأنه يهجر أو غلبه الوجع، والذين حالوا بينه وبين كتابة الكتاب بقول أو عمل، وأما من كان حاضراً ولم يصدر منه أي مخالفة فلا يجوز الطعن فيه بشيء؛ لأننا لا نعلم الدواعي التي منعته من إحضار الكتاب، فنحمل فعله على سبعين محملاً من الخير.
3- أن الحديث بجميع طرقه المروية في كتب الشيعة وأهل السنة لم يدل بأي دلالة على أن النبي صلى الله عليه وآله أمر أمير المؤمنين بإحضار الدواة والكتف، وأن أمير المؤمنين خالف في ذلك، أو تلكأ، أو تباطأ؛ ليتجه الطعن في أمير المؤمنين بأنه لم يمتثل أمر النبي صلى الله عليه وآله، فربما كان المأمور بذلك غيره.
4- أنَّا لو سلَّمنا بأن أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب كان هو المأمور بإحضار الدواة والكتف، أو كان المأمور بذلك كل من كان حاضراً في البيت، ومن ضمنهم أمير المؤمنين، فإن ذلك لا يقتضي الطعن في أمير المؤمنين بأنه لم يحضر الدواة والكتف؛ لأن شغب عمر ومن كان معه حال دون إحضار الدواة والكتف، ومنَعَ النبي صلى الله عليه وآله من الإصرار على كتابة الكتاب؛ لعدم الفائدة من كتابته بعدما قال القوم ما قالوا، ولهذا وبَّخهم، وأمرهم بالقيام والانصراف.
5- أن أمير المؤمنين لم يجابه القوم الذين حالوا دون كتابة الكتاب بقول أو عمل؛ لأنه كان في محضر رسول الله صلى الله عليه وآله، وليس له أن يفعل فعلاً، أو يقول قولاً إلا بأمره صلى الله عليه وآله وبإذنه، فإذا لم يأمره النبي صلى الله عليه وآله بشيء فإن أمير المؤمنين لا يؤاخَذ بأي مؤاخذة، ولا يلام بأي لوم.
المصادر
1. صحيح البخاري 1/38، 4/85، 121، 6/11، 7/155، 9/137، صحيح مسلم 3/1257 - 1259 بألفاظ متقاربة.
2. الإرشاد 1/183
نعم روى الشيخ المفيد قدس سره في كتابه الإرشاد خبراً طويلاً جاء فيه:
فلما سلم انصرف [النبي صلى الله عليه وآله] إلى منزله واستدعى أبا بكر وعمر وجماعة ممن حضر المسجد من المسلمين، ثم قال: ألم آمر أن تنفذوا جيش أسامة؟! قالوا: بلى يا رسول الله. قال: فلمَ تأخرتم عن أمري؟ فقال أبو بكر: إنني كنت خرجت، ثم عدت لأجدِّد بك عهداً. وقال عمر: يا رسول الله، لم أخرج لأنني لم أحب أن أسأل عنك الركب. فقال النبي صلى الله عليه وآله: فأنفذوا جيش أسامة، فأنفذوا جيش أسامة (يكرِّرها ثلاث مرات)، ثم أغمي عليه من التعب الذي لحقه والأسف، فمكث هنيهة مغمى عليه، وبكى المسلمون، وارتفع النحيب من أزواجه وولده والنساء المسلمات ومن حضر من المسلمين، فأفاق عليه وآله السلام، فنظر إليهم، ثم قال: ائتوني بدواة وكتف، أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده أبداً. ثم أغمي عليه، فقام بعض من حضر يلتمس دواة وكتفاً، فقال له عمر: ارجع، فإنه يهجر! فرجع. وندم من حضره على ما كان منهم من التضجيع في إحضار الدواة والكتف، فتلاوموا بينهم، فقالوا: إنا لله وإنا إليه راجعون، لقد أشفقنا من خلاف رسول الله. فلما أفاق صلى الله عليه وآله قال بعضهم: ألا نأتيك بكتف يا رسول الله ودواة؟ فقال: أبعد الذي قلتم! لا، ولكنني أوصيكم بأهل بيتي خيراً. ثم أعرض بوجهه عن القوم فنهضوا، وبقي عنده العباس والفضل وعلي بن أبي طالب وأهل بيته خاصة، فقال له العباس: يا رسول الله، إن يكن هذا الأمر فينا مستقرًّا بعدك فبشِّرنا، وإن كنت تعلم أنا نُغلب عليه فأوص بنا. فقال: أنتم المستضعَفون من بعدي. وأصمت، فنهض القوم وهم يبكون، قد أيسوا من النبي صلى الله عليه وآله2.
وهذه الرواية تدل على أن أمير المؤمنين كان حاضراً في المجلس عندما أمر النبي صلى الله عليه وآله القوم بإحضار الدواة والكتف؛ ليكتب لهم كتاباً لا يضلون بعده، إلا أن هذه الرواية لا تصح سنداً، بل هي مروية من غير إسناد، فلا يصح الاحتجاج بها.
2- أنا لو سلَّمنا أن أمير المؤمنين كان حاضراً في البيت في ذلك الوقت، فإن ذلك لا يقتضي الطعن فيه بعدم امتثال أمر النبي صلى الله عليه وآله ؛ لأن الطعن إنما يلحق الذين طعنوا في رسول الله صلى الله عليه وآله بأنه يهجر أو غلبه الوجع، والذين حالوا بينه وبين كتابة الكتاب بقول أو عمل، وأما من كان حاضراً ولم يصدر منه أي مخالفة فلا يجوز الطعن فيه بشيء؛ لأننا لا نعلم الدواعي التي منعته من إحضار الكتاب، فنحمل فعله على سبعين محملاً من الخير.
3- أن الحديث بجميع طرقه المروية في كتب الشيعة وأهل السنة لم يدل بأي دلالة على أن النبي صلى الله عليه وآله أمر أمير المؤمنين بإحضار الدواة والكتف، وأن أمير المؤمنين خالف في ذلك، أو تلكأ، أو تباطأ؛ ليتجه الطعن في أمير المؤمنين بأنه لم يمتثل أمر النبي صلى الله عليه وآله، فربما كان المأمور بذلك غيره.
4- أنَّا لو سلَّمنا بأن أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب كان هو المأمور بإحضار الدواة والكتف، أو كان المأمور بذلك كل من كان حاضراً في البيت، ومن ضمنهم أمير المؤمنين، فإن ذلك لا يقتضي الطعن في أمير المؤمنين بأنه لم يحضر الدواة والكتف؛ لأن شغب عمر ومن كان معه حال دون إحضار الدواة والكتف، ومنَعَ النبي صلى الله عليه وآله من الإصرار على كتابة الكتاب؛ لعدم الفائدة من كتابته بعدما قال القوم ما قالوا، ولهذا وبَّخهم، وأمرهم بالقيام والانصراف.
5- أن أمير المؤمنين لم يجابه القوم الذين حالوا دون كتابة الكتاب بقول أو عمل؛ لأنه كان في محضر رسول الله صلى الله عليه وآله، وليس له أن يفعل فعلاً، أو يقول قولاً إلا بأمره صلى الله عليه وآله وبإذنه، فإذا لم يأمره النبي صلى الله عليه وآله بشيء فإن أمير المؤمنين لا يؤاخَذ بأي مؤاخذة، ولا يلام بأي لوم.
المصادر
1. صحيح البخاري 1/38، 4/85، 121، 6/11، 7/155، 9/137، صحيح مسلم 3/1257 - 1259 بألفاظ متقاربة.
2. الإرشاد 1/183
تعليق