أهلا وسهلا بكم في منتدى الكـــفـيل
إذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التفضل بزيارة صفحة
التعليمات
كما يشرفنا أن تقوم
بالتسجيل ،
إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة القسم الذي ترغب أدناه.
تحدثنا في الدروس السابقة عن الخلفيات الأخلاقية التي ينبغي أن تتوفر في المجاهد في سبيل الله تعالى، وسنتحدث في هذا الدرس عن الوظائف التي ينبغي أن يقوم بها المجاهد على الصعيد الديني، والالتزام بالعبادات الفرديَّة.
وسيكون الحديث عن أداء الواجبات واجتناب الممنوعات، والاحتياط والتقوى بشكل عام، والعبادات المستحبة الأخرى.
الالتزام بالواجبات وترك المحرمات
هو أمر أساسي وأصل لكل الأمور الأخرى، بل لا يمكننا الحديث عن أي من الأمور غير الواجبة قبل أن نحرز أن الشخص ملتزم بالواجبات، إذ "لا قربة بالنوافل إذا أضرّت بالفرائض"1، كما في الحديث عن أمير المؤمنين عليه السلام.
والتهاون في الأمور المستحبة قد يكون أمراً لا يلوم الله تعالى عليه، لأنه في النهاية مستحب، وإن كان لا ينبغي التقصير في هذا الجانب، إلا أن الواجبات هي الخط الأحمر الذي لا يمكن لأي منّا أن يتجاوزه، وفي مضمون هذا الكلام الرواية
69
عن أمير المؤمنين عليه السلام: "خادع نفسك في العبادة، وأرفق بها ولا تقهرها، وخذ عفوها ونشاطها، إلاّ ما كان مكتوباً عليك من الفريضة، فإنه لا بدّ من قضائه 2 وتعاهدها عند محلّها"3.
كما أن الالتزام بالواجبات الشرعية ليس بأمر لا تأثير له، بل هو المسبب الأول للتقوى، فالصلاة هي التي تنهى عن الفحشاء والمنكر والصوم يثبت الإخلاص ويعلم الصبر، وإلى هذا المعنى أشار حديث رسول الله الأكرم صلى الله عليه وسلم: "إعمل بفرائض الله تكن أتقى الناس"4.
ولكن لا يكفي أن يقوم المرء والمجاهد بفعل الواجبات من دون تحقيق أمر آخر، ألا وهو ترك المحرمات والمناهي التي نهى الله تعالى عباده عنها، يقول الله تعالى:
﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾5.
ويقول تعالى في آية أخرى: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ﴾6.
وللتذكرة نذكر هنا نقطتين أساسيتين يمكن لنا من خلالهما أن نذكر النفس الغافلة لكي تتباعد عن الذنب والمعصية وارتكاب الحرام:
70
الأولى:
إن الله سبحانه وتعالى لم يزرع الشهوات في النفس ويأمر بالقضاء عليها، وإنما أمر بتوجيهها ووضع الحدود لها، حتى تكون ضمن إطارها المفيد لا المضر، وبالتالي فالسبل أمامنا ليست مغلقة، والحرام ليس هو الشيء الوحيد الذي يمكننا التوسل به، وإنما الأمر بالعكس تماماً فطرق الحلال أرحب، وأرضى لله تعالى، ولهذا المعنى يشير حديث أمير المؤمنين عليه السلام: "ما نهى الله سبحانه عن شيء إلا وأغنى عنه"7.
الثانية:
إن الأمور المحرمة في الغالب يستقبحها كل ذي عقل وفطرة سليمة، لهذا ترى أن الكثير من غير المتدينين، لا يقربون هذه المحرمات التي يحكم العقل بأنها قبيحة كالكذب والظلم والغيبة وإفشاء السر وسائر القبائح الأخرى، عن أمير المؤمنين عليه السلام: "لو لم ينه الله سبحانه عن محارمه لوجب أن يجتنبها العاقل"8.
الاحتياط في الشبهات
والاحتياط في الموارد التي فيها شبهة الحرام من الصفات التي يتحلى بها المؤمن المجاهد، فإن من يسعى للوصول إلى الله تعالى، لا بد وأن يبتعد عن كل مورد يشك في أنه سيؤدي به إلى انحراف الوجهة عن الهدف الذي يسعى إليه، وقد أكدت الكثير من الروايات الشريفة على ضرورة الابتعاد عن الشبهات، منها ما ورد في الحديث الشريف عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "دع ما يريبك الى ما لا يريبك، فمن رعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه"9.
وعن أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام: "أمسك عن طريق إذا خفت ضلالة، فإن الكف عن حيرة الضلالة خير من ركوب الأهوال"10.
71
فإن في الابتعاد عن هذه الموارد التي يحتمل فيها الضلال أمان لدين المجاهد المؤمن، وعلينا أن نلتفت إلى وسوسة الشيطان وتسويل النفس الأمارة بالسوء وطبيعة الدنيا التي تخفي المساوىء، فإذا أدركنا ذلك بقلوبنا يصبح اجتنابنا للشبهات أمراً يسيراً.
فمن المحتمل أن يكون في مورد الشبهات هلاك المرء أي هلاك دينه، وخسرانه لآخرته، فما أهون الابتعاد أمام احتمال خسران الآخرة، كما ورد في الرواية عن الإمام الباقر عليه السلام: "الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة"11.
عمود لا يترك
إن المسألة الأخطر في هذا المقام، مقام الحديث عن أداء الواجبات الشرعية والبعد عن المحرم والشبهات، هي مسألة التهاون بفريضة الصلاة.
فالصلاة التي ملأت آيات القرآن الكريم وكتب الأحاديث التي تتحدث عنها، وعن أهميتها هي العمود الذي لا يترك.
والمقصود من ترك الصلاة هنا التهاون والاستخفاف بقدرها وأدائها فالصلاة:
وجه الدين: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لكلّ شيء وجه، ووجه دينكم الصلاة"12.
والصلاة هي المعيار التي يقاس بها دين المرء فمن استخف بصلاته وأضاعها، فمن الطبيعي أن يكون مهملاً لسائر الواجبات الأخرى، لأن القداسة التي أعطاها الله تعالى للصلاة واعتبارها عمود الدين إن اخترقت كان اختراق سائر الواجبات أمراً سهلاً وعادياً، فعن الإمام علي عليه السلام من كتابه لمحمد بن أبي بكر: "واعلم أن كل شيء من عملك تبع لصلاتك، فمن ضيّع الصلاة فإنه لغيرها أضيع"13.
والصلاة أفضل الأعمال بعد المعرفة:
72
فعن الإمام الصادق عليه السلام لما سئل عن أفضل الأعمال بعد المعرفة: "ما من شيء بعد المعرفة يعدل هذه الصلاة"14.
فالمطلوب بالدرجة الأولى منّا أن لا نؤخر الصلاة عن وقتها، فأداء الصلاة في أول الوقت ليس بالأمر العادي، بل هو ميزة وفضل تحلى به الشهداء العظام، وأمرنا به الأئمة عليه السلام:
عن الإمام علي عليه السلام: "ليس عمل أحب إلى الله عز وجل من الصلاة، فلا يشغلنكم عن أوقاتها شيء من أمور الدنيا؛ فإن الله عز وجل ذمّ أقواماً فقال: ﴿الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُون﴾15. يعني أنهم غافلون استهانوا بأوقاتها"16.
التهجد والدعاء
هي ميزة تحلى بها الكثير من الشهداء، حين تغفو عيون الناس، كانت أعينهم تستيقظ، ويكون حديث الدموع والبكاء والعشق الإلهي، يكون السجود والصلاة والمناجاة...
فالأحاديث الكثيرة التي حثّت على السحر وقيام الليل خلقت فيهم عشقاً لساعات لقاء المحبوب، وقد وصفهم أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة المتقين فقال: "أما الليل فصافّون أقدامهم، تالين لأجزاء القرآن يرتلونها ترتيلا، يحزّنون به أنفسهم، ويستثيرون به دواء دائهم"17.
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إن الله جل جلاله أوحى إلى الدنيا: أتعبي من خدمك واخدمي من رفضك، وإن العبد إذا تخلى بسيده في جوف الليل المظلم وناجاه أثبت الله النور في قلبه، فإذا قال: يا ربّ، ناداه الجليل جل جلاله: لبيك عبدي سلني أعطك، وتوكّل عليّ أكفك.
ثم يقول جل جلاله للملائكة: ملائكتي، انظروا الى عبدي قد تخلى بي في جوف
73
هذا الليل المظلم، والبطاّلون لاهون، والغافلون ينامون، اشهدوا أني قد غفرت له"18.
حزب الله حقاً
ومن كان بهذه الصفة فهو من حزب الله حقاً فعن الإمام علي عليه السلام: "طوبى لنفس أدّت إلى ربّها فرضها وعركت بجنبها بؤسها، وهجرت في الليل غمضها حتى إذا غلب الكرى عليها افترشت أرضها وتوسدت كفّها في معشر أسهر عيونهم خوف معادهم، وتجافت عن مضاجعهم جنوبهم، وهمهمت بذكر ربّهم شفاههم، وتقشعت بطول استغفارهم ذنوبهم، أولئك حزب الله، ألا إنّ حزب الله هم المفلحون"19.
74
خلاصة الدرس
إن الواجبات هي الخط الأحمر الذي لا يمكن لأي منّا أن يتجاوزه، وفي مضمون هذا الكلام الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام: "خادع نفسك في العبادة، وأرفق بها ولا تقهرها. وخذ عفوها ونشاطها، إلاّ ما كان مكتوباً عليك من الفريضة؛ فإنه لا بدّ من قضائها وتعاهدها عند محلّها".
الاحتياط في الموارد التي فيها شبهة الحرام من الصفات التي يتجلى بها المؤمن المجاهد، فإن من يسعى للوصول إلى الله تعالى، لا بد وأن يبتعد عن كل مورد يشك في انه سيؤدي به إلى انحراف الوجهة عن الهدف الذي يسعى إليه، وقد أكدت الكثير من الروايات الشريفة على ضرورة ذلك.
من الصفات التي تحلى بها الكثير من الشهداء أنهم حين تغفو عيون الناس، كانت أعينهم تستيقظ، لتجلي مع المحبوب في الليل، ويكون حديث الدموع والبكاء والعشق الإلهي، يكون السجود والصلاة والمناجاة.
أسئلة حول الدرس
1- من هم حزب الله حقاً؟
2- ما المقصود من أداء الواجبات؟
3- هل ترك الشبهات أمر ضروري؟
4- لماذا نبتعد عن الشبهات؟
● هل تصح الصلاة إلى أيّ جهة في حال مانعيّة شدة المعركة في الحرب من تحديد جهة القبلة؟
- إذا لم يحصل له الظن بجهة معينة وكان الوقت واسعاً فيجب على الأحوط أن يصلي لأربع جهات وأما إذا لم يتسع الوقت لذلك فيصلي إلى الجهات المحتملة بقدر ما يتسع له الوقت21.
للمطالعة
ذلك البيت
المهمَّة عادية.. خاصةً لمن تمرَّس التوغُّل جنوباً داخل الأراضي التي تقع خلف الأسلاك... يسير حاملاً بندقيته على كتفه وبحذرٍ يتبع المجموعة التي تهدف إلى نسف ذلك الموقع القابع فوق تلةٍ تشرف على قريته... تلك القرية الساكنة داخل القلب...
كان يسير مندفعاً كأنه يسابق نفسه... نصفه العلوي يتقدَّم على بقية جسده، فالتعب يعيق سرعة قدميه... لقد بدأت رائحة أرضه تذيب أحاسيسه، شيءٌ جميل أن يشم المرء جزءاً من ماضيه.
يرى فيه بيته الصغير وأمه ترش الماء على التراب. إن صور الماضي يراها أمامه هكذا، بل وأكثر كأنه يستعيد منظراً عاشه قبل دقائق وحسب.
انطلق عبر الأسلاك الشائكة... وانزلق بين الحقول في حذر مستمداً من رائحة ترابه شعوراً بقدرة لا تقهر وأصابعه تطبق على سلاحه ... حبس أنفاسه وهو يرقب من خلال الأشجار بيت الطفولة الذي لا يستطيع زيارته إلاَّ عن بُعد وفي الليالي الموحشة...
لقد كان بيتاً جميلاً على ما فيه من تواضع، أما الآن فقد هدم اليهود ناحيةً منه، والناحية الثانية التي تتكي على صخور الجبل قد علاها الغبار وصبغتها ذرات رصاصية من دخان الحريق الذي شبَّ فيه بعد القصف.
إنها المرة الأولى التي يأتي فيها لزيارة قريته بعد أن دخلها اليهود...
وفجأة وبدون أي سابق إنذار سقطت أمامه صورة مدوية مروّعة اجتاحته كالطوفان... قبل ذلك الحادث بأيامٍ عديدة كان يشهد كيف كانت تتساقط القرى شبراً شبراً وكيف كان الرجال يتراجعون شبراً شبراً... ولا زال مشدوداً حتى الآن إلى دمعة كبيرة في عيني والده الواسعتين تغرس أمام الجميع تساؤلات كثيرة... إلى أين؟ وأرضك لمن تتركها؟ لقد قدَّمت الشيء الكثير لها ولكن هل هذا يكفي؟ لو قدمت روحك ما كفى... بقي ذلك الوالد في هذه البقعة الجميلة... فهو لا يريد أن يفقد ماضيه الحبيب...
وقد عرفه الجميع رجال المقاومة وأطفال القرية واليهود أيضاً وكادوا أن يعهدوا وجهه كجزء لا ينفصل عن القرية كلها... وأصبح أقوى، أكثر هدوءاً... ثائراً، جباراً... ولم يستطع اليهود أن يتحملوه أكثر... فأطلقوا النار عليه... ووصلت جثته إلى البيت مدلاة وينزف من فمه الدم...
انتهت المهمَّة فاتَّكأ بظهره المبتل على صخرة وفرش ساقيه أمامه وبدأ ينظر إلى السماء... كانت غيومٌ داكنة تتسابق وقد توهجت أطرافها بضوء الشمس التي بدأت تبزغ...
هل يمكن أن نعود مرَّة ثانية إلى هنا؟ وفي منتصف النهار وليس كما نعود الآن؟
تعليق