إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

المجاهد والمجتمع

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • المجاهد والمجتمع

    المجاهد والمجتمع
    تمهيد

    بعد أن كان الحديث عن الوظائف العباديَّة للمجاهد في سبيل الله تعالى، وما عليه القيام به من العبادات الفردية، وعن علاقته بالله تعالى، ينبغي لنا الحديث عن الوظائف الإجتماعية للمجاهد.

    ونعني بذلك، كيفية علاقته بالناس وما عليه أن يراعيه في العلاقة معهم من الأمور، وهل أن لديه واجباً تجاه الناس، وتجاه الأمة بشكل عام؟



    أنت القدوة

    يحتل المجاهد في سبيل الله محلاً في قلوب الناس، بمعنى أن الأنظار تتجه إليه دوماً، ويتوقع منه أن يكون في أعلى مراتب الأخلاق والعشرة، فالمجاهد في نظر الناس هو الشخص الملتزم قلباً وقالباً بالحكم الشرعي الإلهي، ولا يتوقع منه في العادة أن يقوم بما ينافي هذا الالتزام.

    ولو فرض أن المجاهد قام بما يخالف التزامه الشرعي فإن هذا سيكون له العديد من الآثار، فمن جهة سيقدم نموذجاً ربما يقلده الآخرون، ومن جهة أخرى ستكون مدعاةً لتوهين الخط والحطِّ من مقام المجاهدين ومحلهم في قلوب الناس،


    79
    فعلى المجاهد دائماً أن يقدم القدوة الحسنة، وليتذكر ما روي عن الإمام الصادق عليه السلام: "كونوا زيناً لنا ولا تكونوا شيناً، كونوا مثل أصحاب علي عليه السلام في الناس إن كان الرجل منهم ليكون في القبيلة فيكون إمامهم ومؤذنهم وصاحب أماناتهم وودائعهم... ولا يسبقوكم "الناس"إلى خير، فأنتم والله أحق منهم به"1.


    الاهتمام بشعب الجهاد

    إن الشعب المضحي، والمجتمع المقاوم الذي يتحمل مسؤولية تربية وتخريج المجاهدين ودعمهم يستحق من المجاهد حداً أدنى من الالتزام تجاهه، ولا أقل من الاحترام والالتفات إليه، ومنحه الرعاية اللازمة ولو بالتضامن القلبي معه.
    ودعت الكثير من رواياتنا إلى الاهتمام بأمور المسلمين، والحنو عليهم وتقديم الخدمة إليهم، ففي الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من أصبح لا يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم"2.

    كما علّمنا قادتنا في الجهاد أن نخدم الناس بأشفار عيوننا، وكلنا يعلم ما في خدمة المؤمنين من أجر عند الله تعالى، ففي الرواية عن رسول الله الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "دخل عبد الجنّة بغصن من شوك كان على طريق المسلمين فأماطه عنه"3.

    بل من اللازم أن يحيط المجاهد من يليه من المؤمنين بالحنان الذي يشعرون به بأنه معهم كالجسد الواحد، فما يلقونه يلقاه، وما يعنيهم يعنيه تماماً، تطبيقاً للرواية المروية عن إمامنا أبي عبد الله الصادق عليه السلام: "المؤمن أخو المؤمن كالجسد الواحد، إن اشتكى شيئ منه وجد ألم ذلك في سائر جسده. وأرواحهما من روح واحدة، وإنّ روح المؤمن لأشّد اتصالاً بروح الله من اتصال شعاع الشمس بها"4.


    80
    حسن العشرة

    ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ5.

    تتحدث الآية الشريفة، عن صفات أمر الله تعالى بها وهي صفات اجتماعية لها علاقة بعلاقة الناس ببعضهم البعض، فالإحسان للوالدين وحسن الجوار، والبر باليتامى والمساكين، والإيجابية في التعاطي مع الناس، هذه الصفات التي تعنى بعلاقة المؤمن بمجتمعه تجتمع كلّها تحت صفة أخلاقية واحدة يمكننا أن نسميها حسن العشرة.

    والمؤمن المجاهد أولى الناس بالالتزام بهذه الصفات لأنه الأقرب إلى الله تعالى بسب ما أولاه تعالى من نعمة الجهاد في سبيله، بالإضافة إلى ما ذكرناه من كونه قدوة تستلهم منه الناس النموذج الإلهي الأمثل.

    وقد حثت كثير من الروايات والآيات الكريمة على حسن العشرة بين الناس، ومنها ما ورد في وصية أمير المؤمنين عليه السلام لابنه محمد بن الحنفية: "ألزم نفسك التودد، وصبّر على مؤونات الناس نفسك، ابذل لصديقك نفسك ومالك، ولمعرفتك رفدك ومحضرك، وللعامة بشرَكَ ومحبَّتك، ولعدوِّك عَدلَكَ وإنصَافَكَ، واضنن بدينك وعرضِكَ عن كلِّ أحدٍ، فإنَه أسلم لدينك ودُنيَاك"6.

    وإن من أهم الخصال التي ينبغي أن لا تترك في أي حالٍ حسن البشر، فخلافاً لما يتوهمه البعض من أن العبوس وتقطيب الجبين فضيلة، فإن أهل البيت عليه السلام أمرونا بحسن البشر وأن نلقى الناس بالبسمة الصادقة، وأما الحزن فهو في القلب، وهمّ النفس بأمر الآخرة ينبغي أن لا ينعكس عبوساً بوجه الناس، فعن أمير المؤمنين عليه السلام: "إن أحسن ما يألف به الناس قلوب أودائهم، ونفوا به


    81
    الضغن عن قلوب أعدائهم، حسن البشر عند لقائهم، والتفقّد في غيبتهم، والبشاشة بهم عند حضورهم"7.

    فالمجاهد الذي يعيش في جهاده احتمال الانتقال لعالم الشهادة، ما أحسن أن ينتقل لجوار ربه مخلفاً وراءه ذكراً طيباً وأثراً من أخلاقه يتأثر به القريب والبعيد، فكم نتأثر حينما نسمع عن صفات ذاك المجاهد، وأخلاق ذاك الشهيد، ونحاول أن نسعى لنصل لمقاماتهم الأخلاقية التي وصلوا إليها تأثراً بهم، واقتباساً من نهجهم، وجرياً على خطاهم التي بوركت، سارت حباً في طريق الله تعالى، فهم قد حققوا كلام أمير المؤمنين علي عليه السلام إذ يقول في وصيّته لبنيه عند احتضاره: "يا بنيّ، عاشروا الناس عشرة إن غبتم حنوا إليكم، وإن فقدتم بكوا عليكم"8، وهم شركاء في أجر كل عمل صالح تسببوا به.



    إعانة المظلوم

    أمة الجهاد هي أمةٌ تستحق منا كل الخدمة وكل الإعانة، كيف لا وهي الظهر الحامي والدرع المانع من أن تنال خاصرة المجاهدين بسوء، وهل المجاهدون هم من مجتمع غير مجتمع الصمود الذي ينتمون إليه؟

    فلهذا من أهم الواجبات الاجتماعية على المجاهد في سبيل الله تعالى إعانة المظلومين من أمة الجهاد، وأهل الصمود، وقد حثت على هذا المعنى الكثير من الروايات منها ما عن رسول الله الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في ذكر ما خاطب الله تعالى به داود عليه السلام: "يا داود، إنه ليس من عبد يعين مظلوماً أو يمشي معه في مظلمته إلا أثبت قدميه يوم تزل الأقدام"9.

    وإنما من أهداف الدفاع عن الأمة رفع نير الظلم عن هؤلاء الناس، والجهاد في أغلب موارده دفاع عن مصالح المؤمنين وأرضهم وأعراضهم وشرفهم، وأخذ للحق


    82
    المغتصب من الظالم لإرجاعه إلى المظلوم، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من أخذ للمظلوم من الظالم كان معي في الجنّة مصاحباً"10.



    الإحسان للناس جميعاً

    ولا يقتصر إعانة الناس على إعانة خصوص المجاهدين والمتدينين فقط، فإن إعانة الناس التي أمرنا بها أهل البيت عليه السلام هي إعانة لكل الناس ولو انحرفوا في توجهاتهم أو قصّروا في الالتزام الشرعي، والإحسان للناس وعونهم قد يحبب التدين إليهم ويقربهم من النهج الصحيح، ويقدم لهم صورة عن عظمة أخلاق المجاهدين، ولهذا كانت الروايات التي تأمرنا بالإحسان للناس جميعاً، وبدون أي تفريق بين القريب والبعيد والمؤمن والفاسق، والموافق والمخالف، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "رأس العقل بعد الإيمان بالله التودد إلى الناس واصطناع الخير إلى كلّ برّ وفاجر"11.



    ثواب إعانة المتضررين

    من يتأمل في الروايات الشريفة التي رويت عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليه السلام، يذهل من عظمة الأجر والثواب على إعانة الناس المظلومة المقهورة، فمن هذه الروايات:

    - ثقل الميزان بالحسنات: عن رسول الله الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "من قاد ضريراً أربعين خطوة على أرض سهلة، لا يفي بقدر إبرة من جميعه طلاع الأرض ذهباً، فإن كان فيما قاده مهلكة جوّزه عنها وجد ذلك في ميزان حسناته يوم القيامة أوسع من الدنيا مائة ألف مرّة"12.


    83
    - الفوز بالجنة: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من ردّ عن قوم من المسلمين عادية ماء أو نار وجبت له الجنّة"13.

    - غفران الذنوب: عن الإمام علي عليه السلام: "من ردّ عن المسلمين عادية ماء، أو عادية نار أو عادية عدوّ مكابر للمسلمين، غفر الله له ذنبه"14.


    84
    خلاصة الدرس
    يحتل المجاهد في سبيل الله محلاً في قلوب الناس، بمعنى أن الأنظار تتجه له دوماً، ويتوقع منه أن يكون في أعلى مراتب الأخلاق والعشرة الحسنة، فالمجاهد في نظر الناس هو الشخص الملتزم قلباً وقالباً بالحكم الشرعي الإلهي.

    إن الشعب المضحي، والمجتمع المجاهد يستحق من المجاهد حداً أدنى من الالتزام تجاهه، ولا أقل من الاحترام والالتفات إليه، ومنحه الرعاية اللازمة ولو بالتضامن القلبي معه.

    من أهم الواجبات الاجتماعية على المجاهد في سبيل الله تعالى إعانة المظلومين.

    من ثواب إعانة المظلوم، الفوز بالجنة، وغفران الذنوب، وثقل الميزان بالحسنات، والفوز بمحبة الله.
    أسئلة حول الدرس
    1- ما هو موقع المجاهد في قلوب الناس؟
    2- ما هي الأمور الإجتماعية التي ينبغي على المجاهد مرعاتها؟
    3- ما هي الآثار السلبية لعدم التزام المجاهد بالحكم الشرعي؟
    4- ما هو ثواب إعانة المظلوم؟
    للحفظ
    عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "الخلق عيال الله، فأحب الخلق الى الله من نفع عيال الله، وأدخل على أهل بيت سروراً".

    عن رسول الله الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم - في ذكر ما خاطب الله تعالى به داود عليه السلام: "يا داود، إنه ليس من عبد يعين مظلوماً أو يمشي معه في مظلمته إلا اثبّت قدميه يوم تزل الأقدام".
    فقه الجهاد
    متى يسقط الوضوء عن المجاهد؟

    1- عدم وجود الماء كما لو كان محاصراً في منطقة لا يوجد فيها ماء وصار وقت الصلاة، وبحث عن الماء في الجهات الأربعة المحيطة به 63 متراً من كل جهة ولم يجد، أو لم يكن بإمكانه البحث، وجب عليه التيمم15.
    2- عدم كفاية الماء كما لو كان الماء لديه يكفيه للشرب فقط ولا يكفي للطهارة فيجب عليه التيمم.
    3- الخوف من الوصول إلى الماء بسبب الخطر الذي يتعرض له لو حاول الوصول إليه16 كما لو كان الماء واقعاً تحت نيران العدو.
    4- الضرر من استعمال الماء كما لو كان بعينيه رمد أو مصاباً بالجدري أو أي شيء يسبب الأذية من استعمال الماء17.
    5- عدم كفاية الماء لإزالة النجاسة عن البدن ثم الوضوء، فلو كان على جسد المكلف نجاسة والماء لا يكفي إلا لرفعها أو الوضوء دون التطهير، وجب رفع النجاسة بالماء ثم التيمم عوضاً عن الوضوء18.
    للمطالعة
    قبّله الإمام الحسين عليه السلام - 1-

    ظهرت تباشير الفجر وأخذ الرجال يتحرّكون، هذا يتوضأ وهذا يصلي، ودبّت حركة غير طبيعية فيهم فإذا هم بين قائم وقاعد وقارىء للقرآن... ثم أخذت المجموعات تعيد انتظامها وشكلها العسكري واستقرت الأثقال على الظهور والأسلحة على الأكتاف.. وجاء توجيه قائد العملية:

    - هذه الطريق التي سوف نسلكها خطيرة جداً وتحت مرمى دبابات العدو ونيران مواقعه فعليكم الحذر والهدوء والمسير بشكل عسكري جيد..

    ثم تم تقسيم الرجال إلى ثلاث مجموعات على أن تعبر المنطقة الخطرة كل مجموعة على حدة، وفعلاً فقد وصلت المجموعة الأولى بأمان، وجاء دور مجموعتنا الثانية، شرعنا في المسير بحذر شديد وبأقل درجات الضجة وقد ظهر الموقع اليهودي فوقنا تماماً.

    وفجأة سمعت ضجيج وقع أحجار الصوان، فقد انهار جدار من الأحجار تحت قدم أحد الإخوان في المقدمة بعد أن زلقت قدمه وسقط، وكان الصوت ملفتاً وكبيراً في منطقة يلفها صمت مطبق إلى درجة تردد فيها صدى الصوت. ولم تمض لحظات إلا وكانت رشقة طويلة من رشاش ثقيل 12،7 يهودي يمزق المنطقة حولنا فربضنا في أماكننا وقد أخذنا الأرض ولكن قذيفة مسمارية من دبابة الميركافا في الموقع اليهودي أصابتنا في الصميم ... فانتشرنا بسرعة ابتعاداً عن مركز القصف ولكن القصف استمر علينا لمدة نصف ساعة تامة حتى أحصينا لدبابة الميركافا ثلاثين قذيفة وعشرات قذائف الهاون وعدداً لا يحصى من طلقات الرشاش الثقيل، أخذت تتعالى من الجرحى صيحات تردد صداها في أرجاء الوديان والجبال، هذا يهتف "يا حسين"وذلك يصرخ "يا زهراء"وذلك ينادي "يا مهدي".. في اللحظات الأولى استشهد أربعة من الإخوان فوراً بينما كان خمسة يتألمون من شدة الإصابات في أجسامهم وأما أنا فساقيَّ كانتا قد انغرزتا بعشرات المسامير الفولاذية.. ولم أعد قادراً على السير.. والموقع اليهودي يستمر في القصف الشديد علينا.. وهنا قررت أن أحاول الاتصال بالمجموعة الثالثة وإحضار الماء للجرحى... زحفت باتجاهها فلم أجد أحداً، وأكملت زحفي... إلى نبع الماء.

    استغرق ذهابي وإيابي ساعتين قضيتها زحفاً أو حبواً على يدي وركبتي بين الصخور والأشواك.. وعندما وصلت إلى الإخوة الجرحى وجدت اثنين منهم قد ساءت حالهما فعرضت عليهم الماء فشربوا بنهم حتى ارتووا، ثم رأيتهم يحركون شفاههم ويتمتمون بكلمات شهادة التوحيد والنبوة والإقرار بالإمامة لأهل بيت العصمة، وهم يبتسمون وقد أشرقت وجوههم وأخذوا يفارقون الدنيا واحداً واحداً ويلتحقون بالملأ الأعلى ولم يبق معي إلا ثلاثة منهم، توجهت إلى أولهم لكي أطّلع على حاله فوجدته مغمض العينين وقد أصيب بقذيفة مزّقته، فظننته قد استشهد، فحاولت تغطيته ففتح عينيه وقال لي: أنت؟ وكانت بيننا قرابة ومعرفة سابقة.

    قلت له: نعم.

    فقال "وهو يدور بحدقة عينيه مفتشاً حوله". أين الإمام الحسين؟.

    قلت متعجباً: الإمام الحسين؟

    فأجابني مبتسماً. نعم الإمام الحسين، كان هنا عندي قبل قليل!. هل تظن أنني أهذي، إنني ما زلت بكامل قوتي العقلية ووعيي وانتباهي.. هيا! إذهب وانسحب ودعني فإنني لا أستطيع اللحاق بك فقد كتبت لي الشهادة. وتركته وعدت زحفاً إلى الشهيدين.

    فقمت، وأنا أحتاج إلى من يسحبني، بسحبهما إلى داخل القرية، وكنت أزحف وأسحبهما معي وأنا بحالة يرثى لها من التعب والإعياء، وبعد عناء طويل وصلنا إلى أول منازل القرية، الغرفة التي كنا فيها، مهجورة شبه مهدّمة وقد فتحت الفجوات في جدرانها بسبب القصف اليهودي.. وخلال عملية سحبه طلب مني الجريح أن أتركه حيث هو وقال "أتركني هنا فإني بعد قليل سوف أفارق الدنيا فلم يبق لي من عافيتي شيء" ولكني أصرّيت على سحبه إلى داخل القرية وما أن وصلنا حتى أوصاني بوصية قصيرة لزوجته وأولاده ثم قرأ شهادته والتحق بالرفيق الأعلى، فلم يبق داخل الغرفة إلا أنا والمجاهد الأخير.

    كنت أرجو تضميد جراحاته ومساعدته على المقاومة حتى يبقى حياً، مع أن إصابته كانت بليغة جداً، فقد بترت ساقه من فوق الركبة، وأصيب في بدنه بإصابات متعددة، ونزف كثيراً من دمه ازرقَّ لونه، ولولا الأنين الذي يصدر منه من حين إلى آخر لظننت أنه استشهد.

    وهبط الظلام في الليلة الأولى فأضاف إلى صعوبة الرؤية بسبب الضباب الكثيف الذي غطى كل شيء صعوبة أخرى...

    .. ومضى اليوم الأول واليوم الثاني.. ونحن على هذا الحال: أنا ممدد قد أنهكني التعب والجرح وبجانبي الجريح ممدد بلا حراك، قد ازرقّ لونه ونزف دمه ومن ساعة إلى أخرى يصدر منه أنين يذكّرني بأنه ما زال حياً.. وأنا أحاول أن أتكلم معه فلا يجيبني. في اليوم الثالث.. وقد تجاوزت الساعة العاشرة ليلاً وقد جلست أنا في زاوية الغرفة أنتظر الفرج أنظر إليه من حين لآخر وبعد أن غفت عيني قليلاً وكنت لم أذق النوم منذ ثلاثة أيام...

    أفقت فجأة على صرخة قوية صدرت منه. جاؤوا، جاؤوا، جاؤوا...

    يتبع
    هوامش
    1- يوسف، البحراني، الحدائق الناضرة، الوفتة: 1186، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، ج11، ص80.
    2- الشيخ الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية، آخوندي، الطبعة الثالثة: 2-163-1.
    3- الصدوق، الشيخ، الوفاة: 381، الخصال، منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية في قم المقدسة: 32 - 111.
    4- الشيخ الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية، آخوندي، الطبعة الثالثة: 2 - 166 - 4.
    5- البقرة:83.
    6- الصدوق، الشيخ، الوفاة: 381، الخصال، منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية في قم المقدسة: 147 - 178.
    7- ابن شعبة الحراني، الوفاة: ق 4، تحف العقول، الطبعة الثانية، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة: 218.
    8- محمد بن الحسن، الطوسي، الوفاة: 460، الأمالي، دار الثقافة للطباعة والنشر والتوزيع، قم: 595 - 1232.
    9- المتقي الهندي، الوفاة: 579، كنز العمال، الناشر: مؤسسة الرسالة، بيروت - لبنان: 15 - 872 - 43467.
    10- المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، مؤسسة الوفاء، الطبعة الثانية المصححة: 75 - 359 - 75.
    11- الصدوق، الشيخ، الوفاة: 183، عيون أخبار الرضاعليه السلام، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت - لبنان2 - 35 - 77.
    12- المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، مؤسسة الوفاء، الطبعة الثانية المصححة: 75 - 15 - 8 و ص20 - 14.
    13- الشيخ الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية، آخوندي، الطبعة الثالثة: 5 - 55 - 3.
    14- الشيخ الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية، آخوندي، الطبعة الثالثة: 5 - 55 - 3.
    15- تحرير الوسيلة، ج1، ص91.
    16- تحرير الوسيلة، ج1، ص92.
    17- تحرير الوسيلة، ج1، ص92-93.
    18- تحرير الوسيلة، ج1، ص92.

  • #2
    بسم الله الرحمن الرحيم و صلى الله على محمد وآله الطاهرين
    احسنت وأجدت الأخ الفاضل وشكرا لك على النقل الهادف
    وفقك الله لكل خير
    مَوالِىَّ لا اُحْصى ثَنائَكُمْ وَلا اَبْلُغُ مِنَ الْمَدْحِ كُنْهَكُمْ وَمِنَ الْوَصْفِ قَدْرَكُمْ

    تعليق

    المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
    حفظ-تلقائي
    Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
    x
    يعمل...
    X