بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمد واله الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال تعالى : ﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ... ﴾ 2 .
فالآية الكريمة قد ذكرت الموت ، قبل أن تذكر الحياة . ثم صرحت بأن الموت مخلوق له تعالى ، تماماً كما هي الحياة .
ثم ذكرت : أن السر في خلق الموت والحياة هو وضع الإنسان على المحك ، بهدف دفعه لمواصلة تحركه نحو الأفضل والأحسن في مسيرته التكاملية ، في نطاق جوٍ مثير يهيمن عليه تنافس إيجابي ، باتجاه تكوين وصنع الحياة ، والتأثير فيها وإثارتها لتتجسد عملاً ذا ميزات جمالية تنمو وتتكامل في جماليتها من حسن إلى أحسن بصورة مطردة .
فالموت والحياة معاً لهما دورهما الإيجابي في بناء الحياة ، وفي تكامل الإنسان في إنسانيته ، من حيث إنهما ينتجان عملاً حسناً ، بل ومتميزاً في حسنه وجماليته ، يكون هو الرصيد الذي يؤهل الإنسان للمشاركة في الحياة الحقيقية التي لا تصلح إلا للإنسان الذي استوفى باختياره ، وبجهده وعمله الدؤوب خصائصه ، وميزاته الإنسانية ، ﴿ ... لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ... ﴾ 3 .
وفي حياته الحقيقية تلك ـ أعني في الآخرة ـ يصبح أكثر وأعمق إحساساً بالأمور ، حيث تتساقط الحجب التي تؤثر على مستوى إحساسه وإدراكه ، ولأجل ذلك كانت هذه الحياة « حياة دنيا » ، لتدني مستوى الشعور ، والإدراك والإحساس فيها ، لأنه محجوب بالوسائط ، ومستند في الأكثر 4 إلى التخيل استناداً إلى صور ذهنية عن الحقائق الراهنة ، ساهمت الحواس بإيصالها إليه . بالإضافة إلى حاجز الشهوات والهوى ، وإلى الآثام والمعاصي التي تزيد من طغيان الجسد ، وتضعف القدرات الروحية لديه ، فيتضاءل إحساسه بالحقائق ، ويتقاصر فهمه عنها .
أما الآخرة فقد قال الله عنها : ﴿ ... وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ 5 .
وقال تعالى : ﴿ ... فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ﴾ 6 .
وخلاصة الأمر : أن الإنسان يجتاز مرحلة الموت ، ليصل إلى عالم البرزخ ومعه رصيده العتيد ، من عمل حسن وأحسن ، ويتخلص من كل ما يحجزه عن مواصلة مسيرته التكاملية نحو الله سبحانه ليفوز بقربه كما قال تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ ﴾ 7 ، فيصل إلى البرزخ الذي هو بمثابة بوتقة يتم فيها تأهيل من يحتاج إلى التأهيل لاستقبال الحياة الحقيقية ، التي هي حياة الآخرة ، بكل حيوية ونقاء وصفاء ، ويكون هو بداية الفوز والنجاح ، وهو باب الخير والفلج والفلاح ، وأول طريق الأمن والسلامة والنجاة من المخاطر ، التي تنشأ من طغيان الشهوات ، ودواعي الغرائز والأهواء .
فبالموت يملك الإنسان المؤمن نفسه ، ويتحرر من شهواته ، ويستفيد من كل جهات وجوده ، ومن طاقاته بصورة كاملة ، وبه يخرج من سجن قاس ومرهق أيضاً . . وما أحلى أن يحصل الإنسان على حريته وأن يكون هو سيد نفسه ، ويواصل انطلاقته نحو الله في رحاب ملكوته . ليحيا هناك الحياة التامة بكل وجوده وطاقاته وأحاسيسه ، قال تعالى : ﴿ ... وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ 5 .
ولا غرو أن يكون هذا الموت حبيباً ولذيذاً ، كما قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : « والله لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي أمه » 8 .
وقد وصف الإمام الحسين ( عليه السلام ) أصحابه فقال : « يستأنسون بالمنية دوني استئناس الطفل إلى محالب أمه » 9 .
وسأل الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، القاسم بن الحسن ( عليهما السلام ) : يا بني كيف الموت عندك؟!
قال : يا عم أحلى من العسل 10 .
وحين قال ابن زياد لعنه الله للعقيلة زينب سلام الله عليها : كيف رأيت فعل الله بأهل بيتك ؟ قالت : ما رأيت إلا جميلاً 11 .
وحين ضرب ابن ملجم لعنه الله ، أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، قال صلوات الله وسلامه عليه : فزت ورب الكعبة 12 .
إلى غير ذلك من نصوص كثيرة تدخل في هذا المجال .
هذا بالإضافة إلى ما يشير إليه قوله تعالى : ﴿ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً ﴾ 13 .
و بكلمةاللهم صلِ على محمد واله الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال تعالى : ﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ... ﴾ 2 .
فالآية الكريمة قد ذكرت الموت ، قبل أن تذكر الحياة . ثم صرحت بأن الموت مخلوق له تعالى ، تماماً كما هي الحياة .
ثم ذكرت : أن السر في خلق الموت والحياة هو وضع الإنسان على المحك ، بهدف دفعه لمواصلة تحركه نحو الأفضل والأحسن في مسيرته التكاملية ، في نطاق جوٍ مثير يهيمن عليه تنافس إيجابي ، باتجاه تكوين وصنع الحياة ، والتأثير فيها وإثارتها لتتجسد عملاً ذا ميزات جمالية تنمو وتتكامل في جماليتها من حسن إلى أحسن بصورة مطردة .
فالموت والحياة معاً لهما دورهما الإيجابي في بناء الحياة ، وفي تكامل الإنسان في إنسانيته ، من حيث إنهما ينتجان عملاً حسناً ، بل ومتميزاً في حسنه وجماليته ، يكون هو الرصيد الذي يؤهل الإنسان للمشاركة في الحياة الحقيقية التي لا تصلح إلا للإنسان الذي استوفى باختياره ، وبجهده وعمله الدؤوب خصائصه ، وميزاته الإنسانية ، ﴿ ... لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ... ﴾ 3 .
وفي حياته الحقيقية تلك ـ أعني في الآخرة ـ يصبح أكثر وأعمق إحساساً بالأمور ، حيث تتساقط الحجب التي تؤثر على مستوى إحساسه وإدراكه ، ولأجل ذلك كانت هذه الحياة « حياة دنيا » ، لتدني مستوى الشعور ، والإدراك والإحساس فيها ، لأنه محجوب بالوسائط ، ومستند في الأكثر 4 إلى التخيل استناداً إلى صور ذهنية عن الحقائق الراهنة ، ساهمت الحواس بإيصالها إليه . بالإضافة إلى حاجز الشهوات والهوى ، وإلى الآثام والمعاصي التي تزيد من طغيان الجسد ، وتضعف القدرات الروحية لديه ، فيتضاءل إحساسه بالحقائق ، ويتقاصر فهمه عنها .
أما الآخرة فقد قال الله عنها : ﴿ ... وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ 5 .
وقال تعالى : ﴿ ... فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ﴾ 6 .
وخلاصة الأمر : أن الإنسان يجتاز مرحلة الموت ، ليصل إلى عالم البرزخ ومعه رصيده العتيد ، من عمل حسن وأحسن ، ويتخلص من كل ما يحجزه عن مواصلة مسيرته التكاملية نحو الله سبحانه ليفوز بقربه كما قال تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ ﴾ 7 ، فيصل إلى البرزخ الذي هو بمثابة بوتقة يتم فيها تأهيل من يحتاج إلى التأهيل لاستقبال الحياة الحقيقية ، التي هي حياة الآخرة ، بكل حيوية ونقاء وصفاء ، ويكون هو بداية الفوز والنجاح ، وهو باب الخير والفلج والفلاح ، وأول طريق الأمن والسلامة والنجاة من المخاطر ، التي تنشأ من طغيان الشهوات ، ودواعي الغرائز والأهواء .
فبالموت يملك الإنسان المؤمن نفسه ، ويتحرر من شهواته ، ويستفيد من كل جهات وجوده ، ومن طاقاته بصورة كاملة ، وبه يخرج من سجن قاس ومرهق أيضاً . . وما أحلى أن يحصل الإنسان على حريته وأن يكون هو سيد نفسه ، ويواصل انطلاقته نحو الله في رحاب ملكوته . ليحيا هناك الحياة التامة بكل وجوده وطاقاته وأحاسيسه ، قال تعالى : ﴿ ... وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ 5 .
ولا غرو أن يكون هذا الموت حبيباً ولذيذاً ، كما قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : « والله لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي أمه » 8 .
وقد وصف الإمام الحسين ( عليه السلام ) أصحابه فقال : « يستأنسون بالمنية دوني استئناس الطفل إلى محالب أمه » 9 .
وسأل الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، القاسم بن الحسن ( عليهما السلام ) : يا بني كيف الموت عندك؟!
قال : يا عم أحلى من العسل 10 .
وحين قال ابن زياد لعنه الله للعقيلة زينب سلام الله عليها : كيف رأيت فعل الله بأهل بيتك ؟ قالت : ما رأيت إلا جميلاً 11 .
وحين ضرب ابن ملجم لعنه الله ، أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، قال صلوات الله وسلامه عليه : فزت ورب الكعبة 12 .
إلى غير ذلك من نصوص كثيرة تدخل في هذا المجال .
هذا بالإضافة إلى ما يشير إليه قوله تعالى : ﴿ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً ﴾ 13 .
إن الموت هو سر الحياة ، وهو يعطيها معناها ومغزاها ، وقيمتها . وهو غاية زينتها وبهجتها ، وهو سر الطموح ، وسر الحركة الدائبة باتجاه الأفضل فيها ، وسر سعي الإنسان إلى كماله ، وكدحه إلى ربّه ، وسرّ ملاحقته لأسرار الكون وخفاياه ، ليستفيد منها في ترسيخ حالة الأمن والسلامة القصوى في حاضره وفي مستقبله على حدٍّ سواء .
هذا . . بالنسبة للمؤمن . .
أما غير المؤمن فيرى في الموت خسراناً لنفسه ، وبواراً لأهدافه وطموحاته ، ولن يكون قادراً في الآخرة على نيل درجات القرب ، ولا على الانطلاق في رحاب ملكوت الله سبحانه ، أو الإحساس بجلاله وجماله ، إحساساً حقيقياً وعميقاً ، لا يقتصر على مجرد المعرفة الذهنية ، بل هو سيكون منشغلاً بنفسه ، وبآلامه في ظلمات الجحيم ، حيث ﴿ ... وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ ... ﴾ 14 ; وهو في الآخرة . كما في الدنيا أعمى ، بل هو أضلُّ وأشقى قال تعالى : ﴿ وَمَن كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً ﴾ 15
المصادر
2.القران الكريم : سورة الملك ( 67 ) ، الآية : 2 ، الصفحة : 562 .
3.القران الكريم : سورة هود ( 11 ) ، الآية : 7 ، الصفحة : 222 .
4. إذ إن بعض المدركات تكون عبر الإحساس الحقيقي بها ، من قبيل الإحساس بالجوع والعطش ، وكذا بعض الحقائق النفسية أيضاً .
5.القران الكريم : سورة العنكبوت ( 29 ) ، الآية : 64 ، الصفحة : 404 .
6.القران الكريم : سورة ق ( 50 ) ، الآية : 22 ، الصفحة : 519 .
7.القران الكريم : سورة الانشقاق ( 84 ) ، الآية : 6 ، الصفحة : 589 .
8. نهج البلاغة [ بشرح عبده ] : 1 / 41 ط دار المعرفة ـ بيروت ـ لبنان .
9. مقتل الحسين للمقرم : 262 .
10. اللهوف : 82 و83 و نفس المهموم : 208 .
11. اللهوف : 67 ونفس المهموم : 371 .
12. ترجمة الإمام علي ( عليه السلام ) من تاريخ دمشق : 3 / 303 و ينابيع المودة : 65 و مقتل أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، لابن أبي الدنيا [ مطبوع في مجلة تراثنا ] سنة 3 عدد 3 ص 96 .
13.القران الكريم : سورة الفجر ( 89 ) ، الآية : 27 و 28 ، الصفحة : 594 .
14.القران الكريم : سورة إبراهيم ( 14 ) ، الآية : 17 ، الصفحة : 257 .
15.القران الكريم : سورة الإسراء ( 17 ) ، الآية : 72 ، الصفحة : 289 .
هذا . . بالنسبة للمؤمن . .
أما غير المؤمن فيرى في الموت خسراناً لنفسه ، وبواراً لأهدافه وطموحاته ، ولن يكون قادراً في الآخرة على نيل درجات القرب ، ولا على الانطلاق في رحاب ملكوت الله سبحانه ، أو الإحساس بجلاله وجماله ، إحساساً حقيقياً وعميقاً ، لا يقتصر على مجرد المعرفة الذهنية ، بل هو سيكون منشغلاً بنفسه ، وبآلامه في ظلمات الجحيم ، حيث ﴿ ... وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ ... ﴾ 14 ; وهو في الآخرة . كما في الدنيا أعمى ، بل هو أضلُّ وأشقى قال تعالى : ﴿ وَمَن كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً ﴾ 15
المصادر
2.القران الكريم : سورة الملك ( 67 ) ، الآية : 2 ، الصفحة : 562 .
3.القران الكريم : سورة هود ( 11 ) ، الآية : 7 ، الصفحة : 222 .
4. إذ إن بعض المدركات تكون عبر الإحساس الحقيقي بها ، من قبيل الإحساس بالجوع والعطش ، وكذا بعض الحقائق النفسية أيضاً .
5.القران الكريم : سورة العنكبوت ( 29 ) ، الآية : 64 ، الصفحة : 404 .
6.القران الكريم : سورة ق ( 50 ) ، الآية : 22 ، الصفحة : 519 .
7.القران الكريم : سورة الانشقاق ( 84 ) ، الآية : 6 ، الصفحة : 589 .
8. نهج البلاغة [ بشرح عبده ] : 1 / 41 ط دار المعرفة ـ بيروت ـ لبنان .
9. مقتل الحسين للمقرم : 262 .
10. اللهوف : 82 و83 و نفس المهموم : 208 .
11. اللهوف : 67 ونفس المهموم : 371 .
12. ترجمة الإمام علي ( عليه السلام ) من تاريخ دمشق : 3 / 303 و ينابيع المودة : 65 و مقتل أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، لابن أبي الدنيا [ مطبوع في مجلة تراثنا ] سنة 3 عدد 3 ص 96 .
13.القران الكريم : سورة الفجر ( 89 ) ، الآية : 27 و 28 ، الصفحة : 594 .
14.القران الكريم : سورة إبراهيم ( 14 ) ، الآية : 17 ، الصفحة : 257 .
15.القران الكريم : سورة الإسراء ( 17 ) ، الآية : 72 ، الصفحة : 289 .
تعليق