ثقافة الأستئذان
من الطرائف التي شاهدتها أن أحد كبار السن جاء إلى أحدى العيادات وأراد الدخول فوجد الباب مغلقا .. توجه للباب الآخر فوجده مغلقا ايضا .. فقال بنبرة الغاضب وبلهجته الجميلة " حشا هذه غرف معاريس " .
وفي موقف آخر جاء أحد الشباب وصار يطرق الباب ويطرق ويطرق حتى خرجت له الممرضة قائلة ألم تقرأ العبارة " يوجد مريض بالداخل .. ضع ورقتك هنا وانتظر .
الاستئذان عملية قد تكون بسيطة ولكنها آدب وخلق وقيمة إسلامية تضفي على من يتمسك بها لياقة واتزان في شخصيته .
وهي تشمل جميع ابعاد حياة الإنسان الأسرية والزوجية والتعاملات مع الآخرين .
ولقد حث عليها الإسلام بقوله تعالى : " يَا أَيُهَا الَّذيِنَ آمَنُوا لَا تَدخُلُوا بُيُوتًا غَيرَ بُيُوتَكُم حَتَى تَستَأنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أهلِهَا *ذَلِكُم خَيرٌ لَكُم لَعَلَكُم تَذَكَّرُونَ"
آلية الأستئذان
الاستئذان هو عملية تواصل بين طرفين ، الطرف الاول يبدأ الطلب بالإذن ، والطرف الآخر له حرية القبول أو الرفض .
وعلى الطرف الأول والانتظار حتى تتم الموافقة على طلبه وتنفيذه سلباً أو إيجاباً .
وهذه العملية التواصلية هي ماعبر عنها الامام الصادق (ع) حيث ورد عن أبي عبدالله (ع) قال :" الاستئذان ثلاثة : أولهن يسمعون، والثانية يحذرون ، والثالثة إن شاؤوا أذنوا وإن شاؤوا لم يفعلوا فيرجع المستأذن .
التنشئة على الاستئذان
إن هذا الأدب الرفيع يبدأ منذ نعومة أظفار الإنسان ويتأكد عند البلوغ حيث يقول تعالى :" وَإِذَا بَلَغَ الأَطفَالَ مِنكُمُ الحُلُمَ فَليَستَأذِنُوا كَمَا استَأذَنَ الَّذِيِنَ مِن قَبلِهِم كَذَلِكَ بُبَيِّنُ اللهُ لَكُم آيَاتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ " .
إن تعويد أطفالنا وشبابنا على أدب الاستئذان في كل الأمور كفيل بتنشئتهم على أخلاق فاضلة كثيرة ويصبح هذا الأدب ملكة نفسية جميلة تميزهم عن غيرهم .
ثمرة الاستئذان
وكما أن الاستئذان يدل على إيجابية الانسان وإشاعة الأمن والطمأنينة ونمو للأخلاقيات والعلاقات الطيلة في المجتمع ، فإن عدم الاستئذان يدل على الفوضى وعدم النظام وانتهاك حقوق الآخرين مما يسبب تأزم وتوتر العلاقات بين الطرفين .
لنتعلم من رسول الله صلى الله عليه وآله
جاء في حديث عن الامام الباقر (ع) عن جابر بن عبدالله الأنصاري قال :" خرج رسول الله (ص) يريد فاطمة (ع)وانا معه فلما انتهينا إلى الباب وضع يده فدفعه ثم قال : السلام عليكم ، فقالت : فاطمة (ع) :عليك السلام يا رسول الله ، قال : أدخل ؟ قالت : أدخل يا رسول الله ، قال (ص) أدخل معي ؟ قالت : يا رسول الله ليس علي قناع ، فقال : يا فاطمة خذي فضل ملحفتك فقنعي به رأسك ففعلت ، ثم قال : السلام عليكم ، فقالت : وعليك السلام يا رسول الله ، قال أدخل قالت : نعم يارسول الله ، قال أنا ومن معي ؟ قالت ومن معك ، قال جابر : فدخل رسول الله (ص) فدخلت.. "
إن كل من يتخلق بهذا الخلق ويجعله ثقافة حاضرة في جميع تعاملاته فإن الراحة والطمأنينة تكون حليفه .
الكاتب رضي العسيف
تعليق