بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
ظروف البيعة وأسبابها
إنقاذ الموقف! كيف؟!
[كانت ظروف حكم المأمون تزداد سوءا يوما بعد يوم....] وأنه كان لا بد للمأمون من التحرك، والعمل بسرعة، شرط أن لا يزيد الفتق اتساعا، والطين بلة. وأن يستعمل كل ما لديه من حنكة ودهاء، في سبيل إنقاذ نفسه، ونظام حكمه، وخلافة العباسيين بشكل عام..
وكان المأمون يدرك: أن إنقاذ الموقف يتوقف على:
1 ـ إخماد ثورات العلويين، الذين كانوا يتمتعون بالاحترام والتقدير، ولهم نفوذ واسع في جميع الفئات والطبقات..
2 ـ أن يحصل من العلويين على اعتراف بشرعية خلافة العباسيين. وليكون بذلك قد أفقدهم سلاحا قويا، لن يقر له قرار، إذا أفقدهم إياه..
3 ـ استئصال هذا العطف، وذلك التقدير والاحترام. الذي كانوا يتمتعون به، وكان يزداد يوماً عن يوم ـ استئصاله ـ من نفوس الناس نهائياً، والعمل على تشويههم أمام الرأي العام، بالطرق، والأساليب التي لا تثير الكثير من الشكوك والشبهات، حتى لا يقدرون بعد ذلك على أي تحرك، ولا يجدون المؤيدين لأية دعوة لهم، وليكون القضاء عليهم بعد ذلك نهائياً ـ سهلاً وميسوراً..
4 ـ اكتساب ثقة العرب ومحبتهم..
5 ـ استمرار تأييد الخراسانيين، وعامة الإيرانيين له.
6 ـ إرضاء العباسيين، والمتشيعين لهم، من أعداء العلويين.
7 ـ تعزيز ثقة الناس بشخص المأمون، الذي كان لقتله أخاه أثر سيء على سمعته، وثقة الناس به.
8 ـ وأخيراً.. أن يأمن الخطر الذي كان يتهدده من تلك الشخصية الفذة، التي كانت تملأ جوانبه فرقاً، ورعباً.. وأن يتحاشى الصدام المسلح معها. ألا وهي شخصية الإمام الرضا (عليه السلام)، وأن يمهد الطريق للتخلص منها، والقضاء عليها، قضاء مبرماً، ونهائياً.
لا بد من الاعتماد على النفس:
وبعد هذا.. فإن من الواضح أن المأمون كان يعلم قبل كل أحد، أنه:
لم يكن يستطيع أن يستعين في مواجهة تلك المشاكل بالعباسيين، بني أبيه، بعد أن كانوا ينقمون عليه، قتله أخاه، العزيز عليهم، وعلى العرب، وبعد مواقفه، التي تقدم بيان جانب منها تجاههم.. وأيضاً. بعد أن كانوا لا يثقون به، ولا يأمنون جانبه، بسبب موقفهم السابق منه.
والأهم من ذلك أنه لم يكن فيهم الرجال الكفاة، الذين يستطيع أن يعتمد عليهم (1)، يدلنا على ذلك أنهم بعد أن ثاروا على المأمون، بسبب بيعته للرضا (عليه السلام)، لم يجدوا فيهم شخصاً أعظم، وأكفأ من ابن شكلة المغني، فبايعوه، مع أنه من أصحاب المزامير والبرابط.
وفيه يقول دعبل:
فهفــا إليه كـــل أطـلس مـــائق *** نعر ابن شكلة بالعراق وأهله
فلتصلحــن مــن بعـده لمخارق *** إن كان إبراهيم مضطلعا بها
ولتصلحـــن من بعـــده للمارق *** ولتصلحن من بعد ذاك لزلزل
يرث الخلافة فاسق عن فاسق (2) *** أنى يكون. وليس ذاك بكائن
كما أنه عندما أصبح إبراهيم هذا خليفة، قال بعض الأعراب، عندما جاء الخبر بأنه: لا مال عند الخليفة ليعطي الجند، الذين ألحوا في طلب أعطياتهم، قال: «فليخرج الخليفة إلينا، فليغن لأهل هذا الجانب ثلاثة أصوات، فتكون عطاءهم، ولأهل هذا الجانب مثلها..» فقال في ذلك دعبل ـ شاعر المأمون ـ يذم إبراهيم بن المهدي:
خذوا عطاياكم، ولا تسخطوا *** يا معشر الأجناد لا تقنطوا
لا تدخــل الكيس، ولا تــربط *** فســــــوف يعطيكم حنينية
ومــا بها مـــن أحـــد يغبــط *** والمـــعبديات لقـــــــوادكم
خليفـة مصحفه البربط (3) *** فهكــــــــــذا يرزق أصحابه
وإذا كان لا يستطيع أن يستعين ببني أبيه العباسيين، فبالأحرى أن لا يستطيع أن يستعين على حل مشاكله بالعلويين، والمتشيعين لهم، بعد أن كانوا هم أساس البلاء والعناء له، والذين يخلقون له أعظم المشاكل، ويضعون في طريق حكمه أشق العقبات.
وأما العرب: فهو أعرف الناس بحقيقة موقفهم منه.
والخراسانيون: لا يستطيع أن يعتمد على ثقتهم به طويلا، بعد أن كشف لهم عن حقيقته وواقعه الأناني البشع، بقتله أخاه، وإبعاده طاهرا بن الحسين، مشيد أركان حكمه، عن مسرح السياسة: «ولقد ذكره الرضا بذلك. عندما استعرض معه حقيقة الوضع القائم آنذاك.».
أي الأساليب أنجع:
وبعد ذلك.. فإنه من الواضح أنه:
لم يكن لينقذ الموقف القسوة والعنف، وهو الذي يعاني المأمون من نتائجه السيئة ما يعاني.
ولا المنطق والحجاج، لأن العلويين ـ بناء على ما شاع عند الأمة، بتشجيع من خلفائها، من أن السبب في استحقاق الخلافة، هو القربى النسبية منه (صلى الله عليه وآله) ـ إن العلويين بناء على هذا: أقوى حجة من العباسيين، لأنهم يمتلكون اعترافاً صريحاً منهم بأن المستحق للخلافة هو الأقرب نسبا إلى النبي (صلى الله عليه وآله).
هذا.. وإذا ما أراد العباسيون، أو غيرهم الاحتجاج بالأهلية والجدارة لقيادة الأمة. فإن العلويين لا يدانيهم أحد في ذلك، وذلك لما كانوا يتمتعون به من الجدارة والأهلية الذاتية لقيادة الأمة قيادة صالحة وسليمة..
وأما النص فمن هو ذلك الذي يجرؤ على الاستدلال به، وهو يرى أنه كله في صالح آل علي، وأئمة أهل البيت منهم بالخصوص.
وهكذا.. نرى ويرى المأمون: أنه لم يكن لينقذ الموقف أي من تلك الأساليب، ولا غيرها من الطرق والأساليب الملتوية، واللاإنسانية، التي اتبعها أسلافه من قبل.
وإذن.. فلا بد وأن يعود السؤال الأول ليطرح نفسه بكل جدية.
والسؤال هو: ماذا يمكن للمأمون إذن أن يفعل؟! وكيف يقوي من دعائم حكمه، الذي هو بالنسبة إليه كل شيء، وليس قبله، ولا بعده شيء.. حتى لا يطمع فيه طامع، ولا تزعزعه العواصف، ولا تنال منه الانواء، مهما كانت هوجاء وعاتية؟!.
خطة المأمون:
وكان أن اتبع المأمون من أجل إنقاذ موقفه، الذي عرفت أنه يتوقف على نقاط ثمانية.. ومن أجل الاحتفاظ بالخلافة لنفسه، وأن تبقى في بني أبيه ـ كان أن اتبع ـ أسلوباً جديداً، وغيبيا، لم يكن مألوفاً، ولا معروفاً من قبل.. وأحسب أن لم يتوصل إليه إلا بعد تفكير طويل، وتقييم عام وشامل للوضع الذي كان يعيشه، والمشاكل التي كان يواجهها.
لقد كانت خطته غريبة وفريدة من نوعها، وكانت في غاية الإتقان، والإحكام في نظره.
فبينما نراه من جهة:
لا يذكر أحداً من الخلفاء، ولا غيرهم من الصحابة بسوء، بل هو يتحرج من المساس بغير الصحابة، وحتى بأولئك الذين كان حالهم في الخروج على الدين، وتعاليم الشريعة، معروفاً ومشهوراً «كالحجاج بن يوسف»! وذلك من أجل أن لا يثير عواطف أولئك الذين يلتقي معهم فكرياً وسياسياً، ومصلحياً، والذين سوف يكونون له في المستقبل الدرع الواقي، والحصن الحصين..
فاستمع إليه يقول ـ كما يروي لنا التغلبي المعاصر له: «.. وظنوا أنه لا يجوز تفضيل علي إلا بانتقاص غيره من السلف! والله، ما أستجيز أن أنتقص الحجاج بن يوسف، فكيف بالسلف الطيب؟!» (4).
وكذلك نراه يركن إلى رأي يحيى بن أكثم، الذي قال له ـ عندما أراد الإعلان بسب معاوية على المنابر ـ: «والرأي أن تدع الناس كلهم على ما هم عليه، ولا تظهر أنك تميل إلى فرقة من الفرق، فإن ذلك أصلح في السياسة، وأحرى في التدبير..»، ثم يدخل عليه ثمامة، فيقول له المأمون: «يا ثمامة، قد علمت ما كنا دبرناه في معاوية، وقد عارضنا رأي هو أصلح في تدبير المملكة، وأبقى ذكراً في العامة الخ.» (5).
وأيضاً.. نرى شعره الذي يرويه لنا غير واحد:
ولسـت منــه الغـداة معتذرا *** أصبح ديني الذي أدين به
أشتــم صديقــا ولا عمــــرا *** حب علي بعد النبي ولا
الأبرار ذاك القتيل مصطبرا *** ثم ابن عفان في الجنان مع
طلحـــة إن قــال قائل غدرا *** ألا ولا أشتم الزبير ولا
من يفتريهــا فنحن منه برا (6) *** وعائش الأم لست أشتمها
ونراه أيضاً يتجسس على عبد الله بن طاهر، ليعلم: هل له ميل إلى آل أبي طالب أو لا (7).
ونراه يقدم على قتل الرضا (عليه السلام)، وإخوته، وآلاف من العلويين غيرهم، ويصدر أمراً لأمرائه، وقواده بالقضاء عليهم، وفض جمعهم.
ونراه كذلك.. يرسل إلى عامله على مصر، يأمره بغسل المنابر، التي دعي عليها لعلوي [هو الإمام الرضا (عليه السلام)].. إلى غير ذلك مما لا مجال لنا هنا لاستقصائه..
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
ظروف البيعة وأسبابها
إنقاذ الموقف! كيف؟!
[كانت ظروف حكم المأمون تزداد سوءا يوما بعد يوم....] وأنه كان لا بد للمأمون من التحرك، والعمل بسرعة، شرط أن لا يزيد الفتق اتساعا، والطين بلة. وأن يستعمل كل ما لديه من حنكة ودهاء، في سبيل إنقاذ نفسه، ونظام حكمه، وخلافة العباسيين بشكل عام..
وكان المأمون يدرك: أن إنقاذ الموقف يتوقف على:
1 ـ إخماد ثورات العلويين، الذين كانوا يتمتعون بالاحترام والتقدير، ولهم نفوذ واسع في جميع الفئات والطبقات..
2 ـ أن يحصل من العلويين على اعتراف بشرعية خلافة العباسيين. وليكون بذلك قد أفقدهم سلاحا قويا، لن يقر له قرار، إذا أفقدهم إياه..
3 ـ استئصال هذا العطف، وذلك التقدير والاحترام. الذي كانوا يتمتعون به، وكان يزداد يوماً عن يوم ـ استئصاله ـ من نفوس الناس نهائياً، والعمل على تشويههم أمام الرأي العام، بالطرق، والأساليب التي لا تثير الكثير من الشكوك والشبهات، حتى لا يقدرون بعد ذلك على أي تحرك، ولا يجدون المؤيدين لأية دعوة لهم، وليكون القضاء عليهم بعد ذلك نهائياً ـ سهلاً وميسوراً..
4 ـ اكتساب ثقة العرب ومحبتهم..
5 ـ استمرار تأييد الخراسانيين، وعامة الإيرانيين له.
6 ـ إرضاء العباسيين، والمتشيعين لهم، من أعداء العلويين.
7 ـ تعزيز ثقة الناس بشخص المأمون، الذي كان لقتله أخاه أثر سيء على سمعته، وثقة الناس به.
8 ـ وأخيراً.. أن يأمن الخطر الذي كان يتهدده من تلك الشخصية الفذة، التي كانت تملأ جوانبه فرقاً، ورعباً.. وأن يتحاشى الصدام المسلح معها. ألا وهي شخصية الإمام الرضا (عليه السلام)، وأن يمهد الطريق للتخلص منها، والقضاء عليها، قضاء مبرماً، ونهائياً.
لا بد من الاعتماد على النفس:
وبعد هذا.. فإن من الواضح أن المأمون كان يعلم قبل كل أحد، أنه:
لم يكن يستطيع أن يستعين في مواجهة تلك المشاكل بالعباسيين، بني أبيه، بعد أن كانوا ينقمون عليه، قتله أخاه، العزيز عليهم، وعلى العرب، وبعد مواقفه، التي تقدم بيان جانب منها تجاههم.. وأيضاً. بعد أن كانوا لا يثقون به، ولا يأمنون جانبه، بسبب موقفهم السابق منه.
والأهم من ذلك أنه لم يكن فيهم الرجال الكفاة، الذين يستطيع أن يعتمد عليهم (1)، يدلنا على ذلك أنهم بعد أن ثاروا على المأمون، بسبب بيعته للرضا (عليه السلام)، لم يجدوا فيهم شخصاً أعظم، وأكفأ من ابن شكلة المغني، فبايعوه، مع أنه من أصحاب المزامير والبرابط.
وفيه يقول دعبل:
فهفــا إليه كـــل أطـلس مـــائق *** نعر ابن شكلة بالعراق وأهله
فلتصلحــن مــن بعـده لمخارق *** إن كان إبراهيم مضطلعا بها
ولتصلحـــن من بعـــده للمارق *** ولتصلحن من بعد ذاك لزلزل
يرث الخلافة فاسق عن فاسق (2) *** أنى يكون. وليس ذاك بكائن
كما أنه عندما أصبح إبراهيم هذا خليفة، قال بعض الأعراب، عندما جاء الخبر بأنه: لا مال عند الخليفة ليعطي الجند، الذين ألحوا في طلب أعطياتهم، قال: «فليخرج الخليفة إلينا، فليغن لأهل هذا الجانب ثلاثة أصوات، فتكون عطاءهم، ولأهل هذا الجانب مثلها..» فقال في ذلك دعبل ـ شاعر المأمون ـ يذم إبراهيم بن المهدي:
خذوا عطاياكم، ولا تسخطوا *** يا معشر الأجناد لا تقنطوا
لا تدخــل الكيس، ولا تــربط *** فســــــوف يعطيكم حنينية
ومــا بها مـــن أحـــد يغبــط *** والمـــعبديات لقـــــــوادكم
خليفـة مصحفه البربط (3) *** فهكــــــــــذا يرزق أصحابه
وإذا كان لا يستطيع أن يستعين ببني أبيه العباسيين، فبالأحرى أن لا يستطيع أن يستعين على حل مشاكله بالعلويين، والمتشيعين لهم، بعد أن كانوا هم أساس البلاء والعناء له، والذين يخلقون له أعظم المشاكل، ويضعون في طريق حكمه أشق العقبات.
وأما العرب: فهو أعرف الناس بحقيقة موقفهم منه.
والخراسانيون: لا يستطيع أن يعتمد على ثقتهم به طويلا، بعد أن كشف لهم عن حقيقته وواقعه الأناني البشع، بقتله أخاه، وإبعاده طاهرا بن الحسين، مشيد أركان حكمه، عن مسرح السياسة: «ولقد ذكره الرضا بذلك. عندما استعرض معه حقيقة الوضع القائم آنذاك.».
أي الأساليب أنجع:
وبعد ذلك.. فإنه من الواضح أنه:
لم يكن لينقذ الموقف القسوة والعنف، وهو الذي يعاني المأمون من نتائجه السيئة ما يعاني.
ولا المنطق والحجاج، لأن العلويين ـ بناء على ما شاع عند الأمة، بتشجيع من خلفائها، من أن السبب في استحقاق الخلافة، هو القربى النسبية منه (صلى الله عليه وآله) ـ إن العلويين بناء على هذا: أقوى حجة من العباسيين، لأنهم يمتلكون اعترافاً صريحاً منهم بأن المستحق للخلافة هو الأقرب نسبا إلى النبي (صلى الله عليه وآله).
هذا.. وإذا ما أراد العباسيون، أو غيرهم الاحتجاج بالأهلية والجدارة لقيادة الأمة. فإن العلويين لا يدانيهم أحد في ذلك، وذلك لما كانوا يتمتعون به من الجدارة والأهلية الذاتية لقيادة الأمة قيادة صالحة وسليمة..
وأما النص فمن هو ذلك الذي يجرؤ على الاستدلال به، وهو يرى أنه كله في صالح آل علي، وأئمة أهل البيت منهم بالخصوص.
وهكذا.. نرى ويرى المأمون: أنه لم يكن لينقذ الموقف أي من تلك الأساليب، ولا غيرها من الطرق والأساليب الملتوية، واللاإنسانية، التي اتبعها أسلافه من قبل.
وإذن.. فلا بد وأن يعود السؤال الأول ليطرح نفسه بكل جدية.
والسؤال هو: ماذا يمكن للمأمون إذن أن يفعل؟! وكيف يقوي من دعائم حكمه، الذي هو بالنسبة إليه كل شيء، وليس قبله، ولا بعده شيء.. حتى لا يطمع فيه طامع، ولا تزعزعه العواصف، ولا تنال منه الانواء، مهما كانت هوجاء وعاتية؟!.
خطة المأمون:
وكان أن اتبع المأمون من أجل إنقاذ موقفه، الذي عرفت أنه يتوقف على نقاط ثمانية.. ومن أجل الاحتفاظ بالخلافة لنفسه، وأن تبقى في بني أبيه ـ كان أن اتبع ـ أسلوباً جديداً، وغيبيا، لم يكن مألوفاً، ولا معروفاً من قبل.. وأحسب أن لم يتوصل إليه إلا بعد تفكير طويل، وتقييم عام وشامل للوضع الذي كان يعيشه، والمشاكل التي كان يواجهها.
لقد كانت خطته غريبة وفريدة من نوعها، وكانت في غاية الإتقان، والإحكام في نظره.
فبينما نراه من جهة:
لا يذكر أحداً من الخلفاء، ولا غيرهم من الصحابة بسوء، بل هو يتحرج من المساس بغير الصحابة، وحتى بأولئك الذين كان حالهم في الخروج على الدين، وتعاليم الشريعة، معروفاً ومشهوراً «كالحجاج بن يوسف»! وذلك من أجل أن لا يثير عواطف أولئك الذين يلتقي معهم فكرياً وسياسياً، ومصلحياً، والذين سوف يكونون له في المستقبل الدرع الواقي، والحصن الحصين..
فاستمع إليه يقول ـ كما يروي لنا التغلبي المعاصر له: «.. وظنوا أنه لا يجوز تفضيل علي إلا بانتقاص غيره من السلف! والله، ما أستجيز أن أنتقص الحجاج بن يوسف، فكيف بالسلف الطيب؟!» (4).
وكذلك نراه يركن إلى رأي يحيى بن أكثم، الذي قال له ـ عندما أراد الإعلان بسب معاوية على المنابر ـ: «والرأي أن تدع الناس كلهم على ما هم عليه، ولا تظهر أنك تميل إلى فرقة من الفرق، فإن ذلك أصلح في السياسة، وأحرى في التدبير..»، ثم يدخل عليه ثمامة، فيقول له المأمون: «يا ثمامة، قد علمت ما كنا دبرناه في معاوية، وقد عارضنا رأي هو أصلح في تدبير المملكة، وأبقى ذكراً في العامة الخ.» (5).
وأيضاً.. نرى شعره الذي يرويه لنا غير واحد:
ولسـت منــه الغـداة معتذرا *** أصبح ديني الذي أدين به
أشتــم صديقــا ولا عمــــرا *** حب علي بعد النبي ولا
الأبرار ذاك القتيل مصطبرا *** ثم ابن عفان في الجنان مع
طلحـــة إن قــال قائل غدرا *** ألا ولا أشتم الزبير ولا
من يفتريهــا فنحن منه برا (6) *** وعائش الأم لست أشتمها
ونراه أيضاً يتجسس على عبد الله بن طاهر، ليعلم: هل له ميل إلى آل أبي طالب أو لا (7).
ونراه يقدم على قتل الرضا (عليه السلام)، وإخوته، وآلاف من العلويين غيرهم، ويصدر أمراً لأمرائه، وقواده بالقضاء عليهم، وفض جمعهم.
ونراه كذلك.. يرسل إلى عامله على مصر، يأمره بغسل المنابر، التي دعي عليها لعلوي [هو الإمام الرضا (عليه السلام)].. إلى غير ذلك مما لا مجال لنا هنا لاستقصائه..
تعليق