السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صل على محمد وال محمد
*********************
ولدت في طهران .. يعمل أبي وكذلك أمي في وزارة التربية والتعليم .. كنت ابنتهم البكر التي يحبّانها حباً جمّاً .. ولدي كذلك أخت وأخ اصغر مني سناً .. انتقلنا إلى سمنان عندما كنت طفلة وعشت هناك لمدة 18 عام ..
حتى تعرفت على زوجي الذي بدأت بيننا قصة حب رائعة استمرت حتى تزوجنا وأنا في العشرين من عمري .. توقفت عن الدراسة حيث أني قُبلت في جامعة تبريز بسبب بُعد المسافة ومسئوليات الزواج ..
في هذه الأثناء انجبت طفلتين فاقترحت على زوجي مشروع بناء مدينة ألعاب حيث أنها ستكون الأولى التي سيتم انشاؤها على ارض سمنان ..
بارك والدينا هذه الخطوة الكبيرة .. ولكن لم يكن لدينا المال الكافي فاقترضنا من البنوك مبلغاً بدأنا به العمل على المشروع .. بدأت الديون بالتراكم حتى اثقلت كواهلنا ..
كان هناك رجل يعمل في الأراضي القريبة منا على بعض المشاريع .. تعرفنا عليه وعلى عائلته وأصبح في عداد الأصدقاء حيث كنا نثق به تمام الثقة ..
بل واصبح يعمل معنا ويشرف على سير العمل .. أخبرنا يوماً بعد أن توطدت المعرفة بيننا وأصبحنا بمثابة عائلة واحدة أنه وجد كنزاً في منطقة تُسمى كوَير ..
ولكنه لم يستطع إخراجه لعدم وجود اليد المساعدة وقلة الموارد .. واقترح أن نعمل معه على استخراجه وسيعطينا مبلغ 2 مليار عندما يستخرج الكنز بشرط أن لا نخبر أحداً بالأمر ..
وصار يطلب منا المبالغ الكبيرة وكان زوجي يعطيه لمدة ثمانية أشهر , على أمل أن يشتري الوسائل التي ستساعد في تحديد مكان الكنز واستخراجه ثم يعيد المبلغ اضعافاً مضاعفة ..
حينها بدأ الشك يتسلل الى قلب زوجي تجاه هذا الرجل حينما رأى منه التهرب وتغير الحال
فصار يطالبه بإعادة المال كلما التقى به في الطريق .. وفي يوم من الأيام قال لقد وجدت الكنز واريدكم أن تكونوا معي حين استخراجه كذلك اشترط على زوجي أن أكون معه وأن نستخدم الدراجة النارية للوصول إلى منطقة الكنز وأن لا نخبر أحداً بخروجنا من المنزل تلك الليلة ..
لم أكن أفكر في الذهاب بجدية ولم أتحمس لذلك ولكننا بعد أن ضاقت بنا الأحوال واوشك العمل على المشروع أن يتوقف قبلنا وعزمنا على الذهاب معه ..
قبل خروجنا بقليل كتب زوجي في ورقة
سنذهب لاستخراج الكنز الذي يبلغ قيمته كذا مع فلان في منطقة كذا كما يزعم..
ووضع الورقة في صندوق وأوصى أحد العمال الذين يثق بهم أنه إن لم نعد في تمام الساعة الثامنة مساءً أن يفتح الصندوق ويقرأ الورقة ويبلّغ الأهل ..
ثم خرجنا متوجهين الى كوير في اليوم الرابع من عيد الفطر المبارك يوم الأربعاء في الساعة 6 مساء ..
بدأت أشعر بالانزعاج كلما ابتعدنا عن العمران واشتداد الظلمة وخفوت أضواء المدينة ..
طلبت من زوجي العودة ونسيان الأمر برمته ولكنه رفض ..
عندما وصلنا إلى المكان المنشود نظرت حولي فلم أجد سوى رمال الصحراء والسماء .. والظلام الحالك ..
قلت لزوجي : لا أشعر بالارتياح لو أن هذا الرجل يفكر في قتلنا الآن لن يعلم أحد بذلك ..
فقال : تفائلي بالخير يا امرأة ولا تجلبي لنا النحس ..
ترجل زوجي عن الدراجة بعد أن طلب مني أن لا الحقه حتى يطمئن وذهب إلى حيث يقف الرجل بالقرب من فوهة حفرة عميقة يتحدثان في كيفية اخراج الكنز ..
فجأة حلّ الصمت ولم أعد أسمع صوت زوجي فذهبت لأستطلع الأمر ولم أكد أرى طريقي جيداً ..
رأيت الرجل يقف وحده .. سألته : أين زوجي ؟
قال : لقد رميته في الحفرة ويجب أن أقتلك ايضاً معه ..
لقد حدث ما كانت تحدثني به هواجسي .. قلت مرتعبة : هكذا اذن !
انتهى كل شيء .. نظرت حولي فلم أجد أي شيء سوى السماء وأرض تشبه صحراء مليئة بالحفر .. وحفرة عميقة ومظلمة مخيفة أقف أنا على حافّتها ..
ورجل بيده سكين ويهدد بقتلي .. تشاجرت معه على ما فعله بزوجي ثم حين لم أجد منه أي ندم رجوته أن يتركني وشأني..
قلت له : لن أخبر أحداً بما جرى فقط اتركني لأعود لأطفالي ..
اتركني هنا وارحل انت سأخرج زوجي من هنا بنفسي واتصل بالنجدة وأعدك أن لا اذكر اسمك أبداً ..
صمت لبرهة ..
رفعت رأسي أنظر إلى السماء وأنا مرعوبة رأيت منظراً خلّاباً وكأن النجوم قريبة منا بشكل لا يصدق ..
كنت أنتظر أن تحدث معجزة تنجيني وزوجي من هذا الموقف المهول ..
فجأة شعرت بيديه تدفعني بقوة نحو الهاوية .. وقعت في حفرة عمقها 25 متراً ..
في الواقع لم أكن أعلم بالضبط مدى عمق الحفرة الا بعد أن تم إخراجي منها ..
أثناء وقوعي ارتطمت ضلوعي بالصخور الناتئة من جدران الحفرة وكذلك جانب من وجهي ومن ثم اغمي علي لأربع ساعات ..
صحوت بسبب نور الهاتف المحمول الذي وجهه زوجي نحو وجهي وهو يناديني ..
ما أن فتحت عيني حتى شعرت بألم فضيع في جانب من وجهي وضلوعي ورقبتي وظهري ..
أظن أنه لم يبقى في جسدي عظم سالم ..
طلبت من زوجي أن لا ينظر لوجهي ويبعد عني نور الهاتف .. لأنني قد خمنت أن نصف وجهي قد تحطم وتشوّه ..
وفكرت بأنني لا أريده أن يراني مشوّهة ..
نظرت حولي .. وجدت جسد زوجي في طرف من الحفرة وفي الجانب الأخر أقبع أنا وفوقنا بقليل تقبع الدراجة النارية على كومة من الرمال التي تتوسط الحفرة ..
وحمدت الله على وجود تلك الكومة من الرمال والا لسقطت الدراجة على رأسينا وهشمت جمجمتينا ..
كل شيء بدا مخيفاً في لحظتها صرت أبكي ..
قال زوجي بصوت متعب بعد أن حاول تهدئتي : أشعر بالنعاس ..
قلت له وأنا أشهق : لا تنام أرجوك هيا لندعو أن يخرجنا الله من هذه الحفرة .. وسيكون كل شيء على ما يرام ..
حتماً سيجدنا أحدهم
دعوت الله ودموعي على خدي وكان يكرر معي الدعاء حتى صمت أخيراً وغفى ولم يصحو أبداً من غفوته ..
كانت ذراعه مدودة فصرت احركه وأحاول أن أقرص جلده وأؤلمه لعله يصحو بسبب الألم ولكن لا فائدة ..
وحين برد جسده تماماً ايقنت بموته ..
كانت تنتابني أحاسيس عجيبة لحظتها ..
وأظن أنني لو لم أكن في ذلك الموقف وكنا نواصل حياتنا الرتيبة العادية لمُتُّ بعد زوجي بعد شهرين بالكثير ..
فقد كنت أعشقه وأحبه أكثر حتى من أطفالي .. ولكن في تلك اللحظات لم أكن حزينة جداً حيث أنني أيقنت بأنني سأموت من بعده فوراً خاطبته بقلة حيلة وحزن : هنيئاً لك حبيبي لقد رحلت دون أن تعاني من الألم ..
أما أنا فإن الألم يفتك بي ..
لقد كنت معك حين توفاك الله ..
أما أنا فسأموت وحدي ..
صرخت وبكيت وصرت أخاطب الله ..
شعرت بالخوف العميق والوحدة والغربة والبرد ..
قضيت ليلتي وأنا ارتجف وأنتظر الموت حيث انقطعت جميع الآمال ..
سألني بعض الأصدقاء ألم تخافي من زوجك الميت بالقرب منك ؟
قلت بالطبع لا فلو قطعت يدي الآن وأعطوني إياها لأحملها باليد الأخرى هل سأخاف منها ؟!
في الليلة الأولى ابقيت نور الهاتف مضاءً طيلة الوقت حتى أشرقت الشمس وتسلل بعض النور إلى تلك الحفرة المظلمة الباردة ..
ولكن في الليلة التالية أي ليلة الجمعة مهما قلت بأنني كنت خائفة لم أكن أفي حق تلك اللحظات بالخصوص عندما انتهى شحن بطارية الهاتف ..
فجأة حلّ الظلام بشكل رهيب .. لم أستطع رؤية أي شيء حتى يدي أو رجلي .. ولا أستطيع تحريك أي شيء من جسدي غير رأسي ويدي ..
وقد كنت في حياتي مدللة وجبانة حدّ أنني عندما أريد الذهاب إلى المطبخ لإعداد كوب حليب ساخن في الليل والشقة مظلمة أنادي زوجي ليشعل لي الأنوار ثم ينتظرني أن أنتهي وأعود لغرفتي فيطفئها ..
وفي رحم ذلك الظلام لم يكن لي أي بصيص من أمل أو نور سوى معرفتي بوجود الله ..
كان الله هو كل آمالي وكل وجودي ..
وفي تلك اللحظات قد اتذكر أشياء غريبة وكأن شريط حياتي السابقة يعرض أمامي على شكل فيلم
ثم أتخيل كيف ستجري الحياة من بعدي !
فالبارحة وقعنا في تلك الحفرة المشؤومة والليلة كان يفترض أن أذهب مع زوجي إلى بيت بعض الأصدقاء وتناول العشاء ..!
وهكذا بدأت أفكر في الموت ..
وفهمت معنى كلمة أبا عبد الله الحسين سلام الله عليه حيث قال:
خطّ الموت على ولد آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة ..
أهكذا الموت قريب منا !!!
ألهذه الدرجة ؟!
حدّ أن بين لحظة وأخرى أكتب في عداد الأموات وهناك في جانب آخر يتناول الأصدقاء عشاءهم بعد أن ملّوا من انتظارنا !
لقد رحل زوجي ورحلت معه روحي ..
تخيلت لزوجي موتاً بسيطاً جداً .. كما نرى في الأفلام الكارتونية حيث الأرنب حين يموت يخلع ثياب جسده وتنبت له جناحين ثم يطير الى السماء ..
حلّت ليلة الجمعة وكانت تلك الليلة من أحلك الليالي وأعظمها وقعاً على نفسي ..
فالألم يتصاعد والظلام يتصاعد وكل شيء في تصاعد إلا روحي ..
تذكرت دعاء :
يا نور النور يا منور النور يا خالق النور يا مدبر النور يا مقدر النور يا نور كل نور يا نورا قبل كل نور يا نورا بعد كل نور يا نورا فوق كل نور يا نورا ليس كمثله نور
انتهت تلك الليلة وأنا اصرخ يا نور النور .. وأدعوا الله كما لم أدعوه من قبل ..
وفي ليلة السبت تذكرت أهل البيت سلام الله عليهم وتوسلت بأمير المؤمنين عليه السلام حيث تذكرت بأنه يلقب بأبو اليتامى ..
وأنا أشعر باليتم بعدما فقدت زوجي .. قضيت ساعات الليل كلها وأنا الهج باسم "علي" وأتخيل في أي لحظة أن أراه يمسح على رأسي ثم ينتشلني من محنتي
وفي يوم الأحد توسلت بالنبي محمد صلى الله عليه وآله أردد أي شيء يخطر على ذهني مما تعلمته وأنا صغيرة في مجالس التعزية ..
ولكن ايضاً لم يحدث شيء ..!
وبدأت تتلاشى الأفكار التي تعطيني الأمل في حدوث معجزة ..
كان قلبي أشد تقلبا من ريشة في فلاة تقلبها الريح ظهرا إلى بطن ..
بدأت أشعر بالجوع الشديد والعطش عند الظهر .. حدّ أنني لم أعد احتمل ألم الجوع .. تذكرت بعض القصص لمواجهة الجوع وتذكرت أنهم كانوا يضعون الحجارة على بطونهم فبحثت عن الحجارة وحين لم أجدها جمعت كومة من الرمال المتماسكة بفعل الرطوبة ووضعتها على بطني وصرت أضغط حتى شعرت بقليل من الراحة ..
نظرت من الفتحة الصغيرة المتاحة لي إلى السماء فوجدت بعض الغيوم
أنها ستمطر ..
كسرت الكهرباء الأمامية في الدراجة النارية وقربتها من الفتحة حتى يتجمع في اناء الكهرباء بعض الماء للشرب حينما تمطر ..
ولكن للأسف امتنعت السماء عن المطر طيلة الليالي السبع لوجودي في الحفرة ..
لم أفعل شيئاً في الساعات السابقة سوى الدعاء والتوسل ..
فاليوم اربعة وعشرون ساعة.. والساعة ستين دقيقة.. والدقيقة ستين ثانية..
وأنا امرأة مشلولة تماماً ترقد في حفرة بعظام مكسورة ودم متخثر على وجهها وزوجها يرقد بجانبها جثة بلا روح..
وماذا أفعل في حفرة عميقة كل هذا العمق وباردة حد التجمد ومظلمة حد العمى سوى الذّكر ؟!
حتى عندما حلّ الظلام قطعت الأمل من التوسل بأهل البيت عليهم السلام ..
وصرت أصرخ وأخاطبهم بقلة أدب!!..
لماذا لا تساعدوني ؟ ألا تريدون مساعدتي ؟ هل أنتم حقاً موجودين ؟ هل تسمعون صوتي ؟
لا أظن ذلك أنتم غير موجودين والأحاديث التي نسمعها عنكم هي مجرد قصص وهمية ..
ثم وجهت كلاماً شديد اللهجة إلى ربي وقلت :
لقد كنت اثق بقدرتك يا الله ولكن أين أنت ؟ لماذا لا تمد لي يد العون ؟
لماذا لا تحدث معجزة أنجو على اثرها .
لدرجةّ أنني وصلت في حديثي الداخلي معهم إلى الكفر في تلك الليلة!! .. .
سأخبركم شيئاً ..
لقد كنت في بداية حياتي متعلقة بالله وأهل البيت عليهم السلام .. وقد توسّلت بهم في بداية حياتي لحاجات ملحة ولم أحصل على نتيجة ولم تقضى
ولهذا بدأت بالتهاون في صلاتي والابتعاد عن كل ما له علاقة بالتدين
أعلم الآن أنه لم يكن من الصلاح أن تُقضى ..
بعد دقائق سمعت صوتاً داخلياً يقول لي لقد أخطأتِ بل عشتِ عمراً من الأخطاء
ولعل ما انتِ فيه بسبب ذنوبك وابتعادك عن الله ..
لعل ما أنتِ فيه بسبب الطمع..
لعلكِ تستحقين هذا العذاب كله .. أيقني حتّى يتغير حالك ..
آمني .. فلعل الله وضعك هنا في حفرة عميقة مظلمة لتعودي إلى رشدك ..
فمن من الناس في هذه الأيام يخرج للبحث عن كنز !
وكيف يمكن أن أقطع كل تلك المسافة من بيتي إلى هنا حتى أقع هذه الوقعة السيئة !
بدأ النور يتسلل إلى الحفرة عند طلوع شمس يوم الاثنين ..
ثم فجأة تذكرت حديث الكساء حيث قال الله عز وجل:
إني ما خلقت سماءً مبنية ولا أرضاً مدحية ولا قمراً منيراً ولا شمساً مضيئة ولا فلكاً يدور ولا بحراً يجري ولا فلكاً يسري إلا لأجلكم ومحبتكم ..
وبدأت ألوم نفسي على حديثي السابق وقلة أدبي وغلاظة لفظي ..
فكرت ..هل كان أهل البيت عليهم السلام يعيشون في هذه الدنيا وهم مرتاحين ؟
ألم تعاني فاطمة الزهراء من آلام كسر أضلاعها ؟
ألم يعاني أمير المؤمنين عليه السلام من الغربة في هذه الدنيا ؟
ألم يعاني الإمام الحسن من ألم تقطّع أحشائه ؟
ألم يعاني الإمام الحسين سلام الله عليه من ألم تقطّع أوداجه وفقد الأحبة ؟
لا أحد منهم عاش في دعة وسعة .. حتّى صاحب الزمان ..
إذن لا يجب أن أكفر بوجود الله وأفقد إيماني بأهل البيت سلام الله عليهم بسبب أنني أعاني من بعض الصعوبات في حياتي !
فالدنيا دار غربة وما أشبه هذه الحفرة بالدنيا !
كما أنني أنا لست مستعدة لأموت وأنا كافرة ..
وإن كنت سأموت الآن أفضل الموت وأنا أحبهم .. لن أبيع حبهم بسبب وقوعي في حفرة ..!
عدت لإيماني بهم ويقيني وعاد الأمل يتسلل إلى قلبي ..
فصرت أردد هذا الدعاء الذي لا أذكر الا مقطع فكما فلقت البحر لموسى عليه السلام ونجيته بالعربية ثم أكمل بالفارسية خدايا نجاتم بده (يا الله نجّني)..
بدأت أفكر فقط في كيفية خروجي من الحفرة ..
وكنت أقول حتى وإن استطعت رفع نفسي كيف سأتسلق 15 متراً وقد كنت أظن أن هذا هو طول الحفرة فقط ..
استغرقت 5 ساعات فقط لتعديل وضعي ومدّ رجلي حيث أن جسدي كان مشلول تماماً ..
وحين رفعت رأسي قليلاً وحيث أنني لا استطيع الرؤية ضربت وجهي بصخرة ناتئة من الجدار .. بكيت بحرقة وأنا اشعر بالعجز التام أيقنت بأن لا شيء سيخرجني من هذه الحفرة الا قدرة الله ..
في هذين اليومين تغيرت جميع مفاهيمي للحياة والموت وأشياء أخرى منها العطش ..
حيث أن في يوم الثلاثاء كان العطش قد بلغ أقصاه وصرت أتذكر عطش الحسين سلام الله عليه وأطفاله..
وتذكرت أن أحدهم كان يقول أن أطفال الحسين من فرط العطش كانوا يلصقون بطونهم بالأرض حتى تبرد حراراتهم .. ففعلت مثلهم ..
لقد جفت شفتي ويبس لساني حد أنني لو ضربت فمي لتكسّر جلدي .. وقد بدأت اشم رائحة كريهة ظننتها لبعض القوارض وأسمع صوت دبيب الحشرات ..
حتى وصلت إلى الأجزاء المكشوفة من جسدي وصارت تتغذى على لحمي بالرغم من محاولتي في ابعادها عني ..
ولكنني كنت مشلولة تماماً لا استطيع تحريك أي شيء من جسدي سوى يدي ورأسي ..
وقد تخشّب لساني وخرج من بين زاوية شفاهي .. فمي مليء بالدم والتراب ..
خاطبت الله مجدداً هل ترضى أن يموت شيعتك ميتة الكلاب ؟
على الأقل افعل شيئاً ليدخل هذا اللسان في فمي ..
في تلك اللحظة رأيت حقيبتي التي لم أكن قد لاحظت وجودها قبل ذلك فمددت يدي بصعوبة وسحبتها وأخرجت محتوياتها .. كان من ضمنها كريم لترطيب البشرة ..
اخرجته ومسحت به وجهي ووضعت القليل منه في عيني ..
شعرت بحرقة فضيعة ولكن لم أجد حلاً غير هذا .. بدأت عيني تدمع وصرت آخذ الدمع واضعه على لساني حتى ترطب قليلاً وأدخلته في فمي وشعرت ببعض الارتياح ..
كوّمت الرمال تحت رأسي حتى وضعت خدي الأيمن على التراب لكي أسجد شكراً لله ..
في يوم الأربعاء توسلت بأصغر أطفال الحسين سلام الله عليه عبد الله الرضيع .. وصرت أطلب منه أن لا يحرم أطفالي من نعمة الأم وبعد ثلاث ساعات سمعت صوت خطوات بعض الرجال حيث وجدونا أخيراً بعد بحث طويل ..
وخرجت من الحفرة في الساعة العاشرة صباحاً ..
خرجت من الحفرة وأنا إنسانة .. حيث عرفت أن الامتحان الإلهي عندما يقع فهو لا يخصني أنا وحدي ..
بل الامتحان أو الابتلاء إن وقع على رأسي هو ايضاً امتحان وابتلاء لمن هم حولي .. ويجب أن لا نفقد ايماننا في تلك اللحظات العصيبة بل نتمسك بحبل الله وأهل بيت النبوة وبهم ننجو ..
فلولاهم لكنت الآن أنا ميتة في حفرة بعمق 25 متراً تحت الأرض بعيده عن المدينة ..
لم يصدّق رجل الإطفاء بأنني خرجت من تلك الحفرة على قيد الحياة بعد قضاء سبع ليالي وثمانية أيام فيها دون طعام أو شراب وبجسد ملطّخ بالدم والتراب ..
قضيت اربعة أشهر في العلاج وقد بدأت أتحسن وأمشي قليلاُ على رجلي وتم فتح ملف القضية في المحكمة وبدأت الشرطة في البحث عن الجاني ..
أحب أن أقول لكم في نهاية قصتي أن لا تيأسوا من رحمة الله مهما بلغ بكم الحال ..
وإن ضاقت بكم الدنيا فتذكروا أنها مجرد حفرة لابد أن تخرجوا منها إما بقلب سليم وإما بخفي حنين ..
وطوبى لمن حافظ على ايمانه بالرغم من كل شيء ..
وإن وصلتم إلى مرحلة اليأس فاذكروا يأس ابا الفضل العباس سلام الله عليه من حمل الماء إلى الخيام ..
اللهم صل على محمد وال محمد
*********************
ولدت في طهران .. يعمل أبي وكذلك أمي في وزارة التربية والتعليم .. كنت ابنتهم البكر التي يحبّانها حباً جمّاً .. ولدي كذلك أخت وأخ اصغر مني سناً .. انتقلنا إلى سمنان عندما كنت طفلة وعشت هناك لمدة 18 عام ..
حتى تعرفت على زوجي الذي بدأت بيننا قصة حب رائعة استمرت حتى تزوجنا وأنا في العشرين من عمري .. توقفت عن الدراسة حيث أني قُبلت في جامعة تبريز بسبب بُعد المسافة ومسئوليات الزواج ..
في هذه الأثناء انجبت طفلتين فاقترحت على زوجي مشروع بناء مدينة ألعاب حيث أنها ستكون الأولى التي سيتم انشاؤها على ارض سمنان ..
بارك والدينا هذه الخطوة الكبيرة .. ولكن لم يكن لدينا المال الكافي فاقترضنا من البنوك مبلغاً بدأنا به العمل على المشروع .. بدأت الديون بالتراكم حتى اثقلت كواهلنا ..
كان هناك رجل يعمل في الأراضي القريبة منا على بعض المشاريع .. تعرفنا عليه وعلى عائلته وأصبح في عداد الأصدقاء حيث كنا نثق به تمام الثقة ..
بل واصبح يعمل معنا ويشرف على سير العمل .. أخبرنا يوماً بعد أن توطدت المعرفة بيننا وأصبحنا بمثابة عائلة واحدة أنه وجد كنزاً في منطقة تُسمى كوَير ..
ولكنه لم يستطع إخراجه لعدم وجود اليد المساعدة وقلة الموارد .. واقترح أن نعمل معه على استخراجه وسيعطينا مبلغ 2 مليار عندما يستخرج الكنز بشرط أن لا نخبر أحداً بالأمر ..
وصار يطلب منا المبالغ الكبيرة وكان زوجي يعطيه لمدة ثمانية أشهر , على أمل أن يشتري الوسائل التي ستساعد في تحديد مكان الكنز واستخراجه ثم يعيد المبلغ اضعافاً مضاعفة ..
حينها بدأ الشك يتسلل الى قلب زوجي تجاه هذا الرجل حينما رأى منه التهرب وتغير الحال
فصار يطالبه بإعادة المال كلما التقى به في الطريق .. وفي يوم من الأيام قال لقد وجدت الكنز واريدكم أن تكونوا معي حين استخراجه كذلك اشترط على زوجي أن أكون معه وأن نستخدم الدراجة النارية للوصول إلى منطقة الكنز وأن لا نخبر أحداً بخروجنا من المنزل تلك الليلة ..
لم أكن أفكر في الذهاب بجدية ولم أتحمس لذلك ولكننا بعد أن ضاقت بنا الأحوال واوشك العمل على المشروع أن يتوقف قبلنا وعزمنا على الذهاب معه ..
قبل خروجنا بقليل كتب زوجي في ورقة
سنذهب لاستخراج الكنز الذي يبلغ قيمته كذا مع فلان في منطقة كذا كما يزعم..
ووضع الورقة في صندوق وأوصى أحد العمال الذين يثق بهم أنه إن لم نعد في تمام الساعة الثامنة مساءً أن يفتح الصندوق ويقرأ الورقة ويبلّغ الأهل ..
ثم خرجنا متوجهين الى كوير في اليوم الرابع من عيد الفطر المبارك يوم الأربعاء في الساعة 6 مساء ..
بدأت أشعر بالانزعاج كلما ابتعدنا عن العمران واشتداد الظلمة وخفوت أضواء المدينة ..
طلبت من زوجي العودة ونسيان الأمر برمته ولكنه رفض ..
عندما وصلنا إلى المكان المنشود نظرت حولي فلم أجد سوى رمال الصحراء والسماء .. والظلام الحالك ..
قلت لزوجي : لا أشعر بالارتياح لو أن هذا الرجل يفكر في قتلنا الآن لن يعلم أحد بذلك ..
فقال : تفائلي بالخير يا امرأة ولا تجلبي لنا النحس ..
ترجل زوجي عن الدراجة بعد أن طلب مني أن لا الحقه حتى يطمئن وذهب إلى حيث يقف الرجل بالقرب من فوهة حفرة عميقة يتحدثان في كيفية اخراج الكنز ..
فجأة حلّ الصمت ولم أعد أسمع صوت زوجي فذهبت لأستطلع الأمر ولم أكد أرى طريقي جيداً ..
رأيت الرجل يقف وحده .. سألته : أين زوجي ؟
قال : لقد رميته في الحفرة ويجب أن أقتلك ايضاً معه ..
لقد حدث ما كانت تحدثني به هواجسي .. قلت مرتعبة : هكذا اذن !
انتهى كل شيء .. نظرت حولي فلم أجد أي شيء سوى السماء وأرض تشبه صحراء مليئة بالحفر .. وحفرة عميقة ومظلمة مخيفة أقف أنا على حافّتها ..
ورجل بيده سكين ويهدد بقتلي .. تشاجرت معه على ما فعله بزوجي ثم حين لم أجد منه أي ندم رجوته أن يتركني وشأني..
قلت له : لن أخبر أحداً بما جرى فقط اتركني لأعود لأطفالي ..
اتركني هنا وارحل انت سأخرج زوجي من هنا بنفسي واتصل بالنجدة وأعدك أن لا اذكر اسمك أبداً ..
صمت لبرهة ..
رفعت رأسي أنظر إلى السماء وأنا مرعوبة رأيت منظراً خلّاباً وكأن النجوم قريبة منا بشكل لا يصدق ..
كنت أنتظر أن تحدث معجزة تنجيني وزوجي من هذا الموقف المهول ..
فجأة شعرت بيديه تدفعني بقوة نحو الهاوية .. وقعت في حفرة عمقها 25 متراً ..
في الواقع لم أكن أعلم بالضبط مدى عمق الحفرة الا بعد أن تم إخراجي منها ..
أثناء وقوعي ارتطمت ضلوعي بالصخور الناتئة من جدران الحفرة وكذلك جانب من وجهي ومن ثم اغمي علي لأربع ساعات ..
صحوت بسبب نور الهاتف المحمول الذي وجهه زوجي نحو وجهي وهو يناديني ..
ما أن فتحت عيني حتى شعرت بألم فضيع في جانب من وجهي وضلوعي ورقبتي وظهري ..
أظن أنه لم يبقى في جسدي عظم سالم ..
طلبت من زوجي أن لا ينظر لوجهي ويبعد عني نور الهاتف .. لأنني قد خمنت أن نصف وجهي قد تحطم وتشوّه ..
وفكرت بأنني لا أريده أن يراني مشوّهة ..
نظرت حولي .. وجدت جسد زوجي في طرف من الحفرة وفي الجانب الأخر أقبع أنا وفوقنا بقليل تقبع الدراجة النارية على كومة من الرمال التي تتوسط الحفرة ..
وحمدت الله على وجود تلك الكومة من الرمال والا لسقطت الدراجة على رأسينا وهشمت جمجمتينا ..
كل شيء بدا مخيفاً في لحظتها صرت أبكي ..
قال زوجي بصوت متعب بعد أن حاول تهدئتي : أشعر بالنعاس ..
قلت له وأنا أشهق : لا تنام أرجوك هيا لندعو أن يخرجنا الله من هذه الحفرة .. وسيكون كل شيء على ما يرام ..
حتماً سيجدنا أحدهم
دعوت الله ودموعي على خدي وكان يكرر معي الدعاء حتى صمت أخيراً وغفى ولم يصحو أبداً من غفوته ..
كانت ذراعه مدودة فصرت احركه وأحاول أن أقرص جلده وأؤلمه لعله يصحو بسبب الألم ولكن لا فائدة ..
وحين برد جسده تماماً ايقنت بموته ..
كانت تنتابني أحاسيس عجيبة لحظتها ..
وأظن أنني لو لم أكن في ذلك الموقف وكنا نواصل حياتنا الرتيبة العادية لمُتُّ بعد زوجي بعد شهرين بالكثير ..
فقد كنت أعشقه وأحبه أكثر حتى من أطفالي .. ولكن في تلك اللحظات لم أكن حزينة جداً حيث أنني أيقنت بأنني سأموت من بعده فوراً خاطبته بقلة حيلة وحزن : هنيئاً لك حبيبي لقد رحلت دون أن تعاني من الألم ..
أما أنا فإن الألم يفتك بي ..
لقد كنت معك حين توفاك الله ..
أما أنا فسأموت وحدي ..
صرخت وبكيت وصرت أخاطب الله ..
شعرت بالخوف العميق والوحدة والغربة والبرد ..
قضيت ليلتي وأنا ارتجف وأنتظر الموت حيث انقطعت جميع الآمال ..
سألني بعض الأصدقاء ألم تخافي من زوجك الميت بالقرب منك ؟
قلت بالطبع لا فلو قطعت يدي الآن وأعطوني إياها لأحملها باليد الأخرى هل سأخاف منها ؟!
في الليلة الأولى ابقيت نور الهاتف مضاءً طيلة الوقت حتى أشرقت الشمس وتسلل بعض النور إلى تلك الحفرة المظلمة الباردة ..
ولكن في الليلة التالية أي ليلة الجمعة مهما قلت بأنني كنت خائفة لم أكن أفي حق تلك اللحظات بالخصوص عندما انتهى شحن بطارية الهاتف ..
فجأة حلّ الظلام بشكل رهيب .. لم أستطع رؤية أي شيء حتى يدي أو رجلي .. ولا أستطيع تحريك أي شيء من جسدي غير رأسي ويدي ..
وقد كنت في حياتي مدللة وجبانة حدّ أنني عندما أريد الذهاب إلى المطبخ لإعداد كوب حليب ساخن في الليل والشقة مظلمة أنادي زوجي ليشعل لي الأنوار ثم ينتظرني أن أنتهي وأعود لغرفتي فيطفئها ..
وفي رحم ذلك الظلام لم يكن لي أي بصيص من أمل أو نور سوى معرفتي بوجود الله ..
كان الله هو كل آمالي وكل وجودي ..
وفي تلك اللحظات قد اتذكر أشياء غريبة وكأن شريط حياتي السابقة يعرض أمامي على شكل فيلم
ثم أتخيل كيف ستجري الحياة من بعدي !
فالبارحة وقعنا في تلك الحفرة المشؤومة والليلة كان يفترض أن أذهب مع زوجي إلى بيت بعض الأصدقاء وتناول العشاء ..!
وهكذا بدأت أفكر في الموت ..
وفهمت معنى كلمة أبا عبد الله الحسين سلام الله عليه حيث قال:
خطّ الموت على ولد آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة ..
أهكذا الموت قريب منا !!!
ألهذه الدرجة ؟!
حدّ أن بين لحظة وأخرى أكتب في عداد الأموات وهناك في جانب آخر يتناول الأصدقاء عشاءهم بعد أن ملّوا من انتظارنا !
لقد رحل زوجي ورحلت معه روحي ..
تخيلت لزوجي موتاً بسيطاً جداً .. كما نرى في الأفلام الكارتونية حيث الأرنب حين يموت يخلع ثياب جسده وتنبت له جناحين ثم يطير الى السماء ..
حلّت ليلة الجمعة وكانت تلك الليلة من أحلك الليالي وأعظمها وقعاً على نفسي ..
فالألم يتصاعد والظلام يتصاعد وكل شيء في تصاعد إلا روحي ..
تذكرت دعاء :
يا نور النور يا منور النور يا خالق النور يا مدبر النور يا مقدر النور يا نور كل نور يا نورا قبل كل نور يا نورا بعد كل نور يا نورا فوق كل نور يا نورا ليس كمثله نور
انتهت تلك الليلة وأنا اصرخ يا نور النور .. وأدعوا الله كما لم أدعوه من قبل ..
وفي ليلة السبت تذكرت أهل البيت سلام الله عليهم وتوسلت بأمير المؤمنين عليه السلام حيث تذكرت بأنه يلقب بأبو اليتامى ..
وأنا أشعر باليتم بعدما فقدت زوجي .. قضيت ساعات الليل كلها وأنا الهج باسم "علي" وأتخيل في أي لحظة أن أراه يمسح على رأسي ثم ينتشلني من محنتي
وفي يوم الأحد توسلت بالنبي محمد صلى الله عليه وآله أردد أي شيء يخطر على ذهني مما تعلمته وأنا صغيرة في مجالس التعزية ..
ولكن ايضاً لم يحدث شيء ..!
وبدأت تتلاشى الأفكار التي تعطيني الأمل في حدوث معجزة ..
كان قلبي أشد تقلبا من ريشة في فلاة تقلبها الريح ظهرا إلى بطن ..
بدأت أشعر بالجوع الشديد والعطش عند الظهر .. حدّ أنني لم أعد احتمل ألم الجوع .. تذكرت بعض القصص لمواجهة الجوع وتذكرت أنهم كانوا يضعون الحجارة على بطونهم فبحثت عن الحجارة وحين لم أجدها جمعت كومة من الرمال المتماسكة بفعل الرطوبة ووضعتها على بطني وصرت أضغط حتى شعرت بقليل من الراحة ..
نظرت من الفتحة الصغيرة المتاحة لي إلى السماء فوجدت بعض الغيوم
أنها ستمطر ..
كسرت الكهرباء الأمامية في الدراجة النارية وقربتها من الفتحة حتى يتجمع في اناء الكهرباء بعض الماء للشرب حينما تمطر ..
ولكن للأسف امتنعت السماء عن المطر طيلة الليالي السبع لوجودي في الحفرة ..
لم أفعل شيئاً في الساعات السابقة سوى الدعاء والتوسل ..
فاليوم اربعة وعشرون ساعة.. والساعة ستين دقيقة.. والدقيقة ستين ثانية..
وأنا امرأة مشلولة تماماً ترقد في حفرة بعظام مكسورة ودم متخثر على وجهها وزوجها يرقد بجانبها جثة بلا روح..
وماذا أفعل في حفرة عميقة كل هذا العمق وباردة حد التجمد ومظلمة حد العمى سوى الذّكر ؟!
حتى عندما حلّ الظلام قطعت الأمل من التوسل بأهل البيت عليهم السلام ..
وصرت أصرخ وأخاطبهم بقلة أدب!!..
لماذا لا تساعدوني ؟ ألا تريدون مساعدتي ؟ هل أنتم حقاً موجودين ؟ هل تسمعون صوتي ؟
لا أظن ذلك أنتم غير موجودين والأحاديث التي نسمعها عنكم هي مجرد قصص وهمية ..
ثم وجهت كلاماً شديد اللهجة إلى ربي وقلت :
لقد كنت اثق بقدرتك يا الله ولكن أين أنت ؟ لماذا لا تمد لي يد العون ؟
لماذا لا تحدث معجزة أنجو على اثرها .
لدرجةّ أنني وصلت في حديثي الداخلي معهم إلى الكفر في تلك الليلة!! .. .
سأخبركم شيئاً ..
لقد كنت في بداية حياتي متعلقة بالله وأهل البيت عليهم السلام .. وقد توسّلت بهم في بداية حياتي لحاجات ملحة ولم أحصل على نتيجة ولم تقضى
ولهذا بدأت بالتهاون في صلاتي والابتعاد عن كل ما له علاقة بالتدين
أعلم الآن أنه لم يكن من الصلاح أن تُقضى ..
بعد دقائق سمعت صوتاً داخلياً يقول لي لقد أخطأتِ بل عشتِ عمراً من الأخطاء
ولعل ما انتِ فيه بسبب ذنوبك وابتعادك عن الله ..
لعل ما أنتِ فيه بسبب الطمع..
لعلكِ تستحقين هذا العذاب كله .. أيقني حتّى يتغير حالك ..
آمني .. فلعل الله وضعك هنا في حفرة عميقة مظلمة لتعودي إلى رشدك ..
فمن من الناس في هذه الأيام يخرج للبحث عن كنز !
وكيف يمكن أن أقطع كل تلك المسافة من بيتي إلى هنا حتى أقع هذه الوقعة السيئة !
بدأ النور يتسلل إلى الحفرة عند طلوع شمس يوم الاثنين ..
ثم فجأة تذكرت حديث الكساء حيث قال الله عز وجل:
إني ما خلقت سماءً مبنية ولا أرضاً مدحية ولا قمراً منيراً ولا شمساً مضيئة ولا فلكاً يدور ولا بحراً يجري ولا فلكاً يسري إلا لأجلكم ومحبتكم ..
وبدأت ألوم نفسي على حديثي السابق وقلة أدبي وغلاظة لفظي ..
فكرت ..هل كان أهل البيت عليهم السلام يعيشون في هذه الدنيا وهم مرتاحين ؟
ألم تعاني فاطمة الزهراء من آلام كسر أضلاعها ؟
ألم يعاني أمير المؤمنين عليه السلام من الغربة في هذه الدنيا ؟
ألم يعاني الإمام الحسن من ألم تقطّع أحشائه ؟
ألم يعاني الإمام الحسين سلام الله عليه من ألم تقطّع أوداجه وفقد الأحبة ؟
لا أحد منهم عاش في دعة وسعة .. حتّى صاحب الزمان ..
إذن لا يجب أن أكفر بوجود الله وأفقد إيماني بأهل البيت سلام الله عليهم بسبب أنني أعاني من بعض الصعوبات في حياتي !
فالدنيا دار غربة وما أشبه هذه الحفرة بالدنيا !
كما أنني أنا لست مستعدة لأموت وأنا كافرة ..
وإن كنت سأموت الآن أفضل الموت وأنا أحبهم .. لن أبيع حبهم بسبب وقوعي في حفرة ..!
عدت لإيماني بهم ويقيني وعاد الأمل يتسلل إلى قلبي ..
فصرت أردد هذا الدعاء الذي لا أذكر الا مقطع فكما فلقت البحر لموسى عليه السلام ونجيته بالعربية ثم أكمل بالفارسية خدايا نجاتم بده (يا الله نجّني)..
بدأت أفكر فقط في كيفية خروجي من الحفرة ..
وكنت أقول حتى وإن استطعت رفع نفسي كيف سأتسلق 15 متراً وقد كنت أظن أن هذا هو طول الحفرة فقط ..
استغرقت 5 ساعات فقط لتعديل وضعي ومدّ رجلي حيث أن جسدي كان مشلول تماماً ..
وحين رفعت رأسي قليلاً وحيث أنني لا استطيع الرؤية ضربت وجهي بصخرة ناتئة من الجدار .. بكيت بحرقة وأنا اشعر بالعجز التام أيقنت بأن لا شيء سيخرجني من هذه الحفرة الا قدرة الله ..
في هذين اليومين تغيرت جميع مفاهيمي للحياة والموت وأشياء أخرى منها العطش ..
حيث أن في يوم الثلاثاء كان العطش قد بلغ أقصاه وصرت أتذكر عطش الحسين سلام الله عليه وأطفاله..
وتذكرت أن أحدهم كان يقول أن أطفال الحسين من فرط العطش كانوا يلصقون بطونهم بالأرض حتى تبرد حراراتهم .. ففعلت مثلهم ..
لقد جفت شفتي ويبس لساني حد أنني لو ضربت فمي لتكسّر جلدي .. وقد بدأت اشم رائحة كريهة ظننتها لبعض القوارض وأسمع صوت دبيب الحشرات ..
حتى وصلت إلى الأجزاء المكشوفة من جسدي وصارت تتغذى على لحمي بالرغم من محاولتي في ابعادها عني ..
ولكنني كنت مشلولة تماماً لا استطيع تحريك أي شيء من جسدي سوى يدي ورأسي ..
وقد تخشّب لساني وخرج من بين زاوية شفاهي .. فمي مليء بالدم والتراب ..
خاطبت الله مجدداً هل ترضى أن يموت شيعتك ميتة الكلاب ؟
على الأقل افعل شيئاً ليدخل هذا اللسان في فمي ..
في تلك اللحظة رأيت حقيبتي التي لم أكن قد لاحظت وجودها قبل ذلك فمددت يدي بصعوبة وسحبتها وأخرجت محتوياتها .. كان من ضمنها كريم لترطيب البشرة ..
اخرجته ومسحت به وجهي ووضعت القليل منه في عيني ..
شعرت بحرقة فضيعة ولكن لم أجد حلاً غير هذا .. بدأت عيني تدمع وصرت آخذ الدمع واضعه على لساني حتى ترطب قليلاً وأدخلته في فمي وشعرت ببعض الارتياح ..
كوّمت الرمال تحت رأسي حتى وضعت خدي الأيمن على التراب لكي أسجد شكراً لله ..
في يوم الأربعاء توسلت بأصغر أطفال الحسين سلام الله عليه عبد الله الرضيع .. وصرت أطلب منه أن لا يحرم أطفالي من نعمة الأم وبعد ثلاث ساعات سمعت صوت خطوات بعض الرجال حيث وجدونا أخيراً بعد بحث طويل ..
وخرجت من الحفرة في الساعة العاشرة صباحاً ..
خرجت من الحفرة وأنا إنسانة .. حيث عرفت أن الامتحان الإلهي عندما يقع فهو لا يخصني أنا وحدي ..
بل الامتحان أو الابتلاء إن وقع على رأسي هو ايضاً امتحان وابتلاء لمن هم حولي .. ويجب أن لا نفقد ايماننا في تلك اللحظات العصيبة بل نتمسك بحبل الله وأهل بيت النبوة وبهم ننجو ..
فلولاهم لكنت الآن أنا ميتة في حفرة بعمق 25 متراً تحت الأرض بعيده عن المدينة ..
لم يصدّق رجل الإطفاء بأنني خرجت من تلك الحفرة على قيد الحياة بعد قضاء سبع ليالي وثمانية أيام فيها دون طعام أو شراب وبجسد ملطّخ بالدم والتراب ..
قضيت اربعة أشهر في العلاج وقد بدأت أتحسن وأمشي قليلاُ على رجلي وتم فتح ملف القضية في المحكمة وبدأت الشرطة في البحث عن الجاني ..
أحب أن أقول لكم في نهاية قصتي أن لا تيأسوا من رحمة الله مهما بلغ بكم الحال ..
وإن ضاقت بكم الدنيا فتذكروا أنها مجرد حفرة لابد أن تخرجوا منها إما بقلب سليم وإما بخفي حنين ..
وطوبى لمن حافظ على ايمانه بالرغم من كل شيء ..
وإن وصلتم إلى مرحلة اليأس فاذكروا يأس ابا الفضل العباس سلام الله عليه من حمل الماء إلى الخيام ..
تعليق