العبرة بالسابقين في كلام أمير المؤمنين
نهج البلاغة – الكوثر: أخي, ننظُر إلى الديار ... ونتأملُ في الآثار, فيَحْسُنُ الاعتبار... يقف المرء على الأطلال, أطلالِ الآباء والأجداد: بيوتِهم ومنازِلهم, حقولِهم وبيادِرِهم, رزِقهم وأملاكِهم ... عندما يقف هناك, ويُناجي نفسَه بالذين مروا من هنا, وعن الذين بَنَوا هناك, وعمرَّوا هنالك وأنشأوا ورفعوا وشيَّدوا وغرَسوا الأشجار, وأحيوا القِفار, وكلُّ ما يُحيطُ بنا يُشيرُ إليهم, مَعَ انعِدَامِ وجودِهم بيننا .
والى هذا يُشير مولانا عليٌ- عليه السلام - عندما يقول: "فاعتبروا بنزولِكم منازلَ مَنْ كان قبلَكُم, وانقطاعِكم عن أوصلِ إخوانكم".
ويقول- عليه السلام - قبل ذلك: "أوَ لَيس لكم في آثار الاولين مُزْدَجَر, وفي آبائِكم الماضينَ تبصِرَةٌ ومعتبر إن كنتم تعقلون!, أوَ لَمْ تروا إلى الماضين منكُم لا يرجعِون , وإلى الخَلَفِ الباقينَ لا يَبْقَوْن!, أَوَلَستُم تَرونَ أهلَ الدنيا يُصبْحونَ ويُمسُون على أحوالٍ شتى , فميِّتٌ يُبكَى وآخرُ يُعزَّى, وصريعٌ مُبْتلَى, وعائدٌ يعود, وآخرُ بنفسهِ يجودُ, وطالبٌ للدنيا والموتُ يطلُبُهُ, وغافلٌ وليس بمغفول عنه, وعلى أثر الماضي ما يمضي الباقي!".
وفي نص آخر، دَلالاتٌ عظيمة ٌ إلى مَنْ عايَشْنا وجاوَرْنا، ورأَينا وعاينَّا ولامَسْنا وحاورنا... ثم فارقنا على حين غرة:... فيا عجبي! اللدنيا خلق آبائي وأجدادي أم للآخرة؟... فإن كانوا للدنيا قد خلقوا فلم فارقوها ورحلوا عنها؟!!!!
... وإن كانوا للآخرة قد خُلقوا... فإلى الآخرة أيضاً نحن قد خُلِقْنا، وإليها مصيرُنا... فليس بإرادتهم رحلوا، وليس بإرادتنا نرحل... ولم ينفعْهم عَمَلُهم للدنيا، وتعلُّقُهم بها... ولن ينفعَنا نحن ذلك...
... كأني بهم ومُذْ وُلِدوا لِلآْخرةِ لا للدنيا وُلِدوا، فهناك في دارِهِم الحقيقة يَأْنَسُون، وفي هذهِ الدار دارِ الوحشة يستوحِشُون، هناكَ دارُ المقرِّ ودارُ الخلود.
... وهذا مدلولُ قولِهِ - عليه السلام -: " فكفى واعظاً بموتى عايَنْتُموهُم، حُمِلوا الى قبورِهم غيرَ راكبين، وأُنزِلوا فيها غيرَ نازلين، فكأنهم لم يكونوا للدنيا عُمَّاراً، وكأن الآخرة لم تزلْ لهم داراً، وأوحشوا ما كانوا يوطنون، وأوطنوا ما كانوا يوحشون واشتغلوا بما فارقوا، وأضاعوا ما إليه انتقلوا، لا عن قبيح يستطيعون أنتقالاً ، ولا حَسَنٍ يستطيعون ازدياداً، أنِسوا بالدنيا فغرَّتْهم، ووثِقوا بها فصرعَتْهم، فسابِقوا، رحمكُمُ الله، إلى منازِلكم التي أمِرْتُمْ أن تَعْمرُوُها، والتي رُغِّبْتُم فيها ودُعِيتُم إليها ... ما اسرعَ الساعاتِ في اليوم, وأسرعَ الأيام في الشهر, وأسرعَ الشهور في السنة , وأسرعَ السنين في العُمر".
ويقول - عليه السلام - في هذا المجال أيضا: "واتَّعِظوا بممن كان قلبكم , قبل أن يتعظ بكُمْ مَنْ بَعْدَكُم".
***
ويُروى أنه - عليه السلام - تبع جنازةً فسمِعَ رجلا" يضحكُ فقال: "كأنَّ الموت فيها على غيرِنا كُتِبْ , وكأنَّ الحقَّ على غيرِنا وَجَب , وكأنَّ الذي نرى مِنْ الامواتِ سَفرٌ عمَّا قليل . . . الينا راجعون , نُبوِّئُهم أجداثَهم , ونأكلُ تُراثَهم كأنّا مُخلَّدُون بَعَدهم , ثم قد نسينا كلَّ واعظٍ. وواعظةٍ, ورمينا بكل فادح ٍ وجائحة".
وفي نص آخرَ يقول - عليه السلام -: "واتَّعظوا فيها بالذين قالوا : مَنْ أشدُّ مِنَّا قُوَّةً. حُمِلوا الى قبورِهم فلا يُدْعَون رُكبانا, وأُنزِلوا الأجداث فلا يُدعَوْنَ ضِيفانا, وجُعِلَ لهم مِنَ الصَّفِيْحِ أجْنَان, ومِنْ الترابِ أكفان, ومن الرُّفات جيران, فهم جيرةٌ لا يُجيبون داعيا, ولا يمنعون ضيما, ولا يُبالون مَنْدَبَة . . . جميعٌ وهم آحاد. وجيرةٌ وهم أبعاد, مُتدانون لا يتزاورون, وقريبون لا يتقاربون ... استَبْدَلُوا بِظَهْرِ الارضِ بطنا, وبالسِّعَةِ ضِيقا, وبالأهل غُربة, وبالنور ظلمة, فجاؤوها كما فارَقُوها, حُفاةً عُراة ...".
السيد سامي خضرا
قبسات من نهج البلاغة
نهج البلاغة – الكوثر: أخي, ننظُر إلى الديار ... ونتأملُ في الآثار, فيَحْسُنُ الاعتبار... يقف المرء على الأطلال, أطلالِ الآباء والأجداد: بيوتِهم ومنازِلهم, حقولِهم وبيادِرِهم, رزِقهم وأملاكِهم ... عندما يقف هناك, ويُناجي نفسَه بالذين مروا من هنا, وعن الذين بَنَوا هناك, وعمرَّوا هنالك وأنشأوا ورفعوا وشيَّدوا وغرَسوا الأشجار, وأحيوا القِفار, وكلُّ ما يُحيطُ بنا يُشيرُ إليهم, مَعَ انعِدَامِ وجودِهم بيننا .
والى هذا يُشير مولانا عليٌ- عليه السلام - عندما يقول: "فاعتبروا بنزولِكم منازلَ مَنْ كان قبلَكُم, وانقطاعِكم عن أوصلِ إخوانكم".
ويقول- عليه السلام - قبل ذلك: "أوَ لَيس لكم في آثار الاولين مُزْدَجَر, وفي آبائِكم الماضينَ تبصِرَةٌ ومعتبر إن كنتم تعقلون!, أوَ لَمْ تروا إلى الماضين منكُم لا يرجعِون , وإلى الخَلَفِ الباقينَ لا يَبْقَوْن!, أَوَلَستُم تَرونَ أهلَ الدنيا يُصبْحونَ ويُمسُون على أحوالٍ شتى , فميِّتٌ يُبكَى وآخرُ يُعزَّى, وصريعٌ مُبْتلَى, وعائدٌ يعود, وآخرُ بنفسهِ يجودُ, وطالبٌ للدنيا والموتُ يطلُبُهُ, وغافلٌ وليس بمغفول عنه, وعلى أثر الماضي ما يمضي الباقي!".
وفي نص آخر، دَلالاتٌ عظيمة ٌ إلى مَنْ عايَشْنا وجاوَرْنا، ورأَينا وعاينَّا ولامَسْنا وحاورنا... ثم فارقنا على حين غرة:... فيا عجبي! اللدنيا خلق آبائي وأجدادي أم للآخرة؟... فإن كانوا للدنيا قد خلقوا فلم فارقوها ورحلوا عنها؟!!!!
... وإن كانوا للآخرة قد خُلقوا... فإلى الآخرة أيضاً نحن قد خُلِقْنا، وإليها مصيرُنا... فليس بإرادتهم رحلوا، وليس بإرادتنا نرحل... ولم ينفعْهم عَمَلُهم للدنيا، وتعلُّقُهم بها... ولن ينفعَنا نحن ذلك...
... كأني بهم ومُذْ وُلِدوا لِلآْخرةِ لا للدنيا وُلِدوا، فهناك في دارِهِم الحقيقة يَأْنَسُون، وفي هذهِ الدار دارِ الوحشة يستوحِشُون، هناكَ دارُ المقرِّ ودارُ الخلود.
... وهذا مدلولُ قولِهِ - عليه السلام -: " فكفى واعظاً بموتى عايَنْتُموهُم، حُمِلوا الى قبورِهم غيرَ راكبين، وأُنزِلوا فيها غيرَ نازلين، فكأنهم لم يكونوا للدنيا عُمَّاراً، وكأن الآخرة لم تزلْ لهم داراً، وأوحشوا ما كانوا يوطنون، وأوطنوا ما كانوا يوحشون واشتغلوا بما فارقوا، وأضاعوا ما إليه انتقلوا، لا عن قبيح يستطيعون أنتقالاً ، ولا حَسَنٍ يستطيعون ازدياداً، أنِسوا بالدنيا فغرَّتْهم، ووثِقوا بها فصرعَتْهم، فسابِقوا، رحمكُمُ الله، إلى منازِلكم التي أمِرْتُمْ أن تَعْمرُوُها، والتي رُغِّبْتُم فيها ودُعِيتُم إليها ... ما اسرعَ الساعاتِ في اليوم, وأسرعَ الأيام في الشهر, وأسرعَ الشهور في السنة , وأسرعَ السنين في العُمر".
ويقول - عليه السلام - في هذا المجال أيضا: "واتَّعِظوا بممن كان قلبكم , قبل أن يتعظ بكُمْ مَنْ بَعْدَكُم".
***
ويُروى أنه - عليه السلام - تبع جنازةً فسمِعَ رجلا" يضحكُ فقال: "كأنَّ الموت فيها على غيرِنا كُتِبْ , وكأنَّ الحقَّ على غيرِنا وَجَب , وكأنَّ الذي نرى مِنْ الامواتِ سَفرٌ عمَّا قليل . . . الينا راجعون , نُبوِّئُهم أجداثَهم , ونأكلُ تُراثَهم كأنّا مُخلَّدُون بَعَدهم , ثم قد نسينا كلَّ واعظٍ. وواعظةٍ, ورمينا بكل فادح ٍ وجائحة".
وفي نص آخرَ يقول - عليه السلام -: "واتَّعظوا فيها بالذين قالوا : مَنْ أشدُّ مِنَّا قُوَّةً. حُمِلوا الى قبورِهم فلا يُدْعَون رُكبانا, وأُنزِلوا الأجداث فلا يُدعَوْنَ ضِيفانا, وجُعِلَ لهم مِنَ الصَّفِيْحِ أجْنَان, ومِنْ الترابِ أكفان, ومن الرُّفات جيران, فهم جيرةٌ لا يُجيبون داعيا, ولا يمنعون ضيما, ولا يُبالون مَنْدَبَة . . . جميعٌ وهم آحاد. وجيرةٌ وهم أبعاد, مُتدانون لا يتزاورون, وقريبون لا يتقاربون ... استَبْدَلُوا بِظَهْرِ الارضِ بطنا, وبالسِّعَةِ ضِيقا, وبالأهل غُربة, وبالنور ظلمة, فجاؤوها كما فارَقُوها, حُفاةً عُراة ...".
السيد سامي خضرا
قبسات من نهج البلاغة
تعليق