أداء حق أهل البيت عليهم السلام
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الله الواحد الأحد الفرد الصمد، والصلاة والسلام على خير الأنام النبي محمد وآله الطيبين الطاهرين ولا سيما بقية الله في العالمين أرواحنا لتراب مقدمه الفداء، واللعن الدائم المؤبّد على أعدائهم ومنكري فضائلهم من الأولين والآخرين... وبعد:
بينما كنت أقرأ بعض ما روي عن بيت العصمة والطهارة حول أبي عبد الله الحسين عليه أفضل الصلاة والسلام، اذهلتني عبارة، وهيجت عقلي وعاطفتي ومحبتي لأهل بيت النبوة والإمامة عليهم السلام، عبارة لم يحتملها عقلي القاصر، وأفجعت قلبي الخائر، فلم أتمالك نفسي، ففاضت عيني دموعا، وارتعشت جوارحي كمن حُمّل ثقلاً لا يقوى عليه فليس أمام هذا الجسد إلا أن يُبدي ضَعف احتماله، وضعف قواه، ووهن عظمه، تقصر عبارتي عن وصفه، ويكلّ لساني عن بيانه، وعقلي عن احتماله، وقلمي عن أن يخطّه بيد مرتعشة.
ولكن بعد يوم مِن المعاناة، استجمعت قواي، وهدأت فورتي، فبدأت أكتب هذه الكلمات.
افتح قلبك، وأعرني سمعك وعقلك، وهيأ مشاعرك وعواطفك واقرأ معي ما نقله سيد مِن سادة هذه الطائفة الحقّة، هو عبد للحسين وشرف للدين، في كتابه المجالس الفاخرة في مصائب العترة الطاهرة ص72.
حاول أن تعبر الزمن وتعيش مع كلمات الصادق البارّ الأمين وكأنّك تسمع تلك الكلمات بنبراته وأنّاته، وترى مشاعره على صفحة وجهه المقدّس، وإشارات يده وقد شدّها ليعلم الرائي أنّ الأمر عظيم، والخطب جليل.
روى ابن قولويه في الكامل بسند معتبر عن الصادق عليه السلام جاء فيه:
(وكان جدي علي بن الحسين عليهما السلام إذا ذكره - يعني الحسين عليه السلام - بكى حتى تملأ عيناه لحيته، وحتى يبكي لبكائه رحمة له من رآه. وإن الملائكة الذين عند قبره ليبكون، فيبكي لبكائهم كل من في الهواء والسماء، وما من باك يبكيه إلا وقد وصل فاطمة وأسعدها، ووصل رسول الله صلى الله عليه وآله، وأدى حقنا . . .الحديث.
ليس الذي افجعني هو بُكاء زين العابدين عليه السلام، ولا كثرة دموعه التي تملأ لحيته، وإن كان الأمر جليلا وعجيبا، دقق في قوله تملأ لحيته ولم يقل يسيل على لحيته فقط.
ولا حالة سيد الساجدين التي مَن رآه عليها رقّ لحاله وبكى لبكائه، وهذه الصورة للإمام السجّاد وإن كانت مُفجعة إلا أنني قد اتعقل المبرر لها، والمسوّغ لإبرازها، والداعي لظهورها.
وليس الأمر الذي أذهلني بُكاء الملائكة الذين عند قبره، وعند بُكائهم يبكي لبكائهم كلّ مَن في الهواء والسماء أي الملأ الأعلى وعالم الملكوت، وإن كان هذا الأمر يهزّ المشاعر ويُهيّج العواطف ويُذهل العقول إلا أنني أجد ذلك مبرَّراً. كيف؟!!! وقد أُفجع به قلب محمد المصطفى وعلي المرتضى وفاطمة الزهراء.
وليس الأمر الذي لم احتمله هو أن يكون البكاء على سيد الشهداء صلة وسروراً لفاطمة وأبيها صلوات الله عليهما وآلهما، فإنّ عظيم لطفهما وإحسانهما ورأفتهما ورحمتهما وكرمهما وَجُودِهما يفيض على أتباعهما بقبول الأيسر مِن اليسير والأقل مِن القليل كي يجعلاه بعظيم خلقهما محلاً لرضاهما ورضاهما رضا الله تعالى.
ولكنّ الذي قضّ مضجعي، وفضح مشاعري، وأوقف عقلي، عبارة:
(أدى حقنا)
الله أكبر، ما أعظمها مِن كلمة قد تكون خفيفة على اللسان ولكنّها ثقيلة في الميزان العقلي، وليس كلّ ميزان يزن أيّ شيء، فهناك موازين صغيره وأخرى كبيره.
أيها السنام الأعظم، ايها الصراط الأقوم، أيها الصادق البارّ الأمين وحجة الله على العالمين، رفقاً رفقاً بمولاكم.
مولاكم عليه أن يستفهم ويسأل بقدر ما يعلم مِن ادب، ولا يجب عليكم الجواب أبدا، لأنّه مِنّة منكم وقد قال باريكم:
هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ - ص - الآية - 39
أعطاكم الله الحق وخيركم بين الإمساك والمن على مواليكم.
فلقد وجدنا في الكافي الشريف للشيخ الكليني ج1 ص210: بسنده عن الوشاء قال: سألت الرضا عليه السلام فقلت له: جعلت فداك "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون"؟ فقال: "نحن أهل الذكر ونحن المسؤولون، قلت: فأنتم المسؤولون ونحن السائلون؟ قال: نعم، قلت: حقا علينا أن نسألكم؟ قال: نعم، قلت: حقا عليكم أن تجيبونا؟ قال: لا. ذاك إلينا إن شئنا فعلنا وإن شئنا لم نفعل، أما تسمع قول الله تبارك وتعالى:"هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب".
أجلس منحنياً مطأطئاً رأسي حياءاً وخجلاً بين يديك، وخافضاً لصوتي في حضرتك، فأذن لي يا مولاي بهذه الكلمات، وهي عبارة عن تساؤلات مَن لا يعلم، ومَن قرينه الجهل الذي لا ينفكّ عنه وكأنّه اتحد معه.
أيّ حقّ يوفيه بعض قطرات مِن الدمع؟
هل الحقّ الذي لكم على الخلائق لكون الله تعالى خلق الخلق مِن أجلكم فكانت لكم المنة على وجود الخلق حيث روينا عنكم في حديث الكساء قول الله تعالى:
(يَا مَلآئِكَتِي وَيَا سُكَّانَ سَموَاتِي، إِنِّي مَا خَلَقْتُ سَمَاءً مَبْنِيَّةً، وَلاَ أَرْضاً مَدْحِيَّةً، وَلاَ قَمَراً مُنِيْراً، وَلاَ شَمْساً مُضِيْئَةً وَلاَ فَلَكَاً يَدُورُ، وَلاَ بَحْراً يَجْرِي، وَلاَ فُلْكاً يَسْرِي إِلاَّ فِي مَحَبَّةِ هؤُلآءِ الْخَمْسَةِ الَّذِينَ هُمْ تَحْتَ الْكِسَاءِ).
ما لا أفهمه يا مولاي أن تكون نعمة الوجود توفّى بدمعة.
وهل الحق الذي أردتموه هو أنّكم بذلتم أجسادكم وأزهقتم أرواحكم وأيتمتم عيالكم وقُتلتم وسُحقتم بحوافر الخيل وحتى أطفالكم وفلذات أكبادكم بل وحتى سُبيت نساؤكم وهتكت أعراضكم، وشَمُت بأعراضكم كل دني وخسيس؟!!!
أهذا كلّه الذي فعلتموه مِن أجل وصول هداية إلينا لم نأخذ بها كلّها ولم نتمسّك إلا بقليلها، ولم نحرص عليه أشدّ الحرص.
أتريدني يا مولاي أن أتعقل أنني إذا بكيت أكون ممن أدّى حقّكم؟!!!!
لا والله. لو ازهقنا نفوسنا ونساءنا واولادنا ما أدينا شيئاً مِن حقِّكم.
ماذا أعدد مِن حقّكم؟!!!
ما فعله النبي الأعظم وما لاقاه مِن أذى حتّى قال: ما أوذي نبي كما أوذيت؟
وما فعله أمير المؤمنين وما لاقاه مِن متاعب وإحن حتى تمنّى الموت؟
وما فعلته الزهراء فاطمة وأبناؤها وما لاقت وفلذات كبدها مِن مصائب يشيب عند سماعها الصغير ويهرم الكبير.
يا مولاي: لو كانت البحار مداداً والأشجار أقلاما واجتمع الإنس والجنّ والملائكة كتّابا على أن يُحصوا حقّكم علينا ما أحصوه.
نعم يا مولاي: إذا نظرت إلى قول الله تعالى:
وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ - القلم - الآية - 4
وقوله تعالى:
لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ - التوبة - الآية - 128
وتجلى لي شيء مِن عظيم أخلاقكم ورأفتكم ورحمتكم وحرصكم على المؤمنين، سأقف عاجزاً عن إدراك تلك العظمة، وكيف؟ والله العظيم تعالى وصفها بالعظمة.
آخر القول يا مولاي أنّ خُلقكم ورأفتكم ورحمتكم لا يُدرِك مداها إلا خالقكم سبحانه وتعالى، ولذا تعتبرون الدمعة تأدية لحقكم، ومَن يقوى على عظيم رأفتكم ورحمتكم وخلقكم غير باريكم!!!.
لكنّني أقطع جازماً مؤيَّدا بالروايات عنكم، أنّ ذلك البُكاء لا بُدّ أن يكون صادراً مِن مؤمن عارف معترف بحقِّكم بالقدر الميسور لعامة الخلق، فلا يكون البكاء موجباً لذلك إلا إذا صدر عن محبة لكم وتعظيم لشأنكم ومعرفة بحرماتكم، نعم قد ينتفع حتى غير المؤمن ببكائه ولكن لا يعني ذلك أنّه يدخل الجنة فضلا عن بلوغه الغاية مِن رضاكم.
اعتذر يا مولاي على إطالة الحديث بين أيديكم النديّة وفي محضركم المقدّس، والذي دعاني لذلك هو أنس المولى بخطاب مولاه، فإنّ الله تعالى سأل موسى عليه السلام:
وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى - طه - الآية - 17
فما كان مِن موسى إلا أن يُطيل الجواب لأنّ فرصة الخطاب ولذّته والأنس به مع مولاه دعاه إلى قول:
قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى - طه - الآية - 18
سيدي ومولاي: أسلم عليك سَلامَ مُوَدِّع لا قال وَلا سَئِم، فَاِنْ اَنْصَرِفْ فَلا عَنْ مَلالَة، يا مَوْلايَ لا جَعَلَهُ اللهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنّي لِمخاطبتك، وَرَزَقَنِيَ الْعَوْدَ اِلَيْكَ وَالْمَقامَ بين يديك وَالْكَوْنَ فِي ساحة قدسك آمينَ رَبَّ الْعالَمينَ.
مولاك
علي زواد
بقلم أستاذنا
الشيخ علي الزواد
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الله الواحد الأحد الفرد الصمد، والصلاة والسلام على خير الأنام النبي محمد وآله الطيبين الطاهرين ولا سيما بقية الله في العالمين أرواحنا لتراب مقدمه الفداء، واللعن الدائم المؤبّد على أعدائهم ومنكري فضائلهم من الأولين والآخرين... وبعد:
بينما كنت أقرأ بعض ما روي عن بيت العصمة والطهارة حول أبي عبد الله الحسين عليه أفضل الصلاة والسلام، اذهلتني عبارة، وهيجت عقلي وعاطفتي ومحبتي لأهل بيت النبوة والإمامة عليهم السلام، عبارة لم يحتملها عقلي القاصر، وأفجعت قلبي الخائر، فلم أتمالك نفسي، ففاضت عيني دموعا، وارتعشت جوارحي كمن حُمّل ثقلاً لا يقوى عليه فليس أمام هذا الجسد إلا أن يُبدي ضَعف احتماله، وضعف قواه، ووهن عظمه، تقصر عبارتي عن وصفه، ويكلّ لساني عن بيانه، وعقلي عن احتماله، وقلمي عن أن يخطّه بيد مرتعشة.
ولكن بعد يوم مِن المعاناة، استجمعت قواي، وهدأت فورتي، فبدأت أكتب هذه الكلمات.
افتح قلبك، وأعرني سمعك وعقلك، وهيأ مشاعرك وعواطفك واقرأ معي ما نقله سيد مِن سادة هذه الطائفة الحقّة، هو عبد للحسين وشرف للدين، في كتابه المجالس الفاخرة في مصائب العترة الطاهرة ص72.
حاول أن تعبر الزمن وتعيش مع كلمات الصادق البارّ الأمين وكأنّك تسمع تلك الكلمات بنبراته وأنّاته، وترى مشاعره على صفحة وجهه المقدّس، وإشارات يده وقد شدّها ليعلم الرائي أنّ الأمر عظيم، والخطب جليل.
روى ابن قولويه في الكامل بسند معتبر عن الصادق عليه السلام جاء فيه:
(وكان جدي علي بن الحسين عليهما السلام إذا ذكره - يعني الحسين عليه السلام - بكى حتى تملأ عيناه لحيته، وحتى يبكي لبكائه رحمة له من رآه. وإن الملائكة الذين عند قبره ليبكون، فيبكي لبكائهم كل من في الهواء والسماء، وما من باك يبكيه إلا وقد وصل فاطمة وأسعدها، ووصل رسول الله صلى الله عليه وآله، وأدى حقنا . . .الحديث.
ليس الذي افجعني هو بُكاء زين العابدين عليه السلام، ولا كثرة دموعه التي تملأ لحيته، وإن كان الأمر جليلا وعجيبا، دقق في قوله تملأ لحيته ولم يقل يسيل على لحيته فقط.
ولا حالة سيد الساجدين التي مَن رآه عليها رقّ لحاله وبكى لبكائه، وهذه الصورة للإمام السجّاد وإن كانت مُفجعة إلا أنني قد اتعقل المبرر لها، والمسوّغ لإبرازها، والداعي لظهورها.
وليس الأمر الذي أذهلني بُكاء الملائكة الذين عند قبره، وعند بُكائهم يبكي لبكائهم كلّ مَن في الهواء والسماء أي الملأ الأعلى وعالم الملكوت، وإن كان هذا الأمر يهزّ المشاعر ويُهيّج العواطف ويُذهل العقول إلا أنني أجد ذلك مبرَّراً. كيف؟!!! وقد أُفجع به قلب محمد المصطفى وعلي المرتضى وفاطمة الزهراء.
وليس الأمر الذي لم احتمله هو أن يكون البكاء على سيد الشهداء صلة وسروراً لفاطمة وأبيها صلوات الله عليهما وآلهما، فإنّ عظيم لطفهما وإحسانهما ورأفتهما ورحمتهما وكرمهما وَجُودِهما يفيض على أتباعهما بقبول الأيسر مِن اليسير والأقل مِن القليل كي يجعلاه بعظيم خلقهما محلاً لرضاهما ورضاهما رضا الله تعالى.
ولكنّ الذي قضّ مضجعي، وفضح مشاعري، وأوقف عقلي، عبارة:
(أدى حقنا)
الله أكبر، ما أعظمها مِن كلمة قد تكون خفيفة على اللسان ولكنّها ثقيلة في الميزان العقلي، وليس كلّ ميزان يزن أيّ شيء، فهناك موازين صغيره وأخرى كبيره.
أيها السنام الأعظم، ايها الصراط الأقوم، أيها الصادق البارّ الأمين وحجة الله على العالمين، رفقاً رفقاً بمولاكم.
مولاكم عليه أن يستفهم ويسأل بقدر ما يعلم مِن ادب، ولا يجب عليكم الجواب أبدا، لأنّه مِنّة منكم وقد قال باريكم:
هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ - ص - الآية - 39
أعطاكم الله الحق وخيركم بين الإمساك والمن على مواليكم.
فلقد وجدنا في الكافي الشريف للشيخ الكليني ج1 ص210: بسنده عن الوشاء قال: سألت الرضا عليه السلام فقلت له: جعلت فداك "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون"؟ فقال: "نحن أهل الذكر ونحن المسؤولون، قلت: فأنتم المسؤولون ونحن السائلون؟ قال: نعم، قلت: حقا علينا أن نسألكم؟ قال: نعم، قلت: حقا عليكم أن تجيبونا؟ قال: لا. ذاك إلينا إن شئنا فعلنا وإن شئنا لم نفعل، أما تسمع قول الله تبارك وتعالى:"هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب".
أجلس منحنياً مطأطئاً رأسي حياءاً وخجلاً بين يديك، وخافضاً لصوتي في حضرتك، فأذن لي يا مولاي بهذه الكلمات، وهي عبارة عن تساؤلات مَن لا يعلم، ومَن قرينه الجهل الذي لا ينفكّ عنه وكأنّه اتحد معه.
أيّ حقّ يوفيه بعض قطرات مِن الدمع؟
هل الحقّ الذي لكم على الخلائق لكون الله تعالى خلق الخلق مِن أجلكم فكانت لكم المنة على وجود الخلق حيث روينا عنكم في حديث الكساء قول الله تعالى:
(يَا مَلآئِكَتِي وَيَا سُكَّانَ سَموَاتِي، إِنِّي مَا خَلَقْتُ سَمَاءً مَبْنِيَّةً، وَلاَ أَرْضاً مَدْحِيَّةً، وَلاَ قَمَراً مُنِيْراً، وَلاَ شَمْساً مُضِيْئَةً وَلاَ فَلَكَاً يَدُورُ، وَلاَ بَحْراً يَجْرِي، وَلاَ فُلْكاً يَسْرِي إِلاَّ فِي مَحَبَّةِ هؤُلآءِ الْخَمْسَةِ الَّذِينَ هُمْ تَحْتَ الْكِسَاءِ).
ما لا أفهمه يا مولاي أن تكون نعمة الوجود توفّى بدمعة.
وهل الحق الذي أردتموه هو أنّكم بذلتم أجسادكم وأزهقتم أرواحكم وأيتمتم عيالكم وقُتلتم وسُحقتم بحوافر الخيل وحتى أطفالكم وفلذات أكبادكم بل وحتى سُبيت نساؤكم وهتكت أعراضكم، وشَمُت بأعراضكم كل دني وخسيس؟!!!
أهذا كلّه الذي فعلتموه مِن أجل وصول هداية إلينا لم نأخذ بها كلّها ولم نتمسّك إلا بقليلها، ولم نحرص عليه أشدّ الحرص.
أتريدني يا مولاي أن أتعقل أنني إذا بكيت أكون ممن أدّى حقّكم؟!!!!
لا والله. لو ازهقنا نفوسنا ونساءنا واولادنا ما أدينا شيئاً مِن حقِّكم.
ماذا أعدد مِن حقّكم؟!!!
ما فعله النبي الأعظم وما لاقاه مِن أذى حتّى قال: ما أوذي نبي كما أوذيت؟
وما فعله أمير المؤمنين وما لاقاه مِن متاعب وإحن حتى تمنّى الموت؟
وما فعلته الزهراء فاطمة وأبناؤها وما لاقت وفلذات كبدها مِن مصائب يشيب عند سماعها الصغير ويهرم الكبير.
يا مولاي: لو كانت البحار مداداً والأشجار أقلاما واجتمع الإنس والجنّ والملائكة كتّابا على أن يُحصوا حقّكم علينا ما أحصوه.
نعم يا مولاي: إذا نظرت إلى قول الله تعالى:
وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ - القلم - الآية - 4
وقوله تعالى:
لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ - التوبة - الآية - 128
وتجلى لي شيء مِن عظيم أخلاقكم ورأفتكم ورحمتكم وحرصكم على المؤمنين، سأقف عاجزاً عن إدراك تلك العظمة، وكيف؟ والله العظيم تعالى وصفها بالعظمة.
آخر القول يا مولاي أنّ خُلقكم ورأفتكم ورحمتكم لا يُدرِك مداها إلا خالقكم سبحانه وتعالى، ولذا تعتبرون الدمعة تأدية لحقكم، ومَن يقوى على عظيم رأفتكم ورحمتكم وخلقكم غير باريكم!!!.
لكنّني أقطع جازماً مؤيَّدا بالروايات عنكم، أنّ ذلك البُكاء لا بُدّ أن يكون صادراً مِن مؤمن عارف معترف بحقِّكم بالقدر الميسور لعامة الخلق، فلا يكون البكاء موجباً لذلك إلا إذا صدر عن محبة لكم وتعظيم لشأنكم ومعرفة بحرماتكم، نعم قد ينتفع حتى غير المؤمن ببكائه ولكن لا يعني ذلك أنّه يدخل الجنة فضلا عن بلوغه الغاية مِن رضاكم.
اعتذر يا مولاي على إطالة الحديث بين أيديكم النديّة وفي محضركم المقدّس، والذي دعاني لذلك هو أنس المولى بخطاب مولاه، فإنّ الله تعالى سأل موسى عليه السلام:
وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى - طه - الآية - 17
فما كان مِن موسى إلا أن يُطيل الجواب لأنّ فرصة الخطاب ولذّته والأنس به مع مولاه دعاه إلى قول:
قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى - طه - الآية - 18
سيدي ومولاي: أسلم عليك سَلامَ مُوَدِّع لا قال وَلا سَئِم، فَاِنْ اَنْصَرِفْ فَلا عَنْ مَلالَة، يا مَوْلايَ لا جَعَلَهُ اللهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنّي لِمخاطبتك، وَرَزَقَنِيَ الْعَوْدَ اِلَيْكَ وَالْمَقامَ بين يديك وَالْكَوْنَ فِي ساحة قدسك آمينَ رَبَّ الْعالَمينَ.
مولاك
علي زواد
بقلم أستاذنا
الشيخ علي الزواد
تعليق