الخضر عليه السلام و الحكمة من استخدام (فَأَرَدتُّ، فَأَرَدْنَا، فَأَرَادَ رَبُّكَ) ؟
ما الحكمة من استخدام (فَأَرَدتُّ، فَأَرَدْنَا، فَأَرَادَ رَبُّكَ) في قصة موسى والخضر، عليهم السلام واللمسات البيانية لهذه الآيات الثلاث وما فيها من الإرادات المختلفة، التي تكمن في قصة النبي موسى، عليه السلام، وامتثاله للأمر الإلهي في التوجه للخضر، عليه السلام، ليتعلم منه ما سأل الباري عز وجل عليه، وهذه من الأمور التي يريدها الله تعالى ليختبر عباده؛ وفيها أن موسى، عليه السلام، مكلفاً في العمل بالظاهر مع الخضر، عليه السلام، وكان دور الخضر تكليفيا بالعمل في هذه الأمور الثلاثة، (خرق السفينة، وقتل الغلام، وبناء الجدار).
لذلك برز استعداد الخضر، للامتثال بالأوامر الإلهية من القوة إلى الفعل وكذلك الحال بالنسبة إلى النبي موسى، عليه السلام، إذ كان هذا الفعل محل اختبار له، وكان يرى في فعل هذه الأمور الثلاثة من قبل الخضر، عليه السلام، معصية كبيرة وخصوصاً في قتل الغلام، لذى فإن الله - تعالى - لا يفعل إلا بحكمة وقدر، وما يظهر في الآية الأولى:{أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً}، (سورة الكهف: 79)، ففي هذه الآية؛ الله - تعالى - لا ينسب العيب إلى نفسه أبداً فكان الخضر هو الذي عاب السفينة فجاء الفعل من الخضر بأمر الله تعالى وقدرته التي يجريها على يديه، فأعمال الإنسان؛ إما واقعة تحت سيطرته أو انها فوق إرادته وسيطرته ولا يملك فيها من أمره شيئا، فخرق السفينة كان واقعاً تحت سيطرة الخضر وأمرُهُ فيها بين الترك والفعل؛ فبوحي من الله وإلهامه فعل فعلته في السفينة وخرقها، ومن الملاحظ في الآية المباركة أن الله - تعالى - لا ينسب السوء لنفسه، وأما الخير والنَعيم فكلها منسوبة إليه تعالى، لذا قال «أردتُ» تأدباً مع الباري عز وجل كأنّ الفعل منه منفرد.
أما في الآية الثانية: {فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً}، (سورة الكهف: 81)،هنا الفعل مشترك في العمل، بقتل الغلام على يد الخضر بأمر من الله تعالى، والإبدال بخير منه واحسن، فجاء بالضمير الدالّ على الاشتراك "فَأَرَدْنَا". فإن الخضر يملك قتل الغلام ولا يملك للأبوين المؤمنين ضمانا بأن ينجبا غلاما مكانه، فإن الله - تعالى - وحده بيده الرزق والولد والنعمة، لذا قام بعمل قتل الغلام وترك أمر الإنجاب لله وحده سبحانه.
أما في الآية الثالثة: {وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ
لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْراً}، (سورة الكهف: 82)، هنا تشير الآية إلى أن ما تحت الجدار كلّه خير، فنسب الفعل لله وحده وأنه يدلّ على أن الله تعالى هو علاّم الغيوب وسبق في علمه أن هذا الجدار تحته كنز لهما وأنه لو سقط، سيأخذ أهل القرية المال من الأولاد اليتامى وهذا ظلم لهم والله تعالى ينسب الخير لنفسه عزّ وجلّ، وهذا الفعل في الآية، أراد ربك أن يبلغا أشدهما - إطالة العمر - ولا يبلغ الخضر فيه من الأمر من شيء، أي لا يملك الخضر إطالة عمر الغلامين، فاكتفى بتسوية السُور وترك الباقي على رب العباد، فإن هذا الفعل ليس فيه اشتراك، وإنما هو خير محض للغلامين وأبيهما الصالح والله - تعالى - هو الذي يسوق الخير المحض والدليل قوله - تعالى -"فَأَرَادَ رَبُّكَ". وجاء بكلمة «رب» في الآيات بدل لفظ الجلالة «الله» للدلالة على أن الرب هو المربي والمعلِّم والراعي والرازق والآيات كلها في معنى الرعاية والتعهد والتربية لذا ناسب بين الأمر المطلوب واسمه الكريم سبحانه.
الكاتب: ماجد الصفار
المصدر: مجلة الهدى الثقافية
تعليق