الإمام الصادق علیه السلام : لو أدر?ته لخدمته أیّام حیاتی.
ا
ذكرنا بعض القضايا والفوائد لكتابة الرقعة إلى مولانا صاحب الزمان صلوات اللَّه عليه ونذكر الآن كيفيّة الرقعة:
تكتب ما سنذكره في رقعة وتطرحها على قبر من قُبور الأئمّة عليهم السلام ، أو فشدّها واختمها واعجن طيناً نظيفاً واجعلها فيه ، واطرحها في نهر أو بئر عميقة ، أو غدير ماء ، فإنّها تصل إلى صاحب الأمر صلوات اللَّه عليه ، وهو يتولّى قضاء حاجتك بنفسه ، تكتب :
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحيمِ
كَتَبْتُ يا مَوْلايَ صَلَواتُ اللَّهِ عَلَيْكَ مُسْتَغيثاً ، وَشَكَوْتُ ما نَزَلَ بي مُسْتَجيراً بِاللَّهِ عَزَّوَجَلَّ ، ثُمَّ بِكَ مِنْ أَمْرٍ قَدْ دَهَمَني ، وَأَشْغَلَ قَلْبي ، وَأَطالَ فِكْري ، وَسَلَبَني بَعْضَ لُبّي ، وَغَيَّرَ خَطيرَ نِعْمَةِ اللَّهِ عِنْدي ، أَسْلَمَني عِنْدَ تَخَيُّلِ وُرُودِهِ الْخَليلُ ، وَتَبَرَّأَ مِنّي عِنْدَ تَرائي إِقْبالِهِ إِلَيَّ الْحَميمُ، وَعَجَزَتْ عَنْ دِفاعِهِ حيلَتي، وَخانَني في تَحَمُّلِهِ صَبْري وَقُوَّتي.
فَلَجَأْتُ فيهِ إِلَيْكَ ، وَتَوَكَّلْتُ فِي الْمَسْأَلَةِ للَّهِِ جَلَّ ثَناؤُهُ عَلَيْهِ وَعَلَيْكَ في دِفاعِهِ عَنّي ، عِلْماً بِمَكانِكَ مِنَ اللَّهِ رَبِّ الْعالَمينَ ، وَلِيِّ التَّدْبيرِ وَمالِكِ الْاُمُورِ ، وَاثِقاً بِكَ فِي الْمُسارَعَةِ فِي الشَّفاعَةِ إِلَيْهِ جَلَّ ثَناؤُهُ في أَمْري ، مُتَيَقِّناً لِإِجابَتِهِ تَبارَكَ وَتَعالى إِيَّاكَ بِإِعْطائي سُؤْلي.
وَأَنْتَ يا مَوْلايَ جَديرٌ بِتَحْقيقِ ظَنّي ، وَتَصْديقِ أَمَلي فيكَ ، في أَمْرِ كَذا وَكَذا ويذكر حاجته ، فيما لا طاقَةَ لي بِحَمْلِهِ ، وَلا صَبْرَ لي عَلَيْهِ ، وَ إِنْ كُنْتُ مُسْتَحِقّاً لَهُ وَلِأَضْعافِهِ بِقَبيحِ أَفْعالي ، وَتَفْريطي فِي الْواجِباتِ الَّتي للَّهِِ عَزَّوَجَلَّ ، فَأَغِثْني يا مَوْلايَ صَلَواتُ اللَّهِ عَلَيْكَ عِنْدَ اللَّهْفِ ، وَقَدِّمِ الْمَسْأَلَةَ للَّهِِ عَزَّوَجَلَّ في أَمْري ، قَبْلَ حُلُولِ التَّلَفِ ، وَشَماتَةِ الْأَعْداءِ ، فَبِكَ بُسِطَتِ النِّعْمَةُ عَلَيَّ.
وَاسْأَلِ اللَّهَ جَلَّ جَلالُهُ لي نَصْراً عَزيزاً ، وَفَتْحاً قَريباً ، فيهِ بُلُوغُ الْآمالِ ، وَخَيْرُ الْمَبادي ، وَخَواتيمُ الْأَعْمالِ ، وَالْأَمْنُ مِنَ الْمَخاوِفِ كُلِّها في كُلِّ حالٍ ، إِنَّهُ جَلَّ ثَناؤُهُ لِما يَشاءُ فَعَّالٌ ، وَهُوَ حَسْبي وَنِعْمَ الْوَكيلُ فِي الْمَبْدَءِ وَالْمَآلِ.
ثمّ تقصد النّهر أو الغدير ، وتعتمد بعض الأبواب إمّا عثمان بن سعيد العمري أو ولده محمّد بن عثمان أو الحسين بن روح أو عليّ بن محمّد السّمري قدس سرهم ، فهؤلاء كانوا أبواب المهدي صلوات اللَّه عليه، فتنادي بأحدهم وتقول:
يا فُلانَ بْنَ فُلانٍ سَلامٌ عَلَيْكَ ، أَشْهَدُ أَنَّ وَفاتَكَ في سَبيلِ اللَّهِ ، وَأَنَّكَ حَيٌّ عِنْدَ اللَّهِ مَرْزُوقٌ ، وَقَدْ خاطَبْتُكَ في حَياتِكَ الَّتي لَكَ عِنْدَ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ ، وَهذِهِ رُقْعَتي وَحاجَتي إِلى مَوْلانا عَلَيْهِ السَّلامُ ، فَسَلِّمْها إِلَيْهِ ، فَأَنْتَ الثِّقَةُ الْأَمينُ.
ثمّ ارمها في النّهر أو البئر أو الغدير ، تقضى حاجتك إن شاء اللَّه تعالى.(7)
📜🕯📜🕯📜🕯📜🌺📜🌺📜🕯
وأضاف العلّامة المجلسي رحمه الله بعد قوله «ثمّ ارم بها في النهر» : وكأنّك تخيّل لك أنّك تسلمها إليه ، فإنّها تصل وتقضى الحاجة إن شاء اللَّه تعالى .(8)
قال المحدثّ النوري رحمه الله : ويستفاد من هذا الخبر الشريف أنّ هؤلاء الأجلاّء الأربعة الّذين كانوا واسطة بينه صلوات اللَّه عليه وبين رعاياه في الغيبة الصغرى بعرض الحوائج والرقاع ، وأخذ الأجوبة وتبليغ التوقيعات ، أنّهم كذلك في ركابه المبجّل في الغيبة الكبرى ، ولهم هذا المنصب المعظّم .
ومنه يعرف أن مائدة إحسان و جود وكرم وفضل ونعم امام الزمان صلوات اللَّه عليه مبسوطة في كلّ قطر من أقطار الأرض لكلّ مضطرب عاجز ، وتائه ضالّ ، ومتحيّر جاهل ، وعاص حيران ، وذلك الباب مفتوح ، والهداية عامّة مع وجود الصدق والإضطرار والحاجة والعزم ومع صفاء الطوية وإخلاص السريرة ، و إذا التمس الجاهل شراب علمه ، و إذا تاه فإنّه يوصله إلى طريقه ، و إذا كان مريضاً فإنّه يلبسه ثوب العافية ، كما يظهر ويتّضح من خلال الحكايات والقصص المتقدّمة .
النتيجة المقصودة في هذا المقام وهي أنّ الإمام صاحب الأمر أرواحنا فداه حاضر بين العباد وناظر إلى رعاياه ، وقادر على كشف البلايا ، وعالم بالأسرار والخفايا ، ولم ينعزل عن منصب خلافته لغيبته واستتاره عن النّاس ، ولم يرفع يده عن لوازم وآداب رئاسته الإلهيّة ، وما أصاب العجز قدرته الربّانيّة ، و إذا أراد حلّ مشكلة فإنّه يحلّها بما يلقيه في القلب بما لاتراه عين ولاتسمع به اُذن .
و إذا أراد أن يميل ويشوق قلبه إلى كتاب أو عالم دواؤه فيه أو عنده فإنّه يعلمه أحياناً دعاءه ، واُخرى يعلمه دواء مرضه في المنام .
وما رؤي وسمع كثيراً من أنّه يشكو المضطرّون والمحتاجون وبحال العاجز وبالتضرّع ثمّ لايرون أثر الإجابة وكشف البليّة ، فإنّه بالإضافة إلى وجود موانع الدعاء والقبول عند هذا المضطرّ غالباً ، قد يكون ذلك للإشتباه في الإضطرار ، فإنّه يرى نفسه مضطراً وهو ليس كذلك ، ويرى نفسه ضائعاً ومتحيّراً وطريقه واضح له ، مثل الجاهل بالأحكام العمليّة حيث ارجعه إلى العالم بها ، كما قرّره في التوقيع المبارك في جواب مسائل إسحاق بن يعقوب :
وأمّا الحوادث الواقعة ، فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا ، فإنّهم حجّتي عليكم وأنا حجّة اللَّه .
فإنّ الجاهل غير مضطرّ في أحكامه مادام قادراً على الوصول إلى العالم ولو بالهجرة والسفر أو بالرجوع إلى كتابه ، وكذلك العالم لايكون عاجزاً ومضطرّاً ما زال قادراً على حلّ الإشكال ودفع شبهته وحيرته من ظواهر نصوص الكتاب والسنّة والإجماع .
وإنّ اولئك الّذين تجاوزوا الحدود الإلهيّة والموازين الشرعيّة في وسائل حياتهم ومعاشهم ، ولم يقنعوا ويقتصروا على المقدار الممدوح في الشرع ، فهم غير مضطرّين لعدم وجود بعض الأشياء الّتي لا يتعلّق عليها قوام الحياة .
وهكذا يرى الإنسان نفسه مضطرّاً ، ولكنّه بعد التأمّل الصادق يظهر له أنّه ليس مضطرّاً ، وإن كان يصدق عليه الإضطرار فلعلّ صالحه أو الصالح العامّ هو في عدم إجابته .
ثمّ إنّهم لم يوعدوا كلّ مضطرّ بالإجابة ، نعم إنّه لايجيب المضطرّ إلّا اللَّه تعالى أو خلفاؤه، وليس أنّهم يجيبون كلّ مضطرّ .
وقد كان في عصر الحضور والظهور أغلب أنواع المضطرّين والعاجزين في المدينة ومكّة والكوفة وغيرها من الموالين والمحبّين ، وكثير منهم كانوا يسألون فلا يجابون ، فلم يكن أيّ عاجز وفي أيّ زمان كان يجاب في كلّ ما يطلب ، ويرفع اضطراره ، فإنّ ذلك يورث اختلال النظام وما يسلب الأجر والثواب العظيم الجزيل ؛ فإنّ أصحاب البلايا والمصائب بعد ما يشاهدون ذلك الأجر والثواب يوم القيامة يتمنّون أن تكون لحوم أبدانهم قد قرّضت بالمقاريض في الدنيا .
ولم يفعل اللَّه تعالى ذلك بعباده مع قدرته الكاملة وغناه المطلق ، وعلمه المحيط بذرّات وجزئيّات الموجودات .(9)
----------------------------------------
7) المصباح : 531 ، البلد الأمين : 227 ، منهاج العارفين : 448 .
8) البحار : 30/94 .
9) النجم الثاقب : 493/2 .
▸
ا
ذكرنا بعض القضايا والفوائد لكتابة الرقعة إلى مولانا صاحب الزمان صلوات اللَّه عليه ونذكر الآن كيفيّة الرقعة:
تكتب ما سنذكره في رقعة وتطرحها على قبر من قُبور الأئمّة عليهم السلام ، أو فشدّها واختمها واعجن طيناً نظيفاً واجعلها فيه ، واطرحها في نهر أو بئر عميقة ، أو غدير ماء ، فإنّها تصل إلى صاحب الأمر صلوات اللَّه عليه ، وهو يتولّى قضاء حاجتك بنفسه ، تكتب :
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحيمِ
كَتَبْتُ يا مَوْلايَ صَلَواتُ اللَّهِ عَلَيْكَ مُسْتَغيثاً ، وَشَكَوْتُ ما نَزَلَ بي مُسْتَجيراً بِاللَّهِ عَزَّوَجَلَّ ، ثُمَّ بِكَ مِنْ أَمْرٍ قَدْ دَهَمَني ، وَأَشْغَلَ قَلْبي ، وَأَطالَ فِكْري ، وَسَلَبَني بَعْضَ لُبّي ، وَغَيَّرَ خَطيرَ نِعْمَةِ اللَّهِ عِنْدي ، أَسْلَمَني عِنْدَ تَخَيُّلِ وُرُودِهِ الْخَليلُ ، وَتَبَرَّأَ مِنّي عِنْدَ تَرائي إِقْبالِهِ إِلَيَّ الْحَميمُ، وَعَجَزَتْ عَنْ دِفاعِهِ حيلَتي، وَخانَني في تَحَمُّلِهِ صَبْري وَقُوَّتي.
فَلَجَأْتُ فيهِ إِلَيْكَ ، وَتَوَكَّلْتُ فِي الْمَسْأَلَةِ للَّهِِ جَلَّ ثَناؤُهُ عَلَيْهِ وَعَلَيْكَ في دِفاعِهِ عَنّي ، عِلْماً بِمَكانِكَ مِنَ اللَّهِ رَبِّ الْعالَمينَ ، وَلِيِّ التَّدْبيرِ وَمالِكِ الْاُمُورِ ، وَاثِقاً بِكَ فِي الْمُسارَعَةِ فِي الشَّفاعَةِ إِلَيْهِ جَلَّ ثَناؤُهُ في أَمْري ، مُتَيَقِّناً لِإِجابَتِهِ تَبارَكَ وَتَعالى إِيَّاكَ بِإِعْطائي سُؤْلي.
وَأَنْتَ يا مَوْلايَ جَديرٌ بِتَحْقيقِ ظَنّي ، وَتَصْديقِ أَمَلي فيكَ ، في أَمْرِ كَذا وَكَذا ويذكر حاجته ، فيما لا طاقَةَ لي بِحَمْلِهِ ، وَلا صَبْرَ لي عَلَيْهِ ، وَ إِنْ كُنْتُ مُسْتَحِقّاً لَهُ وَلِأَضْعافِهِ بِقَبيحِ أَفْعالي ، وَتَفْريطي فِي الْواجِباتِ الَّتي للَّهِِ عَزَّوَجَلَّ ، فَأَغِثْني يا مَوْلايَ صَلَواتُ اللَّهِ عَلَيْكَ عِنْدَ اللَّهْفِ ، وَقَدِّمِ الْمَسْأَلَةَ للَّهِِ عَزَّوَجَلَّ في أَمْري ، قَبْلَ حُلُولِ التَّلَفِ ، وَشَماتَةِ الْأَعْداءِ ، فَبِكَ بُسِطَتِ النِّعْمَةُ عَلَيَّ.
وَاسْأَلِ اللَّهَ جَلَّ جَلالُهُ لي نَصْراً عَزيزاً ، وَفَتْحاً قَريباً ، فيهِ بُلُوغُ الْآمالِ ، وَخَيْرُ الْمَبادي ، وَخَواتيمُ الْأَعْمالِ ، وَالْأَمْنُ مِنَ الْمَخاوِفِ كُلِّها في كُلِّ حالٍ ، إِنَّهُ جَلَّ ثَناؤُهُ لِما يَشاءُ فَعَّالٌ ، وَهُوَ حَسْبي وَنِعْمَ الْوَكيلُ فِي الْمَبْدَءِ وَالْمَآلِ.
ثمّ تقصد النّهر أو الغدير ، وتعتمد بعض الأبواب إمّا عثمان بن سعيد العمري أو ولده محمّد بن عثمان أو الحسين بن روح أو عليّ بن محمّد السّمري قدس سرهم ، فهؤلاء كانوا أبواب المهدي صلوات اللَّه عليه، فتنادي بأحدهم وتقول:
يا فُلانَ بْنَ فُلانٍ سَلامٌ عَلَيْكَ ، أَشْهَدُ أَنَّ وَفاتَكَ في سَبيلِ اللَّهِ ، وَأَنَّكَ حَيٌّ عِنْدَ اللَّهِ مَرْزُوقٌ ، وَقَدْ خاطَبْتُكَ في حَياتِكَ الَّتي لَكَ عِنْدَ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ ، وَهذِهِ رُقْعَتي وَحاجَتي إِلى مَوْلانا عَلَيْهِ السَّلامُ ، فَسَلِّمْها إِلَيْهِ ، فَأَنْتَ الثِّقَةُ الْأَمينُ.
ثمّ ارمها في النّهر أو البئر أو الغدير ، تقضى حاجتك إن شاء اللَّه تعالى.(7)
📜🕯📜🕯📜🕯📜🌺📜🌺📜🕯
وأضاف العلّامة المجلسي رحمه الله بعد قوله «ثمّ ارم بها في النهر» : وكأنّك تخيّل لك أنّك تسلمها إليه ، فإنّها تصل وتقضى الحاجة إن شاء اللَّه تعالى .(8)
قال المحدثّ النوري رحمه الله : ويستفاد من هذا الخبر الشريف أنّ هؤلاء الأجلاّء الأربعة الّذين كانوا واسطة بينه صلوات اللَّه عليه وبين رعاياه في الغيبة الصغرى بعرض الحوائج والرقاع ، وأخذ الأجوبة وتبليغ التوقيعات ، أنّهم كذلك في ركابه المبجّل في الغيبة الكبرى ، ولهم هذا المنصب المعظّم .
ومنه يعرف أن مائدة إحسان و جود وكرم وفضل ونعم امام الزمان صلوات اللَّه عليه مبسوطة في كلّ قطر من أقطار الأرض لكلّ مضطرب عاجز ، وتائه ضالّ ، ومتحيّر جاهل ، وعاص حيران ، وذلك الباب مفتوح ، والهداية عامّة مع وجود الصدق والإضطرار والحاجة والعزم ومع صفاء الطوية وإخلاص السريرة ، و إذا التمس الجاهل شراب علمه ، و إذا تاه فإنّه يوصله إلى طريقه ، و إذا كان مريضاً فإنّه يلبسه ثوب العافية ، كما يظهر ويتّضح من خلال الحكايات والقصص المتقدّمة .
النتيجة المقصودة في هذا المقام وهي أنّ الإمام صاحب الأمر أرواحنا فداه حاضر بين العباد وناظر إلى رعاياه ، وقادر على كشف البلايا ، وعالم بالأسرار والخفايا ، ولم ينعزل عن منصب خلافته لغيبته واستتاره عن النّاس ، ولم يرفع يده عن لوازم وآداب رئاسته الإلهيّة ، وما أصاب العجز قدرته الربّانيّة ، و إذا أراد حلّ مشكلة فإنّه يحلّها بما يلقيه في القلب بما لاتراه عين ولاتسمع به اُذن .
و إذا أراد أن يميل ويشوق قلبه إلى كتاب أو عالم دواؤه فيه أو عنده فإنّه يعلمه أحياناً دعاءه ، واُخرى يعلمه دواء مرضه في المنام .
وما رؤي وسمع كثيراً من أنّه يشكو المضطرّون والمحتاجون وبحال العاجز وبالتضرّع ثمّ لايرون أثر الإجابة وكشف البليّة ، فإنّه بالإضافة إلى وجود موانع الدعاء والقبول عند هذا المضطرّ غالباً ، قد يكون ذلك للإشتباه في الإضطرار ، فإنّه يرى نفسه مضطراً وهو ليس كذلك ، ويرى نفسه ضائعاً ومتحيّراً وطريقه واضح له ، مثل الجاهل بالأحكام العمليّة حيث ارجعه إلى العالم بها ، كما قرّره في التوقيع المبارك في جواب مسائل إسحاق بن يعقوب :
وأمّا الحوادث الواقعة ، فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا ، فإنّهم حجّتي عليكم وأنا حجّة اللَّه .
فإنّ الجاهل غير مضطرّ في أحكامه مادام قادراً على الوصول إلى العالم ولو بالهجرة والسفر أو بالرجوع إلى كتابه ، وكذلك العالم لايكون عاجزاً ومضطرّاً ما زال قادراً على حلّ الإشكال ودفع شبهته وحيرته من ظواهر نصوص الكتاب والسنّة والإجماع .
وإنّ اولئك الّذين تجاوزوا الحدود الإلهيّة والموازين الشرعيّة في وسائل حياتهم ومعاشهم ، ولم يقنعوا ويقتصروا على المقدار الممدوح في الشرع ، فهم غير مضطرّين لعدم وجود بعض الأشياء الّتي لا يتعلّق عليها قوام الحياة .
وهكذا يرى الإنسان نفسه مضطرّاً ، ولكنّه بعد التأمّل الصادق يظهر له أنّه ليس مضطرّاً ، وإن كان يصدق عليه الإضطرار فلعلّ صالحه أو الصالح العامّ هو في عدم إجابته .
ثمّ إنّهم لم يوعدوا كلّ مضطرّ بالإجابة ، نعم إنّه لايجيب المضطرّ إلّا اللَّه تعالى أو خلفاؤه، وليس أنّهم يجيبون كلّ مضطرّ .
وقد كان في عصر الحضور والظهور أغلب أنواع المضطرّين والعاجزين في المدينة ومكّة والكوفة وغيرها من الموالين والمحبّين ، وكثير منهم كانوا يسألون فلا يجابون ، فلم يكن أيّ عاجز وفي أيّ زمان كان يجاب في كلّ ما يطلب ، ويرفع اضطراره ، فإنّ ذلك يورث اختلال النظام وما يسلب الأجر والثواب العظيم الجزيل ؛ فإنّ أصحاب البلايا والمصائب بعد ما يشاهدون ذلك الأجر والثواب يوم القيامة يتمنّون أن تكون لحوم أبدانهم قد قرّضت بالمقاريض في الدنيا .
ولم يفعل اللَّه تعالى ذلك بعباده مع قدرته الكاملة وغناه المطلق ، وعلمه المحيط بذرّات وجزئيّات الموجودات .(9)
----------------------------------------
7) المصباح : 531 ، البلد الأمين : 227 ، منهاج العارفين : 448 .
8) البحار : 30/94 .
9) النجم الثاقب : 493/2 .
▸
تعليق