على لسان أحدهم: كنت هناك، في قلب المدينة، من الصعب تجاوز الطريق من أركانه المزدحمة!، وسط ذلك الكم الهائل بين المعزين.. كما كانت الافواه تند بمرثيات تتلوا فاجعة المصيبة لتصور أذهانهم تلك الواقعة الأليمة التي أمست دائما تدور رحاها في كل ساحة وفي كل شارع وفي كل بيت..
كان جُل همي أن أكون حيثما أنا لأزاول طقوسي, فحضوري لتلك المراسيم لم يتطلب متسعا من الوقت للتفكير في حقيقة إلى ما سيجري وما شعوري ازاء هذا السيل البشري ونحن نلوذ ببعضنا لنلبي نداء العقيدة في ظهيرة يوم عاشوراء وسط تلك البقعة المباركة, فكلنا اليوم في ركب واحد, لم أبالِ بما سيحصل بعد حين!.
فكيف سيتسنى لي الخروج وأنا لا أحتمل وجودي في الأماكن الضيقة أو المغلقة, حتى إني لم أجازف يوما في صعود مصعد!.
وفي لحظة لا تقاس ولم تتخبط في ذهني قبل حدوثها، تسلل إلى أطرافي العجز، وأرهقتني محاولاتي باستنشاق حصتي من الهواء، فقد بدا وكأنه اختفى من المكان، استسلمت لليأس على غير عادة ظناً بأني في حلم ثقيل، أو كابوس مفاجئ وسأستفيق!.
وللمرة الأولى شعرت بجمال ما أنا به، حينما أطبق النعاس على أجفاني ولازمتني الرغبة بالنوم قرب من أحاول الوصول إليه!.
غير أن الأجساد المتراكمة فوقي منعتني من النهوض لمواصلة طريقي، وتزايد عددها حجب عني الرؤيا, تنملت أطرافي وتوقفت عنها الحياة، ثم بدا لي انفراجا مباغتا وكأني أسير نحو الأعلى حيث كل شيء كان هادئاً ومريحاً..
وبعد أن خلصت نفسي من ضيق المكان، توقفت برهة لأرى ما الذي يجري في الجوار, ففاجأني رفاقي فقد كانوا بانتظاري لأواصل معهم المسير من باب الرجاء نحو ضريح سيد الشهداء..
لنسجل بذلك تلبيتنا لنداء: (ألا من ناصر ينصرنا) وبعد اكمال ما اجتمعنا لأجله، غادرنا المكان بطمأنينة ونحن نودع أجسادنا التي كانت تُرفع على الأكتاف وسط صخب يلامس عرش السماء (الله اكبر.. لا اله إلا الله) ليسجل التاريخ يوم وفاتنا يوم استشهادك سيدي، ويكون أربعيننا هو يوم عودة رأسك المنحور إلى الجسد.
بشرى حياة