(الطقس الحسيني بين التشكيك والاعتقاد )
الحلقة الثانية
نجيب في هذه الحلقة عن الاشكالات التي يزعم اصحابها تصحيح المسار لمجالس ومنابر الحسين والتي اختصت بذكر تفاصيل واقعة الطف ...
وقد ذكرنا في الحلقة السابقة ان المؤمنين قد ابتكروا اليات تتسق والطبيعة البشرية لادامة الحرارة ، وقد امضى الائمة تلك الابتكارات ولم يعترضوا عليها ، بل ان عدم ذكرهم لتفاصيل الواقعة يؤكد قبولهم لتلك الابتكارات وابقاءها مفتوحة للمخيال الانساني بانساقه المتعددة: الادبية والشعبية والفنية والاجتماعية والثقافية وتجلياتها المختلفة، لا سيما في القصيدة والسرد القصصي والفلكلور الشعبي ،
وهذا هو المبنى الاساس الذي نعتمد عليه في قراءتنا هذه ، وهو ان كل ما يقرأ وينشد ويمارس في ايام الحزن مأذون به من قبل الائمة ، ولكن شرط ان لا يخرج عن الضوابط الشرعية ولا يتجاوز الحد المسموح به ، وهنا يأتي دور العلماء المتخصصين ، كون القضية الحسينية قضية دينية ، فالمتخصص وحده من يقول هذا مسموح به وهذا غير مسموح به....
واما المشككون في التفاصيل فان افضل ما عندهم هو ان بعضها مذكور في كتب المتأخرين ولم يذكر في كتب المتقدمين، ويمكن ان نجيب عليهم بالآتي :
اولا: ان طبيعة التعامل المنهجي مع الرواية التاريخية يختلف في معاييره وضوابطه عن الروايات الفقهية ، ففي الاخيرة نبحث عن السند ووثاقة رجاله، لاننا نطلب منها حكما شرعيا يحدد لنا موقفا عمليا يترتب عليه الحلال والحرام ، بخلاف الرواية التاريخية التي لها قواعدها وضوابطها المختلفة ، فالروايات الموجودة في كتب التاريخ في الغالب لا يحقق في سندها لعدم تحقق ثمرة عملية في ذلك ، بل يكفي وجود اطمئنان ما ناتج عن توفر قرائن محفوفة بالرواية او بغيرها .
ثانيا : حينما تنقل رواية في كتاب حديث من دون ان يشير المؤلف الى المصادر او السند فان ذلك لا يكون مسوغا لتهديمها وتهديم الكتاب، اذ من المحتمل ان المؤلف قد تعامل معها على وفق شرائط الروايات التاريخية، او انه قد اطلع على المصدر ولم يذكره ، وهناك امثلة كثيرة لذلك .
ثالثا: بل حتى في كتب الاحاديث نجد روايات مرسلة كمراسيل الصدوق وغيره ، فهل يحق لنا ان نلقي بما ارسله الصدوق بسلة المهملات لعدم وجود السند .
رابعا : نعم يمكن ان تتعامل انت بحسب مبناك وتصف الرواية المرسلة بانها غير حجة ، ويمكن ان يكون التعامل مع الروايات التاريخية كما نتعامل مع الروايات المرسلة ، ولكن ليس من حقك ان تصفها بانها مكذوبة .
خامسا: هناك مبنى فقهي يعتمد عليه بعض الفقهاء والاكادميين وهو الاخذ بكل ما موجود في الكتب الاربعة مثلا، والامر ذاته موجود عند المدرسة السنية التي تعتمد على روايات الصحاح من دون الرجوع الى السند لوجود الاطمئنان الكافي بان المؤلف لا يمكن ان يسند الرواية لغير النبي او الامام ، وهذا الاطمئنان يمكن ان يكون قائما عند البعض ممن يجدون تفاصيل عاشوراء في كتاب بحار الانوار مثلا ، اذ القضية قضية اطمئنان فحسب .
سادسا : استقر في الدرس العلمي اختلاف المباني الفقهية في اخذ الروايات، فمنهم لا يحقق في السند كثيرا، ومنهم من يستدل بمضمون النص بكونه لا يصدر الا من نبي او امام معصوم ، وعلينا احترام المباني وعدم تسفيهها او تهديمها او السخرية منها .
سابعا: نجد بعض المشككين يقعون في الاضطراب المنهجي فيسقطون بما يشككون به، باعتمادهم الانتقائية غير المنضبطة بترجيح رواية على اخرى، على الرغم من ان الروايتين تتطابقان بوصفهما روايتين تاريخيتين..
ثامنًا: تحشيد جهود المشككين لنفي بعض الامور التي وردت في روايات المقتل مثل عطش الامام واولاده وانصاره ، على الرغم من ان انكارها لا يفضي الى غاية سوى التهديم الذي يعد عتبة يطمحون من ورائها تهديم امر اكبر ، والا مالذي يتوخاه باحث يحسب على مدرسة اهل البيت بتحويل قلمه الى معول تهديم وفأس يقطع بها اغصان الشجرة ليصل الى اقتلاع جذورها .. والغلبة دائما وابدا للحسين وليس للحاكمين والطغاة والاقلام المهدمة سوى الخيبة والانكسار..
وللحديث بقية
الحلقة الثانية
نجيب في هذه الحلقة عن الاشكالات التي يزعم اصحابها تصحيح المسار لمجالس ومنابر الحسين والتي اختصت بذكر تفاصيل واقعة الطف ...
وقد ذكرنا في الحلقة السابقة ان المؤمنين قد ابتكروا اليات تتسق والطبيعة البشرية لادامة الحرارة ، وقد امضى الائمة تلك الابتكارات ولم يعترضوا عليها ، بل ان عدم ذكرهم لتفاصيل الواقعة يؤكد قبولهم لتلك الابتكارات وابقاءها مفتوحة للمخيال الانساني بانساقه المتعددة: الادبية والشعبية والفنية والاجتماعية والثقافية وتجلياتها المختلفة، لا سيما في القصيدة والسرد القصصي والفلكلور الشعبي ،
وهذا هو المبنى الاساس الذي نعتمد عليه في قراءتنا هذه ، وهو ان كل ما يقرأ وينشد ويمارس في ايام الحزن مأذون به من قبل الائمة ، ولكن شرط ان لا يخرج عن الضوابط الشرعية ولا يتجاوز الحد المسموح به ، وهنا يأتي دور العلماء المتخصصين ، كون القضية الحسينية قضية دينية ، فالمتخصص وحده من يقول هذا مسموح به وهذا غير مسموح به....
واما المشككون في التفاصيل فان افضل ما عندهم هو ان بعضها مذكور في كتب المتأخرين ولم يذكر في كتب المتقدمين، ويمكن ان نجيب عليهم بالآتي :
اولا: ان طبيعة التعامل المنهجي مع الرواية التاريخية يختلف في معاييره وضوابطه عن الروايات الفقهية ، ففي الاخيرة نبحث عن السند ووثاقة رجاله، لاننا نطلب منها حكما شرعيا يحدد لنا موقفا عمليا يترتب عليه الحلال والحرام ، بخلاف الرواية التاريخية التي لها قواعدها وضوابطها المختلفة ، فالروايات الموجودة في كتب التاريخ في الغالب لا يحقق في سندها لعدم تحقق ثمرة عملية في ذلك ، بل يكفي وجود اطمئنان ما ناتج عن توفر قرائن محفوفة بالرواية او بغيرها .
ثانيا : حينما تنقل رواية في كتاب حديث من دون ان يشير المؤلف الى المصادر او السند فان ذلك لا يكون مسوغا لتهديمها وتهديم الكتاب، اذ من المحتمل ان المؤلف قد تعامل معها على وفق شرائط الروايات التاريخية، او انه قد اطلع على المصدر ولم يذكره ، وهناك امثلة كثيرة لذلك .
ثالثا: بل حتى في كتب الاحاديث نجد روايات مرسلة كمراسيل الصدوق وغيره ، فهل يحق لنا ان نلقي بما ارسله الصدوق بسلة المهملات لعدم وجود السند .
رابعا : نعم يمكن ان تتعامل انت بحسب مبناك وتصف الرواية المرسلة بانها غير حجة ، ويمكن ان يكون التعامل مع الروايات التاريخية كما نتعامل مع الروايات المرسلة ، ولكن ليس من حقك ان تصفها بانها مكذوبة .
خامسا: هناك مبنى فقهي يعتمد عليه بعض الفقهاء والاكادميين وهو الاخذ بكل ما موجود في الكتب الاربعة مثلا، والامر ذاته موجود عند المدرسة السنية التي تعتمد على روايات الصحاح من دون الرجوع الى السند لوجود الاطمئنان الكافي بان المؤلف لا يمكن ان يسند الرواية لغير النبي او الامام ، وهذا الاطمئنان يمكن ان يكون قائما عند البعض ممن يجدون تفاصيل عاشوراء في كتاب بحار الانوار مثلا ، اذ القضية قضية اطمئنان فحسب .
سادسا : استقر في الدرس العلمي اختلاف المباني الفقهية في اخذ الروايات، فمنهم لا يحقق في السند كثيرا، ومنهم من يستدل بمضمون النص بكونه لا يصدر الا من نبي او امام معصوم ، وعلينا احترام المباني وعدم تسفيهها او تهديمها او السخرية منها .
سابعا: نجد بعض المشككين يقعون في الاضطراب المنهجي فيسقطون بما يشككون به، باعتمادهم الانتقائية غير المنضبطة بترجيح رواية على اخرى، على الرغم من ان الروايتين تتطابقان بوصفهما روايتين تاريخيتين..
ثامنًا: تحشيد جهود المشككين لنفي بعض الامور التي وردت في روايات المقتل مثل عطش الامام واولاده وانصاره ، على الرغم من ان انكارها لا يفضي الى غاية سوى التهديم الذي يعد عتبة يطمحون من ورائها تهديم امر اكبر ، والا مالذي يتوخاه باحث يحسب على مدرسة اهل البيت بتحويل قلمه الى معول تهديم وفأس يقطع بها اغصان الشجرة ليصل الى اقتلاع جذورها .. والغلبة دائما وابدا للحسين وليس للحاكمين والطغاة والاقلام المهدمة سوى الخيبة والانكسار..
وللحديث بقية
تعليق