بسم الله الرحمن الرحيم
﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾
صدق الله العلي العظيم
الصلاة معراج المؤمن، الصلاة قربان كل تقي، كما ورد عن الرسول محمد : ”الصلاة عمود الدين، إن قبلت قبل ما سواها، وإن ردت رد ما سواها“، وكان علي بن أبي طالب «صلوات الله وسلامه عليه» إلى آخر لحظات حياته، يلهج بذكر الصلاة والوصية بالصلاة: ”الله الله بالصلاة فإنها عمود دينكم“.
الصلاة لها عدة آداب ولها عدة مقامات، إذا راعاها الإنسان كانت الصلاة موضعا للرحمة وموطنا للقبول، ليست كل صلاة موطنا للقبول، وليست كل صلاة وعاء للرحمة. هناك بعض الصلوات كما ورد عن أمير المؤمنين تأتي يوم القيامة وتقول لصاحبها: ”ضيعتني ضيعك الله“. ورأى أمير المؤمنين رجلا يصلي وهو يخلط ركوعه في سجوده، ويخلط ذكره في ركوعه من دون أن يتأنى في صلاته فقال: ”أسرق الناس من سرق صلاته“. ورأى الإمام علي رجلا في المسجد يصلي وهو يعبث بلحيته فقال: ”لو خشع قلبه لخشعت جوارحه“.
الصلاة التي تكون موطنا للقبول ووعاء للرحمة، هي التي يراعي الإنسان فيها المقامات الروحية والآداب المعنوية التي إذا سلكها وانتظمها كانت صلاته نورا يسعى بين يديه ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ﴾، الصلاة التي تتحول إلى نور يضيء قبرك، ويضيء برزخك، ويضيء معادك، ويضيء دربك يوم القيامة، الصلاة التي تتحول إلى جنة مثمرة، مورقة، يانعة، هي الصلاة التي تحتضن الآداب، هي الصلاة التي تشتمل وتختزن المقامات الروحية المعنوية.
المقام الأول: مقام الشوق إلى الصلاة.
الصلاة تحتاج إلى شوق، تنتظر منك أن تكون مشتاقا لها، تنتظر منك أن تكون مقبلا عليها. فترة الوضوء هي فترة الشوق إلى الصلاة، فترة انتظار الأذان هي فترة الشوق إلى الصلاة. الصلاة طهارة، نقاء، فترة يطهر فيها الإنسان روحه، فترة ينقي الإنسان فيها قلبه، فترة يزيل فيها الإنسان الشوائب والأدران وجميع متعلقات الذنوب والرذائل. ألا يشتاق الإنسان للطهارة؟! ألا يشتاق الإنسان إلى النقاء؟! ألا يشتاق الإنسان إلى النظافة؟! كما نشتاق الإنسان إلى نظافة البدن، فعلينا أن نشتاق إلى نظافة الروح، كما نشتاق إلى طهارة البدن فمن الجدير بنا أن نشتاق إلى طهارة الروح ونقاء الروح.
والصلاة طهارة للروح من الأدران والشوائب، ولذلك كان النبي عندما ينتظر الأذان يقول: ”أرحنا يا بلال“، أي أذن حتى نقبل على ما اشتقنا إليه، حتى نقبل على ما أحببناه. روي عنه : ”أحب من دنياكم ثلاث، الطيب والنساء وقرة عيني الصلاة“. وكان الحسن بن علي إذا توضأ وهو ينتظر الصلاة ارتعشت أعضاءه وهو يقول ”أتدرون أنني سأقف بين يدي من؟ إنني سأقف بين يدي جبار الجبابرة وملك الملوك“.
المقام الثاني: مقام الإجلال.
أن يقف الإنسان في محرابه إجلالا وإكبارا للخالق تبارك وتعالى. كل واحد منا إذا أراد أن يدخل على الوزير أو أراد أن يدخل على الأمير، أو أراد أن يدخل على العالم، يرتب شكله ويؤنق شكله، ويدخل على الوزير مؤدبا، ومؤنقا، مقبلا، مجلا، مكبرا، لهذا الشخص الذي يريد أن يدخل عليه. كما نعتني ونهتم لدخولنا على الوزير، كما نعتني ونهتم بأن نقف أمام على الوزير بإجلال وإكبار وانفتاح، فكيف لا نعتني ولا نهتم بوقوفنا أمام جبار الجبابرة وملك الملوك عز وجل. كيف لا نقف أمامه وقفة احترام واجلال واكبار؟ الإمام الحسن الزكي «صلوات الله وسلامه عليه» كان إذا وقف على باب المسجد وقف وقفة الحزين الكئيب وقال: ”إلهي، مسكينك ببابك، أسيرك بفناءك، يا محسن قد أتاك المسيء، أنت المحسن وأنا المسيء، يا محسن تجاوز عن قبيح ما عندي بجميل ما عندك يا كريم“.
المقام الثالث: مقام استشعار العظمة.
أنت تقف بين يدي من؟ تقف بين يدي أي قدرة؟ تقف بين يدي أي قدرة؟ تقف بين يدي أي قوة؟ تقف بين يدي أي حياة؟ لا بد أن تستشعر وأنت تقول الله أكبر، أن هناك عظمة مطلقة، وكبرياء مطلقة، وقدرة مطلقة، وقوة مطلقة، وحياة مطلقة. كلمة الله أكبر ليست لقلقة لسان وليست صياغة لفظية نلوكها بألسنتنا، وإنما كلمة الله أكبر يجب أن تصدر، ويجب أن ينطق بها قلبنا وجوارحنا قبل أن ينطق بها لساننا. الله أكبر بمعنى أن نستشعر الكبرياء لله، أن نستشعر العظمة لله، أن نستشعر أن لا شيء في الكون إلا وهو عبد قن لله تبارك وتعالى، أن نستشعر كبرياءه وعظمته ونحن نقول: الله أكبر.
المقام الرابع: مقام التسبيح والتحميد.
من استشعر الكبرياء والعظمة، من استشعر أن لا قوة ولا حول إلا بالله عز وجل، من استشعر أنه عبد قن لله عز وجل، فمن الطبيعي أن ينشغل عن التجارة، والأسهم، والبيع، والشراء، والزوجة، والأولاد، واللذة، والبطن، والفرج، والجيب، أن ينشغل عن كل ذلك بمن؟ بمن استشعر عظمته، بمن استشعر كبرياءه، بمن استشعر قدرته، أن ينشغل وينهمك وينصهر بالتسبيح والتحميد، ﴿الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾، إلى آخر الفاتحة والسورة، مشغولا بذاك الذي له العظمة المطلقة، وله القدرة المطلقة، وله الحياة المطلقة.
المقام الخامس: مقام القنوت.
إذا رفع يديه، يريد أن يقنت لربه ماذا يقول الفقهاء تبعا للرواية: ”يستحب أن تمد يديك كما يمد المسكين يديه“، انظر إلى هذا المسكين الفقير، الذي يجلس في الشارع يستعطف من يمرعليه ويستمطر الرحمة ممن يطوف حوله، ويرجو لو صدقة يسد بها رمقه، كيف يمد يديه؟ يستحب لك أن تمد يديك هكذا، كما يستطعم المسكين، كما يمد المسكين الفقير يديه لربه، لأنك بعد ان سبحته وهللته وحمدته، فأنت في موضع استمطار الرحمة. تريد أن يمطرك برحمتك، ترغب أن يجللك بعطفه، ترغب أن يسبغ عليك حنانه ورأفته، ترغب أن يشملك بغفرانه وستره وعنايته تبارك وتعالى. إذن أنا مسكين فقير أمد يدي إليه لعله يعطف، علي لعله يرحمني، لعله ينظر إلي نظرة عفو ورحمه، لعله يسامحني عن ذنوبي، لعله يغفر لي أخطائي وجرائري ومعاصي، فأمد يدي إليه كما يمد المسكين المستعطف يديه.
المقام السادس: مقام الفداء.
وما معنى مقام الفداء؟ هو مقام الركوع، إذا ركع الإنسان كما في الرواية ”فليمد عنقه كأنه يسلمها لمن يريد قطعها“، تصور الإنسان إذا قدم إلى القتل، يراد قتله، كيف يمد عنقه. هذا الإنسان إذا وقع تحت السياف الذي يريد أن يضرب عنقه، كيف يمد عنقه؟ إنه يمد رقبته وعنقه ليمكن هذا السياف من قطعها ومن بترها، تصور وأنت راكع كما في الرواية ”قل وأنت راكع: آمنت بك وإن ضربت عنقي“، يعني أنني مصمم على الفداء ومصمم على التضحية في سبيل دينك وفي سبيل مبادئك وفي سبيل قيمك. الإنسان وهو راكع يغذي نفسه بروح الفداء بروح التضحية بروح التفاني في الله. لا شيء يستدعي مني الفداء، لا المال ولا الجاه ولا المنصب ولا الدنيا ولا الزوجة ولا الأولاد، الذي يستدعي مني الفداء والتضحية أنت لا غيرك، أنت يا إلهي، فها أنا أمد عنقي فداء وقربانا لمبادئك ولقيمك تباركت وتعاليت.
المقام السابع: مقام السجود.
ورد عن الرسول محمد : ”أقرب ما يكون العبد لربه وهو ساجد“، هذه أقرب المقامات. أنت وأنت ساجد قاب قوسين أو أدنى، أنت في حال السجود عرجت إلى السماوات العلى، أنت في حال السجود وصلت إلى سدرة المنتهى، أنت في حال السجود وصلت إلى عرش الله، أنت في حال السجود لا يحجبك عن الله حاجب. العروج الحقيقي، اللقاء الحقيقي، لقاء القلب بعالم اللاهوت، فناء القلب وتمحضه في ذلك العالم حال السجود. السجود استسلام لله، إذا سجدت بين يدي الله يعني أنني سلمت أمري، فوضت أمري، أنا وجوارحي وجوانحي وأموالي وملكي وكل ما عندي، سلمته لك وفوضته إليك، أنت المالك الحقيقي والمالك الحقيقي يتصرف في ملكه كما يريد.
أقرب ما يكون العبد لربه وهو ساجد فكيف إذا اقترن السجود بتربة سيد الشهداء ، كيف إذا اقترن السجود بمن سلم أمره لله، إذا استسلمت لله وتذكرت من استسلم لله فقد كان سجودي أقرب مقام وأقرب منزلة إلى الله تبارك وتعالى. السجود استسلام فإذا تذكرت وأنا ساجد من استسلم لله بكل ما عنده، إذا تذكرت وأنا ساجد، شخصا استسلم لله وسلم دمه، وسلم جسمه، وسلم روحه، وسلم أهله، وسلم أطفاله، وسلم أولاده، وسلم كبده، وسلم قلبه، وسلم كل ما عنده في سبيل الله وقال:
إلهي تركت الخلق طرا في هواك
فلو قطعتني في الحب إربا وأيتمت العيال لكي أراك
لما مال الفؤاد إلى سواك
المقام الثامن: مقام الصلاة والسلام على محمد وآل محمد.
هم وسائط التشريع، ووسائط التكوين. كما أن الله تبارك وتعالى يستحق مني الشكر لماذا؟ لأنه المنعم، وشكر المنعم واجب. كذلك أهل البيت يستحقون مني الشكر والعلاقة القلبية لأنهم وسائط النعمة. وصلت نعمة الله إلي عبر هؤلاء، هم وسائط التشريع وهم وسائط التكوين، فهم يستحقون الشكر كما أن الله تبارك وتعالى يستحق مني الشكر، وهذه مرحلة الشكر ”اللهم صل على محمد وآل محمد، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته“، هذه مرحلة أؤدي بها الشكر والالتحام والارتباط بقادتي وسادتي محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين.
وكان علي يحب الصلاة، وكان علي يصلي والحرب قائمة على قدم وساق، والسهام تنفذ إلى بدنه فلا يشعر بها، يقال: أبا الحسن أهذا وقت صلاة؟ قال: وعلام نقاتلهم؟ إنما نقاتلهم لأجل الصلاة". نحن لا نقدم الوسيلة على الغاية، الغاية هي التي تتقدم على الوسيلة، الغاية هي أن نوصلهم إلى الصلاة فكيف نضيع الصلاة من أجل الحرب معهم؟ إنما نقاتلهم لأجل الصلاة. علي يصلي وصلاته هي التي تتحرك في داخله وفي سلوكه وفي حركاته وفي سكناته. صلاة علي هي القتال، صلاة علي هي الجهاد، صلاة علي هي حركة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
علينا أن نتذكر أن صلاة علي هي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فعلينا ان نأمر بالمعروف وأن ننهى عن المنكر، علينا أن نركز على هذه المسؤولية الاجتماعية العظيمة، مسؤولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأن لا نخشى أحدا ونحن نقيم هذه المسؤولية بدل أن نركز على الاختلافات، بدل أن نركز على الشحناء والبغضاء،🤲
﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾
صدق الله العلي العظيم
الصلاة معراج المؤمن، الصلاة قربان كل تقي، كما ورد عن الرسول محمد : ”الصلاة عمود الدين، إن قبلت قبل ما سواها، وإن ردت رد ما سواها“، وكان علي بن أبي طالب «صلوات الله وسلامه عليه» إلى آخر لحظات حياته، يلهج بذكر الصلاة والوصية بالصلاة: ”الله الله بالصلاة فإنها عمود دينكم“.
الصلاة لها عدة آداب ولها عدة مقامات، إذا راعاها الإنسان كانت الصلاة موضعا للرحمة وموطنا للقبول، ليست كل صلاة موطنا للقبول، وليست كل صلاة وعاء للرحمة. هناك بعض الصلوات كما ورد عن أمير المؤمنين تأتي يوم القيامة وتقول لصاحبها: ”ضيعتني ضيعك الله“. ورأى أمير المؤمنين رجلا يصلي وهو يخلط ركوعه في سجوده، ويخلط ذكره في ركوعه من دون أن يتأنى في صلاته فقال: ”أسرق الناس من سرق صلاته“. ورأى الإمام علي رجلا في المسجد يصلي وهو يعبث بلحيته فقال: ”لو خشع قلبه لخشعت جوارحه“.
الصلاة التي تكون موطنا للقبول ووعاء للرحمة، هي التي يراعي الإنسان فيها المقامات الروحية والآداب المعنوية التي إذا سلكها وانتظمها كانت صلاته نورا يسعى بين يديه ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ﴾، الصلاة التي تتحول إلى نور يضيء قبرك، ويضيء برزخك، ويضيء معادك، ويضيء دربك يوم القيامة، الصلاة التي تتحول إلى جنة مثمرة، مورقة، يانعة، هي الصلاة التي تحتضن الآداب، هي الصلاة التي تشتمل وتختزن المقامات الروحية المعنوية.
المقام الأول: مقام الشوق إلى الصلاة.
الصلاة تحتاج إلى شوق، تنتظر منك أن تكون مشتاقا لها، تنتظر منك أن تكون مقبلا عليها. فترة الوضوء هي فترة الشوق إلى الصلاة، فترة انتظار الأذان هي فترة الشوق إلى الصلاة. الصلاة طهارة، نقاء، فترة يطهر فيها الإنسان روحه، فترة ينقي الإنسان فيها قلبه، فترة يزيل فيها الإنسان الشوائب والأدران وجميع متعلقات الذنوب والرذائل. ألا يشتاق الإنسان للطهارة؟! ألا يشتاق الإنسان إلى النقاء؟! ألا يشتاق الإنسان إلى النظافة؟! كما نشتاق الإنسان إلى نظافة البدن، فعلينا أن نشتاق إلى نظافة الروح، كما نشتاق إلى طهارة البدن فمن الجدير بنا أن نشتاق إلى طهارة الروح ونقاء الروح.
والصلاة طهارة للروح من الأدران والشوائب، ولذلك كان النبي عندما ينتظر الأذان يقول: ”أرحنا يا بلال“، أي أذن حتى نقبل على ما اشتقنا إليه، حتى نقبل على ما أحببناه. روي عنه : ”أحب من دنياكم ثلاث، الطيب والنساء وقرة عيني الصلاة“. وكان الحسن بن علي إذا توضأ وهو ينتظر الصلاة ارتعشت أعضاءه وهو يقول ”أتدرون أنني سأقف بين يدي من؟ إنني سأقف بين يدي جبار الجبابرة وملك الملوك“.
المقام الثاني: مقام الإجلال.
أن يقف الإنسان في محرابه إجلالا وإكبارا للخالق تبارك وتعالى. كل واحد منا إذا أراد أن يدخل على الوزير أو أراد أن يدخل على الأمير، أو أراد أن يدخل على العالم، يرتب شكله ويؤنق شكله، ويدخل على الوزير مؤدبا، ومؤنقا، مقبلا، مجلا، مكبرا، لهذا الشخص الذي يريد أن يدخل عليه. كما نعتني ونهتم لدخولنا على الوزير، كما نعتني ونهتم بأن نقف أمام على الوزير بإجلال وإكبار وانفتاح، فكيف لا نعتني ولا نهتم بوقوفنا أمام جبار الجبابرة وملك الملوك عز وجل. كيف لا نقف أمامه وقفة احترام واجلال واكبار؟ الإمام الحسن الزكي «صلوات الله وسلامه عليه» كان إذا وقف على باب المسجد وقف وقفة الحزين الكئيب وقال: ”إلهي، مسكينك ببابك، أسيرك بفناءك، يا محسن قد أتاك المسيء، أنت المحسن وأنا المسيء، يا محسن تجاوز عن قبيح ما عندي بجميل ما عندك يا كريم“.
المقام الثالث: مقام استشعار العظمة.
أنت تقف بين يدي من؟ تقف بين يدي أي قدرة؟ تقف بين يدي أي قدرة؟ تقف بين يدي أي قوة؟ تقف بين يدي أي حياة؟ لا بد أن تستشعر وأنت تقول الله أكبر، أن هناك عظمة مطلقة، وكبرياء مطلقة، وقدرة مطلقة، وقوة مطلقة، وحياة مطلقة. كلمة الله أكبر ليست لقلقة لسان وليست صياغة لفظية نلوكها بألسنتنا، وإنما كلمة الله أكبر يجب أن تصدر، ويجب أن ينطق بها قلبنا وجوارحنا قبل أن ينطق بها لساننا. الله أكبر بمعنى أن نستشعر الكبرياء لله، أن نستشعر العظمة لله، أن نستشعر أن لا شيء في الكون إلا وهو عبد قن لله تبارك وتعالى، أن نستشعر كبرياءه وعظمته ونحن نقول: الله أكبر.
المقام الرابع: مقام التسبيح والتحميد.
من استشعر الكبرياء والعظمة، من استشعر أن لا قوة ولا حول إلا بالله عز وجل، من استشعر أنه عبد قن لله عز وجل، فمن الطبيعي أن ينشغل عن التجارة، والأسهم، والبيع، والشراء، والزوجة، والأولاد، واللذة، والبطن، والفرج، والجيب، أن ينشغل عن كل ذلك بمن؟ بمن استشعر عظمته، بمن استشعر كبرياءه، بمن استشعر قدرته، أن ينشغل وينهمك وينصهر بالتسبيح والتحميد، ﴿الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾، إلى آخر الفاتحة والسورة، مشغولا بذاك الذي له العظمة المطلقة، وله القدرة المطلقة، وله الحياة المطلقة.
المقام الخامس: مقام القنوت.
إذا رفع يديه، يريد أن يقنت لربه ماذا يقول الفقهاء تبعا للرواية: ”يستحب أن تمد يديك كما يمد المسكين يديه“، انظر إلى هذا المسكين الفقير، الذي يجلس في الشارع يستعطف من يمرعليه ويستمطر الرحمة ممن يطوف حوله، ويرجو لو صدقة يسد بها رمقه، كيف يمد يديه؟ يستحب لك أن تمد يديك هكذا، كما يستطعم المسكين، كما يمد المسكين الفقير يديه لربه، لأنك بعد ان سبحته وهللته وحمدته، فأنت في موضع استمطار الرحمة. تريد أن يمطرك برحمتك، ترغب أن يجللك بعطفه، ترغب أن يسبغ عليك حنانه ورأفته، ترغب أن يشملك بغفرانه وستره وعنايته تبارك وتعالى. إذن أنا مسكين فقير أمد يدي إليه لعله يعطف، علي لعله يرحمني، لعله ينظر إلي نظرة عفو ورحمه، لعله يسامحني عن ذنوبي، لعله يغفر لي أخطائي وجرائري ومعاصي، فأمد يدي إليه كما يمد المسكين المستعطف يديه.
المقام السادس: مقام الفداء.
وما معنى مقام الفداء؟ هو مقام الركوع، إذا ركع الإنسان كما في الرواية ”فليمد عنقه كأنه يسلمها لمن يريد قطعها“، تصور الإنسان إذا قدم إلى القتل، يراد قتله، كيف يمد عنقه. هذا الإنسان إذا وقع تحت السياف الذي يريد أن يضرب عنقه، كيف يمد عنقه؟ إنه يمد رقبته وعنقه ليمكن هذا السياف من قطعها ومن بترها، تصور وأنت راكع كما في الرواية ”قل وأنت راكع: آمنت بك وإن ضربت عنقي“، يعني أنني مصمم على الفداء ومصمم على التضحية في سبيل دينك وفي سبيل مبادئك وفي سبيل قيمك. الإنسان وهو راكع يغذي نفسه بروح الفداء بروح التضحية بروح التفاني في الله. لا شيء يستدعي مني الفداء، لا المال ولا الجاه ولا المنصب ولا الدنيا ولا الزوجة ولا الأولاد، الذي يستدعي مني الفداء والتضحية أنت لا غيرك، أنت يا إلهي، فها أنا أمد عنقي فداء وقربانا لمبادئك ولقيمك تباركت وتعاليت.
المقام السابع: مقام السجود.
ورد عن الرسول محمد : ”أقرب ما يكون العبد لربه وهو ساجد“، هذه أقرب المقامات. أنت وأنت ساجد قاب قوسين أو أدنى، أنت في حال السجود عرجت إلى السماوات العلى، أنت في حال السجود وصلت إلى سدرة المنتهى، أنت في حال السجود وصلت إلى عرش الله، أنت في حال السجود لا يحجبك عن الله حاجب. العروج الحقيقي، اللقاء الحقيقي، لقاء القلب بعالم اللاهوت، فناء القلب وتمحضه في ذلك العالم حال السجود. السجود استسلام لله، إذا سجدت بين يدي الله يعني أنني سلمت أمري، فوضت أمري، أنا وجوارحي وجوانحي وأموالي وملكي وكل ما عندي، سلمته لك وفوضته إليك، أنت المالك الحقيقي والمالك الحقيقي يتصرف في ملكه كما يريد.
أقرب ما يكون العبد لربه وهو ساجد فكيف إذا اقترن السجود بتربة سيد الشهداء ، كيف إذا اقترن السجود بمن سلم أمره لله، إذا استسلمت لله وتذكرت من استسلم لله فقد كان سجودي أقرب مقام وأقرب منزلة إلى الله تبارك وتعالى. السجود استسلام فإذا تذكرت وأنا ساجد من استسلم لله بكل ما عنده، إذا تذكرت وأنا ساجد، شخصا استسلم لله وسلم دمه، وسلم جسمه، وسلم روحه، وسلم أهله، وسلم أطفاله، وسلم أولاده، وسلم كبده، وسلم قلبه، وسلم كل ما عنده في سبيل الله وقال:
إلهي تركت الخلق طرا في هواك
فلو قطعتني في الحب إربا وأيتمت العيال لكي أراك
لما مال الفؤاد إلى سواك
المقام الثامن: مقام الصلاة والسلام على محمد وآل محمد.
هم وسائط التشريع، ووسائط التكوين. كما أن الله تبارك وتعالى يستحق مني الشكر لماذا؟ لأنه المنعم، وشكر المنعم واجب. كذلك أهل البيت يستحقون مني الشكر والعلاقة القلبية لأنهم وسائط النعمة. وصلت نعمة الله إلي عبر هؤلاء، هم وسائط التشريع وهم وسائط التكوين، فهم يستحقون الشكر كما أن الله تبارك وتعالى يستحق مني الشكر، وهذه مرحلة الشكر ”اللهم صل على محمد وآل محمد، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته“، هذه مرحلة أؤدي بها الشكر والالتحام والارتباط بقادتي وسادتي محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين.
وكان علي يحب الصلاة، وكان علي يصلي والحرب قائمة على قدم وساق، والسهام تنفذ إلى بدنه فلا يشعر بها، يقال: أبا الحسن أهذا وقت صلاة؟ قال: وعلام نقاتلهم؟ إنما نقاتلهم لأجل الصلاة". نحن لا نقدم الوسيلة على الغاية، الغاية هي التي تتقدم على الوسيلة، الغاية هي أن نوصلهم إلى الصلاة فكيف نضيع الصلاة من أجل الحرب معهم؟ إنما نقاتلهم لأجل الصلاة. علي يصلي وصلاته هي التي تتحرك في داخله وفي سلوكه وفي حركاته وفي سكناته. صلاة علي هي القتال، صلاة علي هي الجهاد، صلاة علي هي حركة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
علينا أن نتذكر أن صلاة علي هي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فعلينا ان نأمر بالمعروف وأن ننهى عن المنكر، علينا أن نركز على هذه المسؤولية الاجتماعية العظيمة، مسؤولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأن لا نخشى أحدا ونحن نقيم هذه المسؤولية بدل أن نركز على الاختلافات، بدل أن نركز على الشحناء والبغضاء،🤲
تعليق