اللهم صل على محمد وآل محمد
من أجل تحديد مصاديق أولي الأمر نسوق هذه الاحتمالات:
الاحتمال الأوّل
ان المقصود من أولي الأمرهم من في رأس الح?ومة الإسلامية و من بيدهم مقاليد الأمور. ف?ل من أصبح في قمة الهرم الرئاسي ?ان و لياً للأمر، و بالتالي تجب طاعته ؛ فلا يحقّ لأحد عصيانه أو التمرد عليه. ومن هنا وانطلاقاً من هذه الرؤية، ي?ون الحا?م هو ولي الأمر بالنتيجة حتي لو تربّّّع علي الح?م فوق جماجم الضحايا، بل حتي لو ?ان منافقا ً يستميت من أجل الاحتفاظ بالسلطة و يرت?ب مئات المذابح. و بالطبع فإن الآية ال?ريمة لايم?ن أن تتضمن هذه النظرية بأية صورة، لأن روح الآية ال?ريمة يأبي هذا الظلم. وقد يقال ان الطاعة مطلوبة في حدود معينة حتي لو أصدر الحا?م قرارا ً يخالف النصوص الشريعة و الأح?ام الإلهية مخالفة صريحة و ?ان ح?مه بالنتيجة نوعاً من محاربة القرآن. وهذا لا يسلّم به عاقل، ف?يف يرتضي العقل إنساناً منحرفا ً عن الدين و روحه و عن الشريعة و أح?امها أن يح?م باسم الدين ثم ت?ون طاعته واجبة. ?يف يم?ن للعقل أن يوفق بين المتناقضات ؟ فمن جهة يري رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) و قد بعث بشيرا و نذيراً و رحمة للعالمين و قد جاء من ربّّّه بشريعة فيها سعادة الإنسان في الدارين ثم يخلفه رجال يصبون العذاب علي الاُمة و يتعسفون في ح?مها و قيادتها ؛من قبيل خلفاء بني امية و ح?ّام بني العباس، ثم يوجب الدين طاعتهم !! إن العقل يرفض ذل? مستن?را. هذا إضالّّة الي ماستتضمنه الآية من المتناقضات، فإذا ?انت طاعة الحا?م الفاسق و اجبة ف?يف نوفق بينها و بين طاعة الله و الإنصياع لرسوله، و يا تري من سنتبع في الطاعة إذا تناقضت أوامرالله مع أوامرالحا?م؟! و لعلّ هنا? من يقول: ان الطاعة و اجبة ما دام من بيده زمام الامور يتحر? ضمن إطار الشرعية، فهو في هذه الحالة واجب الطاعة، اما اذا حدث تصادم بين ما يأمر به الحا?م و ما يرتضيه الشرع فعندها تنتفي طاعته و تتقدّم عليها طاعة الله ورسوله، و حقّ للأمة أن تخالفه. وهذا الرأي لايصمد أمام النقاش أيضا، للأسباب التالية:
أوّلا: ان هذا يتحقق إلّا اذا ?انت الامة بأسرها علي وعي ?امل بالشريعة وأح?ام الدين أي أن ي?ون أفرادها جميعا ً فقهاء ل?ي يدر?وا طبيعة قرارات الحا?م و سيرته و إجراءاته.
ثانياً: تقديم طاعة الله علي طاعة الحا?م في حالة التصادم بين الأح?ام، فهذا يعني بالحقيقة طاعة لله فقط، و هنا لا وجود لولاية الأمر ولولي الامور، وبالتالي الغاء طاعة و لي الأمرالتي سبق أن أوجبتها الآية ال?ريمة.
ثالثاً: سيادة الفواضي و ارتبا? النظام لأن ?لّّ فريق في الامة قد يفسّر أمرا ً ما بانّه مخالفة للدين فيسوِّغ لنفسه الثورة و التمرّد، و بالتالي ارتبا? النظام. وبالطبع فإن امّة تسودها الفوضي لا يم?نها أن تنتج أو تتقدم في ر?ب الحضارة، و ست?ون المصالح الشخصية الباعث الأساس في الثورات بذريعة مخالفة الحا?م للدين، و هذا ما يؤدي الي دمار البلاد.
الاحتمال الثاني
لعل قائل يقول ان تفسير الآية يم?ن أن يشير الي ان ولي الأمررجل ينتخبه الشعب و تختاره الامّة، و عندها ي?ون و ليا ً للامور فيتحقق عند ذا? مفهوم الآية. وهذا الاحتمال مردود أيضاً، و تفسير الآية علي هذا الأساس تعسف و اضح، لأن خطاب الآية لا يتضمن هذا المعني أبدا ً. لم تقل الآية إن من ترتضون للح?م والقيادة سي?ون و ليا ً للأمر وبالتالي ست?ون طاعته واجبة. ومعطيات الآية تشير الي وجوب طاعة أولي الأمر، أما من هم فلم تتحدّث عنه الآية ؛ إضافة إلي ما سيرد من إش?الات أشير لها في الاحتمالين معا.
الاحتمالات الثالث
ويبقي الاحتمال الثالث و هو أنّ أولي الأمر اناس اختارهم الله لإمامة المسلمين، و بالتالي أصبحوا مصدقاً لمعني الآية في وجوب طاعتهم.ومن أجل توضيح ذل? نقول: ان الأح?ام و القوانين الإلهية لا تنحصر في الطقوس العبادية بل إنها تستوعب جميع الشؤون الإنسانية ؛ ذل? أن الأمّة يلزمها و من أجل استمرارها و ديمومتها قانون سياسي و نظام اقتصادي و جهاز قضائي و هي مسألة من بديهيات الحياة البشرية. فالشريعة الإلهيأ لا يم?ن تطبيقها إلاّ من خلال قانون و نظام للح?م، و إن غاية النبي (صلي الله عليه و آله و سلم) من بعثته هو استمرار الشريعة الإسلامية و تجسّدها في حياة البشر. ومن هنا اقتضت الح?مة الإليهة و المشيئة الرّبانية اختيار أفرادمعينين لزعامة الامّة أمرها من أجل الحفاظ علي الشريعة و ضمان تطبيقها في الحيا ة، و هؤلاء الأفراد يجب أن ي?ونوا معصومين عن الخطأ، منزهين عن الذنب وارت?اب المعاصي، بعيدين عن الاشتباه، محفوظين من النسيان. ولقد قرن الله طاعتهم بطاعته لإنّهم استمرار لخطّ رسوله. ولإنّهم معصومون، فقد وجبت طاعتهم دون قيد أو شرط. وفي هذه الحالة لن يحدث تناقض أو تصادم في سيرتهم مع أح?ام الله و شريعته و ما جاء به رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) من عند ربّّّه.وعندها تنتفي ?لّّ الإش?الات التي أثيرت في الاحتمالين الأوّل و الثاني. خلاصة القول ان صدر الآية يتضمن إطلاقاً في طاعة الله و تسليما ً ?املا ً لأح?امه وشرائعه، و ليس هنا? قيد أو شرط، ف?لّّ ح?م يتناقص مع أمر الله و نهيه يفقد ?لّّ اعتبار له لأن الحا?مية لله وحده، إضافة الي ان هذه المسألة تعدّ في الواقع ضرورة عقلية لامناص منها. وفي مقابل ?لّّ هذا نجد نهيا ً قرآنيا ً صريحا ً عن طاعة الظالمين و المسرفين. قال تعالى: -( وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ) 1. ... مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ... 2. وفي سياق هذا نجد حشدا ً من الأحاديث الشريفة يتماشي و روح الآيات؛ من قبيل ما رواه: جابربّّّن عبد الله، قال: قال رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم): "من ارضي سلطانا ً بسخط الله خرج من دين الله "3. وعن الامام الباقر(عليه السلام) قال: "لا دين لمن دان بطاعة من عصي الله، و لا دين لمن دان بفرية باطل علي الله، و لا دين لمن دان بجحود شي ء من آيات الله "4. وعن الصادق (عليه السلام) قال: "لاتسخطوا الله برضي أحد من خلقه، ولا تتقربوا إلي الناس بتباعد من الله "5. وعن سيّدنا محّمد (صلي الله عليه و آله و سلم) قال: "لاطاعة لمخلوق في معصية الخالق "6. وعن علي أمير المؤمنين قال: "لا دين لمن دان بطاعة مخلوق في معصية الخالق "7. وسياق الآية ال?ريمة يتضمن بالضرورة عدم التزاحم بين طاعة الله و طاعة أولي الأمر. وعندما ي?ون و لي الأمر معصوماً ينتفي التعارض بين الطاعتين، وبالتالي ت?ون عصمة أولي الأمر مسألة عقلية. تساؤل قد يتساءل البعض قائلاً: لماذا هذا الإصرار على تفسير أولي الأمر بالمعصومين، في حين يم?ن إطاقه علي ?لّّ من بيده زمام الأمور، و أنتم تقولون ?يف يم?ن تصوّر من بيده مقاليد الأمر أن ي?ون غير معصوم لاحتمال الخطأ في أح?امه و مناقضتها لأح?ام الشرع؟ وفي الجواب عن هذا التساؤل نقول: بما أن تش?يل الح?ومة ضروري للأمة، و بدونها لا يم?ن إصلاح شأن البلاد و العباد.فأن الله عزوجل جعل طاعة و لي الأمر واجبة حتي ت?ون أح?امه نافذة فلا يحدث خلل في النظام و لا ي?ون مجال للفوضي. وهنا يقال: من المم?ن أن يصدر عن و لي الأمر ما يتعارض و أح?ام الدين ول?ن هذا مما يجعله مسوغاً لأن مصلحة أ?بر اقتضت تعطيل ح?م من أح?ام الشريعة من أجل حفظ النظام العام، في?ون في ذل? جبر لما ?سر. وجوابا ً علي ذل? نقول: ان الإش?ال الذي أوردناه في صدر البحث حول التعارض بين صدر الآية و الختام ما يزال واردا. ان مفاد الآية يقطع بوجوب طاعة الله أوّلاً، و إنّه لا اعتبار لامر يتعارض وح?م الله، ف?يف يم?ن اجتياز هذه النقطة الي القول بطاعة و لي الأمرحتي مع وجود تعارض في ح?مه مع ح?م الله؟! و?يف يم?ن أيضاً تفسير الحشد الهائل من الأحاديث التي أوردنا أمثلة منه والتي تستن?ر طاعة من يعصي الله إنطلاقاً من: "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق"؟! و?يف نسوّغ لأنفسنا وجوب طاعة من يريد محق القرآن و سحق أح?ام الدين ثم نبرر ذل? بذريعة مصلحة النظام و خدمة للصالح العام؟!
إش?ال
قد يقول أحدهم إن "أولي الأمر"تفيد" من بيدهم زمام الأمر والقيادة "ولا تعني" العصمة"من قريب و لا بعيد، ثم ان سياق الآية يشير الي وجوب طاعة أولي الأمربعد طاعة الله سبحانه، و هذا يعني ان هنا? إطاراً معيّنا ً لطاعتهم و هو في طاعة الله أوّلاّ و ان طاعتهم واجبة ما داموا مطيعين لله ؛ و بالتالي وجود قيد يحدّد الإطلاق العام. فمثلاً لو قام رئيس دولة بإصدار مرسوم يقضي بتنصيب محافظ أو حا?م لإحدي المدن و تضمن الح?م دعوة الشعب إلي تنفيذ أو امره و طاعته في تطبيق قوانين البلاد، فهنا سيفهم الشعب أن من بين هذين الأمرين - تنصيب الحا?م ودعوة الشعب الي الإنصياع لأوامره -ان طاعته ست?ون في حدود قانون البلاد، وليس ?لّّ ما يصدرعنه حتي لو تعارض مع الدستور الرسمي للدولة ؛ وسيقولون له انّ? مأمور بتنفيذ القانون لا أن تصدر الإح?ام جزافاً ?ما تشاء. مثال آخر لو أصدر القائد العام للقوات المسلحة أمراً نصب فيه ضابطا ً ما قد قائداً لإحدي الفرق و أمر أفراد الفرقة بالإنصياع لأوامره فإن الجنود و سائر أفراد الفرقة سوف يفهمون ان طاعته واجبة في حدود طاعته هو للقيادة العامة. ومن هذين المثالين نفهم ان طاعة و لي الأمر نافذة ما دامت في طاعة الله. وعلي هذا فإن أوامر ولي الأمر ست?ون ملزمة عندما لا تتعارض مع الشريعة، و بالتالي تجوز مخالفته و عصيانه اذا تصرّف تصرّفاً يناقض الشريعة ويخالف أح?ام الله. وفي تل? الحالة يتمّ نصحه أوّلا، فإذا لم يرعو وجب عزله و خلعه و انتخاب شخص آخر غيره. وهذا ما أشار إليه أبوب?ر عشية تصدّيه للخلافي، فقد قال: "أيهاالناس قد وليت علي?م و لستُ بخير?م، فإن أحسنت فآعينوني و إن أسأت فقوّموني.... أطيعوني ما أطلعت الله في?م فإذا عصيت الله و رسوله فلا طاعة لي علي?م". ومن هنا نفسّر بواعث الثورة ضد عثمان، فلقد طلبوا منه اعتزال الخلافة أوّلا، فلمّا رفض ذل? اقتحموا قصره و قتلوه. ولو افترضنا الإطلاق في الآية فهي ?سائر الإطلاقات الاخري إذهنا? آيات تضع قيوداً تحدّد من الإطلاق العام ؛ من قبيل قوله تعالى: _(وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ ... مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ .2.. واذن فهنا? قيود تحدّد من إطلاق آية الطاعة، و´ بالتالي فلا ضرورة للقول بحتمية عصمة أولي الأمر. الجواب انّ ?لّّ هذه التفاصيل لا يم?نها أن تسلب الإطلاق العام في الآية ?أمر الهي، فهناك طاعة مطلقة لله و للرسول و لأولي الأمر، و ?لا الأمرين يفيدان الإطلاق ويتمتعان بنفس مستوي الوجوب ؛فما معني ترجيح أمر علي أمر مع أن مصدر هما و احد و يتمتعان بنفس الامتياز. ان انتفاء العصمة سيولّد تنافضا ً لا يم?ن حلّه، و الحلّ الوحيد ي?من في عصمة أولي الأمر. ثم إن الآية لا تفيد شرعية و ولاية من يتسلط علي رقاب العباد و البلاد بلقوّة، بل و لا تفيد أيضا ً انتخاب الناس لولي الأمر، و يبقي هنا من يختاره الله سبحانه و يرتضيه لعباده. ?يف نتصور ان الله سبحانه و هو مصدرالح?مة يمنح الشريعة لاُناس غير معصومين لهم و لما يرت?بونه من ظلم بحق عباده ؟ ألا يم?ن استغلال هذه النظرية في إنزال أفدح الظلم بالناس مع ضمان س?وتهم ازاءه ?قدر الهي محتوم لايم?ن الاعتراض عليه أو التململ منه ؟! ومعني هذا فتح الباب علي مصراعيه ل?ل الطغاة يعيثون في الأرض فسادا ً ويأتون علي الدين فلا يبقون له من باقية، ?لّّ هذا بذريعة وجوب طاعة و لي الأمر. ألم يذبح الحسين و أهل بيته بذريعة خروجهم علي خليفة عصرهم؟! ان أقلّ مطالعة في تل? الحقبة من التاريخ ستشهد إلي أي مدي عاث بنو أمية و بنو العباس باسم الدين و لاخلافة فارت?بنوا آلاف الجرائم و المذابح.
--------------------
1. a. b. القران الكريم: سورة الشعراء (26)، الآية: 151، الصفحة: 373.
2. a. b. القران الكريم: سورة الكهف (18)، الآية: 28، الصفحة: 297.
3. ال?افي: ج 2ص273.
4. المصدر السابق.
5. وسائل الشيعة: ج 11ص422.
6. مجمع الزوائد: ج 5ص 226.
7. وسائل الشيعة: ج11ص422.
------------------------------------
. من ?تاب دراسة عامة في الامامة.
من أجل تحديد مصاديق أولي الأمر نسوق هذه الاحتمالات:
الاحتمال الأوّل
ان المقصود من أولي الأمرهم من في رأس الح?ومة الإسلامية و من بيدهم مقاليد الأمور. ف?ل من أصبح في قمة الهرم الرئاسي ?ان و لياً للأمر، و بالتالي تجب طاعته ؛ فلا يحقّ لأحد عصيانه أو التمرد عليه. ومن هنا وانطلاقاً من هذه الرؤية، ي?ون الحا?م هو ولي الأمر بالنتيجة حتي لو تربّّّع علي الح?م فوق جماجم الضحايا، بل حتي لو ?ان منافقا ً يستميت من أجل الاحتفاظ بالسلطة و يرت?ب مئات المذابح. و بالطبع فإن الآية ال?ريمة لايم?ن أن تتضمن هذه النظرية بأية صورة، لأن روح الآية ال?ريمة يأبي هذا الظلم. وقد يقال ان الطاعة مطلوبة في حدود معينة حتي لو أصدر الحا?م قرارا ً يخالف النصوص الشريعة و الأح?ام الإلهية مخالفة صريحة و ?ان ح?مه بالنتيجة نوعاً من محاربة القرآن. وهذا لا يسلّم به عاقل، ف?يف يرتضي العقل إنساناً منحرفا ً عن الدين و روحه و عن الشريعة و أح?امها أن يح?م باسم الدين ثم ت?ون طاعته واجبة. ?يف يم?ن للعقل أن يوفق بين المتناقضات ؟ فمن جهة يري رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) و قد بعث بشيرا و نذيراً و رحمة للعالمين و قد جاء من ربّّّه بشريعة فيها سعادة الإنسان في الدارين ثم يخلفه رجال يصبون العذاب علي الاُمة و يتعسفون في ح?مها و قيادتها ؛من قبيل خلفاء بني امية و ح?ّام بني العباس، ثم يوجب الدين طاعتهم !! إن العقل يرفض ذل? مستن?را. هذا إضالّّة الي ماستتضمنه الآية من المتناقضات، فإذا ?انت طاعة الحا?م الفاسق و اجبة ف?يف نوفق بينها و بين طاعة الله و الإنصياع لرسوله، و يا تري من سنتبع في الطاعة إذا تناقضت أوامرالله مع أوامرالحا?م؟! و لعلّ هنا? من يقول: ان الطاعة و اجبة ما دام من بيده زمام الامور يتحر? ضمن إطار الشرعية، فهو في هذه الحالة واجب الطاعة، اما اذا حدث تصادم بين ما يأمر به الحا?م و ما يرتضيه الشرع فعندها تنتفي طاعته و تتقدّم عليها طاعة الله ورسوله، و حقّ للأمة أن تخالفه. وهذا الرأي لايصمد أمام النقاش أيضا، للأسباب التالية:
أوّلا: ان هذا يتحقق إلّا اذا ?انت الامة بأسرها علي وعي ?امل بالشريعة وأح?ام الدين أي أن ي?ون أفرادها جميعا ً فقهاء ل?ي يدر?وا طبيعة قرارات الحا?م و سيرته و إجراءاته.
ثانياً: تقديم طاعة الله علي طاعة الحا?م في حالة التصادم بين الأح?ام، فهذا يعني بالحقيقة طاعة لله فقط، و هنا لا وجود لولاية الأمر ولولي الامور، وبالتالي الغاء طاعة و لي الأمرالتي سبق أن أوجبتها الآية ال?ريمة.
ثالثاً: سيادة الفواضي و ارتبا? النظام لأن ?لّّ فريق في الامة قد يفسّر أمرا ً ما بانّه مخالفة للدين فيسوِّغ لنفسه الثورة و التمرّد، و بالتالي ارتبا? النظام. وبالطبع فإن امّة تسودها الفوضي لا يم?نها أن تنتج أو تتقدم في ر?ب الحضارة، و ست?ون المصالح الشخصية الباعث الأساس في الثورات بذريعة مخالفة الحا?م للدين، و هذا ما يؤدي الي دمار البلاد.
الاحتمال الثاني
لعل قائل يقول ان تفسير الآية يم?ن أن يشير الي ان ولي الأمررجل ينتخبه الشعب و تختاره الامّة، و عندها ي?ون و ليا ً للامور فيتحقق عند ذا? مفهوم الآية. وهذا الاحتمال مردود أيضاً، و تفسير الآية علي هذا الأساس تعسف و اضح، لأن خطاب الآية لا يتضمن هذا المعني أبدا ً. لم تقل الآية إن من ترتضون للح?م والقيادة سي?ون و ليا ً للأمر وبالتالي ست?ون طاعته واجبة. ومعطيات الآية تشير الي وجوب طاعة أولي الأمر، أما من هم فلم تتحدّث عنه الآية ؛ إضافة إلي ما سيرد من إش?الات أشير لها في الاحتمالين معا.
الاحتمالات الثالث
ويبقي الاحتمال الثالث و هو أنّ أولي الأمر اناس اختارهم الله لإمامة المسلمين، و بالتالي أصبحوا مصدقاً لمعني الآية في وجوب طاعتهم.ومن أجل توضيح ذل? نقول: ان الأح?ام و القوانين الإلهية لا تنحصر في الطقوس العبادية بل إنها تستوعب جميع الشؤون الإنسانية ؛ ذل? أن الأمّة يلزمها و من أجل استمرارها و ديمومتها قانون سياسي و نظام اقتصادي و جهاز قضائي و هي مسألة من بديهيات الحياة البشرية. فالشريعة الإلهيأ لا يم?ن تطبيقها إلاّ من خلال قانون و نظام للح?م، و إن غاية النبي (صلي الله عليه و آله و سلم) من بعثته هو استمرار الشريعة الإسلامية و تجسّدها في حياة البشر. ومن هنا اقتضت الح?مة الإليهة و المشيئة الرّبانية اختيار أفرادمعينين لزعامة الامّة أمرها من أجل الحفاظ علي الشريعة و ضمان تطبيقها في الحيا ة، و هؤلاء الأفراد يجب أن ي?ونوا معصومين عن الخطأ، منزهين عن الذنب وارت?اب المعاصي، بعيدين عن الاشتباه، محفوظين من النسيان. ولقد قرن الله طاعتهم بطاعته لإنّهم استمرار لخطّ رسوله. ولإنّهم معصومون، فقد وجبت طاعتهم دون قيد أو شرط. وفي هذه الحالة لن يحدث تناقض أو تصادم في سيرتهم مع أح?ام الله و شريعته و ما جاء به رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) من عند ربّّّه.وعندها تنتفي ?لّّ الإش?الات التي أثيرت في الاحتمالين الأوّل و الثاني. خلاصة القول ان صدر الآية يتضمن إطلاقاً في طاعة الله و تسليما ً ?املا ً لأح?امه وشرائعه، و ليس هنا? قيد أو شرط، ف?لّّ ح?م يتناقص مع أمر الله و نهيه يفقد ?لّّ اعتبار له لأن الحا?مية لله وحده، إضافة الي ان هذه المسألة تعدّ في الواقع ضرورة عقلية لامناص منها. وفي مقابل ?لّّ هذا نجد نهيا ً قرآنيا ً صريحا ً عن طاعة الظالمين و المسرفين. قال تعالى: -( وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ) 1. ... مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ... 2. وفي سياق هذا نجد حشدا ً من الأحاديث الشريفة يتماشي و روح الآيات؛ من قبيل ما رواه: جابربّّّن عبد الله، قال: قال رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم): "من ارضي سلطانا ً بسخط الله خرج من دين الله "3. وعن الامام الباقر(عليه السلام) قال: "لا دين لمن دان بطاعة من عصي الله، و لا دين لمن دان بفرية باطل علي الله، و لا دين لمن دان بجحود شي ء من آيات الله "4. وعن الصادق (عليه السلام) قال: "لاتسخطوا الله برضي أحد من خلقه، ولا تتقربوا إلي الناس بتباعد من الله "5. وعن سيّدنا محّمد (صلي الله عليه و آله و سلم) قال: "لاطاعة لمخلوق في معصية الخالق "6. وعن علي أمير المؤمنين قال: "لا دين لمن دان بطاعة مخلوق في معصية الخالق "7. وسياق الآية ال?ريمة يتضمن بالضرورة عدم التزاحم بين طاعة الله و طاعة أولي الأمر. وعندما ي?ون و لي الأمر معصوماً ينتفي التعارض بين الطاعتين، وبالتالي ت?ون عصمة أولي الأمر مسألة عقلية. تساؤل قد يتساءل البعض قائلاً: لماذا هذا الإصرار على تفسير أولي الأمر بالمعصومين، في حين يم?ن إطاقه علي ?لّّ من بيده زمام الأمور، و أنتم تقولون ?يف يم?ن تصوّر من بيده مقاليد الأمر أن ي?ون غير معصوم لاحتمال الخطأ في أح?امه و مناقضتها لأح?ام الشرع؟ وفي الجواب عن هذا التساؤل نقول: بما أن تش?يل الح?ومة ضروري للأمة، و بدونها لا يم?ن إصلاح شأن البلاد و العباد.فأن الله عزوجل جعل طاعة و لي الأمر واجبة حتي ت?ون أح?امه نافذة فلا يحدث خلل في النظام و لا ي?ون مجال للفوضي. وهنا يقال: من المم?ن أن يصدر عن و لي الأمر ما يتعارض و أح?ام الدين ول?ن هذا مما يجعله مسوغاً لأن مصلحة أ?بر اقتضت تعطيل ح?م من أح?ام الشريعة من أجل حفظ النظام العام، في?ون في ذل? جبر لما ?سر. وجوابا ً علي ذل? نقول: ان الإش?ال الذي أوردناه في صدر البحث حول التعارض بين صدر الآية و الختام ما يزال واردا. ان مفاد الآية يقطع بوجوب طاعة الله أوّلاً، و إنّه لا اعتبار لامر يتعارض وح?م الله، ف?يف يم?ن اجتياز هذه النقطة الي القول بطاعة و لي الأمرحتي مع وجود تعارض في ح?مه مع ح?م الله؟! و?يف يم?ن أيضاً تفسير الحشد الهائل من الأحاديث التي أوردنا أمثلة منه والتي تستن?ر طاعة من يعصي الله إنطلاقاً من: "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق"؟! و?يف نسوّغ لأنفسنا وجوب طاعة من يريد محق القرآن و سحق أح?ام الدين ثم نبرر ذل? بذريعة مصلحة النظام و خدمة للصالح العام؟!
إش?ال
قد يقول أحدهم إن "أولي الأمر"تفيد" من بيدهم زمام الأمر والقيادة "ولا تعني" العصمة"من قريب و لا بعيد، ثم ان سياق الآية يشير الي وجوب طاعة أولي الأمربعد طاعة الله سبحانه، و هذا يعني ان هنا? إطاراً معيّنا ً لطاعتهم و هو في طاعة الله أوّلاّ و ان طاعتهم واجبة ما داموا مطيعين لله ؛ و بالتالي وجود قيد يحدّد الإطلاق العام. فمثلاً لو قام رئيس دولة بإصدار مرسوم يقضي بتنصيب محافظ أو حا?م لإحدي المدن و تضمن الح?م دعوة الشعب إلي تنفيذ أو امره و طاعته في تطبيق قوانين البلاد، فهنا سيفهم الشعب أن من بين هذين الأمرين - تنصيب الحا?م ودعوة الشعب الي الإنصياع لأوامره -ان طاعته ست?ون في حدود قانون البلاد، وليس ?لّّ ما يصدرعنه حتي لو تعارض مع الدستور الرسمي للدولة ؛ وسيقولون له انّ? مأمور بتنفيذ القانون لا أن تصدر الإح?ام جزافاً ?ما تشاء. مثال آخر لو أصدر القائد العام للقوات المسلحة أمراً نصب فيه ضابطا ً ما قد قائداً لإحدي الفرق و أمر أفراد الفرقة بالإنصياع لأوامره فإن الجنود و سائر أفراد الفرقة سوف يفهمون ان طاعته واجبة في حدود طاعته هو للقيادة العامة. ومن هذين المثالين نفهم ان طاعة و لي الأمر نافذة ما دامت في طاعة الله. وعلي هذا فإن أوامر ولي الأمر ست?ون ملزمة عندما لا تتعارض مع الشريعة، و بالتالي تجوز مخالفته و عصيانه اذا تصرّف تصرّفاً يناقض الشريعة ويخالف أح?ام الله. وفي تل? الحالة يتمّ نصحه أوّلا، فإذا لم يرعو وجب عزله و خلعه و انتخاب شخص آخر غيره. وهذا ما أشار إليه أبوب?ر عشية تصدّيه للخلافي، فقد قال: "أيهاالناس قد وليت علي?م و لستُ بخير?م، فإن أحسنت فآعينوني و إن أسأت فقوّموني.... أطيعوني ما أطلعت الله في?م فإذا عصيت الله و رسوله فلا طاعة لي علي?م". ومن هنا نفسّر بواعث الثورة ضد عثمان، فلقد طلبوا منه اعتزال الخلافة أوّلا، فلمّا رفض ذل? اقتحموا قصره و قتلوه. ولو افترضنا الإطلاق في الآية فهي ?سائر الإطلاقات الاخري إذهنا? آيات تضع قيوداً تحدّد من الإطلاق العام ؛ من قبيل قوله تعالى: _(وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ ... مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ .2.. واذن فهنا? قيود تحدّد من إطلاق آية الطاعة، و´ بالتالي فلا ضرورة للقول بحتمية عصمة أولي الأمر. الجواب انّ ?لّّ هذه التفاصيل لا يم?نها أن تسلب الإطلاق العام في الآية ?أمر الهي، فهناك طاعة مطلقة لله و للرسول و لأولي الأمر، و ?لا الأمرين يفيدان الإطلاق ويتمتعان بنفس مستوي الوجوب ؛فما معني ترجيح أمر علي أمر مع أن مصدر هما و احد و يتمتعان بنفس الامتياز. ان انتفاء العصمة سيولّد تنافضا ً لا يم?ن حلّه، و الحلّ الوحيد ي?من في عصمة أولي الأمر. ثم إن الآية لا تفيد شرعية و ولاية من يتسلط علي رقاب العباد و البلاد بلقوّة، بل و لا تفيد أيضا ً انتخاب الناس لولي الأمر، و يبقي هنا من يختاره الله سبحانه و يرتضيه لعباده. ?يف نتصور ان الله سبحانه و هو مصدرالح?مة يمنح الشريعة لاُناس غير معصومين لهم و لما يرت?بونه من ظلم بحق عباده ؟ ألا يم?ن استغلال هذه النظرية في إنزال أفدح الظلم بالناس مع ضمان س?وتهم ازاءه ?قدر الهي محتوم لايم?ن الاعتراض عليه أو التململ منه ؟! ومعني هذا فتح الباب علي مصراعيه ل?ل الطغاة يعيثون في الأرض فسادا ً ويأتون علي الدين فلا يبقون له من باقية، ?لّّ هذا بذريعة وجوب طاعة و لي الأمر. ألم يذبح الحسين و أهل بيته بذريعة خروجهم علي خليفة عصرهم؟! ان أقلّ مطالعة في تل? الحقبة من التاريخ ستشهد إلي أي مدي عاث بنو أمية و بنو العباس باسم الدين و لاخلافة فارت?بنوا آلاف الجرائم و المذابح.
--------------------
1. a. b. القران الكريم: سورة الشعراء (26)، الآية: 151، الصفحة: 373.
2. a. b. القران الكريم: سورة الكهف (18)، الآية: 28، الصفحة: 297.
3. ال?افي: ج 2ص273.
4. المصدر السابق.
5. وسائل الشيعة: ج 11ص422.
6. مجمع الزوائد: ج 5ص 226.
7. وسائل الشيعة: ج11ص422.
------------------------------------
. من ?تاب دراسة عامة في الامامة.