بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين .
في شهر محرم الحرام وصفر الخير يسلك المؤمنون شتى انواع الطرق للتعبير عن شدة الحزن والمصيبة والمظلومية على سيد الشهداء الامام الحسين (عليه السلام) واهل بيته واصحابه .
فمنهم من يقيم مجالس العزاء ، ومنهم من يقيم المواكب لخدمة زائريه ، ومنهم من يقيم التشابيه والتمثيل في مثل هذه الايام ليوصل للناس صورة مشابهة لما حل بسيد الشهداء الامام الحسين واهل بيته واصحابه (عليهم السلام اجمعين) .
ومعنى التشابيه او التمثيل : هو حكاية عن شيء غابر بشيء حاضر، وذلك بإخراج حركاته وسكناته وتنقّلاته وكلماته من حيّز الذهن والخيال إلى عالم المشاهدة والعيان ، ليشارك الفكر البصر، والبصيرة النظر في تصوّر الحادثة .
أو قل بعبارة اخرى : هو إفراغ ألفاظ القصّة وعباراتها في قالب متجسّد محسوس ؛ ليكون تأثيرها أثبت وأقرّ في النفوس من الألفاظ المسموعة والكلمات المطبوعة ، سيّما للسواد الأعظم من الناس ، حيث يغلب عليه الجمود ، فلا يكاد يتحسّس إلّا بما يبتلى به في نفسه ، أو على الأقل يشاهده بعين رأسه .
وقد يتوهم البعض حرمة التشابيه والتمثيل او سلبيتها نظرا لما يحدث فيها ويرافقها كلبس بعض الرجال ملابس النساء واخذ دور الحرائر العلويات (عليهن سلام الله) او غيرها من المواقف والادوار ، الا اننا ندفع هذا التوهم بنقل فتاوي واراء الفقهاء الاعلام الماضين منهم رحمهم الله والباقين منهم حفظهم الله تعالى وادام ظلهم الوارف علينا :
أولا : ما وجّهه أهالي البصرة من برقيات استفتائية إلى سماحة المغفور له آية الله العظمى ، رئيس الفقهاء العظام ، الشيخ محمد حسين النائيني ، أعلى الله مقامه ، بتاريخ 5 ربيع الأول سنة 1345هـ ، فأجاب بما يلي :
بسم الله الرحمن الرحيم
إلى البصرة وما والاها :
بعد السلام على إخواننا الاماجد العظام أهالي القطر البصري ورحمة الله وبركاته .
قد تواردت علينا في (الكرادة الشرقية) برقياتكم وكتبكم المتضمنة للسؤال عن حكم المواكب العزائية وما يتعلق بها ، إذ رجعنا بحمده سبحانه إلى النجف الأشرف سالمين ، فها نحن نحرر الجواب عن تلك السؤالات ببيان مسائل :
الأولى : ........
الثانية : .........
الثالثة : الظاهر عدم الإشكال في جواز التشبيهات والتمثيلات التي جرت عادة الشيعة الامامية باتخاذها لإقامة العزاء والبكاء والابكاء منذ قرون وإن تضمنت لبس الرجال ملابس النساء على الأقوى فإنّا وإن كنا مستشكلين سابقاً في جوازه وقيدنا جواز التمثيل في الفتوى الصادرة منا قبل أربع سنوات لكنا لما راجعنا المسألة ثانياً اتضح عندنا أن المحرم من تشبيه الرجل بالمرأة هو ما كان خروجاً عن زي الرجال رأساً وأخذاً بزي النساء دونما إذا تلبس بملابسها مقدراً من الزمان بلا تبديل لزيه كما هو الحال في هذه التشبيهات، وقد استدركنا ذلك أخيراً في حواشينا على العروة الوثقى.
نعم يلزم تنزيهها أيضاً عن المحرمات الشرعية ، وإن كانت على فرض وقوعها لا تسري حرمتها إلى التشبيه ، كما تقدم .
ثانيا : نص ما كتبه سماحة الإمام المجاهد آية الله العظمى السيد محسن الحكيم الطباطبائي معلقا على فتاوى الشيخ النائيني (قدس سره) :
بسم الله الرحمن الرحيم
وله الحمد ، ما سطره أستاذنا الأعظم (قدس سره) في نهاية المتانة ، وفي غاية الوضوح بل هو أوضح من أن يحتاج إلى أن يعضد بتسجيل فتوى الوفاق ، والمظنون أن بعض المناقشات إنما نشأت من انضمام الحزن على سيد الشهداء (عليه السلام) فالأمل بل اللازم والاهتمام بتنزيهها عن ذلك والمواظبة على البكاء والحزن من جميع من يقوم بهذه الشعائر المقدسة ، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب . ( محرم الحرام 1367 ) .
ثالثا : ما وجهه جمع من المؤمنين من استفتاء حول الشعائر الحسينية الى سماحة اية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني (دام ظله الوارف) :
السؤال : هل يجوز إجراء التشابيه في عزاء سيد الشهداء (عليه السلام) ، (التمثيليات التي تُصوّر واقعة الطف) ؟
الجواب : يجوز إذا لم تشتملْ على محرم ، كالكذب أو الهتك ، حتى من جهة انتخاب الأشخاص الذين يؤدّون دور المعصوم ، أو الشخصيات الإسلامية المحترمة . (1) .
وبعد بيان جواز التمثيل والتشبيه على احداث واقعة طف كربلاء او السبي او غيرها وكون هذه الامور من الشعائر الحسينية المباركة نبين الان الفائدة الكبرى من هذه الظاهرة الحسينية المباركة :
أولا : قال الشيخ عبد الله المامقاني / في رسالته المواكب الحسينيّة :
( ولقد أنتجت التشبيهات في بلاد إيران وقفقاسيا والهند وغيرها ، تشرّف جمع منهم إلى الإسلام ، ونذر الكتابيّين والوثنيّين وعبدة النار والبقر لأهل البيت عليهم السلام ، ودفعهم في كلّ سنة أموالاً خطيرة إلى الشيعة ليصرفوها في عزاء سيّد الشهداء أرواحنا فداه .
ولقد أدّى الحال إلى وضع شركة في تلك البلاد من تجّار النصارى بين أنفسهم وبين سيّد الشهداء عليه السلام ، وكانوا يصرفون سهمه عليه السلام من الربح في عزائه ، وكان يبلغ ألوفاً ، كما لا يخفى على مَن أحاط خبراً بأحوال تلك البلاد ، وهذه كلّها ثمرة المواكب المحزنة في الشوارع والمجامع .
ولقد نقل لنا متواتراً منذ نشأنا إلى الآن ، وشاهدنا في بعض أسفارنا بأبصارنا ، أنّ الكفّار ـ حتّى الوثنيّن منهم ـ عند مرور التشبيهات في الشوارعيقفون ، ويكشفون رؤوسهم احتراماً ، ويبكون بمقتضى الرّقة البشريّة ، بل يضربون أحياناً بالأيدي على الرؤوس ضرباً خفيفاً .
وقد جرت عادة عبدة النار في بعض أقطار الهند على صنع شبيه (حجلة القاسم) . (2) من خشب ، وإعدادهم يوم عاشوراء ناراً جزيلاً ، وحملهم (الحجلة) ودخولهم من جانب إلى النار ، وخروجهم من جانب آخر، وعدم تأثير النار فيهم ولا في (الحجلة) .
ولعلّ أساس ذلك من مسلم دخل فيهم قديماً ، وأظهر التديّن بدينهم ، ودلّهم على ذلك ، فبقى بينهم عادة ) . (3).
ثانيا : قال الشيخ عبد الرضا كاشف الغطاء / في كتابه الأنوار الحسينيّة :
( فتمثيل هذه الفاجعة أحسن درس لاكتساب الفضيلة واجتناب الرذيلة ، على أنّه أحسن وسيلة لنشر تعاليمنا وبثّ دعوتنا ، فإنّا إذا نظرنا لانتشار هذه الدعوة في الأمصار وتغلغلها في الأقطار ، حتّى بين عبدة الأصنام ، فضلاً عن أهل الإسلام ، نجد ولا شكّ أنّ التمثيل بتوضيحه أسرار هذه الفاجعة وإشهارها ،له القسط الأوفى في علّة هذا الانتشار، وما كانت ـ على ما فيها من نواميس النموّ والارتقاء ـ لتصل إلى هذا الحدّ من النفوذ في الأفكار والاشتهار ، لو كانت محصورة بين الدفاتر أو منشورة فقط على المنابر ، كما لا يخفى على غير المكابر .
________________________
(1) من موقع سماحة اية الله العظمى المرجع الديني الاعلى السيد علي الحسيني السيستاني (دام ظله الوارف) .
(2) في هامش النسخة المطبوعة لهذه الرسالة ورد : ( الحجلة ، محرّكة ، واحدة حجال العروس : وهي بيت يزيّن بالثياب والأسرّة والستور ، ومنه الحديث : (عقولهم كعقول ربّات الحجال) . مجمع البحرين / الجزء 1 / الصفحة ٤٦٥ / مادة حجل .
(3) المواكب الحسينيّة / الجزء 2 / الصفحة 218 - 220 .
وبه نستعين وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين .
في شهر محرم الحرام وصفر الخير يسلك المؤمنون شتى انواع الطرق للتعبير عن شدة الحزن والمصيبة والمظلومية على سيد الشهداء الامام الحسين (عليه السلام) واهل بيته واصحابه .
فمنهم من يقيم مجالس العزاء ، ومنهم من يقيم المواكب لخدمة زائريه ، ومنهم من يقيم التشابيه والتمثيل في مثل هذه الايام ليوصل للناس صورة مشابهة لما حل بسيد الشهداء الامام الحسين واهل بيته واصحابه (عليهم السلام اجمعين) .
ومعنى التشابيه او التمثيل : هو حكاية عن شيء غابر بشيء حاضر، وذلك بإخراج حركاته وسكناته وتنقّلاته وكلماته من حيّز الذهن والخيال إلى عالم المشاهدة والعيان ، ليشارك الفكر البصر، والبصيرة النظر في تصوّر الحادثة .
أو قل بعبارة اخرى : هو إفراغ ألفاظ القصّة وعباراتها في قالب متجسّد محسوس ؛ ليكون تأثيرها أثبت وأقرّ في النفوس من الألفاظ المسموعة والكلمات المطبوعة ، سيّما للسواد الأعظم من الناس ، حيث يغلب عليه الجمود ، فلا يكاد يتحسّس إلّا بما يبتلى به في نفسه ، أو على الأقل يشاهده بعين رأسه .
وقد يتوهم البعض حرمة التشابيه والتمثيل او سلبيتها نظرا لما يحدث فيها ويرافقها كلبس بعض الرجال ملابس النساء واخذ دور الحرائر العلويات (عليهن سلام الله) او غيرها من المواقف والادوار ، الا اننا ندفع هذا التوهم بنقل فتاوي واراء الفقهاء الاعلام الماضين منهم رحمهم الله والباقين منهم حفظهم الله تعالى وادام ظلهم الوارف علينا :
أولا : ما وجّهه أهالي البصرة من برقيات استفتائية إلى سماحة المغفور له آية الله العظمى ، رئيس الفقهاء العظام ، الشيخ محمد حسين النائيني ، أعلى الله مقامه ، بتاريخ 5 ربيع الأول سنة 1345هـ ، فأجاب بما يلي :
بسم الله الرحمن الرحيم
إلى البصرة وما والاها :
بعد السلام على إخواننا الاماجد العظام أهالي القطر البصري ورحمة الله وبركاته .
قد تواردت علينا في (الكرادة الشرقية) برقياتكم وكتبكم المتضمنة للسؤال عن حكم المواكب العزائية وما يتعلق بها ، إذ رجعنا بحمده سبحانه إلى النجف الأشرف سالمين ، فها نحن نحرر الجواب عن تلك السؤالات ببيان مسائل :
الأولى : ........
الثانية : .........
الثالثة : الظاهر عدم الإشكال في جواز التشبيهات والتمثيلات التي جرت عادة الشيعة الامامية باتخاذها لإقامة العزاء والبكاء والابكاء منذ قرون وإن تضمنت لبس الرجال ملابس النساء على الأقوى فإنّا وإن كنا مستشكلين سابقاً في جوازه وقيدنا جواز التمثيل في الفتوى الصادرة منا قبل أربع سنوات لكنا لما راجعنا المسألة ثانياً اتضح عندنا أن المحرم من تشبيه الرجل بالمرأة هو ما كان خروجاً عن زي الرجال رأساً وأخذاً بزي النساء دونما إذا تلبس بملابسها مقدراً من الزمان بلا تبديل لزيه كما هو الحال في هذه التشبيهات، وقد استدركنا ذلك أخيراً في حواشينا على العروة الوثقى.
نعم يلزم تنزيهها أيضاً عن المحرمات الشرعية ، وإن كانت على فرض وقوعها لا تسري حرمتها إلى التشبيه ، كما تقدم .
ثانيا : نص ما كتبه سماحة الإمام المجاهد آية الله العظمى السيد محسن الحكيم الطباطبائي معلقا على فتاوى الشيخ النائيني (قدس سره) :
بسم الله الرحمن الرحيم
وله الحمد ، ما سطره أستاذنا الأعظم (قدس سره) في نهاية المتانة ، وفي غاية الوضوح بل هو أوضح من أن يحتاج إلى أن يعضد بتسجيل فتوى الوفاق ، والمظنون أن بعض المناقشات إنما نشأت من انضمام الحزن على سيد الشهداء (عليه السلام) فالأمل بل اللازم والاهتمام بتنزيهها عن ذلك والمواظبة على البكاء والحزن من جميع من يقوم بهذه الشعائر المقدسة ، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب . ( محرم الحرام 1367 ) .
ثالثا : ما وجهه جمع من المؤمنين من استفتاء حول الشعائر الحسينية الى سماحة اية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني (دام ظله الوارف) :
السؤال : هل يجوز إجراء التشابيه في عزاء سيد الشهداء (عليه السلام) ، (التمثيليات التي تُصوّر واقعة الطف) ؟
الجواب : يجوز إذا لم تشتملْ على محرم ، كالكذب أو الهتك ، حتى من جهة انتخاب الأشخاص الذين يؤدّون دور المعصوم ، أو الشخصيات الإسلامية المحترمة . (1) .
وبعد بيان جواز التمثيل والتشبيه على احداث واقعة طف كربلاء او السبي او غيرها وكون هذه الامور من الشعائر الحسينية المباركة نبين الان الفائدة الكبرى من هذه الظاهرة الحسينية المباركة :
أولا : قال الشيخ عبد الله المامقاني / في رسالته المواكب الحسينيّة :
( ولقد أنتجت التشبيهات في بلاد إيران وقفقاسيا والهند وغيرها ، تشرّف جمع منهم إلى الإسلام ، ونذر الكتابيّين والوثنيّين وعبدة النار والبقر لأهل البيت عليهم السلام ، ودفعهم في كلّ سنة أموالاً خطيرة إلى الشيعة ليصرفوها في عزاء سيّد الشهداء أرواحنا فداه .
ولقد أدّى الحال إلى وضع شركة في تلك البلاد من تجّار النصارى بين أنفسهم وبين سيّد الشهداء عليه السلام ، وكانوا يصرفون سهمه عليه السلام من الربح في عزائه ، وكان يبلغ ألوفاً ، كما لا يخفى على مَن أحاط خبراً بأحوال تلك البلاد ، وهذه كلّها ثمرة المواكب المحزنة في الشوارع والمجامع .
ولقد نقل لنا متواتراً منذ نشأنا إلى الآن ، وشاهدنا في بعض أسفارنا بأبصارنا ، أنّ الكفّار ـ حتّى الوثنيّن منهم ـ عند مرور التشبيهات في الشوارعيقفون ، ويكشفون رؤوسهم احتراماً ، ويبكون بمقتضى الرّقة البشريّة ، بل يضربون أحياناً بالأيدي على الرؤوس ضرباً خفيفاً .
وقد جرت عادة عبدة النار في بعض أقطار الهند على صنع شبيه (حجلة القاسم) . (2) من خشب ، وإعدادهم يوم عاشوراء ناراً جزيلاً ، وحملهم (الحجلة) ودخولهم من جانب إلى النار ، وخروجهم من جانب آخر، وعدم تأثير النار فيهم ولا في (الحجلة) .
ولعلّ أساس ذلك من مسلم دخل فيهم قديماً ، وأظهر التديّن بدينهم ، ودلّهم على ذلك ، فبقى بينهم عادة ) . (3).
ثانيا : قال الشيخ عبد الرضا كاشف الغطاء / في كتابه الأنوار الحسينيّة :
( فتمثيل هذه الفاجعة أحسن درس لاكتساب الفضيلة واجتناب الرذيلة ، على أنّه أحسن وسيلة لنشر تعاليمنا وبثّ دعوتنا ، فإنّا إذا نظرنا لانتشار هذه الدعوة في الأمصار وتغلغلها في الأقطار ، حتّى بين عبدة الأصنام ، فضلاً عن أهل الإسلام ، نجد ولا شكّ أنّ التمثيل بتوضيحه أسرار هذه الفاجعة وإشهارها ،له القسط الأوفى في علّة هذا الانتشار، وما كانت ـ على ما فيها من نواميس النموّ والارتقاء ـ لتصل إلى هذا الحدّ من النفوذ في الأفكار والاشتهار ، لو كانت محصورة بين الدفاتر أو منشورة فقط على المنابر ، كما لا يخفى على غير المكابر .
________________________
(1) من موقع سماحة اية الله العظمى المرجع الديني الاعلى السيد علي الحسيني السيستاني (دام ظله الوارف) .
(2) في هامش النسخة المطبوعة لهذه الرسالة ورد : ( الحجلة ، محرّكة ، واحدة حجال العروس : وهي بيت يزيّن بالثياب والأسرّة والستور ، ومنه الحديث : (عقولهم كعقول ربّات الحجال) . مجمع البحرين / الجزء 1 / الصفحة ٤٦٥ / مادة حجل .
(3) المواكب الحسينيّة / الجزء 2 / الصفحة 218 - 220 .
تعليق