بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين محمد وآله الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
قال تعالى: ((فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ))/المائدة 39
انّ من نعم الله تعالى وفضائله ومننه التي لاتعد ولاتحصى أن فتح لنا باباً أسماه التوبة نعود من خلاله ونزيل عنّا ما اقترفناه من الذنوب والمعاصي..
وها نحن على أعتاب شهر رمضان المبارك والذي عدّه الله عزّ اسمه من أفضل الشهور، فأيامه أفضل الأيام ولياليه أفضل الليالي وفيها ليلة القدر وعدّها خيراً من ألف شهر..
فلنستثمر هذا الشهر ونعود الى بارئنا ونخلص التوبة فتصفى سرائرنا ونيّاتنا..
فلننزع عنّا لباس المعاصي والذنوب بما فيها من الأدران والرذائل ونستبدله بلباس جديد بحلّة جديدة ناصعة البياض تسر الناضر اليها حلّة التقوى والايمان..
من منّا لايرغب برضى الله تبارك وتعالى عنه، فلنرضه بهذا الشهر المبارك وخاصة بالتوبة الخالصة لوجهه تعالى والسير على ماخطّه لنا عن طريق نبيه وعترته الطاهرة عليهم أفضل الصلوات وأتم التسليم..
لا تحتاج التوبة منّا الجهد الكبير ولا بذل النفيس، ماهي إلا أن يصفّي الانسان قلبه ويوجهه نحو بارئه نادماً عمّا بدر منه والعهد بعدم العود..
ومن يفعل ذلك فانّ الله سبحانه وتعالى من منّه وفضله وعد التائب بأن يمحي ذلك عنه، فقد قال أمير المؤمنين عليه السلام: ((من تاب تاب الله عليه وأمر جوارحه أن تستر عليه وبقاع الارض ان تكتم عليه وأنسيت الحفظة ما كانت تكتبه عليه)).. أنظروا أحبائي وأعزائي الى عظمة الباري عزّ وجلّ فهو لايكتفي بأن يمحي سيئاته بل ينسي حفظته وجوارحه والبقعة التي اقترف بها الذنب، فأي رب هو ربّنا جلّ اسمه، فهو بدلاً من أن يعاتب على أقل تقدير فهو يستر على عبده ولا يجعل أحداً مطّلعاً على ذنوبه، فهل نحن مدركون من نعصي ونخالف (فهل جزاء الاحسان إلا الاحسان)..
ولا يكفي ذلك بل نجد انّ الله تبارك وتعالى يفرح بالعبد التائب العائد الى ساحته الكريمة فقد جاء عن أبي عبد الله عليه السلام عن آبائه عليهم السلام: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: ((ان الله جلّ وعلا يفرح بتوبة عبده إذا تاب كما يفرح احدكم بضالته إذا وجدها))..
بل أكثر من ذلك فهو عهد على نفسه تعالى بأن يبدل تلك السيئات حسنات، في قوله تعالى: ((إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا))، فأي عظمة هذه.. نعصي ونتجرأ عليه سبحانه وتعالى ومن ثم يتوب علينا إذا ما وجد عندنا الرغبة الصادقة بالتوبة.. ألا نستفيق من غفلتنا ونتجه الى هذا الربّ العظيم بأن نتوب اليه ونسأله المغفرة والرضوان..
ولا ييأس أحدنا من عظيم ذنبه وطول الفترة فانه يقبل التوبة من عباده ((قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ))، فهو الغفّار الرحيم ويقبلها حتى آخر العمر (طبعاً لا بأن يمنّي نفسه بالتوبة في المستقبل مع التفاته الى معصيته، فهو بذلك يجاهر الله بالعصيان، ثم من أين له ذلك العهد ببقائه للحظة فضلاً عن بقائه لفترة طويلة يتوب من بعدها)..
فهلمّوا أخوتي وأخواتي بأن نشدّ الرحال الى بارئنا بالتوبة ونترك كل مافعلناه خلفنا ولا ننظر اليه أبداً، بل نجعل القادم هو همّنا الوحيد (فما لايدرك كله لا يترك جلّه)، فانه سبحانه وتعالى يرضى بالقليل من عباده مع خلوص النيّة وصفاء السريرة، هذا ما يدعو اليه أهل البيت عليهم السلام، وكما أسلفت فالشهر القادم الينا هو خير محطة لنا ولنجعل هذه السنة تختلف اختلافاً جذرياً عن سابقاتها، فلنفرغ حمولتنا غير المرغوب فيها ونتزود بالحمولة التي يرضاها الله سبحانه وتعالى وترضي أئمتنا عليهم السلام لا سيما إمامنا المفدّى صاحب العصر والزمان أرواحنا لتراب مقدمه الفداء، وخاصة بأن ما موجود في هذا الشهر الفضيل الكثير الكثير، ما علينا إلا أن نستزيد بقدر ما نستطيع لنعوض عمّا فات، فانّ الله تبارك وتعالى يحب التوابين ((إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)) ومن يحبه الله تعالى لا يعذبه أبداً...
أسأل الله لي ولكم تمام العبادة وحسن الطاعة مسبوقة بالتوبة الخالصة لوجهه تعالى..
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على خير الأنام محمد وآله الكرام...
تعليق