بسم الله الرحمن الرحيم
أهداف الدرس:
1. التمهيد بذكر الروايات التي تحث على تحسين الصوت.
2. مناقشة الأدوات التي يحتاجها القارئ و كيفية تطويرها.
1. التمهيد بذكر الروايات التي تحث على تحسين الصوت.
2. مناقشة الأدوات التي يحتاجها القارئ و كيفية تطويرها.
-------------------------------
و الصلاة و السلام على نبينا المصطفى محمد و على آله الطيبين الطاهرين و صحبه المنتجبين.
1. الروايات الشريفة تحث على تحسين الصوت في تلاوة القرآن:
روي عن النبي (ص) إنه قال: "إن حسن الصوت زينة القرآن"
و عنه (ص) قال: "إن القرآن نزل بالحزن، فإذا قرأتموه فأبكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا"
و عنه (ص) قال: "زينوا القرآن بأصواتكم، فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسناً"
و عنه (ص) قال: " لكل شيء حلية، وحلية القرآن الصوت الحسن"
و روي أن موسى بن جعفر (ع) كان حسن الصوت وحسن القراءة، وقال يوماً: "إن علي بن الحسين كان يقرأ القرآن، فربما مر به المار فصعق من حسن صوته"
وعن الرضا (ع) قال: "قال رسول الله (ص): حسنوا القرآن بأصواتكم، فان الصوت الحسن يزيد القرآن حسناً"
إن القرآن الكريم هو كلام الله و هو أرقى و أجمل الكلام. فحري بمن يقرؤه أن يتقن قراءته و يجمل صوته به تناسباً مع مقام القرآن و عظمة مُنزله. و لذلك سنحاول في حديثنا هذا تبيان الأدوات المختلفة التي ينبغي على القارئ معرفتها و تطويرها لتحقيق الهدف المنشود و هو قوله تعالى: "و رتل القرآن ترتيلاً".
2. أدوات "فن التلاوة":
إن السؤال الذي يدور في خلد أي مبتدئ عادة هو "كيف يمكنني تحسين صوتي و أدائي بحيث يكون جميلاً؟". و في مقام الإجابة نقول بأن البعض قد يعتقد خطأً بأن امتلاك القارئ للصوت الجميل هو كل ما يحتاجه لتحقيق الأداء الجميل. و الصواب هو أن هنالك أبعاد متعدد يجب على القارئ العمل على تطويرها و الإلمام بها و ليس الصوت وحده. و هذه الإبعاد هي:
1. المعرفة باللغة العربية:
روي عن أبي عبد الله الصادق (ع) أنه قال: "تعلموا العربية، فإنها كلام الله الذي كلم به خلقه، ونطق به للماضين".
و هنا قد يعترض البعض بقوله: "نحن عرب, فلا حاجة لنا للتعمق في اللغة العربية و سبر أغوارها العميقة". و لكن الحقيقة أن معرفة اللغة العربية لها ثمرات لا تحصى للقارئ و منها:
- إن معرفة اللغة تساعد في تفادي الكثير من الألحان الجلية و التي عادة ما تنتج عن تغيير نطق الكلمات نتيجة لتغيير الحركات, أو نطق الكلمات بطريقة خاطئة. فمثلاً كثير من الناس قد ينطق كلمة "مائة" كما تكتب, و هذا خطأ ناتج عن عدم الإلمام ببعض القواعد الإملائية.
- كذلك فإن معرفة اللغة تمكن القارئ من التطبيق الصحيح لأحكام الوقف و الإبتداء. و السبب أن تطبيق هذه الأحكام يحتاج إلى معرفة التعلق اللفظي و المعنوي لأجزاء الآيات ببعضها.
- المعرفة باللغة تساهم في إدارك معاني الآيات و بالنتيجة تمكن القارئ من اختيار اللحن و المقام المناسب لمعنى الآية.
2. المعرفة بعلم التجويد:
رغم اختصاص التجويد بتلاوة القرآن, إلى أن التجويد مفيد لكل الفنون الصوتية بلا استثناء. و السبب يعود إلى أن اتقان مخارج الحروف له أثر كبير في تجميل الصوت و التخلص من العيوب الصوتية و النطقية. و يمكننا أن نضرب مثلاً على العيوب الصوتية بـ"الصوت المغنون" و أقصد بها الصوت الذي يخرج أغلبه من الأنف و هذه الغنة تمنع الصوت من "الطنين" و هي من الصفات الجميلة في الصوت. أما العيوب النطقية فأمثلتها كثيرة و منها "نطق حرف الضاد ظاءً" أو "نطق الذال زاياً" و ما شابه.
و بسبب هذه الأهمية, فإنك تجد أنه حتى المذيعين في الإذاعات يدرسون مخارج الحروف و النطق السليم. و لا شك أن التجويد مهم لكل الممارسين للفنون الصوتية, فمن قراء القرآن, إلى قراء الأدعية و الابتهالات و حتى المنشدين.
و الخطأ الذي يقع فيه الكثير من المبتدئين هو الاهتمام بدراسة النغمات و المقامات على حساب علم التجويد. و الأمر الآخر الذي يستوجب معرفته, أن علم التجويد لا يمكن الإحاطة به من دون التلقي و المشافهة مع مدرس متقن. و السبب هو أن كثيراً من مطالب علم التجويد هي أمور ذوقية لا يمكن فهمها دون الإستماع المباشر للأمثلة, و القراءة على المدرس و أخذ الملاحظات منه. بالإضافة إلى ذلك, فإن المعلم فضلاً عن تسهيله لمطالب العلم سيوفر على الطالب الكثير من الوقت الذي يحتاجه لفهم المطالب, و سيضمن صحة الفهم و التطبيق للمفاهيم الذوقية لعلم التجويد.
و دعوني أضرب مثالاً على كيفية تأثير علم التجويد على جوانب الأداء الفني. و مثالنا سيكون على مهارة "طول النّفس". فلا شك أن أحد أسرار إطالة النفس تكمن إعطاء كل حرف حقه من الهواء. و هنا يمكن للمعرفة التجويدية المساهمة في المحافظة على النفس و ذلك بإعطاء الحروف صفاتها الصحيحة. و كمثال على الصفات نستطيع أخذ صفة الجهر, و هي عكس صفة الهمس. فهمس حروف الجهر كحرف "الجيم" يستهلك الكثير من النفس.
و كمثال آخر نلاحظ أن التجويد يساهم في التخلص من بعض العيوب الصوتية التي تستهلك النفس كما في حالة "الصوت المغنون". فالغنة التي تنتج عن اخراج الصوت من الأنف تسهلك الكثير من الهواء, بعكس إخراج الصوت من الفم فإنه يوفر في صرف الهواء.
3. علم المقامات:
إن تنوع الأجواء في الآيات القرآنية - فمن آيات ترغب و أخرى ترهب, و أخرى تسرد قصصاً – يفرض على القارئ استخدام ألحان مختلفة تتناسب مع معاني الآيات. و كذلك فإن تنوع المقامات يزيل جو الرتابة عن التلاوة و يذهب الملل عن المستمع. و هناك ثمرتان لعلم المقامات في هذا الجانب الذي نحن بصدده:
- تعليم المقامات الموسيقية التي تمكن القارئ من نقل المعاني المختلفة لآيات القرآن الكريم كما ذكرنا سابقاً.
- صقل السليقة الموسيقية للقارئ حتى يتمكن من التعرف على الألحان المختلفة و التمييز بين الإنتقالات المتناسقة و الغير المتناسقة (النشاز). لذلك تجد أن هنالك الكثيرين ممن حباهم الله بالأصوات الجميلة و لكنك قد لا ترتاح لأدائهم لكثرة النشاز فيه بسبب جهلهم بهذا الجانب.
أما عن طرق تعلم المقامات, فهنالك - بشكل عام - طريقتان لذلك:
1. تعلم النوتة الموسيقية و الجانب النظري للموسيقى و ثم تطبيقه على الآلات.
2. الإستماع للأمثلة الصوتية و محاولة التمييز بين المقامات المختلفة بالسماع و الممارسة الصوتية.
و بما أن الطريقة الأولى قد لا تتيسر للجميع, بل قد يجد البعض فيها إشكالاً, فإن الطريقة الثانية هي الأكثر شيوعاً, و لكنها بالطبع ليست الأسهل. و لا يعني كلامنا هذا بأن المنتهج للطريقة الثانية لا يمكنه الإلمام بالجانب النظري للموسيقى, و لكن المقصود هو أن التطبيق للجانب النظري سيكون محدوداً جداً. و في بعض الحالات قد يكون معدوماً.
و يجب أن نذكر هنا أن تعلم المقامات هو نوع من تشكيل للذائقة الموسيقة, و لذلك فهو يحتاج إلى وقت و صبر و يحتاج كذلك للاستماع المكثف للأمثلة الصوتية للقراء المجيدين حتى تتشبع السليقة بالألحان و تستطيع التمييز بين الجيد منها و الناشز. و بالإضافة للتفريق بين المقامات, فالمتعلم يحتاج إلى توسيع حصيلته النغمية عن طريق حفظ نغمات و قفلات متعددة لكل مقام. و بمعنىً آخر, فالقارئ يحتاج إلى توسيع مخزونه اللحني لكل مقام, ليتمكن من أداء المقام بطرق مختلفة تزيد من تنوع أجواء التلاوة.
و سنقوم في هذه السلسلة بالتعرض للمقامات الموسيقية عرض أمثلة عليها في حديثنا عن المقامات الموسيقية.
4. تطوير الصوت:
كما ذكرنا بداية, فإن الصوت الجميل لا يمكنه لوحده أن يصنع الأداء الجميل. و مع ذلك فإن الصوت الجميل يعتبر من أهم العوامل التي يحتاجها القارئ, و هي هبة لا تقدر بثمن لمن رزقه الله صوتاً حسناً.
و الحديث حول الصوت يهدف إلى عدة أمور:
- التعريف بخصائص الصوت كالإتساع الصوتي و الطنين و قوة الصوت و الرخامة , إلخ. و كذلك تبيان كيف يمكن لمتعلم تطوير تلك الصفات و الإستفادة منها لإضفاء المزيد من الجمال على الصوت.
- التوجيه لكيفية المحافظة على الصوت و العناية به, و مناقشة العوامل التي تؤثر على الصوت سلباً أو إيجاباً من طعام و شراب و غيرهما.
- التعريف بالطبقات الصوتية و كيفية الإستخدام الصحيح لها.
- التعريف بالمهارات الصوتية كطول النفس و العُرب و الإنعطاف الصوتي و كيفية الإستفادة منها و تطويرها.
و يمكنك أن تعتبر الصوت الجميل كمادة خامة, يمكنك تشكيلها و صقلها لتظهر بشكل جميل و رائع. كما و أن لكل صوت خواصه و صفاته التي يتميز بها عن غيره. لذلك فإن على كل شخص أن يحاول اكتشاف صوته و ما يميزه و بعد ذلك يحاول تطوير تلك الصفات التي تميّز صوته.
و سنخصص حديثاً كاملاَ في سلسلتنا للحديث عن الصوت و كيفية تطويره.
5. تطوير الأسلوب الخاص:
بالإضافة إلى إتقان المقامات, ينبغي على القارئ تبني مدرسة معينة في التلاوة. و هنا يحتاج المتعلم أن يتبع قارئاً معيناً و ينتهج أسلوبه. و نقصد بالإسلوب هنا المدرسة التي ينتمي إليها القارئ. فكبار القراء أبدعوا في صناعة مدارس تختلف في أساليبها اللحنية و تسلسل المقامات فيها. و يحبذ للمبتدئ أن ينتهج أسلوباً يناسب صوته و قدراته الصوتية. و يمكن للمبتدئ الإستعانة بالأساتذة و أهل الخبرة لتوجيهه للمنهج الذي يناسبه.
و هنالك أمران يقع فيهما الكثير من المبتدئين:
1. يحاول المبتدئ أن يحاكي القارئ الذي يحب دون النظر إلى مدى التناسب بين صوته و صوت القارئ. فمثلاً, إذا كان القارئ يتميز باستخدام الطبقات العالية, فيجب على من ينتهج منهجه أن يكون ذا طبقات عالية.
2. يقوم بالاستماع لعدة قراء في بداية المشوار مما يشوه اسلوبه, لأنه سيجد نفسه يأتي بالمقام الفلاني بطريقة القارئ "أ" و المقام الآخر بطريقة القارئ "ب", و قد لا تتناسب الطريقتان, مما يجعل التلاوة غير متناسقة.
و هاتان الملاحظتان الأخيرتان هما رأي شخصي, أعني بأن البعض قد يختلف حولهما و لكن كما ذكرت هذا ما أعتقده من تجربتي المتواضعة. و لا يعني كلامي هذا أنه لا يمكن دمج الأساليب القرآنية للقراء مع بعضها البعض, بل قصدت أن ذلك صعب على المبتدئ و مما قد يصعب عليه الرحلة.
و بعد أن يتمكن القارئ من العلوم و المهارات السابقة, يمكنه تطوير أسلوبه الخاص و هذا لا يتأتى لكل أحد, و قلة هم أصحاب المدارس الأساليب المميزة. و أقل منهم أصحاب المدارس القرآنية. و مع أن هذه المرحلة متقدمة كثيراً إلى أني أحببت وضعها هنا لتمام الحديث.
6. العلاقة الروحية مع القرآن:
و أخيراً و ليس آخراً أحببت أن أعرج على ما أعتبره أهم الجوانب التي يجب على القارئ أن يصقلها و يطورها و هي العلاقة الروحية مع القرآن. و السبب في جعلها أخر نقطة ليس كونها أقل أهمية, و لكن لتكون آخر ما يعلق في الذهن من الحديث و حتى لا تنسى بعد الإنتهاء من قراءة المقالة.
و لكي أوضح لابد أنكم تلاحظون أنك قد تستمع لقارئ متقن للتجويد و المقامات و يملك صوتاً جميلاً و لكن تبقى تلاوته بلا تأثير على المستمع. و ذلك بالدرجة الأولى يرجع لعدم وجود الصلة الروحية مع الآيات التي تترك طابع الروحانية و الخشوع على التلاوة.
و لأهمية هذا العامل, فقد ركزت الروايات الشريفة على ذلك, حيث روي النبي (ص) قوله: "اقرؤوا القرآن بلحون العرب وأصواتهم، وإياكم ولحون أهل الفسق وأهل الكبائر، وسيجيء قوم من بعدي يرجعون بالقرآن ترجيع الغناء والرهبانية والنوح، لا يجاوز حناجرهم، مفتونة قلوبهم وقلوب الذين يعجبهم شأنهم".
عن أبي جعفر (ع) قال: "قرّاء القرآن ثلاثة: رجل قرأ القرآن فأتخذه بضاعة، واستدر به الملوك، واستطال به على الناس، ورجل قرأ القرآن فحفظ حروفه، وضيع حدوده، و أقامه إقامة القدح، فلا كثر الله هؤلاء من حملة القرآن، ورجل قرأ القرآن، فوضع دواء القرآن على داء قلبه، فأسهر به ليله، وأظمأ به نهاره، وقام به في مساجده، وتجافى به عن فراشه، فبأولئك يدفع الله العزيز الجبار البلاء، وبأولئك يديل الله عزوجل من الأعداء، وبأولئك ينزل الله الغيث من السماء، فوالله لهؤلاء في قراء القرآن أعزّ من الكبريت الأحمر".
و لذلك لابد للقارئ من التحلي بالتقوى و الإخلاص, و التفاعل مع الآيات القرآنية ليتجاوز مرحلة اللحن و الظاهر إلى مرحلة التأثير الروحي و التفاعل القلبي.
هذا ما أحببنا التطرق له في حديثنا الأول, و نسأل الله القبول و الحمد لله رب العالمين و صلى الله على خير خلقه محمد و آله الطيبين الطاهرين
1. الروايات الشريفة تحث على تحسين الصوت في تلاوة القرآن:
روي عن النبي (ص) إنه قال: "إن حسن الصوت زينة القرآن"
و عنه (ص) قال: "إن القرآن نزل بالحزن، فإذا قرأتموه فأبكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا"
و عنه (ص) قال: "زينوا القرآن بأصواتكم، فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسناً"
و عنه (ص) قال: " لكل شيء حلية، وحلية القرآن الصوت الحسن"
و روي أن موسى بن جعفر (ع) كان حسن الصوت وحسن القراءة، وقال يوماً: "إن علي بن الحسين كان يقرأ القرآن، فربما مر به المار فصعق من حسن صوته"
وعن الرضا (ع) قال: "قال رسول الله (ص): حسنوا القرآن بأصواتكم، فان الصوت الحسن يزيد القرآن حسناً"
إن القرآن الكريم هو كلام الله و هو أرقى و أجمل الكلام. فحري بمن يقرؤه أن يتقن قراءته و يجمل صوته به تناسباً مع مقام القرآن و عظمة مُنزله. و لذلك سنحاول في حديثنا هذا تبيان الأدوات المختلفة التي ينبغي على القارئ معرفتها و تطويرها لتحقيق الهدف المنشود و هو قوله تعالى: "و رتل القرآن ترتيلاً".
2. أدوات "فن التلاوة":
إن السؤال الذي يدور في خلد أي مبتدئ عادة هو "كيف يمكنني تحسين صوتي و أدائي بحيث يكون جميلاً؟". و في مقام الإجابة نقول بأن البعض قد يعتقد خطأً بأن امتلاك القارئ للصوت الجميل هو كل ما يحتاجه لتحقيق الأداء الجميل. و الصواب هو أن هنالك أبعاد متعدد يجب على القارئ العمل على تطويرها و الإلمام بها و ليس الصوت وحده. و هذه الإبعاد هي:
1. المعرفة باللغة العربية:
روي عن أبي عبد الله الصادق (ع) أنه قال: "تعلموا العربية، فإنها كلام الله الذي كلم به خلقه، ونطق به للماضين".
و هنا قد يعترض البعض بقوله: "نحن عرب, فلا حاجة لنا للتعمق في اللغة العربية و سبر أغوارها العميقة". و لكن الحقيقة أن معرفة اللغة العربية لها ثمرات لا تحصى للقارئ و منها:
- إن معرفة اللغة تساعد في تفادي الكثير من الألحان الجلية و التي عادة ما تنتج عن تغيير نطق الكلمات نتيجة لتغيير الحركات, أو نطق الكلمات بطريقة خاطئة. فمثلاً كثير من الناس قد ينطق كلمة "مائة" كما تكتب, و هذا خطأ ناتج عن عدم الإلمام ببعض القواعد الإملائية.
- كذلك فإن معرفة اللغة تمكن القارئ من التطبيق الصحيح لأحكام الوقف و الإبتداء. و السبب أن تطبيق هذه الأحكام يحتاج إلى معرفة التعلق اللفظي و المعنوي لأجزاء الآيات ببعضها.
- المعرفة باللغة تساهم في إدارك معاني الآيات و بالنتيجة تمكن القارئ من اختيار اللحن و المقام المناسب لمعنى الآية.
2. المعرفة بعلم التجويد:
رغم اختصاص التجويد بتلاوة القرآن, إلى أن التجويد مفيد لكل الفنون الصوتية بلا استثناء. و السبب يعود إلى أن اتقان مخارج الحروف له أثر كبير في تجميل الصوت و التخلص من العيوب الصوتية و النطقية. و يمكننا أن نضرب مثلاً على العيوب الصوتية بـ"الصوت المغنون" و أقصد بها الصوت الذي يخرج أغلبه من الأنف و هذه الغنة تمنع الصوت من "الطنين" و هي من الصفات الجميلة في الصوت. أما العيوب النطقية فأمثلتها كثيرة و منها "نطق حرف الضاد ظاءً" أو "نطق الذال زاياً" و ما شابه.
و بسبب هذه الأهمية, فإنك تجد أنه حتى المذيعين في الإذاعات يدرسون مخارج الحروف و النطق السليم. و لا شك أن التجويد مهم لكل الممارسين للفنون الصوتية, فمن قراء القرآن, إلى قراء الأدعية و الابتهالات و حتى المنشدين.
و الخطأ الذي يقع فيه الكثير من المبتدئين هو الاهتمام بدراسة النغمات و المقامات على حساب علم التجويد. و الأمر الآخر الذي يستوجب معرفته, أن علم التجويد لا يمكن الإحاطة به من دون التلقي و المشافهة مع مدرس متقن. و السبب هو أن كثيراً من مطالب علم التجويد هي أمور ذوقية لا يمكن فهمها دون الإستماع المباشر للأمثلة, و القراءة على المدرس و أخذ الملاحظات منه. بالإضافة إلى ذلك, فإن المعلم فضلاً عن تسهيله لمطالب العلم سيوفر على الطالب الكثير من الوقت الذي يحتاجه لفهم المطالب, و سيضمن صحة الفهم و التطبيق للمفاهيم الذوقية لعلم التجويد.
و دعوني أضرب مثالاً على كيفية تأثير علم التجويد على جوانب الأداء الفني. و مثالنا سيكون على مهارة "طول النّفس". فلا شك أن أحد أسرار إطالة النفس تكمن إعطاء كل حرف حقه من الهواء. و هنا يمكن للمعرفة التجويدية المساهمة في المحافظة على النفس و ذلك بإعطاء الحروف صفاتها الصحيحة. و كمثال على الصفات نستطيع أخذ صفة الجهر, و هي عكس صفة الهمس. فهمس حروف الجهر كحرف "الجيم" يستهلك الكثير من النفس.
و كمثال آخر نلاحظ أن التجويد يساهم في التخلص من بعض العيوب الصوتية التي تستهلك النفس كما في حالة "الصوت المغنون". فالغنة التي تنتج عن اخراج الصوت من الأنف تسهلك الكثير من الهواء, بعكس إخراج الصوت من الفم فإنه يوفر في صرف الهواء.
3. علم المقامات:
إن تنوع الأجواء في الآيات القرآنية - فمن آيات ترغب و أخرى ترهب, و أخرى تسرد قصصاً – يفرض على القارئ استخدام ألحان مختلفة تتناسب مع معاني الآيات. و كذلك فإن تنوع المقامات يزيل جو الرتابة عن التلاوة و يذهب الملل عن المستمع. و هناك ثمرتان لعلم المقامات في هذا الجانب الذي نحن بصدده:
- تعليم المقامات الموسيقية التي تمكن القارئ من نقل المعاني المختلفة لآيات القرآن الكريم كما ذكرنا سابقاً.
- صقل السليقة الموسيقية للقارئ حتى يتمكن من التعرف على الألحان المختلفة و التمييز بين الإنتقالات المتناسقة و الغير المتناسقة (النشاز). لذلك تجد أن هنالك الكثيرين ممن حباهم الله بالأصوات الجميلة و لكنك قد لا ترتاح لأدائهم لكثرة النشاز فيه بسبب جهلهم بهذا الجانب.
أما عن طرق تعلم المقامات, فهنالك - بشكل عام - طريقتان لذلك:
1. تعلم النوتة الموسيقية و الجانب النظري للموسيقى و ثم تطبيقه على الآلات.
2. الإستماع للأمثلة الصوتية و محاولة التمييز بين المقامات المختلفة بالسماع و الممارسة الصوتية.
و بما أن الطريقة الأولى قد لا تتيسر للجميع, بل قد يجد البعض فيها إشكالاً, فإن الطريقة الثانية هي الأكثر شيوعاً, و لكنها بالطبع ليست الأسهل. و لا يعني كلامنا هذا بأن المنتهج للطريقة الثانية لا يمكنه الإلمام بالجانب النظري للموسيقى, و لكن المقصود هو أن التطبيق للجانب النظري سيكون محدوداً جداً. و في بعض الحالات قد يكون معدوماً.
و يجب أن نذكر هنا أن تعلم المقامات هو نوع من تشكيل للذائقة الموسيقة, و لذلك فهو يحتاج إلى وقت و صبر و يحتاج كذلك للاستماع المكثف للأمثلة الصوتية للقراء المجيدين حتى تتشبع السليقة بالألحان و تستطيع التمييز بين الجيد منها و الناشز. و بالإضافة للتفريق بين المقامات, فالمتعلم يحتاج إلى توسيع حصيلته النغمية عن طريق حفظ نغمات و قفلات متعددة لكل مقام. و بمعنىً آخر, فالقارئ يحتاج إلى توسيع مخزونه اللحني لكل مقام, ليتمكن من أداء المقام بطرق مختلفة تزيد من تنوع أجواء التلاوة.
و سنقوم في هذه السلسلة بالتعرض للمقامات الموسيقية عرض أمثلة عليها في حديثنا عن المقامات الموسيقية.
4. تطوير الصوت:
كما ذكرنا بداية, فإن الصوت الجميل لا يمكنه لوحده أن يصنع الأداء الجميل. و مع ذلك فإن الصوت الجميل يعتبر من أهم العوامل التي يحتاجها القارئ, و هي هبة لا تقدر بثمن لمن رزقه الله صوتاً حسناً.
و الحديث حول الصوت يهدف إلى عدة أمور:
- التعريف بخصائص الصوت كالإتساع الصوتي و الطنين و قوة الصوت و الرخامة , إلخ. و كذلك تبيان كيف يمكن لمتعلم تطوير تلك الصفات و الإستفادة منها لإضفاء المزيد من الجمال على الصوت.
- التوجيه لكيفية المحافظة على الصوت و العناية به, و مناقشة العوامل التي تؤثر على الصوت سلباً أو إيجاباً من طعام و شراب و غيرهما.
- التعريف بالطبقات الصوتية و كيفية الإستخدام الصحيح لها.
- التعريف بالمهارات الصوتية كطول النفس و العُرب و الإنعطاف الصوتي و كيفية الإستفادة منها و تطويرها.
و يمكنك أن تعتبر الصوت الجميل كمادة خامة, يمكنك تشكيلها و صقلها لتظهر بشكل جميل و رائع. كما و أن لكل صوت خواصه و صفاته التي يتميز بها عن غيره. لذلك فإن على كل شخص أن يحاول اكتشاف صوته و ما يميزه و بعد ذلك يحاول تطوير تلك الصفات التي تميّز صوته.
و سنخصص حديثاً كاملاَ في سلسلتنا للحديث عن الصوت و كيفية تطويره.
5. تطوير الأسلوب الخاص:
بالإضافة إلى إتقان المقامات, ينبغي على القارئ تبني مدرسة معينة في التلاوة. و هنا يحتاج المتعلم أن يتبع قارئاً معيناً و ينتهج أسلوبه. و نقصد بالإسلوب هنا المدرسة التي ينتمي إليها القارئ. فكبار القراء أبدعوا في صناعة مدارس تختلف في أساليبها اللحنية و تسلسل المقامات فيها. و يحبذ للمبتدئ أن ينتهج أسلوباً يناسب صوته و قدراته الصوتية. و يمكن للمبتدئ الإستعانة بالأساتذة و أهل الخبرة لتوجيهه للمنهج الذي يناسبه.
و هنالك أمران يقع فيهما الكثير من المبتدئين:
1. يحاول المبتدئ أن يحاكي القارئ الذي يحب دون النظر إلى مدى التناسب بين صوته و صوت القارئ. فمثلاً, إذا كان القارئ يتميز باستخدام الطبقات العالية, فيجب على من ينتهج منهجه أن يكون ذا طبقات عالية.
2. يقوم بالاستماع لعدة قراء في بداية المشوار مما يشوه اسلوبه, لأنه سيجد نفسه يأتي بالمقام الفلاني بطريقة القارئ "أ" و المقام الآخر بطريقة القارئ "ب", و قد لا تتناسب الطريقتان, مما يجعل التلاوة غير متناسقة.
و هاتان الملاحظتان الأخيرتان هما رأي شخصي, أعني بأن البعض قد يختلف حولهما و لكن كما ذكرت هذا ما أعتقده من تجربتي المتواضعة. و لا يعني كلامي هذا أنه لا يمكن دمج الأساليب القرآنية للقراء مع بعضها البعض, بل قصدت أن ذلك صعب على المبتدئ و مما قد يصعب عليه الرحلة.
و بعد أن يتمكن القارئ من العلوم و المهارات السابقة, يمكنه تطوير أسلوبه الخاص و هذا لا يتأتى لكل أحد, و قلة هم أصحاب المدارس الأساليب المميزة. و أقل منهم أصحاب المدارس القرآنية. و مع أن هذه المرحلة متقدمة كثيراً إلى أني أحببت وضعها هنا لتمام الحديث.
6. العلاقة الروحية مع القرآن:
و أخيراً و ليس آخراً أحببت أن أعرج على ما أعتبره أهم الجوانب التي يجب على القارئ أن يصقلها و يطورها و هي العلاقة الروحية مع القرآن. و السبب في جعلها أخر نقطة ليس كونها أقل أهمية, و لكن لتكون آخر ما يعلق في الذهن من الحديث و حتى لا تنسى بعد الإنتهاء من قراءة المقالة.
و لكي أوضح لابد أنكم تلاحظون أنك قد تستمع لقارئ متقن للتجويد و المقامات و يملك صوتاً جميلاً و لكن تبقى تلاوته بلا تأثير على المستمع. و ذلك بالدرجة الأولى يرجع لعدم وجود الصلة الروحية مع الآيات التي تترك طابع الروحانية و الخشوع على التلاوة.
و لأهمية هذا العامل, فقد ركزت الروايات الشريفة على ذلك, حيث روي النبي (ص) قوله: "اقرؤوا القرآن بلحون العرب وأصواتهم، وإياكم ولحون أهل الفسق وأهل الكبائر، وسيجيء قوم من بعدي يرجعون بالقرآن ترجيع الغناء والرهبانية والنوح، لا يجاوز حناجرهم، مفتونة قلوبهم وقلوب الذين يعجبهم شأنهم".
عن أبي جعفر (ع) قال: "قرّاء القرآن ثلاثة: رجل قرأ القرآن فأتخذه بضاعة، واستدر به الملوك، واستطال به على الناس، ورجل قرأ القرآن فحفظ حروفه، وضيع حدوده، و أقامه إقامة القدح، فلا كثر الله هؤلاء من حملة القرآن، ورجل قرأ القرآن، فوضع دواء القرآن على داء قلبه، فأسهر به ليله، وأظمأ به نهاره، وقام به في مساجده، وتجافى به عن فراشه، فبأولئك يدفع الله العزيز الجبار البلاء، وبأولئك يديل الله عزوجل من الأعداء، وبأولئك ينزل الله الغيث من السماء، فوالله لهؤلاء في قراء القرآن أعزّ من الكبريت الأحمر".
و لذلك لابد للقارئ من التحلي بالتقوى و الإخلاص, و التفاعل مع الآيات القرآنية ليتجاوز مرحلة اللحن و الظاهر إلى مرحلة التأثير الروحي و التفاعل القلبي.
هذا ما أحببنا التطرق له في حديثنا الأول, و نسأل الله القبول و الحمد لله رب العالمين و صلى الله على خير خلقه محمد و آله الطيبين الطاهرين
تعليق