*|!َإِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينَُ!|*
الكلمتان المقسومتان بين الرب وبين عبده نصفين .. فنصفهما له تعالى وهو إياك نعبد .. ونصفهما لعبده وهو إياك نستعين .
والعبادة تجمع أصلين .. غاية الحب بغاية الذل والخضوع .. والعرب تقول طريق مُعَبَّد أي مذلل والتعبد التذلل والخضوع .. فمن أحببته ولم تكن خاضعاً له لم تكن عابداً له ومن خضعت له بلا محبة لم تكن عابداً له حتى تكون محباً خاضعاً .
والاستعانة تجمع أصلين .. الثقة بالله والاعتماد عليه .. فإن العبد قد يثق بالواحد من الناس ولا يعتمد عليه في أموره مع ثقته به لاستغنائه عنه وقد يعتمد عليه مع عدم ثقته به لحاجته إليه ولعدم من يقوم مقامه فيحتاج إلى اعتماده عليه مع أنه غير واثق به .
والتوكل معنى يلتئم من أصلين .. من الثقة والاعتماد وهو حقيقة إياك نعبد وإياك نستعين .
أما تقديم إياك نعبد على إياك نستعين في الفاتحة فهي للأسباب التالية :
(1) تقديم العبادة على الاستعانة من باب تقديم الغايات على الوسائل إذ العبادة غاية العباد التي خلقوا لها والاستعانة وسيلة إليها .
(2) لأن ( إياك نعبد ) متعلق بألوهيته وسمه " الله " ( وإياك نستعين ) متعلق بربوبيته واسمه " الرب " فقدم إياك نعبد على إياك نستعين كما قدم اسم " الله " على " الرب " في أول السورة .
(3) ولأن إياك نعبد قسم الرب فكان من الشطر الأول الذي هو ثناء على الله تعالى لكونه أولى به وإياك نستعين قسم العبد فكان من الشطر الذي له وهو اهدنا الصراط المستقيم إلى آخر السورة .
(4) ولأن العبادة المطلقة تتضمن الاستعانة من غير عكس فكل عابد لله عبودية تامة مستعين به ولا ينعكس لأن صاحب الأغراض والشهوات قد يستعين به على شهواته فكانت العبادة أكمل وأتم ولهذا كانت قسم الرب .
(5) ولأن الاستعانة جزء من العبادة من غير عكس ولأن الاستعانة طلب منه والعبادة طلب له .
(6) ولأن العبادة لا تكون إلا من مخلص والاستعانة تكون من مخلص ومن غير مخلص .
(7) ولأن العبادة حقه الذي أوجبه عليك والاستعانة طلب العون على العبادة وهو بيان صدقته التي تصدق بها عليك وأداء حقه أهم من التعرض لصدقته .
(8) ولأن العبادة شكر نعمته عليك والله يحب أن يشكر والإعانة فعله بك وتوفيقه لك فإذا التزمت عبوديته ودخلت تحت رقها أعانك عليها فكان التزامها والدخول تحت رقها سببا لنيل الإعانة وكلما كان العبد أتم عبودية كانت الإعانة من الله له أعظم .
(9) ولأن إياك نعبد له وإياك نستعين به وماله مقدم على ما به لأن ماله متعلق بمحبته ورضاه وما به متعلق بمشيئته وما تعلق بمحبته أكمل مما تعلق بمجرد مشيئته فإن الكون كله متعلق بمشيئته والملائكة والشياطين والمؤمنون والكفار والطاعات والمعاصي . والمتعلق بمحبته : طاعاتهم وإيمانهم ، فالكفار أهل مشيئته والمؤمنون أهل محبته ولهذا لا يستقر في النار شيء لله أبدا وكل ما فيها فإنه به تعالى وبمشيئته .
والله ولي التوفيق
نسألكم الدعاء
تعليق