( وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءِ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيني سَوَاءَ السَّبيلِ * (1) وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَوَجَدَ عَلَيْهِ أُمَةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَان قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ * (2) فَسَقى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إلى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنّي لِمَا أَنْزَلْتَ إليَّّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ * (3) فَجَاءَتْهَ إِحْداهُمَا تَمشِي عَلَى اسْتِحيَاءٍ قَالَت إنَّ أبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمّا جَاءَهُ وَقَصَ عَليَهِْ القَصَصَ قَالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ القَوْمِ الظَّالِمِينَ * (4) قَالَتْ إحْداهُمَا يَا أبَتِ استَأجِرْهُ إنَّ خَيْرَ مَنِ استَأجَرْتَ القَوِيَُ الأمِينُ * (5) قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك وما أريد أن أشق عليك ستجدني إن شاء الله من الصالحين * (6) قَالَ ذلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أيَّمَا الأَجَلَيْنِ قِضَيْتُ فَلا عُدْوَانَ عَلَيّ وَاللهُ عَلَى مَا نَقوُلُ وَكِيلٌ ) * (7).
قوله تعالى : ( ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل ) قال في المجمع : تلقاء الشيء حذاؤه ، ويقال : فعل ذلك من تلقاء نفسه أي من حذاء داعي نفسه . وقال : سواء السبيل وسط الطريق . ومدين ـ على ما في مراصد الاطلاع ـ مدينة قوم شعيب وهي تجاه تبوك على بحر القلزم ، بينهما ست مراحل ، وهي أكبر من تبوك وبها البئر التي استقى منها موسى لغنم شعيب عليهما السلام .
ويقال : إنه كان بينهما وبين مصر مسيرة ثمان وكانت خارجة من سلطان فرعون ولذا توجه إليها .
لما صرف موسى عليه السلام وجهه بعد الخروج من مصر حذاء مدين قال : أرجو من ربّي أن يهديني وسط الطريق فلا أضلّ بالعدول عنه والخروج منه إلى غيره .
قوله تعالى : ( ولما ورد
ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ) الخ الذود الحبس والمنع ، والمراد بقوله : ( تذودان ) أنهما يحبسان أغنامهما من أن ترد الماء أو تختلط بأغنام القوم كما أن المراد بقوله : ( يسقون ) سقيهم أغنامهم ومواشيهم ، والرعاء جمع الراعي وهو الذي يرعى الغنم .
والمعنى : ولما ورد موسى ماء مدين وجد على الماء جماعة من الناس يسقون أغنامهم ووجد بالقرب منهم مما يليه امرأتين تحبسان أغنامهما وتمنعانها أن ترد المورد قال موسى مستفسرا عنهما ـ حيث وجدهما نذودان الغنم وليس على غنمهما رجل : ما شأنكما ؟ قالتا لا نسقي غنمنا أي عادتنا ذلك يصدر الراعون ويخرجوا أغنامهم وأبونا شيخ كبير ـ لا يقدر أن يتصدّى بنفسه أمر السقي ولذا تصدينا الأمر .
قوله تعالى : ( فسقى لهما ثم تولى إلى الظل وقال ربّ إنّي لما أنزلت إلي من خير فقير ) فهم عليه السلام من كلامهما أن تأخرهما في السقي نوع تعفف وتحجب منهما وتعد من الناس عليهما فبادر إلى ذلك وسقى لهما .
وقوله : ( ثم تولى إلى الظلّ وقال ربّ إنّي لما أنزلت إليّ من خير فقير ) أي انصرف إلى الظل ليستريح فيه والحرّ شديد وقال ما قال ، وقد حمل الأكثرون قوله : ( ربّ إني لما أنزلت ) الخ على سؤال طعام يسدّ به الجوع ، وعليه فالأولى أن يكون المراد بقوله : ( ما أنزلت إليّ ) القوة البدنية التي كان يعمل بها الأعمال الصالحة التي فيها رضى الله كالدفاع عن الإسرائيلي والهرب من فرعون بقصد مدين وسقي غنم شعيب واللام في ( لما أنزلت ) بمعنى إلى وإظهار الفقر إلى هذه القوة التي أنزلها الله إليه
من عنده بالإفاضة كناية عن إظهار الفقر إلى شيء من الطعام تستبقى به هذه القوة النازلة الموهوبة .
قوله تعالى : ( فجاءته إحداهما تمشي على استحياء ((8) إلى آخر الآية .
ضمير إحداهما للمرأتين ، وتنكير الاستحياء للتفخيم والمراد يكون مشيها على استحياء ظهور التعفف من مشيّتها ، وقوله : ( ليجزيك أجر ما سقيت لنا ) (9) ما مصدرية أي ليعطيك جزاء سقيك لنا ، وقوله : ( فلما جاءه وقصّ عليه القصص قال لا تخف ) (10) الخ يلوّح إلى أن شعيبا استفسره حاله فقص عليه قصته فطيّب نفسه بأنه نجى منهم إذ لا سلطان لهم على مدين . قوله تعالى : ( قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القويّ الأمين ) (11) إطلاع الاستيجار يفيد أن المراد استخدامه لمطلق حوائجه التي تستدعي من يقوم مقامه وإن كانت العهدة باقتضاء المقام رعي الغنم .
وقوله : ( إن خير من استأجرت ) استأجره لأنه قويّ أمين وخير من استأجرت هو القويّ الأمين .
قوله تعالى : ( قال إني أريد أن أُنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج ) (12) الخ ، عرض من شعيب لموسى عليه السلام أن يأجره نفسه ثماني سنين أو عشرا قبال تزويجه إحدى ابنتيه وليس بعقد قاطع ومن الدليل عدم تعيّن المعقودة في
كلامه عليه السلام .
فقوله : ( إحدى ابنتي هاتين ) دليل على حضورهما إذ ذاك ، وقوله : ( على أن تأجرني ثماني حجج ) أي على أن تأجرني نفسك أي تكون أجيرا لي ثماني حجج .
وقوله : ( فإنّ أتممت عشرا فمن عندك ) أي فإنّ أتممته عشر سنين فهو من عندك وباختيار منك من غير أن تكون ملزما من عندي .
وقوله : ( ستجدني إن شاء الله من الصالحين ) أي إني من الصالحين وستجدني منهم إن شاء الله فالاستثناء متعلق بوجدان موسى إياه منهم لا بكونه في نفسه منهم .
قوله تعالى : ( قال ذلك بيني وبينك أيّما الأجلين قضيت فلا عدوان عليّ والله
على ما نقول وكيل ) (13)
الضمير لموسى عليه السلام .
وقوله : ( ذلك بيني وبينك ) أي ذلك الذي ذكرته وقرّرته من المشارطة والمعاهدة وعرضته عليّ ثابت بيننا ليس لي ولا لك أن نخالف ما شارطناه وقوله : ( أيّما الأجلين قضيت فلا عدوان عليّ ) بيان للأجل المردد المضروب في كلام شعيب عليه السلام وهو قوله ( ثماني حجج وإن أتممت عشرا فمن عندك ) أي لي أن اختار أي الأجلين شئت فإن اخترت الثماني سنين فليس لك أن تعدو عليّ وتلزمني بالزيادة وإن اخترت الزيادة وخدمتك عشرا فليس لك أن تعدو عليّ بالمنع من الزيادة .
1 ـ القصص : الآية 22 . 2 ـ القصص : الآية 23. 3 ـ القصص : الآية 24. 4 ـ القصص : الآية 25 . 5 ـ القصص : الآية 26. 6 ـ القصص : الآية 27. 7 ـ القصص : الآية 28 . 8 و 9 و 10 ـ القصص : الآية 25. 11 ـ القصص : الآية 26 .
قوله تعالى : ( ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل ) قال في المجمع : تلقاء الشيء حذاؤه ، ويقال : فعل ذلك من تلقاء نفسه أي من حذاء داعي نفسه . وقال : سواء السبيل وسط الطريق . ومدين ـ على ما في مراصد الاطلاع ـ مدينة قوم شعيب وهي تجاه تبوك على بحر القلزم ، بينهما ست مراحل ، وهي أكبر من تبوك وبها البئر التي استقى منها موسى لغنم شعيب عليهما السلام .
ويقال : إنه كان بينهما وبين مصر مسيرة ثمان وكانت خارجة من سلطان فرعون ولذا توجه إليها .
لما صرف موسى عليه السلام وجهه بعد الخروج من مصر حذاء مدين قال : أرجو من ربّي أن يهديني وسط الطريق فلا أضلّ بالعدول عنه والخروج منه إلى غيره .
قوله تعالى : ( ولما ورد
ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ) الخ الذود الحبس والمنع ، والمراد بقوله : ( تذودان ) أنهما يحبسان أغنامهما من أن ترد الماء أو تختلط بأغنام القوم كما أن المراد بقوله : ( يسقون ) سقيهم أغنامهم ومواشيهم ، والرعاء جمع الراعي وهو الذي يرعى الغنم .
والمعنى : ولما ورد موسى ماء مدين وجد على الماء جماعة من الناس يسقون أغنامهم ووجد بالقرب منهم مما يليه امرأتين تحبسان أغنامهما وتمنعانها أن ترد المورد قال موسى مستفسرا عنهما ـ حيث وجدهما نذودان الغنم وليس على غنمهما رجل : ما شأنكما ؟ قالتا لا نسقي غنمنا أي عادتنا ذلك يصدر الراعون ويخرجوا أغنامهم وأبونا شيخ كبير ـ لا يقدر أن يتصدّى بنفسه أمر السقي ولذا تصدينا الأمر .
قوله تعالى : ( فسقى لهما ثم تولى إلى الظل وقال ربّ إنّي لما أنزلت إلي من خير فقير ) فهم عليه السلام من كلامهما أن تأخرهما في السقي نوع تعفف وتحجب منهما وتعد من الناس عليهما فبادر إلى ذلك وسقى لهما .
وقوله : ( ثم تولى إلى الظلّ وقال ربّ إنّي لما أنزلت إليّ من خير فقير ) أي انصرف إلى الظل ليستريح فيه والحرّ شديد وقال ما قال ، وقد حمل الأكثرون قوله : ( ربّ إني لما أنزلت ) الخ على سؤال طعام يسدّ به الجوع ، وعليه فالأولى أن يكون المراد بقوله : ( ما أنزلت إليّ ) القوة البدنية التي كان يعمل بها الأعمال الصالحة التي فيها رضى الله كالدفاع عن الإسرائيلي والهرب من فرعون بقصد مدين وسقي غنم شعيب واللام في ( لما أنزلت ) بمعنى إلى وإظهار الفقر إلى هذه القوة التي أنزلها الله إليه
من عنده بالإفاضة كناية عن إظهار الفقر إلى شيء من الطعام تستبقى به هذه القوة النازلة الموهوبة .
قوله تعالى : ( فجاءته إحداهما تمشي على استحياء ((8) إلى آخر الآية .
ضمير إحداهما للمرأتين ، وتنكير الاستحياء للتفخيم والمراد يكون مشيها على استحياء ظهور التعفف من مشيّتها ، وقوله : ( ليجزيك أجر ما سقيت لنا ) (9) ما مصدرية أي ليعطيك جزاء سقيك لنا ، وقوله : ( فلما جاءه وقصّ عليه القصص قال لا تخف ) (10) الخ يلوّح إلى أن شعيبا استفسره حاله فقص عليه قصته فطيّب نفسه بأنه نجى منهم إذ لا سلطان لهم على مدين . قوله تعالى : ( قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القويّ الأمين ) (11) إطلاع الاستيجار يفيد أن المراد استخدامه لمطلق حوائجه التي تستدعي من يقوم مقامه وإن كانت العهدة باقتضاء المقام رعي الغنم .
وقوله : ( إن خير من استأجرت ) استأجره لأنه قويّ أمين وخير من استأجرت هو القويّ الأمين .
قوله تعالى : ( قال إني أريد أن أُنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج ) (12) الخ ، عرض من شعيب لموسى عليه السلام أن يأجره نفسه ثماني سنين أو عشرا قبال تزويجه إحدى ابنتيه وليس بعقد قاطع ومن الدليل عدم تعيّن المعقودة في
كلامه عليه السلام .
فقوله : ( إحدى ابنتي هاتين ) دليل على حضورهما إذ ذاك ، وقوله : ( على أن تأجرني ثماني حجج ) أي على أن تأجرني نفسك أي تكون أجيرا لي ثماني حجج .
وقوله : ( فإنّ أتممت عشرا فمن عندك ) أي فإنّ أتممته عشر سنين فهو من عندك وباختيار منك من غير أن تكون ملزما من عندي .
وقوله : ( ستجدني إن شاء الله من الصالحين ) أي إني من الصالحين وستجدني منهم إن شاء الله فالاستثناء متعلق بوجدان موسى إياه منهم لا بكونه في نفسه منهم .
قوله تعالى : ( قال ذلك بيني وبينك أيّما الأجلين قضيت فلا عدوان عليّ والله
على ما نقول وكيل ) (13)
الضمير لموسى عليه السلام .
وقوله : ( ذلك بيني وبينك ) أي ذلك الذي ذكرته وقرّرته من المشارطة والمعاهدة وعرضته عليّ ثابت بيننا ليس لي ولا لك أن نخالف ما شارطناه وقوله : ( أيّما الأجلين قضيت فلا عدوان عليّ ) بيان للأجل المردد المضروب في كلام شعيب عليه السلام وهو قوله ( ثماني حجج وإن أتممت عشرا فمن عندك ) أي لي أن اختار أي الأجلين شئت فإن اخترت الثماني سنين فليس لك أن تعدو عليّ وتلزمني بالزيادة وإن اخترت الزيادة وخدمتك عشرا فليس لك أن تعدو عليّ بالمنع من الزيادة .
1 ـ القصص : الآية 22 . 2 ـ القصص : الآية 23. 3 ـ القصص : الآية 24. 4 ـ القصص : الآية 25 . 5 ـ القصص : الآية 26. 6 ـ القصص : الآية 27. 7 ـ القصص : الآية 28 . 8 و 9 و 10 ـ القصص : الآية 25. 11 ـ القصص : الآية 26 .
تعليق