قال المراغي في تفسيره (30/112): ((فلينظر الانسان مم خلق)) أي فلينظر بعقله ، ليتدبر في مبدأ خلقه ليتضح له قدرة واهبه، وإنه إذا قدر على إنشائه من مواد لم تشمّ رائحة الحياة قط فهو على إعادته أقدر فليعمل بما به يسر حين الاعادة .
ثم أجاب عن هذا السؤال بقوله : (( خلق من ماء دافق، يخرج من بين الصلب والترائب )) أي خلق من ماء مدفوق يخرج من الظهر والترائب لكل من الرجل والمرأة ، فهو إنما يكون مادة لخلق الإنسان إذا خرج من بين الرّجل والمرأة ووقع في رحم المرأة .
والخلاصة ـ إن الولد يتكوّن من مني مدفوق من الرجل ، فيه جرثومة حية دقيقة لا ترى إلا بالالة المعظمة (الميكرسكوب) ، ولا تزال تجري حتى تصل إلى جرثومة نظيرتها من جراثيم المرأة وهي البويضة ، ومتى التقت الجرثومتان اتحدتا وكونتا جرثومة جنين...
قال الله تعالى : (( فلينظر الإنسان مم خلق , خلق من ماء دافق ، يخرج من بين الصلب والترائب )) وقال أيضا: (( ونقر في الأرحام ما نشاء الى أجل مسمى ))
إعلم أخي وفقك الله، ان في هاتين الآيتين وما شاكلهما من الآيات سرا من أسرار التنزيل ووجها من وجوه إعجازه ، إذ فيهما معرفة حقائق علمية تأخر العلم بها والكشف عن معرفتها وإثباتها ثلاثة عشر قرناً .
بيان هذا : أن صلب الإنسان هو عموده الفقري (سلسلة ظهره) وترائبه هي عظام صدره، ويكاد معناها يقتصر على حافة الجدار الصدري السفلى .
وإذا رجعنا إلى علم الأجنة وجدنا في منشأ خصية الرجل ومبيض المرأة ما يفسر لنا هذه الآيات التي حيرت الألباب ، وذهب فيها المفسرون مذاهب شتى على قدر ما أوتي كل منهم من علم ، وإن كان بعيدا عن الفهم الصحيح والرأي السديد .
ذاك أنه في الأسبوع السادس والسابع من حياة الجنين في الرحم ينشأ فيه ما يسمى (جسم وولف وقنانة) على كل جانب من جانبي العمود الفقري ، ومن جزء من هذا تنشأ الكلى وبعض الجهاز البولي ، ومن جزء آخر تنشأ الخصية في الرجل والمبيض في المرأة .
فكل من الخصية والمبيض في بدء تكوينهما يجاور الكلى ويقع بين الصلب والترائب ، أي ما بين منتصف العمود الفقري تقريبا ومقابل أسفل الاضلاع . ومما يفسر لنا صحة هذه النظرية أن الخصية والمبيض يعتمدان في نموهما على الشريان الذي يمدهما بالدم ، وهو يتفرع من الشريان الأورطي في مكان يقابل مستوى الكلى الذي يقع بين الصلب والترائب ، ويعتمدان على الاعصاب التي تمد كلا منهما وتتصل بالضفيرة الأورطية ثم بالعصب الصدري العاشر ، وهو يخرج من النخاع من بين الضلع العاشر والحادي عشر ، وكل هذه الأشياء تأخذ موضعها في الجسم فيما بين الصلب والترائب .
فإذا كانت الخصية والمبيض في نشأتهما وفي إمدادهما بالدم الشرياني وفي ضبط شئونهما بالأعصاب قد اعتمدتا في ذلك كله على مكان في الجسم يقع بين الصلب والترائب فقد استبان صدق ما نطق به القرآن الكريم ، وجاء به رب العالمين, ولم يكشفه العلم إلا حديثا بعد ثلاثة عشر قرنا من نزول ذلك الكتاب .
هذا، وكل من الخصية والمبيض بعد كمال نموه يأخذ في الهبوط الى مكانه المعروف، تهبط الخصية حتى تأخذ مكانها في الصفن ، ويهبط المبيض حتى يأخذ مكانه في الحوض بجوار بوق الرحم .
وقد يحدث في بعض الأحيان الا تتم عملية الهبوط هذه ، فتقف الخصية في طريقها ولا تنزل الى الصفن ، فتحتاج الى عملية جراحية حتى تصل الى وضعها في الموضع الطبيعي .
هذا ، والإنسان يبدأ حياته جنينا ، والجنين يتكوّن من تلقيح بويضة تخرج من المبيض مندفقة نحو بوق الرحم بالحيوان المنوى الذي تفرزه خصية الرجل ، ويكون التلقيح في الغالب في داخل احد البوقين أو فيهما معا ، ثم تسير البويضة في طريقها الى الرحم حتى تستقر في قرار مكين الى أجل مسمى .
هذا إذا صادفها أحد الحيوانات المنوية ، أما إذا أخطأها التلقيح فتكون ضمن الإفرازات الرحمية التي تطرد في خارج الجسم . ومما يلاحظ أن إفراز البويضات عند المرأة هو عملية فسيولوجية شهرية لا علاقة لها بالاجتماع الجنسي ، غير أن هذا الاجتماع ضروري لعملية التلقيح بالحيوان المنوي الذي يسبح في ماء الرجل .
ومما سبق تعلم ان الماء الدافق يكون من كل من الرجل والمرأة : أما ماء الرجل فيتكون من الحيوانات المنوية وسوائل أخرى تفرزها الخصية والبروستانة والحويصلات المنوية ، وهذه السوائل كلها جعلت مباءة ومستقرا للحيوان المنوي الذي بدونه لا يتم التلقيح .
وهكذا الحال في البيوضات التي يفرزها مبيض المرأة ، فإنها بعد ان تكون في المبيض على شكل حويصلة صغيرة تسمى حويصلة (جراف) تنمو وتبلغ أشدها في نحو شهر حتى تقترب ومن المبيض ثم تنفجر كما تنفجر الفقاعة وتندفع منها البويضات مع السائل الذي خرج من الفقاعة الى البوق حيث يقابلها حيوان منوي يقوم بعملية التلقيح، وكلا الماءين ماء الرجل وماء المرأة دافق ، أي ينصب مندفعا ، وهذا هو الحاصل فعلا .
ومن هذا يتبين بوضوح أن الإنسان خلق ونشأ من الماء الدافق (ماء الرجل وأهم ما فيه الحيوان المنوي، وماء المرأة وأهم ما فيه البويضة ) الذي ينصب مندفعا من عضوين هما الخصية والمبيض ، ومنشؤهما وغذاؤهما وأعصابهما كلها بين الصلب والترائب، وقد ثبت في علم الأجنة ان البويضة ذات الخلية الواحدة تصير علقة ذات خلايا عدة، ثم تصير العلقة مضغة ذات خلايا أكثر عددا ، ثم تصير المضغة جنيا صغيرا وزعت خلاياه الى طبقات ثلاث يخرج من كل طبقة منها مجموعة من الأنسجة المتشابهة في أول الأمر ، فإذا تم نموها كونت جسم الإنسان .
إعـــــــلان
تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.
معنى قوله تعالى (يخرج من بين الصلب والترائب)
تقليص
X