شكوى الامام علي عليه السلام عند قبر الزهراء
رَوى عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْهُرْمُزَانِيُّ ، عَنْ الإمام أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ
( عليه السَّلام ) أنَّهُ قَالَ : لَمَّا قُبِضَتْ فَاطِمَةُ ( عليها السلام ) دَفَنَهَا
أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ سِرّاً وَ عَفَا عَلَى مَوْضِعِ قَبْرِهَا ، ثُمَّ قَامَ فَحَوَّلَ وَجْهَهُ إِلَى قَبْرِ
رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ) فَقَالَ : " السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَنِّي ،
وَ السَّلَامُ عَلَيْكَ عَنِ ابْنَتِكَ وَ زَائِرَتِكَ وَ الْبَائِتَةِ فِي الثَّرَى بِبُقْعَتِكَ ، وَ الْمُخْتَارِ
اللَّهُ لَهَا سُرْعَةَ اللِّحَاقِ بِكَ ، قَلَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَنْ صَفِيَّتِكَ صَبْرِي ، وَ عَفَا عَنْ سَيِّدَةِ نِسَاءِ
الْعَالَمِينَ تَجَلُّدِي ، إِلَّا أَنَّ لِي فِي التَّأَسِّي بِسُنَّتِكَ فِي فُرْقَتِكَ مَوْضِعَ تَعَزٍّ ، فَلَقَدْ وَسَّدْتُكَ فِي
مَلْحُودَةِ قَبْرِكَ ، وَ فَاضَتْ نَفْسُكَ بَيْنَ نَحْرِي وَ صَدْرِي ، بَلَى وَ فِي كِتَابِ اللَّهِ لِي أَنْعَمُ
الْقَبُولِ إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ .
قَدِ اسْتُرْجِعَتِ الْوَدِيعَةُ ، وَ أُخِذَتِ الرَّهِينَةُ ، وَ أُخْلِسَتِ الزَّهْرَاءُ [1] ، فَمَا أَقْبَحَ الْخَضْرَاءَ
وَ الْغَبْرَاءَ [2] .
يَا رَسُولَ اللَّهِ
، أَمَّا حُزْنِي فَسَرْمَدٌ ، وَ أَمَّا لَيْلِي فَمُسَهَّدٌ ، وَ هَمٌّ لَا يَبْرَحُ مِنْ قَلْبِي أَوْ يَخْتَارَ اللَّهُ لِي
دَارَكَ الَّتِي أَنْتَ فِيهَا مُقِيمٌ ، كَمَدٌ مُقَيِّحٌ ، وَ هَمٌّ مُهَيِّجٌ ، سَرْعَانَ مَا فَرَّقَ بَيْنَنَا ، وَ إِلَى اللَّهِ أَشْكُو ،
وَ سَتُنْبِئُكَ ابْنَتُكَ بِتَظَافُرِ أُمَّتِكَ عَلَى هَضْمِهَا ، فَأَحْفِهَا السُّؤَالَ [3] ، وَ اسْتَخْبِرْهَا الْحَالَ ، فَكَمْ مِنْ غَلِيلٍ مُعْتَلِجٍ بِصَدْرِهَا لَمْ تَجِدْ إِلَى بَثِّهِ سَبِيلًا ، وَ سَتَقُولُ وَ يَحْكُمُ
اللَّهُ وَ هُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ .
سَلَامَ مُوَدِّعٍ
لَا قَالٍ وَ لَا سَئِمٍ ، فَإِنْ أَنْصَرِفْ فَلَا عَنْ مَلَالَةٍ ، وَ إِنْ أُقِمْ فَلَا عَنْ سُوءِ ظَنٍّ بِمَا
وَعَدَ اللَّهُ الصَّابِرِينَ ، وَاهَ وَاهاً [4] وَ الصَّبْرُ أَيْمَنُ وَ أَجْمَلُ ، وَ لَوْ لَا غَلَبَةُ الْمُسْتَوْلِينَ
لَجَعَلْتُ الْمُقَامَ وَ اللَّبْثَ لِزَاماً مَعْكُوفاً ، وَ لَأَعْوَلْتُ إِعْوَالَ الثَّكْلَى عَلَى جَلِيلِ الرَّزِيَّةِ ، فَبِعَيْنِ اللَّهِ تُدْفَنُ ابْنَتُكَ سِرّاً ، وَ تُهْضَمُ حَقَّهَا ، وَ تُمْنَعُ إِرْثَهَا ، وَ لَمْ يَتَبَا
عَدِ الْعَهْدُ ،
وَ لَمْ يَخْلَقْ
مِنْكَ الذِّكْرُ ، وَ إِلَى اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ الْمُشْتَكَى ، وَ فِيكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحْسَنُ الْعَزَاءِ
، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ ، وَ عَلَيْهَا السَّلَامُ وَ الرِّضْوَانُ " [5] .
[1] أي اختطفت بسرعة و على غفلة .
[2] المراد بالخضراء السماء لأنها تعطي الخضرة ، و بالغبراء الأرض لأنها تعطي الغبرة في لونها ( مجمع البحرين : 3 / 288 ، للعلامة فخر الدين بن محمد الطريحي ، المولود سنة : 979 هجرية بالنجف الأشرف / العراق ، و المتوفى سنة : 1087 هجرية بالرماحية ، و المدفون بالنجف الأشرف / العراق ، الطبعة الثانية سنة : 1365 شمسية ، مكتبة المرتضوي ، طهران / إيران ) .
[3] الحفي : المستقصي بالسؤال عن الشيء ، و أحفى فلان في المسألة : إذا ألح فيها و بالغ ، فمعنى كلام أمير المؤمنين ( عليه السَّلام ) " أحفها السؤال " أي استقصها فيه تحكي لك ما صدر من المنافقين و أعداء الدين . ( راجع مجمع البحرين : 1 / 103 ) .
[4] قال الجوهري : و إذا تعجبت من طيب الشيء قلت واها له ما أطيبه ( مجمع البحرين : 6 / 367 ) .
[5] الكافي : 1 / 459 ، للشيخ أبي جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكُليني ، المُلَقَّب بثقة الإسلام ، المتوفى سنة : 329 هجرية ، طبعة دار الكتب الإسلامية ، سنة : 1365 هجرية / شمسية ، طهران / إيران .
دمتم في رحاب محمد وآل محمد ’’’
تعليق