أهمية التربية
لم يعد اعتبار التربية موضوعا يشغل الاهتمام وجدير بالبحث ، بل وحتى في حياتنا العلمية نجد أن هذا الموضوع لا يشغل محافلنا العلمية بالقدر الذي يناسب أهميته .
وهذه أحدى افرازات واقعنا المتخلف الذي نعيشه بصوره المتعددة .
إن الطفل عالم من المجاهيل المعقدة كعالم البحار الواسع الذي كلما خاضه الباحثون ، كلما وجدوا فيه كنوزا وحقائق علمية جديدة ، لازالت مخفية عنهم ، وذلك لضعف وضيق ادراكهم المحدود من جهة ، واتساع نطاق هذا العالم من جهة أخرى . إننا عندما نتكلم عن الطفل فإننا نتكلم عن الشاب بعد 15 عاماً ، وعن الرجل المسؤول بعد 30 عاماً وعن العالم أو المفكر أو المرجع بعد 50 عاماً وعندما نتكلم عن هؤلاء إنما نتكلم عن الرجل الذي سيتحمل المسؤولية الإلهية الملقاة على كاهل الإنسان كما يشير إلى ذلك القرآن .
« إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الانسان .. » (1) .
إننا نتكلم عن الشخص الذي يجب أن يتحمل عبء الرسالة ، ويحمل مسؤولية المشاركة في بناء الحضارة الإسلامية ، ولن يبقى طفلاً مدى الحياة كما يتصور جهلا كثير من الآباء والأمهات .
ألم يكن كل عظماء التاريخ أطفالاً ؟ ألم يكن كل زعماء الحضارات أطفالاً ؟ ألم يكن كل مفكري وعلماء العالم أطفالاً ؟ ألم يكن كل من على الارض في يوم من الأيام أطفالاً ؟ ألم تكن أنت طفلاً ؟!
بلى كلهم كانوا أطفالاً ولكنهم وجدوا من يستغل كنوزهم الفطرية ويرعى مواهبهم المودعة بداخلهم من خلال تربية واعية حكيمة .
ورد عن الامام الحسن (ع) : أنه دعا بنيه وبني أخيه فقال :« إنكم صغار قوم ويوشك أن تكونوا كبار قوم آخرين فتعلموا العلم فمن لم يستطع منكم أن يحفظه فليكتبه وليضعه في بيته » (2) .
وعن الامام علي (ع) : « من لم يتعلم في الصغر لم يتقدم في الكبر » (3) .
ويشير إلى هذا المعنى طفلاً ذكياً كما في القصة التالية :
لقد كان ابن سينا جالساً عند أحد الحدادين فجاء طفل وسلم على الحداد وقال له : إن أمي تقرؤك السلام وتسألك جمرة توقد بها القدر .
فقال الحداد للطفل : اذهب واحضر اناء أضع لك فيه الجمرة .
لكن منزل الطفل ليس قريباً فتلفت الطفل حواليه ولم يجد شيئا ً يضع فيه الجمرة فتناول حفنة من التراب في يده وقال للحداد : ضع الجمرة على التراب ولن تحرق يدي .
فوضع الحداد الجمرة على التراب وذهب ، فناداه ابن سينا وسأله قائلاً كيف عرفت أن التراب يعزل حرارة الجمرة عن يدك .
فقال الطفل : لا تستغرب فلست أنا وحدي بهذا الذكاء بل إن في بلادنا آلاف الأطفال على درجة من الذكاء ، لكنه قدر لنا أن نصبح من الكادحين ذوي الحرب البسيطة ليبرز مثلك عالماً ليس له منازع ، ثم أدار وجهه وذهب .
إن هذا الطفل أراد أن يقول لابن سينا أنك لست الوحيد بذكائك هذا ، وإنما نحن الكادحين والطبقة المحرومة المظلومة لدينا عناصر بهذا الذكاء ، لكن الظلم بأنواعه ، والفقر ، والجوع ، وسوء توزيع الدخل ، والتي تؤدي بالنهاية إلى سوء التربية وبشكل عام والظروف الاجتماعية والتي هي وليدة الظرف السياسي آنذاك هي التي تحول دون استغلال هذه الطاقات والمواهب ، والتي لو اتيحت لها الفرصة واحيطت بالرعاية لتفتقت أرضها عن شجر طيب الثمار .
إن موضوع التربية من الأهمية بمكان بحيث أن « سر كل حضارة من الحضارات نظام تربوي يعد الأجيال لصنع تاريخ أمة » (4) .
وإذا تصفحنا التاريخ وجدناه يثبت هذه الحقيقة .
يقول كونفيشيوس فيلسوف الصين الكبير ( 551 ـ 478 ) ق. م « الطبيعة هي ما منحنا إياه الإله والسير بمقتضى شروط الطبيعة هو السير في صراط الواجب وادارة هذا الصراط وتنظيمه هو القصد من التربية والتعليم » .
ويرى أرسطو ( 384 ـ 322 ) ق.م . أن اعتماد الحضارة اليونانية إنما كان على التربية فيقول : « توجد هناك نقطة واحدة يستحق الاسبراطيون من أجلها الثناء ، وهي أنهم كانوا يعتنون كل الاعتناء بتربية أطفالهم بصورة عملية تناسب محيطهم ، ويقصد أرسطو بذلك التربية على السمو ، والقوة ، والصبر . والفداء في سبيل الوطن وبناء الحضارة .
وأما في الحضارة الأوروبية فنجدهم أيضا يؤكدون على دور التربية ، بولس فير ( 1349 ـ 1420 ) م استاذ في جامعة ( بادوا ) : « بالدراسات يمكننا أن ندرك الفضيلة والحكمة ونمارسها ، تلك هي التربية التي تعمل على أن تستدعي وتدرب وتنمي أعظم المواهب العقلية والجسمية التي تشرف الإنسان ويضعها العقلاء في المرتبة الثانية من الكرامة بعد الفضيلة مباشرة » .
إذن فهذا الموضوع هو موضوع بحث الحضارات منذ أن وجدت وحتى الآن ، مما يكشف عن أهمية هذا الموضوع المفقود في واقعنا .
يقول الإمام الصادق (ع) : « قال لقمان : يا بني إن تأدبت صغيراً انتفعت به كبيراً . ومن عني بالأدب اهتم به ومن اهتم به تكلف علمه ، ومن تكلف علمه اشتد له طلبه ، ومن اشتد له طلبه أدرك به منفعته » (5) .
إننا نستطيع القول إن الحياة التي يعيشها كل إنسان ونقصد نوعيتها من حيث الفشل أو النجاح والسعادة أو الشقاء ، قد تعتمد بشكل كبير على الإدراكات والمواقف الحاصلة له أيام طفولته ، وإن شطراً كبيراً من المشاكل والمآسي والانحرافات الخلقية الذي يعيشه شبابنا ، إنما يعود إلى سقمالأساليب التربوية المتبعة بحقهم .
بل نستطيع القول إلى حد ما أن المشاكل التي يعيشها العالم بأسره إنما تعود إلى نوعية التربية التي تلقاها قادة هذا العالم في أيام طفولتهم ، وبنظرة فاحصة إلى التربية التي تلقاها هتلر أيام طفلولته تترجم هذه الحقائق إذن فجزء كبير من عوامل سعادة الإنسان والمجتمع أو شقاء يعود إلى نوعية التربية المتبعة معهم في دور الطفولة .
إن الباحثين في الدول الكبرى اليوم يخضعون الطفل لدراسات ورقابة دقيقة بغية الوصول إلى أفضل الطرق للتعامل مع هذا المخلوق المهم والغريب للوصول إلى أفضل النتائج الممكنة واستغلال أقصى طاقاته ومواهبه ، وبشكل مختصر فإن هذا الموضوع يحتل مكانة كبيرة ومرموقة ومهمة في سلم أولويات الفكر البشري في الماضي والحاضر والمستقبل .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة الأحزاب ، الآية : 72 .
(2) بحار الأنوار : ج 2 ص 152 ح 37 .
(3) غرر الحكم : ص 445 ح 9037 .
(4) منهج التربية ( على الأديب ) ص 8 .
(5) بحار الأنوار : ج 13 ص 411 .
المصدر : كتاب / بناء الاسرة الفاضلة / عبد الله احمد
لم يعد اعتبار التربية موضوعا يشغل الاهتمام وجدير بالبحث ، بل وحتى في حياتنا العلمية نجد أن هذا الموضوع لا يشغل محافلنا العلمية بالقدر الذي يناسب أهميته .
وهذه أحدى افرازات واقعنا المتخلف الذي نعيشه بصوره المتعددة .
إن الطفل عالم من المجاهيل المعقدة كعالم البحار الواسع الذي كلما خاضه الباحثون ، كلما وجدوا فيه كنوزا وحقائق علمية جديدة ، لازالت مخفية عنهم ، وذلك لضعف وضيق ادراكهم المحدود من جهة ، واتساع نطاق هذا العالم من جهة أخرى . إننا عندما نتكلم عن الطفل فإننا نتكلم عن الشاب بعد 15 عاماً ، وعن الرجل المسؤول بعد 30 عاماً وعن العالم أو المفكر أو المرجع بعد 50 عاماً وعندما نتكلم عن هؤلاء إنما نتكلم عن الرجل الذي سيتحمل المسؤولية الإلهية الملقاة على كاهل الإنسان كما يشير إلى ذلك القرآن .
« إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الانسان .. » (1) .
إننا نتكلم عن الشخص الذي يجب أن يتحمل عبء الرسالة ، ويحمل مسؤولية المشاركة في بناء الحضارة الإسلامية ، ولن يبقى طفلاً مدى الحياة كما يتصور جهلا كثير من الآباء والأمهات .
ألم يكن كل عظماء التاريخ أطفالاً ؟ ألم يكن كل زعماء الحضارات أطفالاً ؟ ألم يكن كل مفكري وعلماء العالم أطفالاً ؟ ألم يكن كل من على الارض في يوم من الأيام أطفالاً ؟ ألم تكن أنت طفلاً ؟!
بلى كلهم كانوا أطفالاً ولكنهم وجدوا من يستغل كنوزهم الفطرية ويرعى مواهبهم المودعة بداخلهم من خلال تربية واعية حكيمة .
ورد عن الامام الحسن (ع) : أنه دعا بنيه وبني أخيه فقال :« إنكم صغار قوم ويوشك أن تكونوا كبار قوم آخرين فتعلموا العلم فمن لم يستطع منكم أن يحفظه فليكتبه وليضعه في بيته » (2) .
وعن الامام علي (ع) : « من لم يتعلم في الصغر لم يتقدم في الكبر » (3) .
ويشير إلى هذا المعنى طفلاً ذكياً كما في القصة التالية :
لقد كان ابن سينا جالساً عند أحد الحدادين فجاء طفل وسلم على الحداد وقال له : إن أمي تقرؤك السلام وتسألك جمرة توقد بها القدر .
فقال الحداد للطفل : اذهب واحضر اناء أضع لك فيه الجمرة .
لكن منزل الطفل ليس قريباً فتلفت الطفل حواليه ولم يجد شيئا ً يضع فيه الجمرة فتناول حفنة من التراب في يده وقال للحداد : ضع الجمرة على التراب ولن تحرق يدي .
فوضع الحداد الجمرة على التراب وذهب ، فناداه ابن سينا وسأله قائلاً كيف عرفت أن التراب يعزل حرارة الجمرة عن يدك .
فقال الطفل : لا تستغرب فلست أنا وحدي بهذا الذكاء بل إن في بلادنا آلاف الأطفال على درجة من الذكاء ، لكنه قدر لنا أن نصبح من الكادحين ذوي الحرب البسيطة ليبرز مثلك عالماً ليس له منازع ، ثم أدار وجهه وذهب .
إن هذا الطفل أراد أن يقول لابن سينا أنك لست الوحيد بذكائك هذا ، وإنما نحن الكادحين والطبقة المحرومة المظلومة لدينا عناصر بهذا الذكاء ، لكن الظلم بأنواعه ، والفقر ، والجوع ، وسوء توزيع الدخل ، والتي تؤدي بالنهاية إلى سوء التربية وبشكل عام والظروف الاجتماعية والتي هي وليدة الظرف السياسي آنذاك هي التي تحول دون استغلال هذه الطاقات والمواهب ، والتي لو اتيحت لها الفرصة واحيطت بالرعاية لتفتقت أرضها عن شجر طيب الثمار .
إن موضوع التربية من الأهمية بمكان بحيث أن « سر كل حضارة من الحضارات نظام تربوي يعد الأجيال لصنع تاريخ أمة » (4) .
وإذا تصفحنا التاريخ وجدناه يثبت هذه الحقيقة .
يقول كونفيشيوس فيلسوف الصين الكبير ( 551 ـ 478 ) ق. م « الطبيعة هي ما منحنا إياه الإله والسير بمقتضى شروط الطبيعة هو السير في صراط الواجب وادارة هذا الصراط وتنظيمه هو القصد من التربية والتعليم » .
ويرى أرسطو ( 384 ـ 322 ) ق.م . أن اعتماد الحضارة اليونانية إنما كان على التربية فيقول : « توجد هناك نقطة واحدة يستحق الاسبراطيون من أجلها الثناء ، وهي أنهم كانوا يعتنون كل الاعتناء بتربية أطفالهم بصورة عملية تناسب محيطهم ، ويقصد أرسطو بذلك التربية على السمو ، والقوة ، والصبر . والفداء في سبيل الوطن وبناء الحضارة .
وأما في الحضارة الأوروبية فنجدهم أيضا يؤكدون على دور التربية ، بولس فير ( 1349 ـ 1420 ) م استاذ في جامعة ( بادوا ) : « بالدراسات يمكننا أن ندرك الفضيلة والحكمة ونمارسها ، تلك هي التربية التي تعمل على أن تستدعي وتدرب وتنمي أعظم المواهب العقلية والجسمية التي تشرف الإنسان ويضعها العقلاء في المرتبة الثانية من الكرامة بعد الفضيلة مباشرة » .
إذن فهذا الموضوع هو موضوع بحث الحضارات منذ أن وجدت وحتى الآن ، مما يكشف عن أهمية هذا الموضوع المفقود في واقعنا .
يقول الإمام الصادق (ع) : « قال لقمان : يا بني إن تأدبت صغيراً انتفعت به كبيراً . ومن عني بالأدب اهتم به ومن اهتم به تكلف علمه ، ومن تكلف علمه اشتد له طلبه ، ومن اشتد له طلبه أدرك به منفعته » (5) .
إننا نستطيع القول إن الحياة التي يعيشها كل إنسان ونقصد نوعيتها من حيث الفشل أو النجاح والسعادة أو الشقاء ، قد تعتمد بشكل كبير على الإدراكات والمواقف الحاصلة له أيام طفولته ، وإن شطراً كبيراً من المشاكل والمآسي والانحرافات الخلقية الذي يعيشه شبابنا ، إنما يعود إلى سقمالأساليب التربوية المتبعة بحقهم .
بل نستطيع القول إلى حد ما أن المشاكل التي يعيشها العالم بأسره إنما تعود إلى نوعية التربية التي تلقاها قادة هذا العالم في أيام طفولتهم ، وبنظرة فاحصة إلى التربية التي تلقاها هتلر أيام طفلولته تترجم هذه الحقائق إذن فجزء كبير من عوامل سعادة الإنسان والمجتمع أو شقاء يعود إلى نوعية التربية المتبعة معهم في دور الطفولة .
إن الباحثين في الدول الكبرى اليوم يخضعون الطفل لدراسات ورقابة دقيقة بغية الوصول إلى أفضل الطرق للتعامل مع هذا المخلوق المهم والغريب للوصول إلى أفضل النتائج الممكنة واستغلال أقصى طاقاته ومواهبه ، وبشكل مختصر فإن هذا الموضوع يحتل مكانة كبيرة ومرموقة ومهمة في سلم أولويات الفكر البشري في الماضي والحاضر والمستقبل .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة الأحزاب ، الآية : 72 .
(2) بحار الأنوار : ج 2 ص 152 ح 37 .
(3) غرر الحكم : ص 445 ح 9037 .
(4) منهج التربية ( على الأديب ) ص 8 .
(5) بحار الأنوار : ج 13 ص 411 .
المصدر : كتاب / بناء الاسرة الفاضلة / عبد الله احمد
تعليق